الخميس, 24-أبريل-2008
الميثاق نت -      د.عبدالرحمن الشامي -
المرحلة دقيقة زمانا ومكانا، ولا تحتمل أي نوع من قصور في الحسابات السياسية، ولا في غيرها من الحسابات الأخرى، فالمخاطر التي تحيط بالأمة عديدة، والتحديات التي توجهها اليوم كبيرة، ومن ثم فإنها تتطلب عقولا ثاقبة الرؤية، وعيونا بعيدة النظر، تتجاوز المسافات المحصورة بما تحت الأقدام، إلى استشراف مستقبل اليمن القريب والبعيد، في ضوء ما تحقق لنا حتى اليوم، وما نطمع في تحقيقه للغد، ونطمع في الوصول إليه في المستقبل القربي والبعيد، ف«إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام».
فإذا كان الوطن، ولا شيء غيره، هو الهمُّ الأول للجميع، ومن ثم فمن المفترض بأن كل الحراك الذي تشهده الساحة الوطنية اليوم هو من ما يصب في نهاية المطاف في خانة الصالح العام لهذا الوطن، سواء في وقته الراهن، أو في مستقبله بأبعاده المختلفة، فمن هذا المنطلق، ولهذه الاعتبارات مجتمعة، فإن المعارضة الوطنية الحقيقية، ينبغي أن تكون دوما في طليعة القوى التي تعمل من أجل تحقيق هذه الغاية، وأن تأتي في مقدمة الداعمين لكل ما من شأنه أن يحقق مصلحة الوطن، وما يترتب عليه دعم بنائه، وتدعيم نهضته، وزيادة أمنه واستقراره، بصرف النظر عن الجهة التي تأتي منها هذه المبادرة، ويتبلور عنها هذا الموقف، طالما كانت الغاية واحدة، هي بناء الوطن، وإعلاء رايته.
ومن هذا المنطلق فإن انتخاب المحافظين الذي سيتم في غضون الأيام القادمة بواسطة أعضاء المجالس المحلية يصب في الاتجاه السابق، ويأتي في توقيته المناسب، ويقع في المسار الديمقراطي الصحيح، لأنه في الأساس يوسع من قاعدة المشاركة السياسية، إذ تسجل اليمن بموجبه مرحلة سباقة في حراكها السياسي على مستوى المنطقة العربية بأكملها، ومن ثم فإن المنتظر هو دعم هذا التوجه من مختلف القوى العديدة على الساحة اليمنية، وأي موقف فردي أو جمعي أو حزبي غير ما سبق يعد خذلانا للمسيرة الديمقراطية اليمنية، وينطوي على إعاقة للحراك السياسي الذي أخذ مكانه منذ ما يربو حتى اليوم على 17 عاما، حين اختارت اليمن التعددية السياسية كخيار سياسي، تنطوي في ظله سائر القوى اليمنية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية.
ومن دون الخوض كثيرا في النظام المركزي الذي أخذت به اليمن كأسلوب إدارة خلال السنوات الماضية وحتى اليوم، شأنها في هذا شأن العديد من الدول في مختلف أرجاء العالم، وبصرف النظر عن ما لهذه التجربة من إيجابيات، وما عليها من سلبيات أخرى، فإن منتهى القول في هذا الخصوص هو أن هذا النظام الإداري قد جاء نتاجا طبيعيا لظروف مكانية وزمانية متعددة، وقد أدى دوره في مراحل مختلفة، لها من الظروف ما يختلف كثيرا عن ما هي عليه الأحوال في وقتنا الراهن، والأهم في هذه القضية هو أنه قد تشكلت لدينا خبرة كافية تجعلنا اليوم قادرين على الانتقال من هذه التجربة في إدارة شؤون البلاد إلى مرحلة أخرى أكثر انفتاحاً على المجتمع، وأكثر مناسبة لظروف الزمان والمكان، وهي الأنفع للأمة والوطن في المرحلة الراهنة، ومن هنا تأتي ضرورة تحقيق هذا الانتقال، وأهمية دعمه، والوقوف إلى جانبه من مختلف الأفراد والقوى السياسية الموجودة على الساحة اليمنية.
فإذا كان الانتقال من المركزية إلى اللامركزية هو أحد المطالب الحالية التي هي موضع اتفاق بين الجميع، لإخراج اليمن من كثير من تعقيدات المرحلة الإدارية الراهنة، ولتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار على نطاق أفقي واسع، فإن الخلاف بعدها ينحصر في التفاصيل الخاصة بآليات التنفيذ، والتي لا يصح أن تعيقنا عن عملية التنفيذ في حد ذاتها، فالآليات متغيرة ومتطورة، وما يتم اتباعه اليوم من المؤكد أنه سيتغير غداً، وفق قانون التغير، وإعمالاً لمنطق التطوير. وأما ما نحتاج إلى التفكير الجاد بشأنه فهو كيفية إخراج هذا التحول السياسي الهام إلى حيز الوجود في أفضل صورة ممكنة، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الخضوع لحتمية الواقع، ومقتضيات الحال، وعدم القفز على الواقع، ولا إحراق المسافات التي لا تقبل الإحراق، فالديمقراطية لم تولد في يوم وليلة مكتملة الأوصاف، ولن يحدث لها هذا في يوم من الأيام، فهي في النهاية نظام فكر إنساني سياسي، يتسم دائماً بالقصور، غير أن انقسامنا حول المطالب الأولى اللازمة لهذا الانتقال السياسي من شأنه أن يعيق تنفيذ عملية انتخاب المحافظين، وإخراجها إلى حيز الوجود في أفضل صورها الممكنة، ومن ثم مراحل التنفيذ التي تلي هذه العملية.
الجميع حكومة ومعارضة ونخبة مثقفة وغيرهم من سائر أفراد المجتمع الآخرين مدعوون إلى مناصرة اليمن في توجهاتها الديمقراطية الحالية الرامية إلى توسيع نطاق المشاركة الإدارية والسياسية على نحو كبير، بحيث تستوعب مزيداً من أبناء الأمة، وتستفيد من جهوده وقدراتهم الذاتية، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار تجنيب هذا الحراك السياسي المتطور كل ما من شأنه إفراغه من مضمونه الحقيقي، فأهمية هذا العمل السياسي الذي تشهده اليمن لأول مرة في تاريخها السياسي يكمن في أنه يؤسس للخطوات التي ستأتي بعده، على طريق التنمية الديمقراطية الطويل، وتعزيز الممارسات السياسية التي ستتم في المستقبل القريب، ومن ثم فإنه يتطلب توفير الضمانات الكافية لإنجاحه، واللازمة لإخراجه إلى أفراد المجتمع اليمني على نحو يعزز ثقتهم في الحراك السياسي الذي تشهده البلاد اليوم، والذي يتنامى فيها يوماً تلو الآخر، والوقوف ضد المتربصين بهذا العمل الوطني الكبير، والإنجاز الديمقراطي الهام.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 09:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-6760.htm