إبراهيم ناصر الجرفي - إن كل المسلمين مطالبون اليوم بتصحيح التشوهات الفكرية التي تعرَّض لها الدين الإسلامي الحنيف خلال المراحل التاريخية المختلفة ، بسبب التدخلات السياسية السلبية في شئونه وتشريعاته وأحكامه ، والتي كانت ولا تزال وستظل تهدف إلى تطويعه وتسخيره في خدمة أصحاب المصالح السياسية والأطماع السلطوية ، والتي كانت ولا تزال وستظل تؤدي إلى صناعة المزيد من الفتن والحروب والصراعات بين أبناء الدين الواحد ، وكانت السبب الرئيسي في حدوث الانحرافات والاعوجاجات والتشوهات في الفكر الديني الإسلامي (الفكر الديني هو نتاج الفكر البشري من اجتهادات وفتاوى وتفسيرات وتأويلات للوحي الإلهي) ، وبالتالي فإن الواجب على كل مسلم السعي الحثيث والصادق لتصحيح وتصويب وتقويم تلك الانحرافات والتشوهات الفكرية ، وذلك من خلال البحث والدراسة والتدبر الموضوعي المجرد من كل الولاءات السياسية والحزبية والمذهبية الضيقة ، والقيام بالمراجعات الفكرية والعقلية ، لتنقية المصادر الدينية مما شابها واختلط بها من أفكار واجتهادات بشرية مخالفة للوحي الإلهي ..
وكذلك السعي لتحرير الدين من براثن السياسة وتدخلاتها السافرة في شئونه ، عن طريق العودة للمنبع الصافي النقي للتشريعات والأحكام ، والمتمثل في كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) ، وكل ما جاء مطابقاً لأهدافه وغاياته السامية في السنة النبوية المطهرة ، وفي اجتهادات وآراء الفقهاء ، كتاب الله تعالى الذي لا يمكن أبداً أن يآتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ، أو عن يمينه أو عن شماله ، كتاب الله تعالى الذي يدعو إلى الشورى ، والسلام ، والمحبة ، والتسامح ، والتعايش السلمي ، والحريات والحقوق الإنسانية ، ذلك الكتاب العظيم القائم على الرؤية الوسطية المعتدلة ، ذات الأبعاد الإنسانية التي تتوافق مع النفسية الإنسانية السوية ، والتي تهدف إلى تحقيق مصالح البشرية وسعادتها وصلاحها في الحياة الدنيا والآخرة ، والتي لا مكان فيها للتشدد والتطرف ، والإرهاب ، والإكراه ، والبغي ، والظلم ، والعدوان ، وكل ما له علاقة بالصفات السلبية والسيئة ..
مع وجوب إظهار الحقيقة التي تؤكد أن الإسلام لا يتحمل من قريب أو من بعيد مسئولية تصرفات أفراد أو جماعات أو أنظمة حكم في أي زمانٍ أو مكان ، انحرفت عن طريق الحق ، وسارت في دروب الشر والطغيان بدوافع سياسية وأطماع دنيوية ومادية لا علاقة لها بالدين.. الجميع مطالبون ببذل الجهد لإظهار الدين الاسلامي بصورته الحقيقية الناصعة ، ولن يتم لنا ذلك إلا إذا تحررنا من ضغوط المصالح السياسية والأطماع السلطوية ، واستطعنا أن ننأى بأنفسنا عن قيود وبراثن التعصبات المذهبية والطائفية البغيضة التي شوهت ديننا وعلاقتنا الروحية مع الله تعالى ، وعكرت صفو علاقاتنا الأخوية كمسلمين.. قال تعالى ((إنما المؤمنون أخوة)) ، وحولت علاقاتنا مع بقية إخواننا في الإنسانية إلى ساحة حرب مفتوحة ومتواصلة ، قال تعالى ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)) ، وشوهت المعالم الحضارية والإنسانية لديننا ومعتقداتنا ومجتمعاتنا وموروثنا التاريخي والحضاري ، وحولت حياتنا إلى كوابيس وصراعات وحروب وفتن لا أول لها ولا آخر ، ولن أبالغ إذا قلت بأن بذل الجهد الفكري والبحثي في هذا السبيل من أكبر وأفضل أنواع الجهاد ، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق .. |