د. أبو بكر القربي - في الذكرى الواحدة والأربعين لتأسيس المؤتمر الشعبي العام سيكتب الكثيرون من اعضائه وانصاره وأيضا من خصومه عن تأريخه وإنجازاته ويتناولون دوره إما بالثناء او بالنقد والإدانة وهذا أمر طبيعي في أجواء الازمة ولكن يجب ألا ينسينا ذلك الحقيقة بأن المؤتمر الشعبي العام أسس ليواجه تعدد الايديولوجيات سواء الوطنية او المستوردة منها من الخارج وبهدف إقامة تنظيم يمني بفكر سياسي وطني يوحد كل القوى في زمن حرمت فيه التعددية لينقذ اليمن من صراع الايديولوجيا وبالذات تلك الموجهة من الخارج ولهذا الهدف تمت صياغة فكر المؤتمر بشراكة العديد من القوى الوطنية والسياسية لتجتمع بعد ذلك في ائتلاف سياسي واحد ملتزم بفكر الميثاق الوطني الذي أنهى صراع المناطق الوسطى وأسهم في تحقيق مرحلة من الاستقرار والتنمية والشراكة في السلطة ومكن في النهاية من تحقيق وحدة الأرض اليمنية.
المؤسف أن الوحدة التي اقترنت بالديمقراطية والتعددية السياسية أدت إلى نهاية الائتلاف السياسي فخرجت عدد من الأحزاب من الشراكة مع المؤتمر في الحكم لتصبح مكونات مستقلة بينما ظل المؤتمر متمسكًا بمبدأ الشراكة مع الآخرين في السلطة ومن هذا المنطلق اصر على تشكيل حكومة ائتلاف بعد انتخابات عام 1993م رغم حصوله على الاغلبية في مجلس النواب ..كان المؤتمر يتعامل مع خصومه كشركاء ولذلك حرص على قبول مطالب التيارات السياسية المتعددة رغم عدم قناعته بها ولم يقم بأي إجراء يتعارض مع مسيرة الديمقراطية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة الامر الذي يظهر في مواقفه أثناء كثير من الازمات السياسية منذ قيام الوحدة وإلى ان سلم السلطة في2012م والتي يشهد له بها الجميع..
هناك من سيجادل في هذا الأمر خاصة أولئك الذين بقوا في مربع العداء للمؤتمر الشعبي وموقف التجاهل لتعامله المنصف مع خصومه بما في ذلك انكار مواقفه التي جنبت اليمن اشتعال حرب اهلية عام 2011م.. ويكفي المؤتمر الشعبي العام اليوم مشاعر اليمنيين الذين يتمنون العودة الى زمن ادارته للدولة التي لم يتعرضوا فيها للإقصاء او الإذلال خاصة بعد أن أدركوا أن قصور إدارة الدولة والفساد الذي مورس في عهده قد فاقه اليوم بكثير الفساد وسوء الادارة الذي يمارسه من تولوا السلطة من بعده الكثير من خصومه..
في الوضع الكارثي الذي يعيشه اليمن اليوم علينا في المؤتمر الشعبي العام قيادات وكوادر ان نخرج من مربع تبادل الاتهامات و اللوم عمًا حدث مع الآخرين واهم من ذلك التخلص من نزعة الثأر والانتقام التي دمرت اليمن وقيم شعبه التي اتسمت بالتسامح والتصالح وثوابتنا في المؤتمر الشعبي المتمسكة بفكر الميثاق الوطني ونهج ادارة الدولة المبني على مبادئ العدالة و المواطنه المتساوية وحرية الاعتقاد والاختلاف في الرأي والتمسك بالنظام الديمقراطي والتعددية السياسية عن قناعة بأن هذه المبادئ تمثل الضمان الحقيقي لاستقرار اليمن ولمكوناته السياسية ونهاية للصراع المسلح على السلطة طالما وباب الوصول اليها يظل مفتوحًا أمام الجميع عبر صناديق الاقتراع .
لقد اثبت المؤتمر الشعبي العام بعد تخليه عن السلطة في2012م قدرته على الصمود والثبات أمام محاولات الاجتثاث والاستقطاب وبقي على موقفه الثابتة والمتمسكة بالحل السياسي وبالحوار لتحقيقه دون استثناء لأحد ورفضه الانجرار خلف المصالح الحزبية أو الشخصية او الوقوع في شرك اغراء السلطة مقابل تنازله عن سيادة اليمن وكرامة اليمنيين.. لاشك ان المؤتمر الشعبي العام كبقية الاحزاب ومكونات المجتمع اليمني تعرض نتيجة الحرب والصراع على السلطة لانقسامات متعددة الاشكال منها الايديولوجي او اختلاف المعتقد او الطموح في السلطة إضافة الى تأثير الولاءات للخارج ومغرياتها مما أفقدها ثقة كوادرها وانصارها بينما بقي المؤتمر رغم ما تعرض له من عوامل التقسيم والاستقطاب قادرًا على مواجهة الاستقطاب نتيجة تماسك قيادته وكوادره في الداخل و مرونتهم في التعامل مع ضغوط الداخل والخارج إضافة إلى ابقائهم باب التواصل مفتوحًا مع الجميع من اجل إنهاء الحرب وإحلال السلام العادل والدائم للجميع.
اليوم والمؤتمر يلج عامه الثاني والأربعين بنضج سياسي اكبر وإدراك للاخطاء التي أسهم فيها الجميع وأوصلت اليمن الى الوضع المأساوي الذي يعيشه ويهدد كيانه ومستقبل اجياله وتأريخه على المؤتمر أن يتحمل مسؤوليته الوطنية في جهود انقاذ اليمن من المزيد من الدمار وفي شراكة وطنية تبدأ بمصالحة وطنية حقيقية من اجل اليمن وشعبه مع التزام الجميع بخلع عباءات الولاء للخارج او تبني ايديولوجيات لا تتماشى مع تراث اليمن وقيم شعبه التي لا تقبل الارتهان لأحد وترفض فكر التطرف والغلو والعمل مع كافة القوى على صياغة حل سياسي للصراع القائم ينطلق من مبادئ الدستور والحفاظ على سيادة اليمن ووحدته ووضع خطوط واضحة لعلاقاته مع الدول وبالذات اشقائه في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذين لم يقبلوا به عضوا في مجلسهم ومع ذلك اصبحوا طرفًا في خلافاته وفي المأساة التي لحقت به .
إن تعقيدات تحقيق حل الصراع في اليمن تحتاج الى مكون قادر على إدارته وتحمل مسؤولية الوصول الى كافة الاطراف ويحظى بقبول وطني ودولي ولتحقيق ذلك لا اجد مكونًا مؤهلًا للقيام بذلك الدور سوى المؤتمر الشعبي العام خاصة لأن ما يهمه اليوم ليس الوصول إلى السلطة وانما استعادة اليمن سلامها وامنها وسيادتها واستعادة اليمني حريته وحقوقه المشروعة في العيش الكريم والحفاظ على كرامته..ومن اجل ذلك على المؤتمر تحمل هذه المسؤولية بتحرك سياسي واسع وطنيًا واقليميا وبشراكة كل القوى السياسية دون استثناء لأحد وبوضح النهار يجمع كل اليمنيين للتصالح الوطني والتوافق على إنهاء الحرب وصياغة وثيقة تحدد مستقبل اليمن وثوابت القوى الوطنية وحماية حقوق اليمنيين الكاملة.
|