دكتور/ سعيد الغليسي❊ - بدايةً نود الإشارة إلى أن هناك جدلاً في السنوات الأخيرة اثاره خصوم المؤتمر نكاية به وبمؤسسه وزعيمه الشهيد علي عبدالله صالح. ويتمثل في أن الرئيس الأسبق ابراهيم الحمدي هو مؤسس المؤتمر وهو من اعد مسودة الميثاق الوطني.
ونود التوضيح ان ذلك غير صحيح وان من يحاولون ترويج تلك الأفكار هم خصوم المؤتمر وبمؤسسه الحقيقي. وياتي ذلك ضمن حملات اعلامية بدأت منذ بداية الانقلاب على المؤتمر الذي كان يحكم البلاد حتى ذلك العام، وهي الحملات التي تحاول شيطنة زعيم المؤتمر ورئيس الدولة اليمنية. والتي سعت إلى شيطنة الرجل والمؤتمر من خلال طمس كل منجزاتهما الوطنية السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والعسكرية والأمنية وغيرها وتنسيب كل تلك المنجزات الوطنية للرئيس الحمدي.
ان كل تلك المحاولات لن تنجح لأنها تنافي الحقيقة التي يعرفها الجميع وعلى رأسهم أولئك الخصوم. ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن كل ما ادعوه وما روجوا له من روايات بعيدة عن الحقيقة التاريخية. وسنكتفي هنا بإظهار حقيقة تاريخية فيما يخص تأسيس المؤتمر الشعبي العام واقرار الميثاق الوطني. وهذه الحقيقة تقول ان فكرة انشاء المؤتمر الشعبي العام والميثاق الوطني هي فكرة الشهيد علي عبدالمغني قائد ثورة 26 سبتمبر ورفاقه، والذين درسوا الوضع اليمني قبل الثورة ووجدوا ان اليمن لن يستقر في ظل وجود تباينات مجتمعية ووجود تيارات سياسية متباينة ووجود مراكز قوى قبلية واجتماعية مختلفة.
ولهذا كانت فكرة احتواء كل ذلك التباين والاختلاف والتناقضات داخل المجتمع اليمني من خلال ايجاد إطار سياسي وشعبي جامع لكل القوى السياسية والقبلية والاجتماعية وحتى الدينية.
كانت تلك هي فكرة قائد ثورة 26 سبتمبر ورفاقه ولكن لم يتمكنوا من تنفيذها بسبب تعرض الثورة والجمهورية لتهديد القضاء عليها ودخولها في صراع مع القوى المضادة داخليا وخارجيا.
وعندما جاء الرئيس ابراهيم الحمدي كانت اليمن تعيش في صراع بين مراكز القوى واستمرت في عهده فنصحه البعض بتنفيذ وتطوير فكرة الشهيد علي عبدالمغني وإنشاء المؤتمر الشعبي العام وكانت الفكرة آنذاك كما كانت عند طرحها بداية الثورة أي خلق اطار سياسي وشعبي يضم كل القوى في المجتمع اليمني على أن تدخل في حوار يفضي إلى الخروج بميثاق يمثل الإجماع الوطني.
وايضاً لم تنجح محاولة الرئيس الحمدي. ولما تولى الرئيس الأسبق على عبدالله صالح الحكم بدء في تنفيذ الفكرة بعد أن طور فيها جانب مهم جدا، وهو ان لا يقتصر الأمر على اخذ رؤى النخبة السياسية والاجتماعية في البلاد في إعداد الميثاق الوطني. بل قرر إشراك الشعب بشكل مباشر بمختلف توجهاته وكان ان شكلت لجان لجميع مناطق المحافظات اليمنية وشارك الجميع في إعداد الميثاق الوطني.
أيضاً تضمن الميثاق رؤية ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية من خلال ابنائها المتواجدين في الشمال والذين كانوا بإعداد كبيرة، وشاركت أيضا قيادات سياسية وحزبية وقبلية جنوبية في عملية اعداد الميثاق الوطني.
تم في هذه العملية الخروج بآلاف الوثائق التي دونت مواقف القاعدة الشعبية اليمنية ودونت أيضا مواقف المكونات والقوى السياسية والحزبية والقبلية والاجتماعية.
ونتج عن كل ذلك تأسيس المؤتمر الشعبي العام وإقرار الميثاق في أغسطس 1982م وسمي بالشعبي العام كونه مقر من عامة الشعب.
واستمر هذا الكيان الشعبي الذي انضوت في إطاره كل القوى اليمنية كمرجعية ملزمة للجميع، وساعد ذلك على استقرار المناطق الشمالية والغربية من اليمن والتي شهدت تنمية وبناء للدولة اليمنية في كافة المجالات.
ومثل المؤتمر الشعبي العام من يومها صمام امان لليمن وتعايش الجميع تحت مظلته. إلى أن نجح المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح في إعادة تحقيق الوحدة المباركة بالشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة المناضل علي سالم البيض وذلك في مايو 1990م.
وفرضت الوحدة واقعا جديدا تمثل في العمل بالتعددية الحزبية في اليمن. فخرجت القوى السياسية التي كانت منضوية في اطار المؤتمر الشعبي العام في المناطق الشمالية والغربية لتشكل كيانات سياسية مستقلة، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين الذين اسسوا يومها حزبا لهم تحت مسمى التجمع اليمني للإصلاح، وقاموا في الوقت نفسه بإبقاء بعض من عناصرهم الفاعلة في إطار المؤتمر الشعبي العام وفق تكتيكهم الرامي إلى الاستحواذ على السلطة في مرحلة قادمة.
تشكلت أيضا أحزاب أخرى في دولة الوحدة والتي كانت في المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن سواء تلك التي كانت منضوية في إطار الجبهة القومية او الحزب الاشتراكي اليمني، أو تلك التي كانت معارضة له.
وبرأيي كانت تلك الخطوة من الأخطاء التي ارتكبت آنذاك، فقد كانت لا تتوافق مع بنية اليمن المجتمعية المعقدة، ولهذا عادت الصراعات المختلفة في اليمن. ولعبت الاحزاب السياسية والقوى الاخرى دوراً بارزاً في عدم الاستقرار في دولة الوحدة، وقد كانت تلك الاحزاب والقوى اهم عوامل الخراب والهدم في اليمن، حيث عملوا منذ ذلك الحين على السيطرة على السلطة بشتى الطرق، وعندما جاء العام 2011م تقاطعت مصالح تلك الاحزاب والقوى مع أهداف الدول الكبرى العالمية والاقليمية في إعادة رسم خارطة الوطن العربي من خلال إسقاط الانظمة الوطنية غير المنبطحة لها ومنها اليمن بقيادة المؤتمر الشعبي العام.
وحدث اتفاق غير مكتوب بين القوى السياسية والقبلية والعسكرية وعلى رأسها الاخوان المسلمين ومشائخ آل الأحمر والجنرال علي محسن الأحمر، وبين القوى الخارجية لاسقاط حكم المؤتمر الشعبي العام والنظام الوطني برئاسة الزعيم علي عبدالله صالح.
وكان صالح والمؤتمر الشعبي يدركان حجم المؤامرة ولهذا قرر الرئيس تنازله عن السلطة حفاظا على الدم اليمني وعدم اراقته.
ومع كل ذلك لم تستقر اليمن بل دخلت في اتون صراعات وحروب مدمرة حتى يومنا هذا.
واتضح واقعاً ان المؤتمر الشعبي العام كان صمام امان هذا البلد، وتأكد أيضا خطأ القائمين على تحقيق الوحدة اليمنية عدم الاستمرار في بقاء المؤتمر الإطار السياسي الجامع لكل المكونات والقوى، وكان بالأحرى الاتفاق على صيغة معينة لدخول القوى السياسية والحزبية والشعبية القادمة من الجنوب في إطار المؤتمر الشعبي العام كونه الأنسب لحالة ووضع المجتمع اليمني بكل تناقضاته.
والآن وبعد ما وصلت اليه اليمن من تناحر وصراع وحروب أظهرت صراعاً جديداً لم تشهده اليمن من قبل وهو أخطر الصراعات المدمرة لأي بلد وهو الصراع الديني بين القوى المتصارعة على الساحة اليمنية الأمر الذي أثر على النسيج الاجتماعي الذي كان متماسكاً وواحداً وكان الشعب اليمني متعايش ولا توجد تباينات مذهبية ولا نعرات طائفية ولا مناطقية ولا قروية وهى الأمراض التي نبذها الميثاق الوطني.
وكل ذلك اثبت اهمية وجود المؤتمر الذي أذاب الاختلافات الدينية، وكان الميثاق الوطني هو الضامن للجميع ولحقوقهم..
ومثل دستوراً شعبياً لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية وتنظيم العلاقة بين مختلف القوى اليمنية بكل تبايناتها.
واستمد المؤتمر الشعبي العام نهجه من مبادئ ذلك الميثاق الوطني الذي ضمن الحريات والحقوق للجميع، وأرسى مبادئ العدالة والتعايش بين الجميع تحت سقف الدولة وسيادة القانون والدولة اليمنية والنظام.
ورفض كل أشكال الصراعات وتمسك بالسلام وافشاء روح الأخوة والمحبة بين الجميع.. والتزم بسياسة خارجية متزنة أساسها السيادة والاستقلال ورفض التبعية للخارج، واقام علاقات حسن جوار مع الإقليم أساسها الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة.. وعلى المستوى الدولي انتهج المؤتمر سياسة الحياد الايجابي وتكوين علاقات تعاون مع المجتمع الدولي لا تتعارض مع مبدأ الاستقلال والخصوصية اليمنية.
الحديث طويل عن الميثاق والمؤتمر وكيف انه أفرد الحقوق للافراد والفئات المجتمعية وكيف أولى اهتماماً بالمرأة والشباب وكل فئات المجتمع، وتحاشياً للاطالة نكتفي بهذا القدر.
وفي الأخير نود التأكيد من خلال استعراضنا السابق، ان الحل لضمان استقرار اليمن هو المؤتمر الشعبي العام، وان تلغى التعددية السياسية، وان يتم احتكام الجميع للميثاق الوطني، والذي شارك في إعداده وكتابته كل مكونات الشعب وكل الاحزاب والقوى المختلفة حيث شارك فيه المرأة والشاب والمثقف والحزبي والقبيلي والسيد ورجال الدين من جميع المذاهب وحتى المهمشين والأهم الخبراء من جميع التخصصات العلمية.
الحل هو المؤتمر والميثاق الوطني الذي يستحيل ان يختلف عليه احد كونه نابعاً من جميع الفرقاء في الساحة السياسية المتواجدة حالياً.
❊ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر - جامعة صنعاء
|