وسام أبو شمالة - ركّزت السياسة الأميركية، في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، على مواجهة التهديد الروسي والمنافس الصيني، وسعت للتهدئة وخفض التصعيد في منطقة الشرق الاوسط، الذي لم يعد في جدول الأولويات الأميركية. وبات حلفاء الولايات المتحدة أكثر خشية وتوجساً من السياسة الجديدة، التي فُسّرت، على نطاق واسع، بأنها تعني تخلياً أميركياً عن نظام الحماية التقليدي، ولاسيما للممالك الخليجية، وسعيَ الولايات المتحدة لعقد اتفاق نووي مع إيران، الأمر الذي سيعظّم مكانتها في الشرق الأوسط، وسيعزز نفوذها الإقليمي على حساب دول المنطقة بصورة عامة، ودول التطبيع بصفة خاصة.
كما عكس الانسحاب الأميركي من أفغانستان تطبيقاً سريعاً لتوجهات السياسة الخارجية الأميركية في عهد جو بايدن، وأكدت مخاوف دول التطبيع من تخلي بايدن عن حماية الحلفاء، وإعلاء المصالح الأميركية، ولو على حساب التحالفات التاريخية/التقليدية.
أدّت الحرب في أوكرانيا إلى تداعيات اقتصادية عالمية، وزادت في معدلات التضخم والغلاء، وأدت إلى أزمات في قطاعي الغذاء والطاقة، وهي الأزمات التي أعقبت جائحة كورونا، الأمر الذي ضاعف آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
تعاطت دول المنطقة وفق مستوى استجابة محدود تجاه الدعوات الأميركية إلى الانضمام إلى قائمة الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، كنوع من رد الفعل، ورسالة معاتبة محسوبة، على التوجهات الأميركية، تجاه المنطقة.
مع ازدياد أزمة العالم الاقتصادية، واستمرار الحرب في أوكرانيا، وتراجع فرص نهاية قريبة لها، وارتفاع مستوى التوتر مع الصين على خلفية قضية تايوان، وفشل توقيع اتفاق نووي مع إيران، قرّر الرئيس بايدن تنظيم زيارة للمنطقة، منتصف الشهر الجاري، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في استثمار التخوفات والهواجس لحلفائها في المنطقة، والعمل على ابتزازهم، اقتصادياً وسياسياً، في مقابل إعادة تأكيد نظام الحماية، والعمل على تحقيق عدد من الأهداف والمكاسب، الاقتصادية والسياسية، على نحو يخدم مصالح الولايات المتحدة وصراعها من أجل المحافظة على تسيُّدها العالمي كقطب أوحد، وإجهاض مساعي الصين وروسيا، ودول إقليمية وعالمية متعددة، للحد من الهيمنة الأميركية وبناء نظام متعدد الأقطاب.
اقتصادياً، سينجح بايدن في "تعظيم" المكاسب المالية، "الضرائب"، من أنظمة الخليج، عبر توقيع مزيد من الصفقات العسكرية والتجارية معها. وسينجح في فرض مسار يُفضي إلى معالجة، ولو جزئية، لأزمتي النفط والغاز العالميتين، وتحديداً قبل حلول فصل الشتاء، الأمر الذي قد يُفقد السياسة الروسية جزءاً من أوراق الضغط ونقاط القوة في مواجهة حلف الناتو، وعقوباته الاقتصادية.
سياسياً، على صعيد السياسة الدولية، سيضغط بايدن على دول المنطقة للانضمام إلى الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، والحدّ من علاقاتها بالصين، وقد يحذّرها، على نحو واضح، من عواقب تطوير العلاقة بالصين، ودعم الموقف الأميركي تجاه تايوان..
أمّا على صعيد منطقة الشرق الأوسط، فلن يجد بايدن صعوبة في تعزيز مسار التطبيع في المنطقة، في جميع أشكاله، السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والرياضية، بل سيجد حماسة واندفاعة نحو التطبيع مع العدو من دول في المنطقة أكثر من حماسته هو واندفاعه، فالأثر الذي تركته التوجهات الأميركية، وتراجع ترتيب أولويات سياستها الخارجية، دفعا دول التطبيع إلى تعميق علاقاتها بالعدو، على قاعدة تحييد القضية الفلسطينية والعداء لإيران ومحور المقاومة. فزيارة بايدن ستساهم في تأكيد مركزية دور العدو الإسرائيلي في معادلة نظام الحماية لأنظمة المنطقة، وليس فقط مد جسور التطبيع في المنطقة. كما سيؤكد دعمه مسار التنسيق والتعاون، عسكرياً واستخبارياً، بين "إسرائيل" ودول المنطقة، في مواجهة إيران ومحور المقاومة، من دون فرض أيّ التزامات أو حتى تعهدات، على "إسرائيل" تجاه القضية الفلسطينية.
فلسطينياً، لن تحقق الزيارة أيّ مكتسبات سياسية للسلطة الفلسطينية، حتى لو كانت رمزية، وسيسعى بايدن لتطوير المسار الاقتصادي/الأمني بين السلطة والعدو، وقد ينجح في جمع رئيس حكومة العدو يائير لابيد ورئيس السلطة أبي مازن، في لقاء شكلي.
ستعزّز زيارة بايدن الاصطفافات في المنطقة، وستسعى مختلف الأطراف والفاعلين لتطوير علاقاتهم في مواجهة التحديات، الأمر الذي يفرض على محور المقاومة توثيق تحالفه على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة، واستثمار الفرص المتاحة، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات، وإجهاض مسار التطبيع وإفشال مخطَّطاته.
|