الميثاق نت -

الإثنين, 01-مارس-2021
حسن‮ ‬عبدالوارث‮ ‬ -
انتقلتُ مؤخراً الى منزل جديد آخر في صنعاء ، اضطراراً.. صارت ايجارات المنازل في العاصمة - بعد الحرب وتداعياتها ونزوح الملايين اليها - ضرباً من الجنون الهيستيري المطلق، وعرفتُ أن مدينة عدن أصابها الوباء نفسه بعد أن صارت " عاصمة مؤقتة " محتشدة بالإنس والجن من كل طائفة . وأنا منذ عامين لم تطأ قدماي منزلي الخاص في عدن ، لظروف قهرية.. ولذا ، أُفكّر بتأجير شقتي هناك لسداد ايجار الشقة المستأجرة في صنعاء . لعنة الله على من أوصلنا الى هذه الحالة !
كثيرون - في صنعاء بالذات - يخوضون يومياً تجربة الانتقال من منزل الى آخر بسببب ارتفاع الايجارات وندرة المنازل في ظل انخفاض حاد في وتيرة البناء .وبالطبع يواجهون كلفة باهظة في متاعب وأتعاب الانتقال ، عدا ما يتعرض له العفش من خراب وفوضى ، وما يصيب النفس من نكد وضيق ، وما يأتي على الجيب في مقتل . وعلى سبيل المثال : منزلي السابق كان ايجاره خمسين ألفاً فيما الجديد مائة وعشرين ألفاً ! .. واللي مش عاجبه يشرب من البحر .. بس المصيبة أن لا بحرَ في صنعاء !
وقد صرتُ على قناعة مع نفسي الأمَّارة بالفعلة الانتقالية أن هذه المرة ستكون النقلة الأخيرة لا محالة.. بصراحة ، بعد هذا العمر ، لا يجوز الانتقال مرة أخرى الاَّ الى القبر، أما اذا مدَّ الله في عمري ، فلا أراها الاَّ نقلة أخيرة الى منزلي الخاص في عدن والبقاء هناك في حالة تقاعُد دائم عن كل مشاغل ومشاكل الدنيا، فلا أدري كيف يمكن لامرىءٍ أن يُبدع وهو في حالة توتر وقلق دائمين جراء عدم استقراره وثباته في مكان اقامة واحد ، وكأنَّه بحَّار أو رحَّالة أو لاجىء متنقل بين الدول !
أخبرني كاتب عربي صديق ذات مرة أنه بات فاقداً الشعور بالجاذبية وكأنَّه أحد روَّاد الفضاء! فهو من كثرة تنقلاته بين مدن عربية وأوروبية عدة خلال ثلاثة عقود تقريباً ، ومن كثرة تنقلاته بين المطارات والقطارات والموانىء والبواخر والطرقات والأرصفة ، صار لا يشعر بميزة الثبات وصفة السكون على كل صعيد ، نفسي ومادي ، فيزيائي واجتماعي ، عقلي وروحي ، وكلّش!.. ليس له عنوان اقامة دائم.. ليس له رقم هاتف منزلي ثابت.. وليست لديه مكتبة ملمومة في مكان محدد بمنأى عن التمزق والشتات.
وخلال اقامتي في صنعاء منذ النصف الثاني من العام 1990م تنقّلت بين خمسة منازل ، عدا بعض الفنادق أثناء الاشتباكات النارية بين الأخوة الأعداء والتي اندلعت - مثالاً - بين فرقة علي محسن وحرس علي صالح يومها ، وكنتُ حينها مقيماً على خطّ النار بين القوتين الشقيقتين ، وقد تعرّضت العمارة التي أقطنها لعيارات عدة، عدا الطلقات التي أصابت سيارتي التي كانت مركونة بجوار العمارة، والأمر ذاته طال عمارات مجاورة وسيارات بجوارها ، بل وبعض البشر أيضاً، ولم يُصب محسن وصالح بأيّ أذى !
لماذا‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬السرد‮ ‬المُمِل‮ ‬لتفاصيل‮ ‬الخارطة‮ ‬الصنعائية‮ ‬في‮ ‬مسار‮ ‬حياتي‮ ‬خلال‮ ‬ثلاثين‮ ‬عاماً‮ ‬؟
لستُ‮ ‬أدري‮ ‬بالضبط‮.. ‬كل‮ ‬ما‮ ‬أدريه‮ ‬أن‮ ‬من‮ ‬لا‮ ‬يملك‮ ‬بيتاً‮ ‬في‮ ‬وطنه‮ ‬،‮ ‬فهو‮ ‬لا‮ ‬يملك‮ ‬وطناً‮ ‬من‮ ‬الأساس‮!‬
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 09:49 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-60142.htm