الميثاق نت -

الإثنين, 12-أكتوبر-2020
د‮. ‬عبدالوهاب‮ ‬الروحاني -
عندما‮ ‬يداهم‮ ‬الجفاف‮ ‬أرضاً‮ ‬،‮ ‬تستغيث‮ ‬السماء‮ ‬لتكَوِّن‮ ‬مُزناً‮ ‬،‮ ‬وتُرسل‮ ‬مطراً‮ ‬يطفئ‮ ‬الظمأَ‮ ‬،‮ ‬ويبعث‮ ‬في‮ ‬الروح‮ ‬السكينة‮ ‬والامان‮.. ‬
مواسم نزول الامطار هي مواسم الخصب والخير والنماء في ثقافة الكثير من شعوب العالم .. وتكثر في البلدان الماطرة احاديث الناس عن الطقس وتقلباته .. ففي بريطانيا مثلاً يتفاءل الناس كثيراً عندما تمطر بغزارة فيقولون "انها تمطر قططاً وكلابا"، وهو عندهم منطق يعبر عن لحظات‮ ‬الأمل‮ ‬والبشرى‮ .‬
اما الشعوب العربية فهي ربما أكثر شعوب العالم تفاؤلاً بنزول الامطار ، وهي ثقافة نشأت - بالتأكيد - عن طبيعة العلاقة بالانتاح والمناخ الجاف والصحراء .. ولذلك نطلق على المطر اسماء متفائلة كـ"الجود ، والغدق ، والغيث ، والخير ، والرحمة" ..الخ.
ذلك‮ ‬لان‮ ‬الامطار‮ ‬التي‮ ‬تجود‮ ‬بها‮ ‬السماء‮ ‬تحيي‮ ‬النفوس‮ ‬وتزهر‮ ‬الارض‮ ‬،‮ ‬لكنها‮ ‬قد‮ ‬تصيبها‮ ‬أيضاً‮ ‬بكارثة‮.. ‬وتكون‮ ‬بذلك‮ ‬نذير‮ ‬شؤم‮ ‬عند‮ ‬شعوب‮ ‬أخرى‮ ‬تتعرض‮ ‬بسببها‮ ‬غالباً‮ ‬للفيضانات‮ ‬والعواصف‮.. !!‬
وحينما تتحول الامطار إلى كارثة تكون قد "اصابتنا السماء بجار الضبع" - كما كانت تقول العرب قديماً.. أو كما يقولون اليوم اقتداء بالسلف "اللهم حوالينا ولا علينا" .. وهو منطق يعبر عن قسوة وحجم الضرر الذي يصيب الارض ويجرح الانسان .. وربما هو تعبير عن ظلم بظلم.
المهم،‮ ‬الامطار‮ ‬الغزيرة‮ ‬التي‮ ‬تسببت‮ ‬بكوارث‮ ‬غطت‮ ‬الارض‮ ‬والسماء،‮ ‬ومست‮ ‬كثيراً‮ ‬بحياة‮ ‬المواطن‮ ‬اليمني‮ ‬في‮ ‬السهل‮ ‬والجبل‮..‬
‮ * ‬خربت‮ ‬البيوت‮ ‬وهجرت‮ ‬الاسر
‮ * ‬جرفت‮ ‬المزارع‮ ‬في‮ ‬السهول،‮ ‬وخربت‮ ‬المدرجات‮ ‬في‮ ‬الجبال‮ .‬
‮* ‬فجرت‮ ‬السدود‮ ‬وأتت‮ ‬على‮ ‬الحواجز‮ ‬المائية‮ ‬،‮ ‬وحطمت‮ ‬الجسور‮ ‬والممرات‮..‬
هذا المتغير المناخي الذي طرأ على اليمن بهبوب رياح المحيط الموسمية وزلزال تسونامي عام 2004م ، ثم فيضانات حضرموت 2006م مروراً بأعاصير (شابالا وميج) في سقطري 2015م، وحتى الفيضانات التي ضربت البلاد مؤخراً هو تأكيد لقول علماء المناخ:ان هطول الامطار الغزيرة على اليمن‮ ‬سيعيدها‮ ‬الى‮ ‬ما‮ ‬كانت‮ ‬عليه‮ ‬قبل‮ ‬حوالي‮ ‬5000‮ ‬عام‮".‬
ما يعني ان هطول الامطار في غير مواسمها سيتواصل (دون شك) ، ليس بقراءة الكف والفاتحة ، ولا ببركة الدعاء وتعويذات الأولياء والصالحين ، انما بالتغير المناخي ، الذي تتهيأ دول العالم فقيرها وغنيها للتعامل معه ومواجهة كوارثه المحتملة ..
وطالما ان بنا رغبة في العودة الى الوراء في كل شيء .. فالتغير المناخي الجديد يتطلب وضع استراتيجية وطنية ليس لمزيد من إحياء الحرب وتمزيق الوطن وقتل الابرياء ، وانما لإعادة بناء السدود والحواجز المائية التي أتت عليها ..
والسؤال‮ ‬المهم‮ ‬الذي‮ ‬يتبادر‮ ‬للذهن‮ ‬مع‮ ‬التغير‮ ‬المناخي‮ ‬الجديد‮ ‬هو‮: ‬ماذا‮ ‬نحن‮ ‬فاعلون‮ ‬؟‮!‬
لدينا‮ ‬مؤسسات‮ ‬مقسمة‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬الجهات‮ ‬،‮ ‬ولدينا‮ ‬تقريباً‮ ‬خمس‮ ‬حكومات‮ ‬متناثرة‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬الارجاء‮ ‬والاصقاع‮:‬
حكومة‮ ‬بن‮ ‬حبتور‮ ‬
وحكومة‮ ‬آل‮ ‬جابر‮ ‬في‮ ‬الرياض
وحكومات‮ ‬غير‮ ‬معلنة‮ ‬في‮ ‬مأرب،‮ ‬وعدن،‮ ‬وتعز‮ ‬،‮ ‬ثم‮ ‬برلمانان،‮ ‬واحد‮ ‬في‮ ‬صنعاء‮ ‬وآخر‮ ‬في‮ ‬ابو‮ ‬ظبي‮..‬
تُرى‮ ‬ما‮ ‬الذي‮ ‬ستفعله‮ ‬هذه‮ ‬التشكيلة‮ ‬من‮ ‬المؤسسات‮ ‬العملاقة‮ ‬مع‮ ‬هذا‮ ‬المتغير‮ ‬الذي‮ ‬يتهدد‮ ‬سكان‮ ‬السهل‮ ‬والجبل‮..‬؟‮!!‬
‮* ‬هل‮ ‬ستهدّئ‮ ‬من‮ ‬تدفق‮ ‬السيول‮ ‬وغضب‮ ‬الفيضانات‮ ‬ببناء‮ ‬سدود‮ ‬وحواجز‮ ‬جديدة‮ ‬أم‮ ‬ستعيد‮ ‬بناء‮ ‬المتضررة‮ ‬منها؟‮!‬
‮* ‬هل‮ ‬ستنشغل‮ ‬بحماية‮ ‬الوطن‮ ‬وتحصين‮ ‬المواطن‮ ‬من‮ ‬خراب‮ ‬البيوت‮ ‬والتشرد‮ ‬والضياع‮ ‬؟‮! ‬
‮* ‬بماذا‮ ‬ستواجه‮ ‬ما‮ ‬يتهدد‮ ‬سد‮ ‬مأرب‮ ‬من‮ ‬الاخطار‮ ‬القادمة؟‮!‬
‮* ‬هل‮ ‬ستجنب‮ ‬الاسواق‮ ‬والمدن‮ ‬والقرى‮ ‬الغرق‮ ‬الذي‮ ‬وقعت‮ ‬فيه؟‮!‬
‮* ‬هل‮ ‬ستعيد‮ ‬بناء‮ ‬ما‮ ‬هدمته‮ ‬السيول‮ ‬من‮ ‬اسوار‮ ‬وبيوت‮ ‬المدن‮ ‬الاثرية‮ ‬اليمنية؟‮! ‬،‮ ‬ثم‮ ‬هل‮ ‬ستعيد‮ ‬بناء‮ ‬بيت‮ ‬البردوني‮ ‬اجمل‮ ‬بيوت‮ ‬اليمن‮ ‬واكثرها‮ ‬نقاء‮ ‬وطهارة‮ ‬؟‮!‬
اسئلة‮ ‬تبحث‮ ‬عن‮ ‬اجابات‮ ..‬
سد مأرب تهدم بفعل الفيضانات ، وقصة سيل العرم الذي أتى عليه ودمر حضارة سبأ كان سببه التغيرات المناخية ، ولا علاقة له بعبادة الشمس او القمر من دون الله.. فقد حدث سيل العرم قبل مجيئ الاسلام بأكثر من 500 عام.
فاليمنيون لم يعبدوا الاصنام بل كانوا على عبادة إله غيبي واحد اسمه بلغة المسند "ذي سموي" او "المقة" أو إله السماء .. وديانتهم كانت ديانة حمير القديمة ، وكانت في عصرها أرقى وأسمى الديانات روحاً وعقلاً ..
وهنا‮ ‬نحن‮ ‬لا‮ ‬نخشى‮ ‬على‮ ‬حضارة‮ ‬تتهدم‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬على‮ ‬امال‮ ‬تتحطم‮ .. ‬وانما‮ ‬نخشى‮ ‬على‮ ‬ما‮ ‬تبقى‮ ‬من‮ ‬حياة‮ .. ‬فهل‮ ‬لحكوماتنا‮ ‬الموقرة‮ ‬ان‮ ‬تفعل‮ ‬؟‮!‬
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 06:39 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-59371.htm