الميثاق نت -

الثلاثاء, 28-فبراير-2017
عبدالولي المذابي -
سجل التداول السلمي للسلطة آخر ظهور له في اليمن في العام 2012م رغم تشكيك بعض القوى السياسية التي تميل الى تصنيف ما حدث بأنه اخضاع وإجبار للنظام الحاكم المؤتمر الشعبي العام -آنذاك- بالانسحاب من المشهد السياسي تحت وطأة الضغط الشعبي وما يعتبرونه ثورة الشباب إحدى الامتدادات لموجة الفوضى والانقلابات الدموية التي انطلقت في العام 2011م من تونس تحت شعار ثورات «الربيع العربي».
وتناست أو تجاهلت تلك القوى التي تصدرتها جماعة الإخوان المسلمين أن ما حدث في اليمن كان شيئاً مخالفاً لما حدث في غيره من البلدان من حيث الشكل والمضمون وتركيبة المجتمع اليمني وأسلوب إدارة الأزمة ونوعية القوى المشاركة في تلك الفوضى، حيث اختلطت التوجهات المذهبية بالايديولوجيا السياسية والمصالح الاقتصادية والتركيبة القبلية المتقاطعة فيما بينها بشكل لافت لإنتاج واقع سياسي جديد في اليمن يؤسس لصراعات كبيرة ولا محدودة مذهبية وسياسية وتقاسم مصالح كما يظهر اليوم في الواقع اليمني.
والحقيقة الثابتة أن الحزب الحاكم في اليمن آنذاك قرر الدخول في تسوية سياسية سلمية رغم امتلاكه التأييد الشعبي الواسع باعتبار المؤتمر الشعبي العام أكبر التنظيمات السياسية وأقواها في اليمن حتى الآن وكان يمتلك شرعية انتخابية تؤهله لإدارة البلاد وقيادة المؤسسات الدستورية بكل الوسائل التي يدعمها الدستور والقانون، فضلاً عن التأييد الذي يحظى به المؤتمر من المؤسسة العسكرية والأمنية والدعم القبلي الواسع، ولكن المؤتمر اختار الجنوح للسلم واشراك كل القوى السياسية في الحكم حقناً للدماء وتجنباً للفتنة والصراع الذي يدفع فاتورته المواطن اليمني ثمناً باهظاً.
ويحلو لتلك القوى تناسي الوقائع والحقائق الدامغة المؤيدة لهذا الطرح ومنها أن أزمة العام 2011م انتهت بتسوية سياسية بين طرفيها تم التوقيع عليها في الرياض برعاية دولية وخليجية تلخصت بنودها في وثيقة سميت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والتي نصت على منح المؤتمر الشعبي العام منصب رئيس الجمهورية حصل عليه بالتوافق عبدربه منصور هادي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام وأمينه العام، بالاضافة الى كونه نائباً لرئيس الجمهورية وقت التوقيع، كما نصت على منح أحزاب اللقاء المشترك منصب رئيس حكومة الوفاق، ولكنها اختلفت فيما بينها وأتت بشخصية من خارجها هو محمد سالم باسندوة المدعوم من حميد الأحمر أكبر ممولي الاعتصامات في 2011م والذي اشتهر بفساده واستغلال نفوذ والده لتكوين امبراطورية مالية ضخمة في فترة وجيزة لا تتناسب مع عمره أو إمكانات والده.
وعلى الرغم من تنفيذ البنود الأساسية التي نصت عليها المبادرة الخليجية إلاّ أن عملية التطبيق لبقية البنود اعتراها الكثير من التجاوزات والانتهاكات بسبب ضعف شخصية الرئيس الانتقالي وضلوعه في التآمر مع الأطراف الانقلابية مقابل وعود بتمديد ولايته خلافاً لما نصت عليه المبادرة وآليتها المزمنة.. وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الفوضى العارمة التي شهدتها كل محافظات اليمن.
وعودة الى عملية الانتقال السلمي للسلطة، لم تنص المبادرة على إجراءات انتخابات رئاسية غير أن الرئيس علي عبدالله صالح أصر على نقل السلطة عبر انتخابات شعبية كي لا يشارك المؤتمر في تأسيس مرحلة جديدة من الانقلابات والاستيلاء على السلطة بوسائل غير شرعية، وكان من الواضح أن هناك تخوفاً واضحاً من أن تأتي الانتخابات بشخصية أخرى غير عبدربه منصور هادي الذي اتضح فيما بعد أنه خان المؤتمر وكان مشاركاً أساسياً في التآمر عليه وهو ما أكدته مقابلة صحفية مع علي محسن الأحمر أحد الداعمين لفوضى 2011م، وقال لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية إن عبدربه كان على اطلاع بكل التفاصيل منذ بداية الأزمة وشريكاً فيها وهدد بفتح الملفات، ولم يصدر عن هادي أي نفي لتصريحات علي محسن الأحمر.
وبسبب ذلك التخوف تم الاتفاق على اجراء استفتاء على شخصية هادي كرئيس للجمهورية دون أن يكون هناك أي مرشح آخر الى جانبه واشتراط أن يساهم الرئيس علي عبدالله صالح في دعمه لتولي المنصب، وهو ما حدث فعلاً عندما دعا صالح اعضاء المؤتمر وأنصاره لانتخاب هادي خلال تواجده في الولايات المتحدة وهو شرط اضافي تضمنته التسوية.
نقف اليوم بعد خمس سنوات من هذا التاريخ لتقييم ما جرى بعد عملية الانتقال السلمي للسلطة، وما تخللها من أحداث كثيرة بدأت بعملية ممنهجة لتدمير الجيش واضعاف دوره، مروراً بإنتاج صراعات جديدة وضرب القوى السياسية والاجتماعية ببعضها وادخال البلد تحت الوصاية الدولية واخضاعها للبند السابع والتدخل العسكري، وتلى ذلك تنامي الغضب الشعبي ونشوء ثورة مضادة انسلخت من داخل تحالف 2011م ضد نظام حكم الزعيم علي عبدالله صالح.
ولاشك أن التلاعب بالورقة الاقتصادية والأمنية جعل الشعب يقبل مجبراً بتمديد فترة الحكم لهادي سنة اضافية بناء على اتفاق بين القوى السياسية، وكانت تلك الشعرة التي قصمت ظهر الديمقراطية في اليمن.
يبقى الحديث عن مناسبة 27 فبراير قيمة ديمقراطية تستحق الوقوف أمامها لتقييم الاختلالات التي رافقت عملية الانتقال للسلطة وما سبقها من تآمر لإدخال البلد في فوضى لا حدود لها.
ومن المهم الاشارة الى ما تضمنه قرار مجلس الأمن الأخير، ومن ذلك دعوة الفار هادي للتخلي عن السلطة سلمياً، ورغم أن ذلك يخالف بنود المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة والتي نصت على فترة حكم بسنتين فقط، إلاّ أنها تضمنت إشارة ايجابية بضرورة العودة الى التداول السلمي للسلطة وهو نفس الحل الذي اختاره الزعيم علي عبدالله صالح في العام 2011م باعتباره الوسيلة المثلى لحل الأزمة اليمنية، وانهاء التوتر السياسي والعسكري.
وهذه الاشارة تحمل تأكيداً واعترافاً آخر بفشل الحلول الأممية والمقترحات القادمة من خارج اليمن ومنها الحل العسكري الذي اثبت فشلاً ذريعاً في اليمن، بل أنتج مشاكل ومعاناة لا تنتهي للمواطن اليمني الذي تخلى عنه المجتمع الدولي ووقف بصمت مخزٍ أمام المآلات التي انتهت إليها الحرب، وكان المواطن اليمني وحيداً في مواجهة تبعات العدوان والحصار الجائر على اليمن والتدمير المنظم لكل مقدرات الشعب وموارده والبنى التحتية للمجتمع.
خلاصة القول.. إن الانقلابات لا تؤسس للديمقراطية لأنها تنطوي على كفر بالديمقراطية وعدم القبول بالآخر ولا تلبث أن تكشف عن سوءاتها ابتداءً بالنيل من حريات وحقوق الآخرين، وانتهاءً بالتآكل من داخلها وانتاج شلالات من الدماء، فضلاً عن تدمير مقدرات المجتمع وتوسيع رقعة الفقر والتخلف وإعادة البلد عشرات السنين الى الوراء جرَّاء الثقافة العدائية التي تنتجها وأساليب الفرز السياسي والاجتماعي التي تورث الأحقاد والتفرقة بين ابناء البلد الواحد.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 16-مايو-2024 الساعة: 01:11 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-49365.htm