كتب - بليغ الحطابي - حقاً ان الاحداث العظيمة والتاريخية "الفاصلة" لا تُنسى ولايمكن نسيانها مهما كان الاجحاف بحقها او النكران او اطلاق الشائعات ضدها وضد من شيدوها.. وبطبيعة الحال كان الـ 17 من يوليو عام 1978م الذي تمر ذكراه الــ"35",كان نقلة تاريخية ونوعية في ظل ظروف قاسية وصعبة عاشها الوطن، حينما انسحبت كل القيادات رافضة تولي منصب الرئاسة او قيادة البلاد ,وبالذات بعد اغتيال الرؤساء إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي وسالم ربيّع علي.. ورغم ان القناعات السائدة حينها بأن الرئيس القادم مجرد ضحية جديدة يقودها مصيرها للجلوس على كرسي مفخخ، إلا أن علي عبدالله صالح بقوة شخصيته وما لديه من صفات ومزايا نادرة قلما تجتمع في شخص آخر تمكن من كسر ذلك الاعتقاد معلناً ميلاد وطن جديد.
وبخلاف ال33 عاماً الماضية والتي تمثل فترة حكم الزعيم علي عبدالله صالح، فإن ذكرى 17 يوليو تأتي هذا العام لتؤكد أهمية الحدث وعظمة صانعه، فكما وصل الرئيس علي عبدالله صالح إلى السلطة بطريقة ديمقراطية سلمية منهية بذلك عصر الانقلابات ويعيد الاعتبار للشرعية الدستورية ويؤسس نهج الديمقراطية والحرية، كما قام بتسليم السلطة لخلفه المناضل عبدربه منصور هادي بطريقة ديمقراطية سلسة شهد لها العالم أجمع ,..
وكون هذه الذكرى تأتي والزعيم علي عبدالله صالح خارج كرسي الرئاسة، الا انه كان بحق وبشهادة العديد من المفكرين والساسة وقادة الأحزاب الزعيم اليمني الذي علَّم العالم حقيقة الحكمة اليمانية.. كما سيظل صانع الديمقراطية والتحولات الوطنية.
فمنذ انتخابه رئيساً للجمهورية شرع في ترتيب الأوضاع وبناء مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القوات المسلحة والأمن، وكان همه الأكبر ترسيخ الأمن والاستقرار ثم المضي قدماً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
كما يعد هو أول من حرص على تحسين وتطوير علاقات بلادنا مع الدول الشقيقة والصديقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، كما عمل على ترسيخ أواصر العلاقات بالاتحاد السوفييتي حينها، ودول المعسكر الاشتراكي وخفف من حماسها واندفاعها في تأييد الاشتراكيين في عدن ودعم ما أسمي بـ «الجبهة الوطنية الديمقراطية»، وقد نجحت سياسته المتوازنة والحكيمة في كسب دول الكتلة الشرقية في ذلك الحين في الحصول على السلاح من الاتحاد السوفييتي حينها، بالإضافة إلى التسلح من الغرب.
الصراع الداخلي..وتعامل المسؤول
عانت المناطق الوسطى من دموية ذلك الصراع؛ حيث كان تشعل الجبهة الوطنية نيران الحرب، وبدعم من الاشتراكي في عدن، وقد أرهقت الحرب أبناء المناطق الوسطى واليمن بشكل عام؛ لأنها كانت تعتمد أسلوب حرب العصابات وزرع الألغام التي لا تزال البلاد تعاني منها إلى الآن.
- ورغم تداعيات مرحلة اللاستقرار فقد ظل الخطر الحقيقي كامناً بصيغته المؤسسية في الحزب الاشتراكي بعدن، حيث كان يطمح إلى بسط هيمنته على المجتمع اليمني كله مستغلاً الضعف الذي كان يعاني منه النظام بصنعاء، ولكن صمود القيادة الحكيمة ممثلة بالأخ علي عبدالله صالح في مواجهة كل التهديدات والمؤامرات الداخلية والخارجية قد غير كل التوقعات، وأصبح اليمن يشهد عهداً جديداً يتسم بالنمو والازدهار في مختلف مؤسساته وقطاعاته التنموية، كما استطاع بحكمته وبُعد نظره وإلمامه بشؤون بلاده أن يحوز على تأييد وتقدير كل أبناء المجتمع اليمني بكل شرائحه بعد ان احتوى الصراعات الداخلية وانتقل الى تجسيد نهج الحوار والديمقراطية، واستطاع أن ينتشل البلاد من السقوط في الهاوية، ليضعها من جديد على قدميها وينهض بها من عثرتها، وقد أدرك تماماً أين مكامن الداء وكيفية استئصال العلل، فنجح نجاحاً كبيراً في الدفع قُدماً بالإصلاحات التنموية والسياسية، خاصةً في مطلع الثمانينيات التي مثلت العهد الذهبي لازدهار الاقتصاد الوطني وهو ما مهد تدريجياً لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية،،
الفجر الجديد..
بعد استتباب الأوضاع في البلاد جعل الزعيم التنمية والأمن والسلام من اهم اولوياته وانطلق لبناء مجتمع يأكل مما يزرع بعد ان كان اليمن يستورد كل احتياجاته من الخارج وحقق السلم الاجتماعي وتمكن من تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة كان لها الأثر الكبير في اعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وشكل قيام المؤتمر الشعبي العام قفزة سياسية ونوعية في حياة الشعب اليمني وقد كانت الاحزاب السياسية تعمل حينذاك في السر قبل عام 1982م ..و بإنشاء المؤتمر الشعبي العام بدأت اليمن مرحلة جديدة من الإستقرار وتنمية الإقتصاد الوطني والتوجه لوضع استراتيجية عملية لقيادة ثورة حضارية في التعليم وإدخال العلوم التكنولوجية والتقنية لمواكبة تطورات العصر وتنمية مدارك الشباب ليعد جيلاً جديداً مسلحاً بالعلم والمعرفة من خلال آلاف المدارس والمعاهد والجامعات، وهو الجيل الذي خاض معه غمار معركة التنمية التي غيرت من وجه اليمن..
صناعة الذهول..
لقد حرص الزعيم علي عبدالله صالح على الحوار مع كل الفئات والقوى الوطنية بدافع قناعة ذاتية بأن الحوار وحرية التعبير هما الركيزة الاساسية للاستقرار وللديمقراطية واستطاع بمهارة ربان متمكن ان يسير بسفينة الوطن الى شواطئ آمنة، لتصبح اليمن دولة حديثة، بعد اعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م الحدث الأعظم الذي اذهل العالم وعزز من دور ومكانة اليمن اقليمياً ودولياً وكان ذلك بفضل الجهود التي بذلها موحد اليمن الزعيم علي عبدالله صالح.
استراتيجيات الحداثة
أولى الزعيم علي عبدالله صالح اهتماما كبيرا لمحاربة الفقر والبطالة والحد منها وأُعد الخطط الوطنية والتي كان اهمها استراتيجية الحد من الفقر والتوجه نحو التنمية والشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع المدني في المسيرة التنموية و جعل السياحة احدى الموارد الاقتصادية وتعزيز برامج شبكة الأمان الاجتماعي.. فضلاً عن نهج التسامح والتصالح والحوار الذي جسده في عهده باعتبار ذلك ركيزة أساسية للوفاق الوطني.. ويقول مراقبون يتجلى للمرء المنصف لهذا التاريخ، أن مبدأ التسامح والتصالح الذي جسده الزعيم كان في جوهره إنسانياً، موضحين أن هذا المبدأ قد حفظ وحافظ على مقدَّرات الشعب وصان دماءه وحافظ على أمنه واستقراره.. مؤكدين ان الزعيم "الصالح" قد تميز بنهجه السلمي في معالجة مختلف الأزمات أثناء مرحلة التشطير وتلك التي رافقت بناء دولة الوحدة، إذ أنه لم يثبت أن اتبع في إدارته لمختلف الأزمات استخدام التصفية الجسدية لمعارضي النظام، بل كان يبرز دوره التسامحي والعفو عن الخصوم في مختلف المحطات.. ولم يكن نهج التسامح في فكر الرئيس السابق علي عبدالله صالح نابعاً من ضعف أو كان اصطناعاً أو مداهنة، بل كان عن قناعة وإيمان وسلوك أصيل في فكره.
|