الإثنين, 24-يونيو-2013
الميثاق نت -    محمد علي عناش -
< بدأ بعض المثقفين والسياسيين والشباب، يتكلمون عن الثورات العربية وعما يسمى بالربيع العربي، بلغة الخيبة والانكسار، لغة تحمل في طياتها الكثير من تراجيديا الأمل الضائع والحدث السرابي، وكذا بكائيات على مآلات ونتائج كارثية، قتلى وجرحى بمئات الآلاف، نازحون ومشردون بالملايين، دمار وخراب طال كل شيء، قبح وبشاعات كثيرة، انبعثت وتفجرت اجتماعياً وسياسياً ودينياً.. سنتان ونصف من الحدث الثوري الفجائي الذي بدأ صاخباً وكبيراً في شعاراته وأهدافه ووجوهه، وانتهى صغيراً ومشوهاً، فرويداً رويداً تساقطت الاقنعة المزيفة والشعارات الثورية البراقة، وهي شعارات عظيمة في مضمونها، لكنها كانت منذ البداية مخادعة وماكرة، لأنها لم تُرفع بإسناد قيمي ومرتكزات نقابية وجماهيرية منظمة ومتناغمة، بل كانت تخفي وراءها تشوهات ثورية كثيرة وحقائق سياسية واجتماعية وثقافية مليئة بالتناقضات، لم نكن نراها ونتلمسها ونحيط بها، كانت تخفي واقعاً كان بالإمكان إصلاحه وتغييره من دون كلفة من الدماء والدمار وإيقاظ للعصبيات القاتلة، لكننا لم نقرأه ولم نحاول أن نتوغل فيه ونتفحص معادلاته وشروطه المختلفة، بعقلانية وبوعي الثوري المستقبلي والمستوعب لمعادلة وشروط التغيير الايجابي في الواقع، وإنما عبرنا عنه بعاطفة ثورية مدمرة، وبمجهوليات كثيرة.
فجأة وبلا مقدمات وجدنا أنفسنا ثوريين نصنع ثورة بلا روافع وركائز حقيقية لثورة شعب وأمة، ثورة الحرية والديمقراطية والدولة المدنية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والحضاري، بل كنا نحمل على كواهلنا ثورة مجهولة الهوية والملامح.. سرعان ما أنهكتنا وأرهقتنا ثم سقطت منا لتطال كل ما حولها بالسوء والمكروه.. هكذا صاروا يوبخون أنفسهم، ويجلدون ذواتهم في صمت ودون صمت، ويعترفون في قراراتهم بأننا صرنا اليوم أمام واقع يصعب إصلاحه ولملمته بسهولة ويسر، صارت إمكانية التغيير أكثر صعوبة من ذي قبل، ليغدو معه أمل التغيير العربي أكثر اغتراباً في أعماقنا وتطلعاتنا.
هذا هو حال البعض اليوم، وهم ينعون ربيعهم وثورتهم، ويشيعون أحلامهم في الحرية والديمقراطية والدولة المدنية، في نفس الوقت الذي تفزعهم فيه النتائج والتحولات الخطيرة والكارثية في المجتمعات العربية والتي لا يمكن بكل المقاييس أن نصفها بالثورات.
من السخف أن نؤرخ للأحداث في مصر واليمن وليبيا وسوريا على أنها ثورات بالمعطيات والنتائج الراهنة المتمثلة في فقدان الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي.. تفشي ظاهرة الفساد المالي والسياسي، ضيق مساحة الحرية والديمقراطية، سيطرة تنظيم الاخوان المسلمين والجماعات السلفية على مقاليد الحكم والسلطة وسعيها الحثيث إلى أخونة كل شيء في البلدان العربية، تصاعد وتيرة ارتفاع الأزمة الاقتصادية والدين العام، عودة ثقافة التطرف والارهاب الفكري والثقافي، بث ثقافة الكراهية وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والقبلية.
أمام هذه المآلات والتحولات العربية الخطيرة والتي مع الأسف الشديد تصر بعض الاطراف المستفيدة من هذه التحولات ومن مناخ الفوضى والأزمات على تسميتها بالثورة، يصبح غير مجدٍ أن نظل نشعر بالخيبة وأن نظل نشيع الأحلام ونلعن الظلام، لأن من المهم جداً في هذه المرحلة الوطنية الحساسة أن نبدأ مرحلة التقييم والمراجعة واكتشاف الأخطاء والانحرافات وعوامل الفشل والتعثر.
الأمر يتطلب ليس فقط تقييم النتائج وإنما ايضاً تقييم المواقف وتقييم المفاهيم وتقييم الواقع الاجتماعي وتقييم قوى الثورة السياسية والمدنية والثقافية، بمعنى أن منطق الثورة يحتاج الى تقييم دقيق والى تفكيك واسع للخطاب الثوري والفعل الثوري، والذي بالطبع لم يفض الى ثورة حقيقية وإنما الى وهم مازال يتلبس البعض، وإلى فوضى مجتمعية، والى انقلاب الاخوان المسلمين على الحاكم وعلى قوى الثورة ايضاً.. والحاكم العربي الذي نعنيه في 2011م، هو ذلك الحاكم الذي كان قد أحرجه خروج الشباب الى الشوارع والساحات، وأصبح مهيأً لمنطق الاصلاحات والانتقال السلمي للسلطة.
القوى الليبرالية واليسارية العربية التي باتت اليوم تتجرع مرارات الخيبة وبؤس النتائج، لم تتعامل مع هذه المسألة بعقلانية وموضوعية وباستشراف مستقبلي، وإنما انساقت خلف الاخوان بعاطفة ثورية محملة بثأر سياسي كامن في العمق، ومحملة بالكثير من المجاهيل للواقع الاجتماعي، ولواقعها كأحزاب ومنظمات.. قد نستصغر هذه المسائل ولا نعطي لها أية أهمية بالرغم من أنها من عوامل الفشل الرئيسية ومن عوامل وصول الاوضاع الى ما هي عليه الآن، ومع ذلك تستمر بعض النخب الثقافية والسياسية في توصيف ما حدث بالثورة، حتى على مستوى الحالة السورية بكل ما آل اليه الوضع في هذا البلد العربي من دمار ومآسٍ، وبعد أن تكشفت فيه الحقائق عما يسمى بالجيش الحر الذي لم يكن الا مجرد جماعات ارهابية ومرتزقة تنتمي لتنظيم القاعدة.
جميع المعطيات والنتائج الراهنة تضع الجميع أمام تساؤل مهم ومصيري يعتبر المدخل الحقيقي لقراءة ما حدث بشكل علمي وموضوعي ومن ثم استيعاب ماذا نريد الآن؟
هل كنا بحاجة الى ثورة بهذا الشكل وبهذه الكلفة الباهظة والتي بالطبع لم تفضِ الى ثورة حقيقية في الواقع؟
أم كنا بحاجة الى الاصلاحات السياسية والمؤسسية والاقتصادية التي تفضي الى ثورة حقيقية في الواقع وبدون أدنى كلفة؟
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 16-مايو-2024 الساعة: 02:24 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-32907.htm