الإثنين, 19-نوفمبر-2012
كتب/ بليغ الحطابي -
< نواصل حلقات التغطية الخاصة لمأساة محافظة أبين «الأرض والإنسان، الشجر والحجر، الطفل والشيخ والمرأة..» فكل شيء فيها تعرض للانتهاك والاهلاك والدمار والتدمير والتخريب والعبث والفوضى.. لم يعد هناك من شيء سوى آمال وتطلعات يحملها كل شخص في تلك المحافظة من الكبير إلى الصغير، من المسؤول إلى الموظف.. وهكذا.. آمال لإعادة الاعتبار وتطبيع الأوضاع والبدء سريعاً دون تلكؤ أو مواربة بعملية التعويض العادل.. وإعادة البناء والاعمار حتى يعود لأبين وهجها المشرق وسطوعها المتألق..
في الاعداد الثلاثة الماضية تطرقنا إلى الظروف الواقعية ونتائج ما حصدته هذه المحافظة وما طالها من حالات عبثية وفوضوية متطرفة من قبل العصابات الجهادية لتنظيم القاعدة أو ما يسمى «أنصار الشريعة» كما استعرضنا مشكلة النازحين والاشكالات التي يعانون منها والصرخات المدوية والمناشدات لانقاذهم مما هم فيه.. إلاّ أن هذه المأساة وحجمها الذي تجاوز الكارثي، حسب تصنيف منظمات دولية، وبلغ حداً لا يطاق ولا يمكن لبشر احتماله وتحمل أعبائه إلاّ أنها لم ترق بعد لأصحاب القلوب الرحيمة للضغط على الدولة وحكومة الوفاق وبعض وزرائها الذين يتعمدون تجاهل ونسيان هذه المأساة وما خلفته من دمار وقتل وتشريد ويزيد من وطأة ذلك انجرار منظمات المجتمع المدني الإنسانية والحقوقية والأحزاب والتنظيمات السياسية إلى مستنقع التجاهل «الحكومي» والعدمية المفرطة التي قتلت كل الضمائر والمشاعر والاحاسيس..
البحث عن اجابة
ما حدث في أبين قد لا تعبر عنه أو تمثله الكلمات، لذا فقد كان ذلك بمثابة الصدمة والفاجعة الكبرى لأبنائها وأيضاً لكل من يزورها اليوم أو يؤثر على نفسه لنقل الحقيقة والصورة الواقعية لبنى تحتية باتت اطلالاً ومساكن ومنازل ومشاريع خدمية عملاقة اصبحت في خبر كان، فما تبقى من مكاتب خدمية لجأ إليها المواطنون العائدون واتخذوا منها مسكناً لهم ولأولادهم بعد أن صارت بيوتهم عبارة عن كومة من الأتربة والاحجار وبعضها بات في مستوى الأرض.
كل ذلك وغيره لايزال حتى اللحظة تساؤلاً كبيراً محط بحث وتقصٍ من قبل الأهالي والسكان ولم يجدوا الاجابة الشافية لسؤال عريض «بأي ذنب دمرت منازلهم» وما الذريعة التي ادخلت مسلحي القاعدة إلى مدينتهم وخروجهم فجأة وعودتهم اليوم ايضاً فجأة كتهديد سافر يثير مخاوف الكثير من المخطط القادم الذي تريده هذه الجماعات الإرهابية ومن يقف وراءهم ويسهل من مهامهم وتمكين قبضتهم وسيطرتهم على بعض المناطق.
مخاوف العودة
كما أثار مخاوف السكان من العودة إلى منازلهم وفقاً لدعوة سابقة للسلطة المحلية وقيادة المحافظة التي تبقى عاجزة عن تلبية رغبات واحتياجات وتطلعات المواطنين النازحين داخل وخارج أبين أو العائدين من مخيمات واماكن النزوح بمحافظتي لحج وعدن التي لا حصر لها ولا حدود لعدم وجود تعاون وتفهم لمشكلة ومأساة أبين من قبل حكومة الوفاق ووزرائها الموقرين، أو تقدير لما تعرضت له من كارثة إنسانية ألحقت الضرر البالغ بكل مواطن فيها.
القاعدة موجودة
لم يكن 12 يونيو الماضي إعلان تطهير أبين من مسلحي القاعدة الذين يطلقون على أنفسهم أنصار الشريعة تاريخاً دقيقاً بالفعل، إذ ما يزال خطر القاعدة وعبر خلاياها النائمة ماثلاً بشكل واضح، فالأيام الماضية فقط شهدت عمليات متوالية، وما تزال مديريات أبين تعيش وضعاً أمنياً لا يمكن وصفه بالمستقر.. حيث لاتزال اللجان الشعبية والقوات المسلحة والامن والمواطنين في مرمى الاستهداف وتحت طائلة الإرهاب.. ويؤكد عبدالله بن عبدالله - المتابع لأحداث أبين- أن الدور الذي قامت به اللجان الشعبية ومساندتها للجيش في تطهير المديريات التي كانت تسيطر عليها العناصر المسلحة في لودر مودية وخنفر وزنجبار كان دوراً كبيراً، مشيراً إلى أن عملية اختراق اللجان واستهداف القيادات يؤكد أن القاعدة مازالت متواجدة في المحافظة، وان تلك العناصر هم أصلاً من أبناء أبين ويعرفون منطقتهم جيداً.
اللجان الشعبية والاختراقــات
وذكر بن عبدالله عدداً من الاعتداءات التي اخترقت اللجان واستهدفت قياداتها انتقاماً من هزيمتها ودحرها من المحافظة بعد عام من السيطرة الكاملة، ففي لودر استهدفت القائد الشهيد «حوس» وفي مودية قبل عام استهدفت الشهيد أبوبكر عشال بتفجير انتحاري، واستهداف احد قيادات الحراك في مودية أيضاً «ناصر ديمح»، إضافة إلى نجاة قائد اللجان في جعار عبداللطيف السيد من عدة محاولات اغتيال في الاسبوع الأخير من رمضان في مخيم العزاء، وبسيارة مفخخة انفجرت قرب منزله وملاحقته أيضاً إلى عدن واستهدافه بانتحاري فجر نفسه في موكبه ما أدى إلى إصابته، وكثيرة هي الاحداث والاستهدافات لقادة اللجان الشعبية والناشطين وغيرهم.. مؤكداً أنه رغم كل ذلك لم تتأثر اللجان الشعبية، بل قطعت على نفسها العهد بمواصلة المشوار من أجل الدفاع عن عرض وكرامة أبين واستطاعت أن تحقق نتائج طيبة حتى الآن.
وأرجع عبدالله ذلك الاختراق إلى طبيعة التضاريس الجغرافية للمنطقة، وقال إن مساحة خنفر (جعار) عاصمة المديرية تعد أكبر مديرية من حيث السكان والمساحة على مستوى المحافظة وهي مفتوحة من كل الاتجاهات، بالإضافة إلى مديرية زنجبار المرتبطة جغرافيا، بمديرية خنفر، مشيراً إلى أن اللجان تواجه صعوبة كبيرة في السيطرة الكاملة على مديرية خنفر على الرغم من الاستتباب الأمني في جعار والقرى المجاورة لها الآن.
المواطنون في زنجبار - عاصمة المحافظة- ومعظم المديريات يبحثون عن السلطة المحلية في كل مكان، لكنهم لا يجدونها، ويبحثون عن الأمن ولا يجدون غير اللجان الشعبية التي شكلوها بأنفسهم في محاولة بسيطة لاستعادة القليل من الأمن المفقود.
ويترقب المواطنون في أبين الى جملة من الأشياء ابرزها عودة هيبة الدولة والأجهزة الأمنية المعنية بضبط ايقاعات الأمن الداخلي للمحافظة وعودة المرافق الحكومية ومسئوليها وهو الأمر الذي يستحيل -حسب المواطنين- كثيراً من الاشكاليات والهموم لعشرات الآلاف من العائدين الى هذه المناطق بعد أن نزحوا منها.. اذ أن غياب الأجهزة الأمنية ودورها في المناطق التي تم تطهيرها يؤدي الى حدوث هجمات ومشاكل وأحداث مؤلمة يكون ضحيتها المواطن البسيط الرافض تماماً أي وجود للارهابيين.
الموت السريري..
محمد علي الوالي رئيس هيئة تنسيق منظمات المجتمع المدني بأبين تحدث بالقول: ان اختفاء الدولة في شكلها وفقدان هيبتها وتأثيرها وقد شبه البعض غياب الدولة والأمن والاستقرار في أبين بالموت السريري، الأمر الذي أتاح أو منح فرصة لانتشار واعلان اماراتهم في عدد من المناطق التي أخليت تماماً من الوجود الأمني للدولة.
وتبدو للزائر لمحافظة أبين بعد رؤية مشاهد العبث والفوضى والدمار والخراب الجسيم انفراط عقد هذه المحافظة التي تعد بوابة الوحدة وتزداد وتيرة ذلك بإدراج مأساة هذه المحافظة في دائرة النسيان والتجاهل من قبل الاحزاب والقوى السياسية وقبلها حكومة الوفاق، وعدم الاسراع بجبر الضرر ومعالجة الجراح والندوب التي ستظل عالقة على وجه حسناء اليمن «أبين».
فالمواطنون في زنجبار وجعار والكود و.. و.. وغيرها من مديريات محافظة أبين الـ(11) لايزالون يطلقون صرخات للتخفيف من معاناتهم ويستصرخون الضمير الانساني والوطني لحكومة الوفاق والدولة للوفاء بالتزاماتهم ووعودهم السابقة والتسريع بإنشاء صندوق اعادة الاعمار لإنقاذ عشرات الآلاف من النازحين من ضنك العيش في مخيمات النزوح في لحج وأبين وعدن.
الحلقة الأضعف..
ففي زنجبار يقول محمد سالم العائد من مخيمات النزوح بمحافظة عدن انه عاد وأسرته ومئات الأسر الأخرى بعد أن أكدت السلطة المحلية أنها وفرت البيئة المناسبة للعيش والعودة وحين وصلنا الى المدينة لم نجد من كل ذلك شيئاً.. ويضيف لم نجد حتى السلطة المحلية ولا وجود هناك إلاّ لعشرات من أفراد الأمن واللجان الشعبية التي تقوم بحماية المدينة ومعظم مدن المحافظة التي شكلت من المواطنين لمساندة الدولة في مواجهتها لعناصر القاعدة وأيضاً للاستعانة بها في تأمين تلك المناطق وتوفير قليل من الأمن للمواطنين لكن يبدو أنها هي الأخرى لم تكن بمنأى عن استهدافات القاعدة.
عودة النازحين..
وبحسب السلطة المحلية بمحافظة عدن فإن 70% من النازحين عادوا الى منازلهم في أبين.. وأكدت الوحدة التنفيذية لاغاثة النازحين أنها وفرت وتدعم باستمرار المواطنين العائدين الى منازلهم، وأكدت عدد من المكاتب التنفيذية اعادة جميع الخدمات الاساسية ويتم اصلاح الأضرار التي طالت عدداً من الخدمات من مياه وكهرباء.
وبحسب احصائية رسمية فإن الضرر بالغ والدمار كبير جداً في ممتلكات المواطنين والعشرات من المواطنين استشهدوا وفقدت عدد من الأسر من يعولها في حرب ليس لهم فيها إلاّ الجوع والتشرد والقتل والمعاناة.
لماذا أبين..؟
مدير عام مديرية زنجبار قاسم شندق يتهم وزراة الداخلية بعدم التزامها بتعزيز الجانب الأمني واحتجاجات المحافظة لتأمين المواطن وحفظ استقرار أبين وقال: إن وزارة الداخلية خذلت أبين وهو الأمر الذي أكده عدد من قيادة المحافظة.. وأضاف بالرغم من زيارة وزير الداخلية والحاح السلطة المحلية عليه بتلبية ذلك إلاّ أنه لا جدوى على هذا الصعيد ولا يوجد تعاون من هؤلاء الوزراء وتعزيزها بالمعدات اللازمة بما يضمن عودة النازحين.. كما لم تقم الداخلية بتأهيل الأمن العام والقوات الأخرى.. ويعتقد شندق بأن هناك من يريد البقاء للوضع في أبين كما هو عليه.. وتساءل مدير مديرة زنجبار لماذا تبقى أبين بلا أمن حتى الآن.. هذا التساؤل جعل البعض ينتابه القلق والفزع الشديد من هكذا تجاهل.
إن إعادة جعار وزنجبار إلى حاضنة الدولة يحتاج إلى جهود إنماء وتنمية بالمقام الأول، كما أن رائحة البارود التي توزعت في الأرجاء هناك مخلفة الدمار والخراب تدعو كافة اليمنيين للوقوف صفاً واحداً لانقاذ أبناء هاتين المدينتين من المعاناة وليس لهم ذنب سوى أنهم تُركوا ليواجهوا مصير الموت بمفردهم...!!
العدد القادم نتحدث عن الاضرار والقطاعات المتضررة وفاتورة الحرب التي سيتكبدها المواطن في أبين...!!!
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 01-نوفمبر-2024 الساعة: 12:34 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29199.htm