الإثنين, 23-أبريل-2007
محمد الصدوقي -
فى خطابنا السياسى والإعلامى المعاصر أصبح كل من هب ودب من الأفراد والدول ينادى بالديمقراطية، بل ويدعيها، ولكنك إن سألت ماهى الديمقراطية؟ تلقيت أجوبة ملتبسة ومتعددة. وعلى مستوى الواقع العينى تلاحظ مفارقات وهوة كبيرة بين خطاب الديمقراطية والسلوك السياسى الفردى أو "الدولتي" أو الدولى عامة.
فما هى الديمقراطية؟ وهل هناك ديمقراطية فعلية حسب طريقة اشتغال المؤسسات السياسية المحلية والإقليمية والدولية؟
يخبرنا كلا من شوميليى جاندرو وكور فوازيى فى كتابهما القيم "مدخل إلى علم الإجتماع السياسي" بأن هناك تشويشا فى المعنى يشوب فكرة الديمقراطية، التى كانت فى الماضى موضوعا دراسيا حظى بالإهتمام المتزايد، بحيث أن جميع النظم السياسية تنادى فى الوقت الحاضر بالديمقراطية "ضمن مستويات مختلفة من الإخلاص" .بيد أن موضوع الفكرة متنوع جدا:
* كانت فكرة الديمقراطية فى العصور الغابرة تقول بوجوب إسناد السلطة صاحبة السيادة إلى العدد الأكبر من المواطنين. وقد سادت هذه الفكرة فى البلاد اليونانية. وإن أساس الديمقراطية هو فى الحرية، ويعنى ذلك تشجيع النظام المعادى للطغيان "أرسطو".
* ما بين القرن الرابع عشر والثامن عشر كانت فكرة معارضة الطغيان قد ميزت البحوث النظرية والتطور الدستورى فى بريطانيا.
التاريخ الدستورى الإنكليزى فى تلك الحقبة هو تاريخ التقليص البطيء لسلطة الملك البريطانى المطلقة. يبدأ هذا التاريخ بـ"الماغنا كارتا" سنة 1215 التى تحدد حقوق وواجبات الملك وأتباعه من رجال الإقطاع. وتوصلت بريطانيا عبر المراحل التاريخية إلى الملكية البرلمانية بحيث أصبحت سلطة الملك محددة ومحاطة بسلطة البرلمان.
* بعد الدخول فى العصر الصناعى أصبح لفكرة الديمقراطية مضمونان: الحرية والمساواة. وهاتان الكلمتان هما الشعار الأساسى للثورة الفرنسية سنة 1789. ومنذ تلك الفترة بدأت حالة الإرتباك والفوضى تصيب النظريات.

إن الأفضلية فى المجتمعات الإشتراكية التى ظهرت فى القرن العشرين هى للمساواة على حساب الحرية، حيث تم يتم تقليص الحرية بالمساواة الإقتصادية والقضائية؛ ويسمى هذا النوع بالديمقراطيات الشعبية.

وفى المقابل، الديمقراطيات التقليدية الغربية المسماة بـ"البرجوازية" وريثة إيديولوجية 1789 تشدد بصورة رئيسية على الحرية.

ويمكن إجمال فكرة الديمقراطية على النمط الغربى الرأسمالى "والذى يشكل الإطار القانونى والدستورى للدمقراطية" في:

- الملكية الخاصة حق مقدس ومصون.
- حرية التجارة والصناعة.
- حرية التعبير والصحافة.
-حرية تكوين الأحزاب السياسية.
- الإقتراع العام.
- تمثيل الشعب فى المجالس"النظام التمثيلي".

ويقول صاحبا الكتاب المذكور، إن الآلة القانونية للديمقراطية، وخصوصا عن طريق الإقتراع العام والنظام التمثيلي، أى بالوسائل الإنتخابية وبإسم التوافق الإجتماعى للأكثرية، أن تدعى التجانس الإجتماعي. لكن الحقيقة الحسية والتصويرية تظهر أن الآلة القانونية تخفى تفاوتا كبيرا حتى فى نطاق الحرية.

وعليه، يمكننا أن نستنتج أن لمفهوم الديمقراطية معنيين،على الأقل: الديمقراطية على النمط الإشتراكي-الماركسى "حيث تأكل المساواة من الحرية"، والديمقراطية على النمط الرأسمالى الغربى "حيث تأكل الحرية من المساواة"، الذى أصبحت حدة ووتيرة فرضه على العالم كنموذج أحادى ووحيد تتصاعد أكثر بعد انهيار نظام سياسى اشتراكى معين فى الاتحاد السوفياتى وتفكيك وحدته فى إطار ما يسمى بالحرب الباردة، وبالتالى إضعاف النموذج السوفياتى فى التنظيم السياسى للمجتمعات بما فيها نموذج الديمقراطية الإشتراكية.

وهناك من ادعى انهيار النموذج الإشتراكى بانهيار الإتحاد السوفياتي، وبالطبع ذلك يدخل فى إطارالحرب الإيديولوجية الساخنة لفرض النموذج الرأسمالي-الليبرالي، فيكفى أن نلتفت إلى التجربة الإشتراكية للصين، وكيف أصبحت دولة عظمى على جميع المستويات، من ماو تسى تونغ إلى الآن. لماذا مثلا ما يسمى بدول العالم الثالث ودول الجنوب لا تعتمد النموذج الصينى الناجح والملائم لخصوصياتها السوسيو سياسية والإقتصادية؟ ذلك أن النموذج الرأسمالى للديمقراطية له عدة عيوب ويترك وراءه عدة كوارث: حرية وديكتاتورية الرأسمال، تخريب الملك العام، إضعاف الدولة الوطنية لصالح تقوية الرأسمال الخاص للأفراد والشركات وبالتالى الهيمنة على القرار السياسي، تعميق الهوة بين الطبقات الإجتماعية، حيث تتركز وتحتكر الثروة والسلطة فى يد حفنة قليلة من الأفراد وما يتبع ذلك من استغلال ودسائس، صورية النظام التمثيلى حيث تنتهى حرية وسلطة المواطن بمجرد وضع صوته ومصيره فى الصندوق الزجاجى أو الخشبى أو الكارتونى للإنتخابات.

فى الأخير، نود أن ننهى بطرح سؤال جوهري، كثيرا ما لا يطرح من طرف المثقفين والفاعلين السياسيين والإعلاميين: هل هناك ديمقراطية؟ ما دام العالم قرية صغيرة "فى بيت أبيض"؟ للإجابة، نشير فقط الى ما يسمى بالعولمة وحق الفيتو تحت مجهر الديمقراطية التى يتشدق بها الغرب ويريدها أن تكون عندنا ولو باستعمال ديكتاتورية الاحتلال والحروب والدسائس والمؤامرات الدولية.

أليست العولمة هى تمديد لحرية وديكتاتورية وجشع الرأسمال الغربى من المحلى والإقليمى إلى الدولي، تحت الغطاء الإيديولوجى للديمقراطية والحرية؟

أليس تمتع واحتكار حفنة من الدول القوية بحق الفيتو أمام مئات الدول الأخرى فى الأمم المتحدة -التى يفترض أن تمثل العدالة والشرعية الدولية- هو خرق لمفهوم الديمقراطية؟ فمثلا أمريكا لوحدها استعملت أكثر من 80 فيتو ضد الإجماع الدولى حول قضايا حيوية للإستقرار والسلم العالميين، منها أكثر من 40 لصالح دولة إمبريالية "إسرائيل" لإفلاتها من القبضة الحريرية للشرعية الدولية "كلما وقعت من مجازر إسرائيلية فى حق الشعب الفلسطيني". وفيتو أمريكا لم يترك للعالم الحق ولو بإصدار مجرد إدانة للكيان الصهيوني. فكيف بالأحرى مطالبتها برفع احتلالها عن الاراضى الفلسطينية والعربية؟

ألا ينتفض العالم يوما ما لإلغاء على الأقل حق الفيتو من الامم المتحدة ليتم الإحتكام إلى الاغلبية لصناعة القرار العالمي؟
ذلك ما تنطق به الديمقراطية الحقيقية؟

دون أن نتحدث عن عدم المساواة بين دول الشمال والجنوب أو الدول الفقيرة والغنية. وهذه الاخيرة تحتكر ثروة وسلطة العالم على حساب تفقير وإخضاع باقى العالم!
فعن أى ديمقراطية تتحدثون؟
عن: "العرب اونلاين"
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 15-مايو-2024 الساعة: 06:35 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-2808.htm