السبت, 16-ديسمبر-2006
عبيد الحاج -
تشهد وزارة الشؤون القانونية حراكاً فاعلاً لانجاز مصفوفة من القوانين والتشريعات التي تترجم مضامين البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس بشأن ارساء مداميك ومقومات البناء النهضوي الشامل واستكمال مسيرة التحديث للدولة والمجتمع والبناء المؤسساتي المعاصر..
وفي هذا السياق ثمة خطوة مهمة تخطوها بلادنا نحو تكريس الشفافية والحكم الجيد لاستكمال منظومة الاصلاحات الشاملة التي تتضمن مختلف الجوانب والقطاعات.. هذه الخطوة تتمثل في قانون مكافحة الفساد الذي صادق عليه مجلس النواب والذي يعتبره الخبراء تشريعاً متقدماً ومهماً‮ ‬استفاد‮ ‬من‮ ‬تجارب‮ ‬الآخرين‮ ‬واستخلص‮ ‬عصارة‮ ‬جهود‮ ‬وعمل‮ ‬الدول‮ ‬الاخرى‮.‬
ويقدم‮ ‬القانون‮ ‬اليمن‮ ‬كدولة‮ ‬عريقة‮ ‬في‮ ‬التعامل‮ ‬مع‮ ‬القضايا‮ ‬الحساسة‮ ‬بدون‮ ‬تحفظ،‮ ‬كما‮ ‬سيحسن‮ ‬سجلها‮ ‬على‮ ‬مستوى‮ ‬العالم‮ ‬في‮ ‬مضمار‮ ‬تطوير‮ ‬آليات‮ ‬الاصلاح‮ ‬وحماية‮ ‬المال‮ ‬العام‮.‬
والأهم في القانون ليس فقط اهدافه الواضحة والمحددة في منع الفساد والتحري عنه وملاحقة مرتكبيه واسترداد العائدات المتأتية من الافعال المجرمة، ولكن في الآلية المستحدثة والمعروفة كهيئة عليا مستقلة لمكافحة الفساد تتضمن في عضويتها شخصيات وطنية مشهوداً لها بالنزاهة‮ ‬والخبرة‮ ‬والكفاءة‮.‬
والجدير والمهم ايضاً في قانون مكافحة الفساد انه لايختص بجهة واحدة حكومية وانما أعطى حيزاً واسعاً لمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص للاسهام بفاعلية في الأنشطة الرقابية المساندة للإبلاغ عن قضايا الفساد وتقديم المستندات الى الجهات المعنية للتحقيق فيها واتخاذ‮ ‬الاجراءات‮ ‬المناسبة‮.‬
نحن إذاً امام مرحلة جديدة وعقد جديد تحقق فيه اليمن منجزات اضافية في مجال التشريعات الاقتصادية الجريئة التي تحمي مقدرات المجتمع وتصون مكتسبات التنمية وتحقق مبادئ وقيم القدوة الحسنة في العمل العام.
وبدون شك فإن النصوص القانونية التي تعطي للهيئة العليا لمكافحة الفساد أكبر قدر من الاستقلالية في أداء عملها سواء من حيث موازناتها أو من حيث تعيين موظفيها، وكذلك منحهم صفة الضبطية القضائية، وعدم تبعية الهيئة لأية سلطة من سلطات الدولة، كل ذلك يؤكد ان نصوص قانون‮ ‬مكافحة‮ ‬الفساد‮ ‬جامعة‮ ‬مانعة‮ ‬ومحكمة‮ ‬وستحقق‮ ‬نقلة‮ ‬نوعية‮ ‬في‮ ‬الأداء‮ ‬العام‮ ‬والخاص‮ ‬وفي‮ ‬مختلف‮ ‬النشاطات‮ ‬بالمجتمع‮.‬
ومما يشعر المرء بالاطمئنان شمول القانون بالتحديد للموظفين العموم وهم أي شخص يؤدي خدمة عامة ويتولى منصباً تنفيذياً أو تشريعياً أو ادارياً او استشارياً أو قضائياً، سواء أكان معيناً أو منتخباً دائماً أو مؤقتاً بمقابل أو بدون مقابل، كما يشمل موظفي السلطة التنفيذية وأعضاء مجلسي النواب والشورى والمجالس المحلية وأعضاء السلطة القضائية، بالاضافة الى المحكمين والخبراء والعدول والمحامين والحراس القضائيين وأعضاء مجالس ادارات البنوك والشركات وموظفيها التي تسهم الدولة في رأسمالها.
ان اليمن التي تتطلع الى مستقبل أفضل وحياة جديدة يظللها العدل والمساواة وتطبيق القانون على الجميع، بحاجة الى تعديل واسع في ثقافة الفساد بحيث يخلق الوعي الجمعي المناهض له، وبحيث كذلك لايكون الفساد ومحاربته عنواناً سياسياً يحضر وقت التجاذبات الحزبية والمناكفات‮ ‬الضيقة،‮ ‬وألا‮ ‬يكون‮ ‬التهمة‮ ‬الجاهزة‮ ‬التي‮ ‬يلصق‮ ‬بها‮ ‬الخصوم‮ ‬أو‮ ‬توصف‮ ‬بها‮ ‬الحكومة‮ ‬دون‮ ‬مبرر‮ ‬منطقي‮ ‬أو‮ ‬وثائق‮ ‬دامغة‮.. ‬
لهذا فإن تأسيس ثقافة جديدة للتوعية بماهية الفساد وعقوبته يتفق عليها الجميع وكما وردت في قانون مكافحة الفساد ستشكل أولوية ضمن البناء الوطني في الفترة المقبلة، وستقدم برهاناً قوياً على نضج التجربة اليمنية التي ينظر اليها العالم بكثير من الترقب والإعجاب والمتابعة‮.‬
ويحدونا‮ ‬الأمل‮ ‬في‮ ‬ان‮ ‬يكون‮ ‬قانون‮ ‬مكافحة‮ ‬الفساد‮ ‬لبنة‮ ‬في‮ ‬بناء‮ ‬شامخ‮ ‬وأن‮ ‬يدشن‮ ‬لعهد‮ ‬جديد‮ ‬تنطلق‮ ‬فيه‮ ‬التنمية‮ ‬بدون‮ ‬عراقيل‮ ‬ويشعر‮ ‬المستثمرون‮ ‬بالاطمئنان،‮ ‬كون‮ ‬القانون‮ ‬والقانون‮ ‬وحده‮- ‬يحكم‮ ‬سلوك‮ ‬الجميع‮.‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 18-مايو-2024 الساعة: 07:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1758.htm