الجمعة, 01-ديسمبر-2006
د. علوي عبدالله طاهر -
لقد أدرك العقلاء من الناس ان العالم لابد ان يتجاوب افراده بروح المودة وعاطفة التعاون والوئام، وهذا لايتحقق إلاّ اذا راعى كل انسان حقوق غيره، كما يرعى حقوق نفسه، وقد جاء في الأثر : »عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به«.
ولقد زاد احساس الشعوب بهذه الحقيقة بعدما ذاقت الارض بما ذاقت من ويلات الحروب ونكباتها، فاضطر قادة العالم وساستها ومفكروها الى مسايرة هذا الاحساس البشري الجارف، فكتبوا وثيقة »حقوق الانسان« وصدورها بقولهم : »ان الناس يولدون احراراً متساويين في الكرامة والحقوق، ويجب ان يعامل بعضهم بعضاً بروح الاخوة«.. وعلى أساس هذا المبدأ لايجوز ان يكون هناك اضطهاد بسبب من الاسباب، ولا ان يكون هناك امتهان لكرامة الانسان اياً كان السبب، ويتفق هذا المبدأ مع ما دعا اليه الاسلام من تحريم هضم حقوق الناس، وامتهان كرامتهم او الاضرار بهم.. وقد جاء في الحديث الشريف : »لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«. ومن منا يحب ان تهان كرامته؟ ومن من الناس يرضى لنفسه ان يكون في موضع تعبث به الصبيان، ويتلذذون في ايذائه حتى لو كان مجنوناً لاسمح الله..
غير انه من المؤسف ان أجد خطباء المساجد كثيراً مايردد في دعائه على الظالمين ان يجعلهم الله مجانين تعبث بهم الصبيان، فهو بدلاً من ان يدعو لهم بالهداية يتمنى ان يراهم مجانين يجوبون الشوارع حفاة عراة تعبث بهم الصبيان، وكأنه بهذا الدعاء يشرع للاطفال قلة الأدب، او‮ ‬يدعوهم‮ ‬الى‮ ‬امتهان‮ ‬حقوق‮ ‬المجانين‮ ‬او‮ ‬المتخلفين‮ ‬عقلياً‮ ‬وهو‮ ‬مايتنافى‮ ‬مع‮ ‬روح‮ ‬الاسلام،‮ ‬الذي‮ ‬يحرص‮ ‬على‮ ‬كرامة‮ ‬الانسان‮ ‬واحترام‮ ‬مشاعره،‮ ‬بصرف‮ ‬النظر‮ ‬عن‮ ‬الظرف‮ ‬او‮ ‬الواقع‮ ‬الذي‮ ‬هو‮ ‬فيه‮.‬
والمجانين والمتخلفون عقلياً هم أكثر الناس حاجة لنيل حقوقهم، واحترام انسانيتهم والحفاظ على كرامتهم لا امتهانها، وهو ما دعا اليه الاسلام، واكدته المواثيق الدولية، التي تعنى بحقوق الانسان، وعلى وجه الخصوص الاعلان العالمي الخاص بحقوق المتخلفين عقلياً، وهو الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة والصادر برقم 2856(26) بتاريخ 20 ديسمبر 1971م والذي يؤكد على ان للمتخلف عقلياً او المجنون نفس الحقوق المتاحة لسائر البشر، والحق في الرعاية والعلاج الطبي المناسب، والحق في ان يقيم مع اسرته او مع اسرة بديلة، او وضعه في مؤسسة‮ ‬تتوافر‮ ‬فيها‮ ‬البيئة‮ ‬المناسبة‮ ‬للحياة‮.. ‬وله‮ ‬حق‮ ‬الحماية‮ ‬من‮ ‬الاستغلال‮ ‬والمعاملة‮ ‬المحطة‮ ‬بكرامته‮.‬
فإذا كان هذا الاعلان قد صدر عن منظمة يدير شئونها غير المسلمين، فمن نسميهم الكفار والذين يدعو عليهم بعضنا بالهلاك صباح مساء فهل يجوز لداعية يعتلي منبر المسجد ويكرر في دعائه أمنيته في أن يصبح المجنون لعبة تعبث بها الصبيان.. ان في ذلك مجافاة لروح الاسلام، وابتعاداً‮ ‬عن‮ ‬وظيفة‮ ‬الواعظ‮ ‬الهادفة‮ ‬تطهير‮ ‬النفوس‮ ‬من‮ ‬الحقد،‮ ‬وتعمير‮ ‬الصدور‮ ‬بالمحبة‮ ‬والرحمة‮ ‬والتسامح‮.‬
ان‮ ‬المسلم‮ ‬عندما‮ ‬يذهب‮ ‬الى‮ ‬المسجد‮ ‬للصلاة‮ ‬وسماع‮ ‬الموعظة‮ ‬يكون‮ ‬اعد‮ ‬نفسه‮ ‬لحساب‮ ‬عسير‮ ‬عما‮ ‬سلف‮ ‬منه،‮ ‬وهيأ‮ ‬نفسه‮ ‬لتلقي‮ ‬أوامر‮ ‬دينية‮ ‬جديدة‮ ‬توجه‮ ‬إليه‮ ‬لتصحيح‮ ‬ما‮ ‬أعوج‮ ‬من‮ ‬سلوكه‮ ‬لا‮ ‬لافساد‮ ‬ماصلح‮ ‬منها‮.‬
وبقيت مسألة لابد من الاشارة اليها وهي ان السماح للاطفال بملاحقة المجنون او العبث به او التلهي بايذائه مسألة خطيرة لايجوز السماح بها او التغاضي عنها، فالواجب الديني والانساني يلزم كل واحد منا رأى مثل ذلك ان يوقفه ويمنعه، بل ومعاقبة الاطفال ان فعلوه لامباركة‮ ‬فعلهم‮ ‬من‮ ‬على‮ ‬منبر‮ ‬المسجد،‮ ‬عند‮ ‬الدعاء‮ ‬على‮ ‬الظلمة‮ ‬او‮ ‬الفسقة‮ ‬والمجرمين‮ ‬كما‮ ‬يفعل‮ ‬بعض‮ ‬الوعاظ‮ ‬للاسف‮.‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 18-مايو-2024 الساعة: 03:59 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1623.htm