الإثنين, 06-نوفمبر-2006
الميثاق نت - تحتفل الجمهورية التونسية الشقيقة يوم غدً الـ 07 من نوفمبر 2006 بالذّكرى 19 لتحول السابع من نوفمبر المبارك، والذي يبرز 19 سنة من البناء والتشييد من أجل تأكيد جدارة كل التونسيين بحياة كريمة ودولة عصريّة يُحترم فيها الفرد وتُصان فيها حقوقه ويمتلك فيها مصيره وتنمو فيها طموحاته. وإذ يقف الشعب التونسيّ اليوم بكثير من العرفان والتقدير لصانع التغيير الرئيس زين العابدين بن علي الذي ما انفك بمساهمة كافة فئات المجتمع بالعمل السخي من أجل النهوض بتونس ليجعلها في مصاف الدول المتقدمة الميثاق نت -
تحتفل الجمهورية التونسية الشقيقة يوم غدً الـ 07 من نوفمبر 2006 بالذّكرى 19 لتحول السابع من نوفمبر المبارك، والذي يبرز 19 سنة من البناء والتشييد من أجل تأكيد جدارة كل التونسيين بحياة كريمة ودولة عصريّة يُحترم فيها الفرد وتُصان فيها حقوقه ويمتلك فيها مصيره وتنمو فيها طموحاته. وإذ يقف الشعب التونسيّ اليوم بكثير من العرفان والتقدير لصانع التغيير الرئيس زين العابدين بن علي الذي ما انفك بمساهمة كافة فئات المجتمع بالعمل السخي من أجل النهوض بتونس ليجعلها في مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات وتمكينها من المزيد من الإشعاع في محيطها الإقليمي والدولي، تبقى هذه المناسبة فرصة حقيقية لتقييم الانجازات وتثمينها. والمتأمّل في حصيلة ما أنجز في تونس خلال 19 سنة من التغيير، يلاحظ مشهدا سياسيّا متعدّد الوجوه وطموحا حقيقيّا لتأسيس مرحلة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، تكرّس جمهوريّة الغد المتحفزة للامتياز والعمل مع الدول الشقيقة والصديقة لاستتباب الأمن والسلام. وتكشف الإنجازات الاقتصاديّة التي تم تحقيقها سلامة الاختيارات والتوجّهات، وفي هذا الإطار يمكن أن نشير على سبيل الذّكر بلوغ تونس وخلال العشريّة الأخيرة معدّل نموّ اقتصاديّ في حدود 5% وانخفاض نسبة الفقر إلى 4% من النّسبة العامّة للسكّان وتحقيق نسبة تمدرس في حدود 100% وارتفاع نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع إلى حوالي 80%. ونستعرض في هذا الملفّ الصّحفي ثوابت تحول السابع من نوفمبر 1987 وما تحقّق خلال مسيرة التغيير في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّي تبرز حجم التحدّيات التّي قرّرت تونس رفعها منذ فجر التغيير: 1- تحول السابع من نوفمبر 1987 مثّل يوم 7 نوفمبر 1987 محطة بارزة في تاريخ تونس العريق انفتحت بها صفحة جديدة واعدة. فقد وضع التغيير حدا لمخاطر الوهن والتلاشي التي هدّدت البلاد طوال سنين، كما أنه أذن بميلاد مستقبل جديد. فارتقاء زين العابدين بن علي إلى أعلى هرم السلطة في كنف إجماع منقطع النظير قد أتى في موعده ليصون سلامة البلاد ولحمتها الاجتماعية وحتى وحدتها. ففي 7 نوفمبر 1987 استعادت تونس مجددا زمام مصيرها، وفتحت ذراعيها لمستقبل واعد بالآمال. وقد قابل الشعب نداء السابع من نوفمبر بحماسة وتأييد واسع، ذلك أنه رأى فيه فاتحة عهد جديد. فقبل عامين من سقوط جدار برلين، الذي رمى بالعملاق السوفياتي السابق في أحضان اقتصاد السوق والديمقراطية، شهدت تونس ربيعها الديمقراطي وعرفت منعرجا اقتصاديا واجتماعيا أشرعت به أبواب الأمل في المستقبل واسعة رحبة. والمؤكد أن حركة الإصلاح الشامل لتحول السابع من نوفمبر قد استندت إلى جملة من المنطلقات والقيم المرجعية من أبرزها الوعي العميق بتاريخ الوطن وبعراقة الشعب وإسهاماته الحضارية عبر العصور والتي تواصلت على امتداد أكثر من ثلاثة آلاف سنة بما يخول له اليوم، عن جدارة، منزلة الشريك الكامل في التراث الإنساني وفي ما أفرزه من قيم ومفاهيم عبر عصور طويلة من التاريخ. واستلهم المشروع الحضاري لتحول السابع من نوفمبر من الحركة الإصلاحية التحديثية التي أسهم في تشكيل أدبياتها وإثراء مضامينها عدد هام من رموز النهضة الحديثة في تونس من أمثال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين باشا والبشير صفر وسالم بوحاجب وغيرهم ليتواصل السند في الإصلاح من خير الدين إلى زين العابدين بن علي مرورا بالطاهر الحداد والحبيب بورقيبة...، من دستور سنة 1861 إلى بيان 7 نوفمبر 1987... ولقد أكّد الرئيس زين العابدين بن علي في أكثر من مناسبة تقديره لإسهامات هؤلاء المصلحين ووفاءه لتطلعاتهم وطموحاتهم في الحداثة والحرية ومواكبة التطور على المستوى الإنساني، والمؤكد أن روح هذه الحركة وأهدافها وقيمها المتجذرة في ضمير الشعب وفي نخبه وأدبياته كانت حاضرة بوضوح في مرجعية تحول السابع من نوفمبر ومنطلقاته، كما جسدت نضالات الحركة التحريرية الوطنية السند المرجعي الأساسي في صياغة الأهداف الوطنية الكبرى التي حملها عهد التغيير. واستند تحول السابع من نوفمبر، من ناحية أخرى، إلى وعي مبكر بحركة التاريخ وما يشهده عالم اليوم من تحولات متسارعة تطرح تحديات جسيمة يتحتّم أخذها بعين الاعتبار في كل مشروع إصلاحي جاد. وكان من مقتضيات إنجاز الإصلاح الشامل تنقية الأجواء وإرساء المصالحة الوطنية لبناء قاعدة صلبة للتغيير وضمان إسهام الجميع في إثرائه ودفع مساره. وانطلق العمل الدؤوب وتواصل منذ فجر التغيير في ثورة هادئة تمارس التغيير في أعمق معانيه، وتسعى إلى توظيف جهود الجميع من أجل الجميع وتترفع عن نبش ترسبات الماضي وتناقضاته وتصفية الحسابات... ولقد أعلن الرئيس زين العابدين بن علي في أكثر من مناسبة : "إنّ تونس لجميع التونسيين وإنها بحاجة إلى جهود أبنائها وبناتها وعبقريتهم وقدرتهم على البناء والإضافة وإن المهم هو أن ننجز في تبصّر وبروح وطنية عالية عملية الإنقاذ والإصلاح والتأسيس..." شهدت تونس، قبل تحول السابع من نوفمبر، صراعات مختلفة الأبعاد : سياسية إيديولوجية... أسهمت في إضعاف الجبهة الداخلية، لذلك كانت أولويات نظام السابع من نوفمبر التخلص من كل معوقات المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية والاستفادة من التجارب السابقة. وانبنت مقاربة التحول، في هذا المجال، على ثوابت يمكن إجمالها في الأسس الثلاثة التالية: المصالحة التاريخية والمصالحة السياسية والمصالحة الاقتصادية والاجتماعية. إنجازات تحول السابع من نوفمبر 1987 1- المصالحة الوطنية: شهدت تونس، قبل تحول السابع من نوفمبر، صراعات مختلفة الأبعاد : سياسية وإيديولوجية... أسهمت في إضعاف الجبهة الداخلية، لذلك كانت أولويات تحول السابع من نوفمبر التخلص من كل معوقات المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية والاستفادة من التجارب السابقة. أ- المصالحة التاريخية: كانت الأولوية في مشروع التغيير هي تحقيق المصالحة التاريخية في كل أبعادها وقطع الطريق أمام كل توظيف للهوية باعتبارها قاسما مشتركا بين جميع التونسيين يجعلهم قادرين على مواجهة تطورات الحداثة. وقد أعاد بيان السابع من نوفمبر الذي أعلنه الرئيس بن علي صبيحة اليوم الأول للتغيير الاعتبار لهوية البلاد وشعبها، وكرسها رافدا أصيلا وعامل إضافة في ترسيخ القيم الإنسانية السامية وتثبيت المعاني النبيلة لدى كل أجيال التونسيين في زمن أصحبت فيه العولمة والتعددية الثقافية من أبرز مستجدات القرن الواحد والعشرين. وقد مثلت إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية الوجه الآخر لتأكيد شرعية التغيير وتكريسا لمعنى الاستمرارية. فالمشروع التحديثي وازن بين مقتضيات التفتح وخصوصيات الهوية. ومكن التغيير تونس من وضع حد حاسم لجدل طويل حول الهوية والتاريخ بالتأكيد على الانتماء العربي الإسلامي، والاعتزاز بتاريخ ممتد عبر ثلاث آلاف سنة وإسهامات مثمرة في بناء الحضارة الإنسانية. كما تم التأكيد على الانتماء الإفريقي ودور تونس العريق المتجدد في محيطها المتوسطي. ولقد حرص الرئيس بن علي على تأكيد الهوية التونسية بكل مقوماتها، العربية والإسلامية والإفريقية والمتوسطية، محددا التوجهات لتأمين عوامل ديمومة الهوية لأنها تمثل أساس تماسك المجتمع ودوافع تطوره. واستلهم المشروع الحضاري للتغيير حركته الإصلاحية التحديثية لبناء تونس الغد من إسهامات رموز الإصلاح في تونس منذ عهد الأمان سنة 1857 ودستور سنة 1861 وحتى الاستقلال. كما كانت نضالات الحركة التحريرية السند المرجعي الأقرب في صياغة الأهداف الوطنية الكبرى التي حملها العهد الجديد. وخير مثال على هذا التوجه الذي ميز حركة الإصلاح والمصالحة تكريم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، طيلة فترة حياته في العهد الجديد، وما لقيه من حفاوة وتقدير لمكانته ودوره، وكذلك إعادة الاعتبار لزعماء تونس الحديثة أمثال صالح بن يوسف ومحمود الماطري والطاهر صفر... وقد تزامنت المصالحة التاريخية، في مشروع التغيير، مع مصالحة سياسية وبات من الضروري تحقيقها لتجاوز انسداد الآفاق الذي عاشته تونس في أواسط الثمانينات ولتحقيق القفزة النوعية المنشودة. ب- المصالحة السياسية: - دعم المسار التعددي: تم إثر تغيير السابع من نوفمبر 1987 وما حققه من مصالحة وطنية وتجديد للحياة السياسية بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي، إرساء إطار سياسي جديد،تواصل في التسعينات، دعم المسار التعددي وتطوّر التجمع الدستوري الديمقراطي من حزب واحد إلى حزب الأغلبية ممهدا الطريق أمام التعددية السياسية. - حزب الدستور، من الانفراد إلى التعايش مع المعارضة: كان للحزب الدستوري التونسي موقع متميّز في الحياة السياسية التونسية منذ تأسيسه في 1920، ودور فاعل في مرحلة الكفاح التحريري وبناء دولة الاستقلال. ومنذ أواخر سبعينات القرن العشرين، تعددت الصعوبات التي واجهها الحزب باعتباره الحزب الحاكم، فتضاءل إشعاعه وانحسرت قواعده، وتأثر سلبا بالصراع على السلطة في الثمانينات. وجاء تحوّل السابع من نوفمبر 1987 ليكون بمثابة بعث جديد للحزب مكّنه من الاضطلاع بأمانة التغيير، وتجديد رسالته من خلال الإصلاحات التي شملته وتحديد علاقته بالدولة والتعايش مع المعارضة. - من الحزب الاشتراكي الدستوري إلى التجمع الدستوري الديمقراطي : الخطاب الجديد والانفتاح السياسي: أثار بعض المثقفين خيار إنشاء حزب جديد «حزب التغيير»، مباشرة إثر التحوّل، بديلا عن الحزب الاشتراكي الدستوري. غير أن الرئيس زين العابدين بن علي قرر التمسّك بالحزب على أساس تجديده بإعداده للتعايش مع المعارضة في الحياة السياسية للبلاد وذلك بتغيير خطابه وباستعادة بعده الجماهيري بالانفتاح على مختلف النخب والفئات الاجتماعية. - الخطاب الجديد: بدأ إصلاح الحزب بتغيير تسميته إثر النقد الذاتي الذي شخص ملامح الوهن فيه وأسبابه فكانت التسمية الجديدة : التجمع الدستوري الديمقراطي (فيفري 1988). ويحمل استبدال تسمية «الحزب» بـ «التجمع» دلالة واضحة على فكرة جمع التونسيين والتونسيات حول مشروع مجتمعي جديد، كما يعني التفتّح على كل الشرائح والفئات ومختلف مكونات المجتمع في إطار برنامج السابع من نوفمبر. وهدفت عبارة «الدستوري» إلى المحافظة على عراقة التنظيم، بينما قصدت عبارة «الديمقراطي» التوجه الذي أعلنه بيان السابع من نوفمبر إلى تكريس التعددية في البلاد. وقد بدأ الإصلاح داخل الحزب بمصالحة مع تاريخه. وسبق أن أقرّ بيان السابع من نوفمبر الدور المتميّز للزعيم الحبيب بورقيبة. وتواصل الاعتراف له بالفضل التاريخي في حياته وعند وفاته (6 أفريل 2000). وتواصل الإصلاح بتجديد الخطاب السياسي للحزب حتى يواكب تطوّر المجتمع التونسي ويتدارك القطيعة الفكرية التي ظهرت مع النخب والشباب. وتمحور تجديد الخطاب السياسي للتجمع حول مشروع بن علي لإرساء دولة القانون والمؤسسات وتعزيز حقوق الإنسان وتكريس التعددية ودعم المجتمع المدني ونشر قيّم التضامن والتسامح. - تفتّح التجمع على مختلف الكفاءات والشرائح الاجتماعية: يمثل الانفتاح على الكفاءات ومختلف الشرائح الاجتماعية بعدا عميقا في التغيير داخل الحزب لتدارك الانغلاق الذي كان يعانيه. وفي سياق هذا التوجه، تمكّن التجمع من استقطاب النخب ومنهم المثقفون والأساتذة الجامعيون بعد أن كانوا في قطيعة تكاد تكون كاملة مع الحزب الاشتراكي الدستوري. كما انفتح الحزب من جديد على الشباب وخاصة منهم الطلبة بعد أن كان في قطيعة تكاد تكون كاملة معهم في الثمانينات. إذ أحدث التجمع منظمة طلابية جديدة هي «منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي من أجل الديمقراطية والتقدّم». ب- المصالحة الاقتصادية والاجتماعية: - الإصلاح الاقتصادي: رغم الصعوبات والتقلبات الظرفية الداخليّة والخارجيّة، حقق الاقتصاد التونسي، في عهد التغيير، تحولا هيكليّا توضّحت ملامحه خلال التسعينات بإرساء اقتصاد السوق المنفتح على العالم. واندرجت إجراءات التنمية والعولمة ضمن رؤية اقتصاديّة اختارت التحررية الاقتصاديّة المتضامنة، وأنجزت في مسار خطط حركيّة بنجاعة وعلى مراحل. فتجسمت النقلة الاقتصاديّة بتطوّراتها ونتائجها في تغيّرات هيكليّة أسّست لتنويع الاقتصاد التونسي وتأهيله وانفتاحه. وقد تمثّلت السياسة الاقتصاديّة، بالداخل، في إصلاحات هيكليّة أسّست لنظام اقتصادي ومالي ناجع ومتطوّر، وعززت دور الجهة في التنمية وكرست التكامل بين الجهات. كما هيأت الأرضية الملائمة لإقامة علاقات الشراكة مع الخارج. واعتمد إرساء الاقتصاد التونسي المتحرر خلال التسعينات خاصة، إصلاحات هيكليّة ماليّة واسعة وعميقة. وقد تمثّلت هذه الإصلاحات في تعزيز النظام المالي، ودعم المراقبة والمتابعة على مستوى المؤسّسات المصرفية، وتعصير المهن البنكيّة والمالية. وكان الهدف من ذلك تنمية القدرات التنافسيّة للنظام البنكي التونسي حتّى يقوى على تنشيط الاقتصاد الحر في ظل منافسة البنوك الأجنبيّة إثر تحرير الخدمات الماليّة وفقا للاتفاقيّات العالميّة ومنها الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. - اقتصاد متفتّح على العالم: وقد انطلق المخطط العاشر للتنمية (2002 - 2006) في محيط شهد تحولات عميقة على الصعيدين الوطني والعالمي خلال العشرية الأخيرة من القرن العشرين أدت إلى بروز أنماط عديدة من العمل والإنتاج والتعليم واتسمت بتعميق مسار العولمة والتحرر الاقتصادي واقتران ذلك بمزيد انفتاح الأسواق واحتداد المنافسة وتدويل عملية الإنتاج والتشابك بين اقتصاديات مختلف البلدان. وشهدت البلاد إصلاحات جوهرية شملت مختلف المجالات دعمت مقومات التنمية وأكسبت الاقتصاد الوطني مزيد التنوّع والفاعلية بتركيز آليات السوق ودفع المبادرة الخاصة ودعم القدرة التنافسية وإدماج الاقتصاد في الدورة العالمية كما واكبت هذه الإصلاحات إنجازات هامة في مجال التنمية البشرية تكريسا لتلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي. لكن المستجدات التي طرأت على الاقتصاد العالمي في بداية القرن الواحد والعشرين تطلبت اتخاذ جملة من المبادرات والإجراءات لاتقاء التأثيرات السلبية باعتبار الترابط المتزايد لاقتصاديات البلدان وسرعة التأثيرات المتبادلة وهو ما برز بصفة جلية بداية من سنة 2000. وقد بادرت تونس بصفة مبكرة باتخاذ الإجراءات الضرورية لتطويق مفعول مختلف هذه المستجدات في إطار خطة وطنية لمساندة القطاعات المتأثرة ومساعدتها على تجاوز الظرف وخاصة منها قطاعي السياحة والفلاحة. ومن تحديات الشراكة في التحولات العالمية، معالجة الضغوطات الناجمة عن تفكيك المعاليم الديوانية في إطار تنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وعن التقلبات الظرفية التي أصبح البعض منها يكتسي طابعا هيكليا مثل قيمة الدولار وأسعار النفط المرتفعة وتواتر الضغوطات في الأسواق المالية العالمية، بالإضافة إلى اشتداد المنافسة. ونجحت السياسة الاقتصادية، فيما بين 2002 - 2004، في المحافظة على نسق نموّ مرتفع بتجديد العناية بالقطاع الفلاحي وتحسين القدرة التنافسية للمؤسسات العاملة في قطاع الصناعات المعملية وتعزيز قطاع الخدمات في مجال تكنولوجيات الاتصال والسياحة والنقل. - التدخلات الاجتماعية: اعتمدت السياسة الاجتماعية، في عهد التغيير، على رؤية جديدة للمجتمع الصاعد مرتكزة على صيانة الحقوق الأساسية للفرد وتعزيز التضامن والوفاق الاجتماعي، كحلول مستديمة تلائم بين النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية بهدف تطوير المؤهلات الفردية لدى كل مواطن حتى يسهم في تشييد المشروع المجتمعي. وقد تعدّدت التدخلات الاجتماعية مسايرة للتطورات العامة، وظهرت الملامح السكانية الجديدة للمجتمع التونسي داخل حدود الوطن وخارجها، وتجسمت العناية بالتشغيل وبالشباب. وكان لتلازم مجهود التضامن الاجتماعي مع انعكاسات التطورات الاقتصادية دور في تحسن مستوى عيش التونسيين وتحقيق التقدّم الاجتماعي. - الخصائص السكانية والجالية التونسية بالخارج: توضحت النقلة النوعية للخصائص السكانية للبلاد التونسية، في عهد التغيير، واتسمت بمسايرتها للتحولات العالمية في البلدان المتقدّمة مثلما تشير إلى ذلك الإحصائيات التي سجلها التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2004. ففي أفريل 2004 بلغ العدد الجملي لسكان البلاد التونسية 9,9 ملايين نسمة. وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للسكان حسب الأقاليم، فقد أصبح إقليم الوسط الشرقي مع إقليم تونس من أكبر الأقاليم السكانية (يضم كل منهما أكثر من خمس مجموع سكان البلاد) . وعرفت الهيكلة العمرية للسكان تغيرا واضحا انعكس على شكل الهرم السكاني الذي تطور من نوع القاعدة العريضة والقمة القصيرة والحادة (وهو الشكل المميز للبلدان السائرة في طريق النمو) إلى نوع القاعدة المتجهة نحو التقلص والقمة العريضة والمرتفعة (وهو الشكل المميز لبعض البلدان المتقدمة عند دخولها النظام السكاني العصري). وبخصوص الجالية التونسية بالخارج، فإنّ هذه الجالية تحظى لا سيّما منذ التغيير، بعناية مستمرة تقوم على سياسة تستجيب إلى حاجاتها وطموحاتها وعلى رؤية وطنية إنسانية لموقع هذه الجالية بالنسبة إلى الوطن وبالنسبة إلى بلدان الإقامة. ويبلغ عدد التونسيين بالخارج ما يزيد على 800 ألف مواطن أغلبهم في أوروبا، وأكثر من نصفهم في فرنسا (60%). وبفضل عناية العهد الجديد بالجالية، من خلال توفير التشجيعات والحوافز المختلفة، تضاعفت تحويلات أفرادها بالعملة الصعبة وبالصفة العينية بحوالي 4 مرات، فارتفعت بملايين الدنانير من 403 سنة 1987 إلى 1020 سنة 1999 ثم 1813 سنة 2004. ومن المعلوم أن مداخيل الشغل أو المدخرات من الأجور التي حولها التونسيون المقيمون بالخارج لها مساهمة مهمة في المدفوعات الخارجية للبلاد التونسية وبصفة عامة في توازنات ميزان دفوعاتها ومواردها من العملة الصعبة. وتعدّدت البرامج والأنشطة الموجهة إلى الجالية التونسية في الخارج في اتجاه دعم صلتها بالوطن وصيانة مقومات هويتها التونسية وحماية حقوق أفرادها وتدعيم تغطيتهم الاجتماعية بالإضافة إلى تعزيز الصلة بالنخب والتشجيع على الاستثمار. وسعت دولة التغيير إلى تعزيز اتفاقيات الضمان الاجتماعي لفائدة الجالية التونسية بالخارج ومراجعة الاتفاقيات مع بلدان الإقامة بما يستجيب إلى متطلبات العيش المتطورة للجالية التونسية. وأهم مراجعة تمّت مع فرنسا التي تستقبل حوالي 60% من مجموع المهاجرين التونسين بتوقيع اتفاقية جديدة في 26 جوان 2003 جاءت بتحسينات وإضافات منها توسيع مجال التغطية الاجتماعية للتونسيين المقيمين بفرنسا لتشمل عدة فئات جديدة، والترفيع في سلم المساهمات الفرنسية في المنح العائلية وسحب هذه المنح على عدة فئات وتحويلها لفائدة أصحابها. كما حصل تحسين جزئي في الاتفاقية المبرمة سنة 2001 في مجال الضمان الاجتماعي لصالح الجالية التونسية المقيمة بهذا البلد. وعلاوة على الاتفاقيات الثنائية في مجال الضمان الاجتماعي، تمّ بعث نظام خاص لرعاية الجالية التونسية في البلدان التي لم تشملها اتفاقيات. كما ضمن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بحرص من الحكومة التونسية، حق التونسيين المقيمين ببلدان الاتحاد في الحماية الاجتماعية ممّا وسّع مجال التغطية الاجتماعية للجالية التونسية حتى في بلدان الاتحاد الأوروبي التي ليس لها مع تونس اتفاقيات ثنائية في هذا الشأن. وفي الميدان الاقتصادي التنموي، أصبحت تحويلات التونسيين بالخارج تمثل ما يزيد على 5.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبفضل التشجيعات المبذولة لهم لحثهم على المساهمة بالاستثمار في مجهود التنمية الوطنية، أصبحت لهم مشاركة ملموسة في هذا المجال. واتجهت العناية كذلك إلى ربط الصلة بالنخب العلمية التونسية في الخارج وتعبئة قدراتها لدعم التنمية والإشعاع العالمي للبلاد. وحرصت دولة التغيير على تيسير الاندماج السليم للجالية التونسية بالخارج في بلدان الإقامة حتى تصبح هذه الجالية عنصر تقارب وحوار وتفاهم بين المجتمعات والحضارات، فالجالية التونسية تعتبر من المساهمين في بناء الفضاء الأوروبي المتوسطي. - دعم مكاسب المرأة: تتبوأ المرأة التونسية مكانة متميزة وتضطلع بدور مهم في المجتمع المدني وفي دفع مسار التنمية. وقد تأسست هذه المكاسب خلال العشرينات الثلاث الأولى للتنمية. وشهدت نقلة نوعية في عهد التحول بفضل المبادرات التي اتخذها الرئيس زين العابدين بن علي والسياسات التي أقرها لفائدة المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وفي مجال العناية المركزة بأوضاع الأسرة وتطويرها. وقد أفردت المرأة بمحور خاص في البرنامج المستقبلي الذي تقدم به الرئيس زين العابدين بن علي إلى الانتخابات الرئاسية سنة 1999 بعنوان "آفاق متجددة أمام المرأة". وتأكدت مرة أخرى المنزلة المحورية للمرأة في برامج التحول إذ خصّت في البرنامج الانتخابي لسنة 2004 بمحور يجسم طموحات التغيير في مزيد الارتقاء بمكانة المرأة من "المساواة إلى الشراكة الفاعلة". وارتكزت سياسة الرقي بالمرأة على ثنائية الاهتمام بالمرأة والتنمية والمكاسب القانونية للمرأة. ويندرج الاهتمام بالمرأة في علاقاتها بالتنمية في إطار العناية بالموارد البشرية ودعم دور المرأة في الأنشطة المنتجة. وشملت خطة الرقي بالموارد البشرية النسائية في نطاق منوال التنمية الاقتصادية والاجتماعية التونسي ومخططاته التنموية المتتالية، جملة من التدخلات خاصة في مجال التربية والتكوين المهني والصحة والتنظيم العائلي والثقافة والرياضة. وفي إطار الاهتمام بالجالية التونسية بالخارج، حظيت المرأة المهاجرة بالإحاطة والرعاية الخصوصية. فتم بعث جمعيات و"فضاءات المرأة والأجيال القادمة" للتأطير وتوثيق صلة المرأة المهاجرة بقيمها الثقافية الأصيلة والمساهمة في رعاية الجيل الثالث، بالإضافة إلى الإرشاد الاجتماعي بإشراف الملحقين الاجتماعيين، وبرامج التعليم ومحو الأمية وتنشيط الحياة الاجتماعية والثقافية للجالية. وشهد عهد التغيير ارتفاعا مهما في عدد النساء النشيطات عامة والمشتغلات خاصة، حيث بلغت نسبة الزيادة السنوية 3 % أي ضعف النسبة الخاصة بالذكور. وتحديدا، ارتفع معدل نسبة الزيادة السنوية في إحداثات الشغل للإناث إلى 3,21 % خلال العشرية 1999-2004 أي بمعدل 19,8 ألف موطن شغل سنويا. فارتفعت نسبة النساء النشيطات بالمجتمع التونسي من 5,5 % سنة 1966 إلى 20,9 % سنة 1989 وتطور مع التغيير إلى 26,6 % سنة 2004. كما برز دور المرأة في ميدان الاستثمار وبعث المشاريع نتيجة التسهيلات المتوفرة في هذا المجال للصناعيين والمستثمرين للمبادرة الخاصة. - إرساء أسس مجتمع المعرفة: شمل المشروع المجتمعي أبعاد التربية والتكوين والبحث العلمي والثقافة والرياضة والإعلام، في رؤية متكاملة توسّعت آفاقها استعدادا لدخول القرن 21 وإرساء مجتمع المعرفة. فتواصل الجهد لإصلاح التعليم وتحقيق ازدهار الحياة الثقافيّة والرياضيّة وإشعاعها. - إصلاح التعليم وتنميته: تجددت العناية بالتعليم، بعد تحول السابع من نوفمبر 1987، فشهد إصلاحات عميقة من حيث البرامج، والمردود، وتعزيز الإقبال على الجامعة ضمن رؤية هادفة إلى إقامة مجتمع المعرفة. وبدأ إصلاح التعليم بإرساء المدرسة الأساسيّة بقانون 29 جويلية 1991. واستند الإصلاح إلى رؤية واضحة تقوم على اعتبار التعليم حقا من أهم حقوق الإنسان. فأكّد القانون إجباريّة التعليم بين سن السادسة والسادسة عشر. كما تمّت إعادة هيكلة التعليم الثانوي في أربع سنوات تعليميّة مع إدخال التعديلات المناسبة على المواد العلمية والفنية والأدبيّة، والملاءمة بين التكوين العام والتكوين الشخصي للتلميذ. وتمّ تحسين نظام التوجيه وتنويع وإثراء الشعب المؤدية إلى شهادة الباكالوريا(الثانوية العامة). وتواصل إصلاح التعليم بقانون 23 جويلية 2002 الذي أرسى منظومة تربويّة متكاملة. وقد ارتفعت نسبة تمدرس الأطفال ما بين 6 و14 سنة في عهد التغيير، من 75.9% سنة 1984 إلى 86.2% سنة 1994 ثمّ إلى 95.1% سنة 2004. كما ارتفعت نسبة التمدرس بالمرحلة الثانية من التعليم الأساسي وبالتعليم الثانوي من 37.7% سنة 1984 إلى 64.7% سنة 1997 ثمّ 75.7% سنة 2002. - تطوّر التعليم العالي والبحث العلمي: شهد التعليم العالي، في عهد التغيير، تحوّلات جذريّة وكمية بفعل الإرادة السياسيّة الداعمة للجامعة والهادفة إلى تركيز مجتمع المعرفة. وتمثّلت أهمّ الإصلاحات في إرساء مرحلة أولى في التعليم العالي موجهة إلى تكوين الإطارات المتوسطة. وتجسّمت أهمّ الإنجازات في توفير الإمكانات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة وتعزيز اللامركزيّة. هذا بالإضافة إلى النهوض بالبحث العلمي وخاصة إعادة الاعتبار للبحوث ذات الصلة بالتنمية. - إشعاع ثقافي ورياضي: حظيت الثقافة بعناية دولة الاستقلال وازداد الاهتمام بها في عهد التحول باعتبارها سندا للتغيير. فمشروع الرئيس بن علي هو في جوهره مشروع تحديثي يوازي بين مقتضيات التفتح وخصوصيات الهوية التونسيّة العربية الإسلاميّة الضاربة في أعماق التاريخ. وقد كرّس هذا المشروع هذا التوق التونسي المتأصل نحو الحداثة، والذي يعتبر سمة من سمات هذا البلد الإفريقي المتوسطي ذي المكانة الخاصة في محيطه الجغرافي. وقد جاء مشروع التحول ليعيد إلى المبدع اعتباره فاتحا أمامه مسالك الإبداع في كنف الحرية والاطمئنان مجذرا لديه الإيمان بدور الثقافة في دفع الطاقات الإبداعيّة وتثبيت الأسس الحضارية للمجتمع وضمان نموه الاقتصادي وتوازنه الاجتماعي وتدعيم مقوّمات هويته الوطنيّة. واعتمدت الحياة الثقافيّة على ثوابت جسمت مرتكزات الثقافة التونسيّة، فظهرت خصوصيات تونسيّة في الإبداع الفني سايرت، في عديد المجالات، المستويات العالميّة. وقد حظيت الرياضة بتشجيعات هامة توجت بالتظاهرات الإقليميّة والدوليّة. وكان للثورة الاتصاليّة والإعلام دور السند للإشعاع الثقافي والرياضي لتونس. - ثوابت الحياة الثقافيّة: للثقافة التونسيّة ثوابت تعود جذورها إلى الرصيد الإصلاحي التحديثي، وهو رصيد يحظى بالإجماع الوطني منذ عهود. فالفكر الثقافي التونسي، في جوهره، فكر تحديثي يسعى دائما إلى التوفيق بين مقتضيات التفتح وخصوصيات الهويّة التونسيّة المتأصّلة في أعماق التاريخ والمتعلّقة بذاتيتها العربية والإسلاميّة. واعتمد المشروع الثقافي للتغيير على هذا العنصر الجوهري، وحرص على تحرير الثقافة من أسر الفكر الأحادي والتهميش فأعاد الاعتبار للمبادرة وللإبداع في مسايرة التحوّلات العالميّة. كما حرص على إدراج الثقافة في المنظومة المجتمعيّة والتنمويّة العامة باعتباره سندا للرقي والتنمية. - العلاقات الخارجية: أعلن بيان السابع من نوفمبر 1987 الاختيارات الأساسيّة للسياسة الخارجية التونسيّة في عهدها الجديد. فالتزم بالتعهدات الخارجيّة في نطاق ثوابت العلاقات الدوليّة لتونس، كما أعلن العزم على دعم عدد من التوجّهات الرئيسيّة. ومن خصوصيّات السياسة الخارجيّة التونسيّة بعد السابع من نوفمبر 1987 تعزيز علاقاتها بالفضاءات المغاربيّة والعربيّة والإسلاميّة والمتوسّطيّة وإقامة شراكة مع الإتحاد الأوروبي. وقد التزمت تونس بالعمل المغاربي وبناء اتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي، وبالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتوسيع مجالات التعاون الدولي. وحققت تونس إشعاعا عاليا برز في مناسبات متعددة منها قمة تونس العربية وقمّة 5 زايد 5 الأورومتوسطيّة والقمة الإفريقيّة وما اتخذته من مبادرات ومواقف على المستوى الدولي. - الشراكة الدوليّة: بدخول القرن 21 ومواكبة للتحوّلات العالميّة وانسجاما مع منوال التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، تصدرت الشراكة الدوليّة اهتمامات السياسة الخارجيّة التونسيّة، وتركزت على الإسهام في البناء المغاربي والانخراط في الفضاء الأورومتوسطي، وتوسيع مجالات التعاون الدولي بصفة عامة على الصعيد الأممي والعربي والإفريقي. - دعم موقع تونس في فضاءات انتمائها: سعت تونس التغيير إلى تعزيز موقعها في فضاءات انتمائها الحضاري مغاربيا وعربيا وإسلاميّا وإفريقيّا. كما عرفت بدورها النشيط في هذه الفضاءات بدءا ببناء الاتحاد المغاربي. وقد اتخذ العهد الجديد من بناء اتحاد المغرب العربي خيارا استراتيجيّا لا رجعة فيه، وسعى، باستمرار، إلى دفع هذا المسار في ظل بروز مجموعات دوليّة وتكتّلات اقتصاديّة يقتضي التعامل معها بنجاعة وحدة الصف المغاربي. أمّا على المستوى العربي، فقد أكدت تونس أهمية قيام تكتل اقتصادي عربي، وانضمت إلى اتفاقيّة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وقد أنجزت الخطوات الأولى المبرمجة في هذا المشروع. كما اتفقت على التبادل الحر مع عدد من البلدان العربيّة وهي المغرب ومصر والأردن والعراق وسوريا. وقد عرفت تونس بمواقفها الثابتة في خدمة الوئام العربي ومناصرة قضايا الحق والعدل بالمنطقة العربيّة. وكان لها دورها المهم في مساندة خيارات الشعب الفلسطيني في العمل على إرساء و دفع مسار السلام بالشرق الأوسط على أسس عادلة تعيد للشعب الفلسطيني حقه المشروع في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة على أرضه. وساهمت تونس في دعم التعاون بين البلدان الإسلاميّة. وكان لها دور نشيط في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي السعي إلى توجيه الرؤية الإسلاميّة نحو التسامح والانفتاح على الآخر. أمّا على الصعيد الإفريقي، فقد عرفت تونس التحول بوفائها الراسخ لانتمائها الإفريقي. وعملت، بإصرار، على ترسيخ تعاونها وتوسيعه مع شعوب القارة السمراء في إطار نظرة إستراتيجية تحتل فيها إفريقيا مكانة متميّزة. كما ساهمت تونس في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقيّة وفي إقامة الاتحاد الإفريقي سنة 2000. - الإشعاع العالمي: تجلت خصوصيات إشعاع تونس العالمي، في لقاءات القمّة سواء لدفع العمل العربي المشترك أو على صعيد الفضاء الأورومتوسطي، أو في المبادرات المتعلّقة بالمجتمع الدولي وذلك من منطلقات حضاريّة لمشروع التغيير في اتجاه التضامن والتعاون والتسامح. - لقاءات القمّة: مرحلة جديدة في مسار إفريقيا: قمّة تونس 1994 تجلت مساهمة تونس في توسيع مجالات التعاون الإفريقي من خلال دورها في القمّة الثلاثين لمنظمة الوحدة الإفريقيّة بتونس في جوان 1994 برئاسة الرئيس زين العابدين بن علي، ومبادراتها وإنجازاتها أثناء رئاستها للمنظمة في 1994 - 1995 بما مثل منطلقا جديدا في التعاون الإفريقي. وتميّزت قمّة تونس بالحضور المكثف والقياسي للقادة الأفارقة، واعتبرت بداية مرحلة جديدة في حياة القارة السمراء. - دفع العمل العربي المشترك: بعد أن قبلت تونس احتضان مقر جامعة الدول العربية واضطلعت بمسؤوليّتها، لم تعترض على إرجاع مقر الجامعة إلى القاهرة بمصر سنة 1990 لما أجمعت الدول العربية على رجوع مصر إلى الحظيرة العربيّة. وفي الوقت نفسه، أصبحت تونس مقرا دائما للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو). وتواصل الجهد التونسي في سبيل تفعيل دور جامعة الدول العربية ودعم مؤسّساتها المختصة، وفي سبيل تعزيز العمل العربي المشترك وتنقية الأجواء العربيّة والتركيز على التعاون والتضامن. وتمّ، على الصعيد العربي، اعتماد المقترح التونسي بخصوص انتظام القمم العربية ودوريتها، فكانت قمة عمان في 2001 فاتحة لذلك. التطور الاقتصادي بعد خمسين سنة من حصول تونس على الاستقلال و19 سنة من التغيير، يرى الملاحظون المستقلون أن الاقتصاد الوطني الذي انتقل من مرحلة الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد حر ذي توجه إنساني يعيش حاليا فترة نقاوة وتطور ويحمل في طياته مؤشرات جادة للنمو. وقد كان للاقتصاد التونسي القائم على تلازم البعدين الاجتماعي والاقتصادي الفضل الأكبر في تمكين البلاد من الصمود في وجه مختلف الهزات سواء كانت داخلية أو خارجية على غرار التقلبات المناخية (جفاف أو فيضانات) وفصل الدينار ومخلفات التعاضد وأزمات عالمية وتقلبات صرف عملات الاستثمار و التداين (الأورو والدولار) وارتفاع أسعار البترول والتفكيك الجمركي والنتائج السلبية للعولمة (انعكاسات انتهاء العمل بالاتفاقيات متعددة الألياف حول النسيج). وقد حظيت هذه القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي والتي تعتبر ثمرة مجهود ومسار شاق وطويل واكبته جملة من الإصلاحات العميقة والمركزة بشهادة واعتراف من قبل العديد من المؤسسات والهياكل الدولية. حيث أجمعت التقارير الصادرة عن المنظمات العالمية الموثوق بها في عالم الأعمال والمالية على الخصال التي يتمتع بها الاقتصاد التونسي الذي كان قادرا على التفاعل مع كل المتغيرات وهو اليوم يقيم الدليل على انه اقتصاد مهيكل ومتنوع و متجذر في محيطه. ففي مجال الحوكمة الناجعة تحتل تونس المرتبة الثانية على صعيد القارة الإفريقية حسب التقرير السنوي لمنظمة (ترانسبارنسي انترناسيونال) حول الفساد. وهي منظمة غير حكومية تقوم بإجراء تدقيق حول مؤشر الفساد وإسناد إعداد من صفر إلى 10 حسب درجة الفساد الملاحظ في مستوى العمل الإداري والطبقة السياسية. وتحتل تونس من هذا المنطلق المرتبة 43 عالميا بحصولها على 4.90 من 10 وهو معدل يعتبر أحسن نسبيا من المعدل المسجل على مستوى القارة الإفريقية (2.86) ناهيك أن تونس تحتل مكانة أحسن من المعدل العالمي(4.11). وعلى مستوى التنافسية صنف المنتدى الاقتصادي الدولي بدافوس تونس في المرتبة 40 عالميا ضمن تقريره السنوي حول التنافسية. وقد مكن هذا التصنيف تونس من تسجيل تقدم بنقطتين مقارنة بسنة 2004 متقدمة بذلك على عدد من البلدان كايطاليا واليونان. وفي مجال محيط الأعمال تحتل تونس المرتبة 58 عالميا ضمن التقرير حول مناخ الأعمال الصادر عن البنك الدولي وهي بذلك تحتل مكانة متميزة ضمن صدارة بلدان منطقة إفريقيا والشرق الأوسط. ويبرز التقرير التحسن المسجل في مجال بعث المؤسسات والتشجيع على الاستثمار. وعلى المستوى الاجتماعي يصنف برنامج الأمم المتحدة للتنمية تونس في المرتبة 89 عالميا متقدمة بمرتبتين على تصنيفها السابق. ويبرز التقرير تحسنا نوعيا في هذا المجال مع التخفيض في نسبة الفقر بالمفهوم المالي حيث لا يتجاوز عدد السكان الذين يعيشون بأقل من 2 دولار نسبة 4.2 بالمائة. كما تحتل تونس حسب الشركة الفرنسية لتأمين التجارة الخارجية موقع البلد المشجع على الاستثمار. كما تمكنت من تحسين تصنيفها (ب.ب. ب ايجابي) الذي يعتبر تقييما لمدى قدرة البلدان المعنية على الإيفاء بتعهداتها من (ثابت) إلى (ايجابي). ويعكس هذا التحسن التصرف الناجع في عجز الميزانية (3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2005 ) وفي العجز الجاري (1.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2005) ونمو متسارع (5 بالمائة خلال السنوات الـ15 الأخيرة) ومستوى منخفض للتضخم (2.5 بالمائة). وكلها انجازات وقدرات مكنت تونس من احتواء سلسلة من الهزات الخارجية والداخلية بكل نجاعة. وبصرف النظر عن هذه الشهادات والتصنيفات والشهادات المستقلة حول درجة النجاعة الاقتصادية لتونس فان السلط التونسية تتطلع إلى الأرقى باعتبار قناعتها المتواصلة بضرورة السير قدما نحو الأفضل لحماية البلاد من كل مخاطر الانحصار والتراجع. ولتحقيق ذلك عملت تونس على تنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي للبلاد. فقد تمكنت تونس من التحول من البلد الفلاحي غداة الاستقلال لتكتسب صورة البلد الصناعي والعصري الذي تمثل فيه الخدمات أكثر من 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام. كما ارتفع نسق النمو ليصل إلى معدل 5 بالمائة سنويا اعتمادا بالخصوص على قطاعات الصناعات المعملية والسياحة والفلاحة التي تتداول قدراتها على تمكين الاقتصاد الوطني من تحقيق نسق نمو متواصل ومتزن. وعمدت الدولة منذ حوالي 15 سنة وبعد أن كان حضورها طاغيا في بداية سنوات الاستقلال في الحياة الاقتصادية وبالخصوص في قطاعات الفلاحة والنقل والمناجم والطاقة والنسيج والسياحة إلى التخلي تدريجيا وفتح القطاعات التنافسية للمبادرة الخاصة. وقد مكن برنامج الإصلاح الهيكلي من تحرير الاقتصاد والنهوض بالمبادرة الخاصة والعمل المستقل وشملت عملية تخصيص المؤسسات العمومية إلى حد الآن 197 مؤسسة أثمرت لفائدة الدولة 2.46 مليار دينار . ثم جاء برنامج تأهيل الصناعة ليشمل 3410 مؤسسة من جملة 3600 مؤسسة معنية منها 2200 مؤسسة تحصلت على الضوء الأخضر لانجاز مخططات تأهيلها باستثمارات تقدر ب3374 مليون دينار أسندت لها الدولة منحا بقيمة 483 مليون دينار. وكان هذا البرنامج مشفوعا بخطة جديدة تتمثل في برنامج تعصير الصناعة الذي يهدف إلى تحسين قدرة المؤسسات والرفع من جودة منتوجها والنهوض بخدماتها. ويأتي البرنامج الرئاسي (2005/2009) الذي يعد لوحة قيادة لمسار التنمية في البلاد ويرمي إلى خلق 70 ألف مؤسسة على أساس 14 ألف مؤسسة سنويا لحفز اقتصاد البلاد من خلال خاصة تطوير البنية الأساسية الهيكلية (أجزاء طرقات سيارة وميناء في المياه العميقة ومركزيتان كهربائيتان في كل من غنوش والهوارية ومصفاة النفط في الصخيرة وأنابيب لنقل الغاز وتهيئة مدن جديدة جنوب بحيرة تونس وكذلك في تبرورة (صفاقس) وسبخة بن غياضة (المهدية) فضلا عن بعث مناطق سياحية جديدة في كل من هرقلة وللا حضرية بجربة). وهكذا فقد أمكن لتونس البلد ذي الموارد الطبيعية المتواضعة من جني ثمار التحدي الذي رفعته في مجال تنمية مواردها البشرية مما مكنها من التواجد ضمن مجموعة البلدان الصاعدة و التوق إلى اللحاق بكوكبة الصدارة في أقرب الآجال. التنمية البشرية في تونس ودلالات المؤشرات أشاد تقرير التنمية البشرية الأممي لعام 2005 بما حققته تونس من مكاسب وإنجازات في مجال التنمية البشرية. وأشار تقرير الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن تونس حققت تطورا ملحوظا يعود بالأساس إلي تحسن مؤمل الحياة إلى أكثر من 73 سنة، وتقلص نسبة النمو الديمغرافي السنوي إلى 1 بالمائة، وارتفاع نسبة التحضر إلى 63 فاصل 7 بالمائة، وارتفاع عدد مستخدمي شبكة الإنترنت إلى 90 مستخدم عن كل 1000 ساكن إضافة إلى تطور معدل دخل الفرد التونسي بـ 4 مرات بين 1987 و2004 ليبلغ أكثر من 3805 دنانير عام 2005. كما أبرز أن من مظاهر تقدم تونس نجاحها في تحقيق نتائج سياسية متميزة من أبرزها حضور المرأة في البرلمان بنسبة 22 فاصل 8 بالمائة وتواجدها في الحكومة بنسبة 7 فاصل 1 بالمائة. ويقول ممثل برنامج الأمم المتحدة إن تونس تمكنت رغم ضعف المساعدات الخارجية الموجهة للتنمية بالمقارنة مع البلدان الأخرى من النجاح اعتمادا على إمكانياتها الخاصة لتصبح بذلك نموذجا حقيقيا. ويأخذ التقرير الذي يصدره سنويا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الاعتبار تقدم الدول بخصوص التوزيع العادل للخيرات وتحسن الدخل الفردي ومؤمل الحياة والتحكم في النمو الديمغرافي وكذلك توفقها في بناء مجتمعات ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. ويشير التقرير إلى أن تصنيف الدول يعتمد على مدى توفقها في تنفيذ أهداف الألفية الإنمائية إلى غاية 2015 وهو العام الذي ينبغي مع حلوله التقدم في بناء مجتمع أكثر إنصافا وأقل فقرا وأفضل أمانا ويقوم على المساواة بين الجنسين في التعليم والعمل. ويعد مؤشر التنمية البشرية الذي تعتمده المؤسسات الدولية المتخصصة والأجهزة الأممية المرجعية على غرار برنامج الأمم المتحدة للتنمية لقياس مدى نجاح الدول في تحسين ظروف عيش سكانها والارتقاء بنوعية حياتهم لا فحسب على صعيد تطوير مقومات العيش المادية من حيث الدخل السنوي والسكن والتغطية الاجتماعية والصحية وإنما أيضا على مستوى تعزيز كفاءات الفرد المعرفية والعلمية وتيسير نفاذه إلى التكنولوجيات الحديثة ودعم صيغ وآليات مشاركته الفعلية في صنع التنمية وفي تصريف الشأن العام. وتجد هذه الرؤية الشمولية لعملية التنمية عامة ولمفهوم التنمية البشرية على وجه الخصوص صداها العميق وأثرها الحاسم في التجربة التنموية لبلد عربي وإفريقي هو تونس التي تميزت على مدى نصف قرن من الاستقلال برهانها الثابت على العنصر البشري مقصدا أعلى وهدفا أسمى للتنمية بمختلف وجوهها وهو ما بوأها مراتب مشرفة في تصنيفات وتقارير الأجهزة الدولية المتخصصة لاسيما وأن ما حققته في مجال النهوض بالإنسان قد أنجز رغم شح الموارد الطبيعية ومحدودية الإمكانيات المادية. فقد جسد التمشي التنموي الذي انتهجته تونس لاسيما خلال العقدين الماضيين ديمومة الرهان على الإنسان غاية أولى للتنمية. ونستقرئ في ثنايا الخطاب السياسي للقيادة التونسية عمق الالتزام بهذا الخيار على غرار ما جاء في حديث أدلى به الرئيس زين العابدين بن علي إلى وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا" بمناسبة زيارته إلى إيطاليا في شهر ماي 2004 وقال فيه "إن مواردنا البشرية هي ثروتنا الأهم وأداتنا الأنجع في بناء التقدم وتعميم الرفاه على كل التونسيين. ونحن أحرص ما يكون على الاستمرار في رعايتها وتنمية قدراتها وضمان إسهامها في ازدهار تونس وتقدمها". وقد لا يكون من باب التجاوز القول بأن تونس قد اختطت لنفسها طبقا لمقاييس التنمية البشرية المعتمدة من قبل الهياكل الأممية المتخصصة مسارا تنمويا لا تعوزه الفرادة قياسا إلى بلدان محيطها الحضاري والجغرافي.. نتائجه اليوم بادية للعيان.. حاضرة تقديرا وتثمينا في تصريحات وشهادات وتقارير الكثيرين من أهل الرأي وأصحاب القرار السياسي والاقتصادي في الدول المتقدمة وفي المؤسسات والأجهزة الإقليمية والدولية. وفي سياق هذه الشهادات التي تستند إلى أرقام مدققة ومؤشرات موضوعية تنأى بها عن منطق المجاملة أتت شهادة السيد كوفي عنان الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في أفريل 2004 في التقرير الذي أصدره تحت عنوان"الاستثمار في التنمية.. مخطط عملي لبلوغ أهداف التنمية للألفية" والذي ثمن فيه عاليا انجازات تونس في مجال التنمية البشرية. فضمن هذا التقرير الذي يتابع النتائج التنموية لمختلف بلدان المعمورة على ضوء الأهداف التي ضبطتها قمة الألفية المنعقدة برحاب المنتظم الأممي سنة 2000 حرص الأمين العام للأمم المتحدة على إبراز نتائج تونس الايجابية في مجال التنمية البشرية والتي تتجلى بالخصوص من خلال توفقها إلى النزول بنسبة الفقر إلى حدود 4.2 بالمائة وتقليص عدد وفيات الأطفال وتحسين صحة الأم والارتقاء بقطاعات التربية والتعليم وتعزيز المساواة بين الجنسين وتفعيل دور المرأة وتكريس مفهوم التنمية المستديمة. وبدوره جاء تقرير سنة 2005 حول التنمية البشرية الذي أصدره البرنامج الأممي للتنمية في 8 سبتمبر 2005 تمهيدا للقمة العالمية حول التنمية التي التأمت من 13 إلى 16 سبتمبر 2005 بنيويورك ليؤكد النسق التصاعدي للمكاسب التونسية في مجال التنمية بصفة عامة وعلى صعيد التنمية البشرية على وجه الخصوص إذ أشار التقرير إلى ارتقاء تونس من المرتبة 92 عالميا في هذا المجال إلى المرتبة 89 وهو تقدم فسره ممثل البرنامج الأممي للتنمية بتونس بنجاعة المنوال التنموي التونسي وذلك رغم ضعف المساعدة الدولية من أجل التنمية التي لم تتعد 305 ملايين دولار. ويشير التقرير إلى أن ارتقاء تونس إلى مرتبة أفضل عالميا في مجال التنمية البشرية تفسر بالأساس بالتحسن المسجل في معدل مؤمل الحياة عند الولادة وارتفاع نسبة التمدرس إضافة إلى التحسن الذي طال المؤشرات المتصلة بالصحة والسكن والتربية والمساواة بين الجنسين وتطور عدد الطلبة وارتفاع الدخل الفردي وتنامي فرص النفاذ إلى التكنولوجيات الجديدة للإتصال وبالأساس الأنترنات إضافة إلى تنامي مشاركة المرأة في الحياة العامة. تونس.. والرهان على الإنسان لم يكن رهان تونس على الإنسان بمنقطع عن مشروع التحديث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي دشنته البلاد منذ سنة 1956 تاريخ الاستقلال ..وعرف دفعا نوعيا حاسما بعد تغيير 7 نوفمبر 1987 بقيادة الرئيس بن علي .. وهو مشروع استهدف بناء مجتمع متأصل في هويته الحضارية والثقافية .. مجتمع عصري متفتح ومتوازن تسوده قيم الاعتدال والتسامح والتضامن وتتحقق فيه أوفر ما يمكن من أسباب الكفاية والرعاية والإحاطة. وتأسيسا على خصوصية هذه المقاربة التنموية التحديثية التي راهنت على الإنسان/المواطن واعتبرت الاستثمار فيه ومن أجله ضمانة للمستقبل فقد تخطى الجهد التنموي التونسي حدود سد الحاجات الأساسية للفرد إلى الارتقاء المطرد والنوعي بالخدمات المتاحة للمواطن في كل المجالات من تربية وتعليم وتكوين ورعاية صحية وتغطية اجتماعية وتشغيل وتوسيع أطر وفضاءات مشاركته في مجهود البناء التنموي والسياسي. ويقر عديد الملاحظين والمتابعين للشأن التونسي بأن الفضل في نجاحات هذا البلد على درب الارتقاء المطرد بمؤشرات التنمية البشرية يعود بدرجة هامة إلى الخيارات المجتمعية التحديثية التي انتهجتها البلاد على مدى العقود الماضية ومن عناوينها البارزة توخي سياسة سكانية جريئة وناجعة تهدف إلى السيطرة على النمو الديمغرافي حتى لا يكون عامل كبح لنسق التنمية وإلى تثمين الموارد البشرية وتعزيز حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ودعم مكانتها ودورها في الأسرة والمجتمع. المؤشرات الاقتصادية والتنموية لتونس منذ الاستقلال - نسبة الفقر : سنة 1956 : 50% سنة 1986 : 7,7% سنة 2005 : 3,9% انخفاض بمعدل 1% كل عام تقريبا - مؤمل الحياة عند الولادة : سنة 1956 : 51,1 سنة سنة 1984 : 67,4 سنة سنة 2005 : 73,8 سنة ارتفاع بمعدل سنة كل عامين تقريبا - نشر التعليم : تطور نسب التمدرس في الفئة العمرية (6 - 14 سنة) سنة 1956 : 33% سنة 1984 : 75,9% سنة 2004 : 95,1% تضاعفت نسبة التمدرس ثلاث مرات تقريبا خلال 50 سنة من الاستقلال - محو الأمية : نسبة الأمية للفئة العمرية 10 سنوات فما فوق : سنة 1956 : 84,7% سنة 1984 : 46,2% سنة 2004 : 22,9% سنة 2005 : 21,9% تراجعت نسبة الأمية أربع مرّات منذ الاستقلال - التعليم العالي : - السنة الجامعية 1956 - 1957 عدد الطلبة : 2140 ـ نسبة الطالبات : 17% نسبة التمدرس في الفئة العمرية : 20 - 24 سنة 0,5% ـ السنة الجامعية 1986 - 1987 عدد الطلبة : 40830 ـ نسبة الطالبات : 36,7% نسبة التمدرس : 5,7% ـ السنة الجامعية 2005 - 2006 عدد الطلبة : 332000 ـ نسبة الطالبات : 59% نسبة التمدرس : 35,5% تضاعف عدد الطلبة أكثر من 150 مرّة منذ الاستقلال تضاعفت نسبة الطالبات مرّتين تضاعفت نسبة التمدرس 44 مرّة - مواطن الشغل : الفترة 1956 - 1986 : إحداث 700 ألف موطن شغل الفترة 1987 - 2006 : إحداث مليون و160 ألف موطن شغل. حقوق الإنسان في تونس صواب المقاربة وريادة الإنجازات إن الحديث عن مسألة حقوق الإنسان في بلد يحتفل بمرور نصف قرن على استقلاله في عالم اليوم الذي يشهد تحوّلات كبرى شملت التصوّرات والسياسات، يحيلنا إلى المقاربات التي سادت الثقافة السياسية التي تتداولها كثير من الهيئات الرسمية وغير الرسمية على المستوى الدولي وهي مقاربات أولت اهتمامها بدرجة أولى بالجوانب السياسية، أي أنها ركزت على الحقوق المدنية والسياسة للأفراد والجماعات وأهملت بالمقابل كثيرا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. خلال فترة طويلة ، ورغم تنصيص المواثيق والعهود الدولية على شمولية مفهوم حقوق الإنسان بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن الأدبيات التي اعتمدتها عديد الجهات المعنية بمجال حقوق الإنسان أهملت من نضالها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية، واختزلت النضال من أجل حقوق الإنسان في الجانب المدني والسياسي. هذا يتناقض والمفهوم الشامل لحقوق الإنسان الذي يتجاوز اختزال حقوق الإنسان في الحقوق المدنية والسياسية (مثل حرية التعبير، وحرية التنظيم في أحزاب...) إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (مثل الحق في التنمية، في الشغل، في الصحة). كما يستدعي أيضا عدم المفاضلة بين أي حق من حقوق الإنسان حيث لا معنى مثلا لأن يمارس الفرد حقه في إبداء رأيه والتعبير عنه وهو عاطل عن العمل أو لا تتوفر لديه مقوّمات العيش الكريم، أو أن تهضم حقوق الفرد الشخصية والسياسية بدعوى أن ذلك ضروريا لتقدم المجتمع ونمائه. وإذ تراجع اليوم بعض الأطراف مواقفها وتؤكد على شمولية مفهوم حقوق الإنسان فإننا في تونس التغيير نجد في ذلك اعتراف ا بصواب شمولية المقاربـة التـي أرسى دعائمه ـ الرئـيس زين العابدين بن علي منذ تحوّل السابع من نوفمبر 1987. وقد أكدها في الكلمة التي ألقاها بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حين أكد سيادته : "إنّ حقوق الإنسان في نظرنا، كل لا يتجزأ. وقد اتخذنا من الإجراءات والمبادرات ووضعنا من التشريعات والآليات، ما عزّز مقومات هذه الحقوق سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وضمن شموليتها لمختلف الميادين. ونحن فخورون بتجاوب شعبنا مع اختياراتنا وإصلاحاتنا لتحرير الطاقات في مناخ من الحرية والاستقرار، وبروح عالية من التضامن وحب الوطن". وحين نسمع اليوم أصوات المناضلين النزهاء في مجال حقوق الإنسان والهيئات الإقليمية والدولية تؤكد على أن الحق في التنمية مثلا ليس أقل أهمية من الحق في إبداء الرأي فإننا في الواقع نسمع صوت الرئيس بن علي يعلو على جميع هذه الأصوات بل إننا نجد أن الدعوات اليوم إلى اعتماد المفهوم الشامل لحقوق الإنسان هي في الواقع ليست إلا اكتشافا لخصوصية المقاربة التي توختها تونس التغيير منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي. فقد أكد الرئيس بن علي في خطاب يوم 12 ماي 1992 "بالنسبة إلينا، لا مجال للمفاضلة بين مختلف حقوق الإنسان بتقديم صنف منها على آخر، فكل الحقوق متماسكة متكاملة، وجهدنا ينصب على ضمان الحق في الغذاء، والعمل وفي الصحة والتعليم والسكن، وفي الضمان الاجتماعي، وفي حماية الطفل والأسرة ودعم المعاقين والفئات الضعيفة، بقدر ما ينصب على ضمان حرية الرأي والتعبير والإعلام وتأمين المساواة بين الناس وعدم التمييز، والحق في التنظيم الجمعياتي والسياسي". لقد تمكنت تونس بفضل شمولية المقاربة التي توختها في معالجة حقوق الإنسان من النجاح في تحقيق معادلة التنمية والديمقراطية، وهي معادلة عجزت كثير من البلدان على إنجازها، بينما توفقت تونس التغيير إلى تمكين الإنسان التونسي من حقه في النماء وتقاسم عائدات الخيرات، والرقي الاجتماعي من جهة، وبين حقه في المشاركة السياسية، والتنظيم في الأحزاب والجمعيات وإبداء رأيه في القضايا الوطنية، من جهة أخرى. وإن المتأمل في الإصلاحات التي أدخلها الرئيس بن علي خلال سنوات التغيير، يلاحظ أن تونس شهدت بالفعل ثورة في مجال تكريس حقوق الإنسان ثقافة وممارسة وهي ثورة امتدت من برامج التعليم إلى القوانين والدستور الذي نص على احترام حريات الفرد الأساسية، وتجسمت بشكل محسوس في كافة مجالات الحياة. حماية الحقوق المدنية أولت تونس عناية متميزة لحماية حقوق الإنسان المدنية فبادرت بإدخال عديد الإصلاحات التي وفرت الأطر القانونية الكفيلة بصيانتها. فقد صادقت ودون تحفظ على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وذلك سنة 1988، وتم تبعا لذلك تنقيح المجلة الجنائية بإضافة أحكام تتصل بتعريف جريمة التعذيب. كما تم إلغاء عقوبة الأشغال الشاقة سنة1989، وإلغاء التشغيل الإصلاحي والخدمة المدنية سنة 1995، وكذلك تعديل النظام القانوني للإيقاف التحفظي والاحتفاظ بعد إصلاحات أدخلت على مجلة الإجراءات الجزائية في ثلاث منسبات متتالية هي سنة1987 وسنة 1993 وسنة 1999. ويعتبر قانون 14 ماي 2001 المتعلق بالنظام الخاص بالسجون من ابرز مبادرات الرئيس بن علي لحماية حقوق من زلت بهم القدم إذ يتضمن القانون أحكاما جديدة تكفل حقوق السجين وتحدد واجباته في ضوء المعايير الدولية المتعلقة بمعاملة السجناء معاملة تضمن لهم كرامتهم وإنسانيتهم. ودون شك فإن قانون أكتوبر 2002 المتعلق بالتعويض للموقوفين والمحكوم عليهم الذين ثبتت براءتهم يعتبر من أبرز الإصلاحات التشريعية التي ما انفك يعمل على تكريسها الرئيس بن علي حيث أن هذا القانون اقر ولأول مرة إمكانية تعهد الدولة بدفع التعويضات المناسبة لكل من يتعرض إلى الإيقاف التحفظي ولا تثبت إدانته وكذلك بجبر الأضرار لكل من يعاقب بالسجن ثم تحكم المحكمة ببراءته. ومن المبادرات الإنسانية الرائدة إحالة المؤسسات العقابية وإداراتها إلى وزارة العدل وذلك منذ جانفي 2001 بما يكرس مبدأ الولاية القضائية على تنفيذ العقوبات ويعزز الضمانات القانونية لحماية حقوق السجين نصا وممارسة. والمقاربة التونسية في مجال السياسة التشريعية الجزائية تعتمد على أنسنة نظام العقوبات والحرص على إعادة إدماج الجانحين في المجتمع وحماية الذات البشرية. ويتنزل في هذا الإطار إرساء نظام العمل لفائدة المصلحة العامة كبديل لعقوبة السجن وذلك من خلال التنقيحات والإصلاحات التي أدخلت على المجلة الجنائية سنة 1999. الحق في الحرية والديمقراطية : بالإضافة إلى الإصلاحات التي كرّست استقلالية القضاء مثل إلغاء محكمة أمن الدولة وخطة الوكيل العام للجمهورية سنة 1987، فان الإصلاحات الدستورية والقانونية التي شملت الحريات الأساسية تبقى من أبرز إنجازات التغيير. كما أن المتأمل في مسار تكريس الحريات والديمقراطية في تونس يستشف أن ذلك المسار انتهج نسقا تصاعديا بحيث أن كل مبادرة تفضي إلى إنجاز آخر وذلك انسجاما مع ما يشهده المجتمع التونسي من تطور اجتماعي وسياسي. إن مسألة الديمقراطية بمفهومها الأكثر عقلانية هي مسألة دقيقة ترتبط بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية والسياسية في المجتمع إذ "ليس هناك نموذج جاهز" للديمقراطية يمكن تطبيقه أو اعتماده في كل مكان وزمان كما أشار إلى ذلك الرئيس زين العابدين بن علي في حديثه الأخير لجريدة " لوفيغارو " الفرنسية. ولسنا بحاجة هنا إلى التأكيد على أن استيراد النماذج الجاهزة هو في الواقع حرمان للمجتمع من حرية وإرادة صياغة النموذج الديمقراطي الذي يستجيب لتطلعات أفراده. ومن البديهي أن التمشي الذي اختاره عهد 7 نوفمبر 1987 في تونس لإرساء الديمقراطية قد جنّب المغامرات والإنزلاقات. واستنادا إلى خصوصيات تاريخ تونس وعراقة حضارتها وتنوع ثقافتها وخصوصيتنا الحضارية أرسى التغيير مقومات البناء الديمقراطي الجديد، و يتمثل صواب المقاربة لهذا البناء في الترابط الخلاق بين مقومات الديمقراطية ومستلزمات التنمية، وبين التصوّر الإستشرافي في الفكر الديمقراطي وخصوصيات الواقع المعاش . في إطار هذه المقاربة الواعية بان المشاركة في الحياة العامة تندرج ضمن حقوق الإنسان بادر بن علي بإجراء إصلاحات رائدة من بينها القانون الدستوري المؤرخ في 27 أكتوبر1997 وهو قانون تم بمقتضاه التنصيص على دور الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين وعلى توسيع مجال الاستفتاء في القضايا المصيرية للبلاد. كما أن التنقيحات التي أدخلت على الفصل 40 من الدستور باتجاه تكريس تعدد الترشحات لرئاسـة الجمهورية قد كرّسـت إرادة الرئيـس بن علي الصادقة في تعزيز البناء الديمقراطي وتكريس مبادئ التغيير، وبالفعل فقد شهدت تونس ولأول مرة في تاريخها أول انتخابات رئاسية تعددية منذ أكتوبر 1999. ويندرج في هذا الإطار الإصلاحات المتتالية التي أدخلت على المجلة الانتخابية بهدف تكريس حق المواطن في المشاركة في الحياة العامة في إطار الشفافية الكاملة، ويمكن أن نشير إلى أن التنقيحات التي شهدتها المجلة الانتخابية خلال تنقيحات وتعديلات جويلية 2003 وفرت الضمانات القانونية اللازمة للناخبين ودعمت شفافية العملية الانتخابية في مختلف مراحلها وهي اليوم الإطار القانوني المتكامل الذي عزز المسار الديمقراطي التعددي وجسم الخيار الثابت بتطوير الحياة السياسية ودعم الحريات وتوسيع مجال المشاركة في الحياة العامة وفق مبادئ وأهداف الإصلاح الجوهري للدستور الذي وقع إقراره في 1 جوان 2002. كما أن المجلة الانتخابية في صيغتها الجديدة مكنت من الارتقاء بعدد المرسمين إلى مستوى تطلعات مكونات المجتمع إلى المشاركة الواسعة في الحياة السياسية. وعملية تسجيل المواطنين على القوائم الانتخابية مسالة جوهرية في كل عملية ديمقراطية والعديد من النضالات من أجل الحقوق المدنية والسياسية في العالم ركزت على هذا الهدف. وفي تونس تم تسجيل مليون و53 ألف ناخب جديد ضمن القائمات الانتخابية بما يرتقى بنسبة المسجلين من الذين بلغوا السن التي تؤهلهم لحق الانتخاب إلى 80 بالمائة بعد إن كانت هذه النسبة لا تتجاوز 60 في المائة سنة 1999. إن الحق في الحياة داخل مجتمع تعددي ديمقراطي في تونس التغيير هو حق يجد مكانه مجسدا في برلمان تعددي يجمع تحت قبته ممثلين عن 6 أحزاب سياسية تنشط بحرية كاملة، وتصدر صحفها لتعبر من خلالها عن آرائها ومواقفها، وهي أحزاب يضمن لها القانون التمويل العمومي لعملها السياسي ويضمن لصحفها منحة سنوية قارة. كما يجد الحق في الحياة التعددية مكانه مجسدا في ما تتوفر عليه تونس اليوم من جمعيات تنامي عددها ليبلغ أكثر من 8500 جمعية تعمل في مختلف المجالات وهي تمثل اليوم رافدا قويا من روافد المجتمع المدني. لقد اعتمد التغيير في الإصلاح السياسي ودفع التعددية على ما يماثل آليات "التمييز الايجابي" في توسيعه لرقعة تواجد المعارضة والمرأة في الحياة السياسية، وقد كان ذلك بشكل متدرج ابتداء من سنة 1994 التي شهدت لأول مرة دخول نواب عن المعارضة لمجلس النواب وصولا إلى المحطة السياسية لعام 2004 مرورا بسنة 1999 التي شهدت أول انتخابات رئاسية تعددية. ومن منطلق الجدية وروح المسؤولية وضع التغيير ضوابط وقائية لحماية الديمقراطية من أعدائها، إذ نص القانون الدستوري الصادر في 27 أكتوبر 1997 صراحة على إن الأحزاب السياسية "تساهم في تأطير المواطنين لتنظيم مشاركتهم في الحياة السياسية، وتنظم على أسس ديمقراطية وعليها أن تحترم سيادة الشعب وقيم الجمهورية وحقوق الإنسان والمبادئ المتعلقة بالأحوال الشخصية". كما نص القانون على "التزام الأحزاب بنبذ كل أشكال العنف والتطرّف والعنصرية وكل اوجه التمييز". والدستور التونسي صريح في تصديه لاستغلال حياة التعددية والديمقراطية من قبل المتطرفين حيث ينص الفصل الثامن على انه "لا يجوز لأي حزب أن يستند في مستوى مبادئه وأهدافه أو نشاطه أو برامجه على دين أو لغة أو عنصر أو جنس أو جهة". وان مثل هذه الإصلاحات الدستورية لتشكل في تونس اليوم حصنا منيعا ضد كل أشكال التطرّف وضد كل من يتوهم انه بإمكانه استغلال الديمقراطية كمدخل لزرع بذور الفتنة والكراهية في المجتمع. و بدون شك فان اختيار الرئيس زين العابدين بن علي الرهان على البناء الديمقراطي هو اقتناع بان التنمية الشاملة لا تنجزها غير الطاقات المتحررة من كل أشكال الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا الرهان الجريء هو الذي ارتقى بتونس في حيز زمني قصير من صفّ البلد السائر على طريق النمو إلى منزلة البلد الصاعد والطامح إلى الانضمام ل ركب منظومة الدول المتقدمة. حقوق الإنسان والإصلاح الجوهري للدستور إن تونس التي ثابرت وواظبت على تحقيق معدلات نمو سنوية لم تنزل تحت 5 بالمائة هي بكل المقاييس بلد يتقدم بنجاح ساهم في رقيه مجتمع متحرر وتعددي تحكمه دولة القانون والمؤسسات ازدهرت فيه حقوق الإنسان في ظل قيادة سياسية رشيدة تحظى بشرعية تساندها مختلف شرائح المجتمع وفئاته. و المفهوم الشامل للديمقراطية ولحقوق الإنسان بينه الرئيس زين العابدين بن علي في عديد خطبه من ذلك تأكيده في كلمته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان يوم 10 ديسمبر 2001 "إن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ لا مفاضلة بين أصنافها ولا تمييز لإحداها على الأخرى لذلك كان الإنسان وما يزال محور اهتماماتنا وغاية إصلاحاتنا سعينا منذ التغيير على صيانة حقوقه وحمايتها وإثرائها باستمرار في جميع الميادين". في هذا السياق، يتنزل الإصلاح الجوهري للدستور الذي أعطى دفعا جديدا في اتجاه مزيد تكريس دولة القانون والمؤسسات بما سجل نقلة نوعية في التاريخ السياسي التونسي الحديث تمثلت بالخصوص في تنزيل حقوق الإنسان منزلة خاصة في الدستور الذي أصبح يتضمن أحكاما عززت الحصانة الدستورية لهذه الحقوق. لقد مثل مبدأ احترام حقوق الإنسان خيارا جوهريا للمشروع المجتمعي الذي حرص الرئيس زين العابدين بن علي على تحقيقه لإرساء دعائم جمهورية الغد، وهي جمهورية لا تقطع مع صفحات الماضي المشرقة بقدر ما تعتز بالحاضر المشرف المؤسس للمستقبل الواعد والمفعم بالطموحات التي يبقى تحقيقها في متناول التونسيين . فالإصلاح الجوهري للدستور جاء متكاملا وشاملا بما جعل الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والجمعيات والمثقفين ومختلف مكونات المجتمع التونسي علاوة على خبراء القانون الدستوري يساندونه باعتباره كرّس المبادئ الأساسية التي جاء بها السابع من نوفمبر والمتمثلة خاصة في شمولية حقوق الإنسان وتكاملها وفي تكريس مبادئ دولة القانون والتعددية وقيم التضامن والتسامح والولاء لتونس وتعزيز المناخ الوفاقي بين كافة القوى للذود عن الوطن ولصيانة ما تنعم به تونس من أمن وأمان واستقرار. و الإصلاح الجوهري للدستور أولى حقوق الإنسان والحريات منزلة متميزة حيث تضمن إصلاحات تركزت أساسا على توسيع حماية الحياة الخاصة للفرد وتكريس حرمة الاتصالات وحماية المعطيات الشخصية، فقد اقر الفصل الخامس من الدستور بان الجمهورية التونسية تضمن حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وتعمل من اجل كرامة الإنسان وتنمية شخصيته. ويكتسي التنصيص على تكريس حرمة الاتصالات وحماية المعطيات الشخصية أهمية متميّزة في عصر يشهد ثورة اتصالية كبيرة، وهي ثورة واكبتها تونس بكل وعي واقتدار حيث بلغ عدد مستخدمي الانترنيت في تونس حوالي مليون شخص وتم ربط المؤسسات الجامعية والتربوية بالشبكة لتمكين الناشئة من فرص الإبحار والاستفادة مما توفره الانترنيت من معطيات، وقد شجعت المبادرات الرئاسية المتتالية والتي خفّضت من تكلفة الربط بشبكة الانترنيت وفرت للجميع إمكانات استعمالها بما شجع التونسيين أينما كانوا على الارتباط بالشبكة وذلك في تعبير جديد عن مفهوم الديمقراطية والمساواة في الحظوظ في عهد التغيير. وتمثل الحماية التي يمنحها الإصلاح الدستوري للحرمة الشخصية تجسيما جديدا للتمشي التحديثي والمتدرج للتغيير في مجال حقوق الإنسان، فالفرد في فلسفة التغيير له حقوق خاصة به يجب توفيرها وصيانتها بمثل الأهمية التي تصان بها حقوق المجموعة. كما تضمن نص الدستور الارتقاء بواجب ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح بين الأفراد والفئات والأجيال إلى مستوى الالتزام الجماعي تماشيا مع ما عرفت به تونس عبر تاريخها من تعلق بهذه القيم الحضارية والإنسانية وتأكيدا للمكانة المتميّـزة التي يوليها الرئيس زين العابدين بن علي للتضامن الوطني الذي بات ميزة بارزة وخاصية معتبرة من خصائص الأنموذج التونسي للتنمية. الحق في التنمية توفقت تونس إلى الجمع بين حقوق الإنسان السياسية والمدنية من جهة وحقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من جهة أخرى. فإلى جانب الرقي بما كان يعرف بمناطق الظل والعناية بفاقدي السند، جعل عهد السابع من نوفمبر من تونس بلدا صاعدا ووجهة استثمارية تستقطب أكثر من 3000 مؤسسة أجنبية وفرت عشرات الآلاف من مواطن الشغل الجديدة . كما احتلت تونس المرتبة الأولى في إفريقيا في مجال القدرة التنافسية وتعززت هذه المكانة بإدراج تونس في قائمة الثمانين بلدا الأكثر تقدّما في العالم وتوسّعت قاعدة الطبقة الوسطى لتشمل نحو 80 بالمائة من المجتمع وبلغ مؤمل الحياة عند الولادة 73 عاما منذ سنة 2001 مقابل 67 عاما سنة 1987 ونسبة تمدرس تجاوزت 99 % بالنسبة للأجيال الذين هم في سن السادسة ذكورا وإناثا. كما تطوّرت مختلف المؤشرات المتصلة برفاهية الحياة ويعود هذا التطوّر إلى الإنجازات العديدة التي سجلت في المناطق الريفية بفضل البرنامج الجهوي للتنمية وصندوق التضامن الوطني والمشاريع الرئاسية وقد ارتقت نسبة التنوير في الوسط غير البلدي من 66 فاصل 3 بالمائة سنة 1994 إلى 95 فاصل 9 حاليا. وتعمل تونس من خلال المخطط الحالي على بلوغ نسبة ارتباط بخدمات الاتصال (باعتبار كل التكنولوجيات) تفوق 50 بالمائة من السكان وهو المؤشر الذي يرقى إلى مستوى النتائج المسجلة بأغلب الدول المتقدمة. وتبرز مثل هذه المؤشرات أن رقعة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي قد توسعت في تونس بشكل كبير، وتزامن ذلك مع توسع قاعدة الطبقة الوسطى حيث أصبحت تمثل ثلثي المجتمع، فالمجتمع التونسي الذي تبلغ نسبة التحضر فيه حوالي 70 بالمائة ينتفع أفراده اليوم بشكل عادل بثمار الخيرات وعائداتها. إن الوجه الإنساني لسياسة الرئيس يتجلى أيضا عبر الاختيارات الحضارية التي ما فتئ يعمل على تجسيدها على أرض الواقع ذلك أن المتأمل في عناصر الميزان الاقتصادي ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2004 يقف على مؤشرات لها دلالاتها حيث اختار الرئيس مزيد الرقي بالدخل الفردي للمواطن التونسي سنة 2004 ليبلغ 3540 دينارا وبلغ 3735 دينار في موفى 2005 . كما تدعمت التحويلات الاجتماعية بعد أن تم تخصيص 50 فاصل 7 بالمائة من مجموع إعتمادات التصرف والتنمية إلى المجالات الاجتماعية في الميزانية العامّة للدولة التونسية وهذه النسبة قد لا نجد نظيرا لها في العالم. ونجاح المقاربة التنموية في تونس لقي صدى واسعا لدى عديد الهيئات الدولية ولدى الخبراء المشهود لهم بالموضوعية والكفاءة، رجل الاقتصاد الأمريكي جافري ساكس ( احد كبار أساتذة جامعة هارفرد واحد من يعهد إليهم منتدى دافوس الاقتصادي بإعداد تقاريره) قال سنة 2000: " إن تونس التي نجحت في وضع اقتصاد سوق منفتح وعصري رغم الانعدام شبه الكلي للموارد الطبيعية بها، قادرة على الاستفادة من العولمة بفضل اندماجها الناجح في الاقتصاد العالمي وقربها من احد الفضاءات الأكثر ديناميكية في العالم أي الاتحاد الأوروبي وخاصة بفضل سياستها الرامية إلى تأهيل وتكوين مواردها البشرية". وأضاف " ان اختيارات تونس الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق التربية والتعليم إلى كل فئات المجتمع والنهوض بأوضاع المرأة وتكييف الاقتصاد ليساير التطورات العالمية والحفاظ على نسبة نمو مرتفعة مكنتها من الارتقاء ضمن البلدان الصاعدة الأكثر ديناميكية وتبوّء مركز متميز ضمن الفضاء الاقتصادي المتوسطي". حقوق المرأة جزء من حقوق الإنسان إن إنجازات تونس في مجال حقوق الإنسان شملت مختلف الفئات العمرية من أطفال وشباب وكهول ومسنين، كما شملت مختلف الفئات من معوزين ومحدودي الدخل وطالبي الشغل وعمال وموظفين، على أنـه من أبرز ما يحق الوقوف عنده هو ما تحقق من مكاسب ثورية في مجال تكريس حرية المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من قوى المجتمع وباعتبار ان حقوقها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وإيمانا بحق المرأة الإنساني والاجتماعي في المساهمة والمشاركة في بناء المشروع المجتمعي حرص الرئيس بن علي على دعم حقوق المرأة ضمن إصلاحات وتشريعات رائدة مما مكن من إزالة كل عوامل التمييز ضدها. كما أذن بإحداث الآليات المؤسساتية الكفيلة بتجسيد سياسة التغيير في هذا المجال ومنها بالخصوص وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين والمجلس الوطني للمرأة والأسرة وغير ذلك من الهياكل وهو ما مكن المرأة التونسية اليوم من ممارسة حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تمييز في ذلك بينها وبين الرجل. وتكريسا لمبادئ وقيم هذه المقاربة التي لا تفاضل بين المرأ ة والرجل في ممارسة حقوقهما صادقت تونس على كل الآليات الأممية المتصلة بحقوق الإنسان. و المؤشرات التي حققتها تونس في هذا المجال هي متميزة سواء بالمقارنة مع البلدان الشبيهة لتونس أو مع الدول المتقدمة . وبفضل نجاعة سياسة تونس التنموية التي تراهن على استثمار كل الموارد البشرية أصبحت المرأة تمثل اليوم أكثر من 25 بالمائة من السكان النشيطين كما تمثل المرأة 50 بالمائة من الإطار الطبي و50 بالمائة من إطار التدريس وقرابة 40 بالمائة قي التعليم العالي و27 بالمائة من القضاة و31 بالمائة من المحامين كما بلغ عدد المؤسسات التي تديرها المرأة حوالي 10000 مؤسسة. وفي مجال التعليم ارتفعت نسبة التمدرس في سن السادسة إلى ما يفوق 99 بالمائة ذكورا وإناثا. كما ارتفعت عدد الفتيات المزاولات للتعليم العالي إلى 57 بالمائة من مجموع الطلبة. وبالإضافة إلى ذلك فان التجربة التونسية في مجال تعزيز حقوق المرأة قد حققت نقلة نوعية بخصوص حضور المرأة في مواقع صنع القرار ومشاركتها في الحياة المدنية والسياسية، فقد ارتفعت نسبة تواجد المرأة في مجلس النواب إلى 22 فاصل 7 بالمائة وبلغت في الحكومة 10 بالمائة وفاقت في المجالس البلدية 26 بالمائة فضلا عن اضطلاعها بعديد المسؤوليات في مختلف المستويات الوزارية والدبلوماسية. وبلغت نسبة حضور المرأة في اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم)26.4 % . وقد استأثرت المكانة المتميزة التي تحظى بها المرأة في المشروع المجتمعي التونسي باهتمام عديد الهيئات الإقليمية والدولية وكذلك الخبراء ورجالات الإعلام، ومن بين الشهادات في هذا المجال تعليق نشره دنيس جميار مدير تحرير مجلة "الاكسبريس" الفرنسية (08 نوفمبر 2001) بعد أسابيع من أحداث 11 سبتمبر 2001 حمّله نقدا ذاتيا يقر فيه بالتقصير في الإلمام بكافة جوانب المقاربة التونسية كما حمّله إشادة خاصة بتجربة تونس وأنحى فيه المسؤول الصحفي باللائمة على زملائه في الساحة الإعلامية الفرنسية لعدم اعترافهم في السابق بان تونس هي "أكثر البلاد العربية تقدما على صعيد الحريات المدنية". وأضاف يقول:" ان المرأة تحظى في تونس بوضع لا مثيل له في العالم العربي والإسلامي.. وهناك فصل بين الدين والسياسة ونسبة التمدرس فيها تماثل النسبة المسجلة في البلدان الغربية والاقتصاد ينمو بنسبة تقارب 5 بالمائة تقريبا". الحق في حرية الرأي والتعبير لقد تعززت حرية الرأي والتعبير بفضل عديد الإجراءات الرائدة من أبرزها : ـ إحداث المجلس الأعلى للاتصال منذ عام1989، وهو مجلس مكلف بالخصوص بدراسة واقتراح كل الإجراءات التي من شأنها أن تساهم في وضع سياسة اتصال تهدف إلى تمكين المواطن من الوصول إلى إعلام حر وتعددي. ـ إدخال إصلاحات على مجلة الصحافة في ثلاث مناسبات (1988 ـ 1993 ـ 2001) باتجاه مزيد دعم الحريات العامة، ومن أبرز ما جاءت به تنقيحات 2001 حذف جريمة ثلب النظام العام، وذلك بالإضافة إلى إجراءات أخرى مثل إلغاء كتابة الدولة للإعلام (9 أكتوبر 1997) وتمكين الصحافيين من تخفيضات خاصة في مجال الارتباط بالانترنيت. وبفضل الإصلاحات التي شهدها قطاع الإعلام الذي يعكس مستوى حرية الرأي والتعبير، فإن الفضاء الإعلامي التونسي اليوم هو فضاء مفتوح وتعددي حيث تصدر اليوم في تونس أكثر من 210 نشريات ودوريات وطنية، وحوالي 700 نشرية وصحيفة أجنبية، ويوجد بتونس 70 مراسلا أجنبيا معتمدا، هذا بالإضافة إلى 5 محطات إذاعية جهوية، و"قناة تونس7" الوطنية التي تبث عبر الأقمار الصناعية، وقناة موجهة للشباب. وبإمكان أي مراقب نزيه أن يلاحظ اليوم أن المشهد الإعلامي التونسي هو مشهد متنوع وثري. وقد تعزز المشهد الإعلامي بفتح القطاع السمعي البصري على القطاع الخاص. وفي إطار إيمان تونس التغيير بحق المواطن في تنوع المشهد الإعلامي وثرائه اتخذ الرئيس بن علي عديد الإجراءات التي عززت الحياة التعددية في هذا الإطار تتنزل المبادرة المتعلقـة بضبط المنحة السنوية لدعم صحافة الأحزاب السياسية (الأمـر المؤرخ في 10 أفريل 1999) وذلك بهدف مساعدة هذه الأحزاب على إصدار صحفها وإبلاغ صوتها بما يساهم في إثراء المشهد الإعلامي وتنويعه . ويأتي هذا الإجراء ليعزز ما تتمتع به الصحافة عموما من دعم يشمل الورق والإعفاء من الأداء المباشر على المواد التي تدخل في صناعة الصحف. ولم يكن هذا التنوع والتفتح محض صدفة بل هو نتيجة لإرادة سياسية في دعم الإعلام والإعلاميين وقد أكد الرئيس هذه الإرادة في حديث لصحيفتي "الشروق" و"الصباح" التونسيتين يوم 12 ماي 2001 حين توجه للصحافيين بالقول : "أقول لكم مرة أخرى وبوضوح لا لبس فيه اكتبوا في كل المواضيع التي ترونها فليس هنالك محرمات إلا ما يمنعه القانون وأخلاق المهنة الصحفية كما أن من مسؤوليات الإعلام المساهمة في تغيير العقليات بما في ذلك لدى بعض المسؤولين الذين عليهم التعود على استساغة النقد وتقبله. وإذا ما رصد الإعلام أخطاء أو مشاكل فان علاجها لا يتم بمواجهة النقد أو تجاهله فمن وظائف النقد الدفع نحو التقدم بالأشياء. إنني أريد إعلاما في حجم تطلعاتنا الوطنية وفي مستوى نضج الرأي العام التونسي يعكس كفاءة مواردنا البشرية في هذا القطاع وحجم الإمكانات والإعتمادات المرصودة له ولم يعد مقبولا أي تبرير مستقبلا في هذا المجال". لقد آمنت بان الإعلام الحر والتعددي هو حق من حقوق المواطن لذلك حرصت الدولة على توفير الضمانات القانونية لكل العاملين بالقطاع. آليات حماية حقوق الإنسان إيمان القيادة السياسية في تونس بحق الإنسان في أن يتمتع بحقوقه كافة، في شموليتها وكونيتها، لم يتوقف عند تكريسها ثقافة وممارسة في الحياة اليومية للأفراد، بل تجاوز ذلك إلى مستوى تركيز جملة من الآليات الناجعة الكفيلة بصيانة حقوق الإنسان وحمايتها. فقد حرص الرئيس بن علي طيلة سنوات التغيير على بناء منظومة متكاملة من الآليات الهادفة إلى حماية حقوق الفرد المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبإمكان المراقب النزيه أن يلاحظ اليوم أن ما تتوفر عليه منظومة حقوق الإنسان في تونس من آليات حماية تجنبها أي شكل من أشكال الانتكاس. ومن بين هذه الآليات يمكن أن نذكر إنشاء"الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية" سنة 1991 التي تضم نخبة من الكفاءات الوطنية وتتولى متابعة موضوع حقوق الإنسان في مختلف المجالات، كما تتولى إعداد تقرير سنوي يعرف بـ" التقرير الوطني" تدون فيه كل ملاحظاتها واقتراحاتها وترفعه إلى رئيس الجمهورية . ومن بين الآليات الأخرى خلايا حقوق الإنسان في الوزارات (وزارة الشؤون الخارجية، وزارة العدل، وزارة الداخلية). كما إن إحداث "جائزة رئيس الجمهورية لحقوق الإنسان" سنة 1993 يعد من المبادرات الرائدة، وممّا يضفي أهمية متميّزة على الجائزة هو أنها تسند إلى الشخصيات والمنظمات والمؤسسات والهيئات التي تميّزت بإسداء خدمات جليلة في مجال حقوق الإنسان، ودعمها وتطويرها ونشر ثقافتها على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو العالمي، ومنذ إحداثها تمّ إسناد الجائزة إلى مناضلين نزهاء في مجال حقوق الإنسان من تونس ومن خارجها. وتساهم "اللجنة الوطنية للتربية على حقوق الإنسان" ، التي كرس إحداثها إيمان تونس التغيير بأن حقوق الإنسان هي منظومة من القيم الإنسانية النبيلة التي يتحتم على المجتمع تربية الناشئة عليها، تساهم في نشر قيم حقوق الإنسان في الأوساط المدرسية والتربوية. ووعيا منها بكونية مبادئ وآليات حقوق الإنسان، حرصت تونس منذ سنة 1993على إدخال المعايير الدولية لحقوق الإنسان في برامج تكوين القضاة والأعوان المكلفين بتنفيذ القوانين. كما ساهمت التظاهرات الإقليمية والدولية التي احتضنتها تونس في مزيد نشر مبادئ حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها. ويتنزل في هذا الإطار الملتقى الدولي الأول حول التربية من أجل الديمقراطية الذي نظمته اليونسكو سنة 1992، والندوة العربية حول "التربية في مجال حقوق الإنسان سنة 1993، والندوة المتوسطية حول "بيداغوجية التسامح" سنة 1995، والتي أصدرت "عهد قرطاج للتسامح في منطقة البحر الأبيض المتوسط"، ويعتبر عهد قرطاج للتسامح وثيقة مرجعية تؤسس لميثاق أدبي وإنساني حول القيم المشتركة في حوض المتوسط. إن هذه المكاسب والانجازات التي تحققت لتونس في ظرف زمني قصير أكد على أبعادها النبيلة الرئيس زين العابديــن بن علي في الكلمة التي ألقاها سيادته يوم 16 ديسمبر في الذكرى الخامسة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : "حرصنا على أن يشمل الإصلاح كل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى تحقيق التكامل بينها ووسعنا مجال الحريات الفردية والعامة، وطوّرنا التشريعات بما يرسخ الديمقراطية ويكرّس التعددية في مختلف مؤسسات الجمهورية وطورنا المجلة الانتخابية بما يضمن مزيد الشفافية ويؤمّن أوسع مشاركة ممكنة للمواطنين من خلال اعتماد نظام المراجعة الدائمة للقائمات الانتخابية. كما شمل الإصلاح تأمين حرمة الفرد، وتحسين ظروف إقامة السجناء، وتطوير برامج تكوينهم وتأهيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع، وفتح الفضاء السمعي البصري أمام إذاعات وتلفزات الخواص، علاوة على ما أذنا به من إجراءات لإثراء المشهد الإعلامي، وتوسيع منابر الحوار وعرض الملفات في وسائل الإعلام، بما يتيح مجال التعبير أمام مختلف الآراء والمواقف". كما أكد على نجاح تجربة التضامن الوطني وعلى ما أصبحت تحظى به تونس من تقدير في المحافل الدولية: "وقد راهنا على إذكاء قيم التآزر والتكافل لدى شرائح المجتمع كافة. وأدرجنا التضامن في نص الدستور الجديد قيمة إنسانية ثابتة، وواجبا أخلاقيا ساميا، بما يستبعد مخاطر الإقصاء والتهميش؛ فحققت التجربة التونسية، النجاح والتميّز، وجلبت إليها اهتمام الرأي العام العالمي، وكانت محل تقدير وإكبار في المحافل الدولية". المقاربة التونسية في مجال حقوق الإنسان تتميز بخصوصيات عدة جعلتها جديرة بالاهتمام على المستوى الإقليمي والدولي من بينها توازنها وشموليتها وحداثتها وتفتحها على القيم الكونية الأخرى. وقد أكد الرئيس بن علي في خطابه يوم 22 جوان 1993 من أعلى منبر البرلمان الأوروبي في سترازبورغ : "إننا نؤكد إن حقوق الإنسان إيمان وثقافة وآليات وممارسة يومية نحرص على تكريسها ودعمها. كما إن الديمقراطية سلوك حضاري نابع من التحلي بروح المسؤولية، مبني على مبدإ المساهمة وفق القيم الأخلاقية المتعارف عليها في هذا المجال وان نجاحها مرتبط باحترام القيم الكونية المشتركة مع مراعاة خصوصيات كل بلد وظروفه الذاتية في ما يتعلق بمناهج إدماجها في واقع البلدان وممارستها". ومن أبرز المبادرات العالمية لتونس هي مقترح الرئيس بن علي إنشاء صندوق عالمي للتضامن الذي صادقت عليه منظمة الأمم المتحدة بالإجماع . و كل هذه الأبعاد تجعل تجربة تونس في مجال حقوق الإنسان قادرة على تمهيد السبيل لجمهورية الغد في تونس القائمة على الحرية والديمقراطية إقرار أممى جديد بجهود تونس في مجال الارتقاء بحقوق الإنسان: جاء انتخاب مرشح تونس الأستاذ عبد الفتاح عمر عضوا في لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، خلال الاجتماع الخامس والعشرين للبلدان الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المنعقد مؤخرا بنيويورك،اعترافا جديدا من دول العالم بجهود تونس المثابرة في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. ويترجم هذا التتويج المتجدد لتونس تقديرا لصواب مقارباتها التي تستند إلى تمسك قيادتها بمبادئ حقوق الإنسان الخالدة وقيمها الكونية، وهو ما بينه الرئيس زين العابدين بن على عندما أكد انه "لم يتم منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 الفصل يوما بين مسيرة الحريات وحقوق الإنسان ومسيرة التنمية الشاملة وبناء الديمقراطية وترسيخ التعددية في البلاد". كما ينطوي هذا الإجماع حول تونس على إقرار بنظرتها الشمولية لحقوق الإنسان التي جعلها سيادة الرئيس في طليعة المبادئ والأهداف الوطنية لإيمانه بان الإنسان لا يعتز بانتمائه إلى وطنه ولا يشارك في العمل الجماعي ولا يؤمن بالمثل العليا والأهداف الوطنية السامية إلا متى كان لرأيه وزنا ولحقوقه حرمة ولكرامته مكانة. وقد أصبحت تونس في ظل هذا التمشي وبفضل ما شهدته من تحولات سياسية نوعية بلد الحقوق والقيم، وبرزت للعالم كبلد للحريات وعلوية القانون والتقدم الديمقراطي المتواصل . كما تدعم فيها العمل التنموي القائم على تعزيز الثقافة الديمقراطية والتعددية السياسية. ويأتي هذا التألق ليعزز الرصيد الكبير من المصداقية الذي تحظى به تونس في المحافل الدولية والذي تجلى في مناسبات عديدة سابق
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 09-مايو-2025 الساعة: 12:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1421.htm