د.محمد النهاري -
كشفت الحرب ضد لبنان عن خلل بنيوي عميق في النظام العربي الذي ظهر أنه كيان استهلاكي هش يفقد الرابط بين طرفيه الأساسيين، الراعي والرعية، مما يثبت أن هذه المؤسسات المنبثقة عن هذا الكيان، كمؤسسة الجامعة العربية، أو المؤسسات الداخلية كالبرلمانات أو حتى هذه المؤسسات الهزيلة التي يطلق عليها كما يطلق زوراً على المؤسسات السابقة مؤسسات المجتمع المدني، ليست إلاّ تعبيراً أكثر وضوحاً عن هذا الزيف الذي يحاول أن يطلع الجيل الحاضر والمخضرم على حدٍ سواء بأن الأمة تسير عكس الاتجاه.. بل إن الحقيقة الأكثر ضراوة وسطوعاً ان الكيان العربي الإسلامي لم يعد مصاباً بخلل وحسب وإنما أصبح هذا الكيان، مؤهلاً للسقوط في أي وقت آخر. إن الجديد في هذه الحرب الذي يقف فيه حزب بمفرده لمواجهة دول كثيرة تؤكد أن الرجعية العربية السلفية لم تبد- وهذا لأول مرة- متخاذلة بل تظهر شريكة في تخريب الجدران جدران البيت على نفسها، بل تظهر هذه المرة بوضوح وجرأة غير معهودة كما لوكانت تتباهى بصياغة بيان يشجب الحرية والانعتاق من إسار القيم الإسلامية والعربية.. وقد فعلت هذه حسناً عندما ظهرت من تحت الطاولة لتجهر بهذا الموقف الناجع. لم ولن يستثنى المشروع الصهيوني أحداً، ولن تكون هذه المواقف المتخاذلة بياناً تضامنياً لوقاية نفسها من الاكتساح القادم.. لما لم تستطع أمريكا أن تجعل من نفسها منفذة لفكرة الشرق الأوسط الجديد- وهي فكرة صهيونية بالأساس- فإنها دفعت إسرائىل مخرجاً لتنفيذ الفكرة، والأنظمة العربية بين من يحلق رأسه بنفسه وبين من ينتظر »موس« اليهود لأنه أكثر مضاءً. يكاد يكون موقف اليمن هو الموقف الوحيد المنبثق من ركام (لاءات) الخرطوم ومن عزة الصوت الوحيد في قمة القاهرة، الرافض للاحتلال الأمريكي.. واليمن يعرف سلفاً بأنه سيدفع- بوعي- ثمن هذا الموقف العربي السليم.. إن الجماهير العربية هي التي تستطيع أن تنسف هذا البنيان المهتريء الذي لم يعد مؤهلاً لإيواء حيوان بشكل قطة.. ان لهذه الجماهير ان تستيقظ لغسل عار الخذلان والجبن، الذي لامبرر له إلاّ البقاء في ظل نعمة الشوكولاته الطازجة وعلبة الايسكريم الشهية على مسابح قصور ظليلة مبنية من جماجم المستضعفين والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لايعلمون.