د.عبدالعزيز المقالح -
- أخيراً، وصل فيض ديمقراطية البيت الأبيض إلى لبنان على شكل صواريخ وقنابل تدمر وتقتل المدنيين الأبرياء وتخلق حالة غير مسبوقة من الفزع لم يشهدها هذا الشعب، توازيها- عنده- حالة من التحدي المدهش والتضامن الوطني منقطع النظير. والسؤال هو: ما الهدف الذي تريده الإدارة الأمريكية من إرسالها ترسانة من قواتها المخزونة وأسلحتها الحديثة جداً عن طريق الكيان الإسرائىلي إلى لبنان الصغير الجميل الذي شكل في الواقع العربي- ومنذ بداية القرن التاسع عشر- قدوة تنويرية ذات ثقافة ديمقراطية متقدمة كان على العالم الديمقراطي المتقدم أن يحافظ عليه ويحترم تجربته وألا يتدخل في شؤونه لحساب الكيان الصهيوني الذي أفسد بوجوده العدواني المنطقة العربية، وجنى على ماضيها القريب وعلى حاضرها- وسوف يجني- بكل تأكيد- على مستقبلها ويفسد كل محاولة للتطور والاستقرار إذا ما استمر الحال على ماهو عليه واستمر البيت الأبيض في اعتبار كل عدوان يقوم به هذا الكيان على الفلسطينيين وعلى غيرهم من العرب المحيطين به دفاعاً عن النفس؟! لقد انتشرت ديمقراطية البيت الأبيض في العراق وفي أفغانستان وامتدت إلى لبنان ولاندري أين سيقف مد هذه الديمقراطية المرعبة التي تسعى إلى أن تقوض كل علاقة متينة بين الأخ وأخيه وإلى تدمير الروابط التاريخية بين الطوائف والمذاهب، وتشجع الحروب الأهلية وتدفع الشعوب إليها دفعاً.. لايحدث ذلك في العراق وأفغانستان وحسب وإنما يمتد إلى السودان والصومال وأماكن أخرى.. ورغم الحصاد المر والمؤلم لهذه الديمقراطية المدمرة فمازالت إدارة البيت الأبيض بتكوينها الإرهابي المحافظ تسعى جاهدة إلى توصيل هذه الديمقراطية الفتاكة إلى عدد من عواصم العالم، والعربية منها على وجه الخصوص، ولا تفتأ هذه الإدارة في إعلان استعدادها لايصال ديمقراطيتها القاتلة إلى البيوت دون انتظار لكلمة شكر واحدة. وإذا كانت ديمقراطية البيت الأبيض الراهنة مختلة وغير صالحة للأمريكيين أنفسهم، كما تعبر عن ذلك الصحافة الأمريكية وتململ الشارع الأمريكي فلماذا تصر الإدارة المحافظة على تعميم هذا النموذج، بل الصورة الأسوأ منه على شعوب كانت تتحفز لأخذ الديمقراطية الحقيقية بجهدها وبفعلها الإنساني دون حاجة إلى أية مساعدة خارجية؟ وصحيح جداً مايراه علماء السياسة الجادون والمتابعون لتطور الحركة السياسية في الوطن العربي من أن التدخل المباشر للإدارة الأمريكية في الأقطار العربية قد أجهض الدافع الطبيعي إلى الإصلاح السياسي، وأربك المشاعر الوطنية ورفع من رصيد التيارات المعارضة للديمقراطية والتجديد.