عارف الشرجبي - في مثل هذا اليوم من صبيحة 22 مايو 1990م وفي لحظة تاريخية استثنائية فارقة أعلن اليمانون عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة وقيام الجمهورية اليمنية ليقولوا للعالم إن اليمن عادت كما كانت موحدة راسخة منذ فجر التاريخ الإنساني وحتى اليوم..
في تلك اللحظات التاريخية العظيمة التي رُفع خلالها علم الجمهورية اليمنية عادت الروح ودبت الحياة في الجسد اليمني المنهَك الذي عاش عقوداً يعاني التقسيم القسري لأجزاء الوطن الواحد بفعل الاحتلال البريطاني والغزو التركي والنظام الإمامي الذين تقاسموا مناطق النفوذ والسيطرة على حساب وحدة اليمن -- الأرض والإنسان -- غير أن مشيئة الله أرادت غير ذلك، ثم عزم الرجال الشرفاء الذين ناضلوا طويلاً لتحقيق هذا المنجز الوحدوي العظيم الذي لا يساويه منجز آخر في التاريخ الحديث..
ففي هذا اليوم طوى اليمنيون صفحة قاتمة من الغربة والتشظّي والانقسام الجغرافي والشكلي الذي كان فقط في رأس نظامي الحكم هنا وهناك..
في هذه التناولة لن أتعمق في سرد منجزات الوحدة اليمنية لأنها شاهدة على وجودها في طول وعرض اليمن الحبيب؛ ولعل من أهم إنجازات الوحدة اليمنية حقن تلك الدماء الطاهرة التي كانت تزهق في حروب المناطق الوسطى أو في عدن وبعض المحافظات الجنوبية والشرقية كل أربع أو ثلاث سنوات بفعل اختلاف الرفاق للسيطرة على مفاصل السلطة، وهذا المنجز (حقن الدماء) يُعد في نظر الشعب اليمني من أهم المنجزات التي نشاهدها اليوم في طول البلاد وعرضها مهما أنكرها الجاحدون والانفصاليون المأجورون..
ولمثل هؤلاء نقول إن هناك حقيقة ثابتة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها أو تناسيها وهي أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م لا يمكن أن يلغي أو يُغيّب حقائق التاريخ أن اليمن وُجِدت موحدة منذ الأزل وأنها ستظل كذلك شاء من شاء وأبى من أبى..
وأنا هنا لستُ ممن يحاول ربط الأحداث ومنها يوم تحقيق الوحدة بالأشخاص الذين أعلنوا في مثل هذا اليوم عن إعادة تحقيق الوحدة وفي مقدمتهم الرئيسان علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض ومَن معهُما من شرفاء الوطن.. وذلك لأنني لا أميل إلى ربط الإنجازات الاستراتيجية والأحداث المهمة والحقائق التاريخية بأشخاص بعينهم -- حتى وإن كان من حق هؤلاء علينا أن لا نتغافل عن مآثرهم وأدوارهم -- وذلك لأنني أرى أن ربط أو اقتران الأحداث العظيمة بالأشخاص ينتقص من قيمتها السامية ومن كينونتها التي لا تغيرها المواقف مهما تعَاظمَت، ولا الأشخاص مهما كان حقهم علينا لما صنعوه..
إن الوحدة اليمنية كانت وستظل حقيقة تاريخية أزلية منذ فجر الإنسانية قبل وجود ملوك اليمن الأوائل (التبابعة) أو بعد ذهابهم وحتى الآن، وبالتالي علينا أن ندرك هذه الحقيقة التي يبدو أن البعض تناساها بفعل الزهو ببريق النضال ونشوة النصر في مايو وسبتمبر وأكتوبر وغيرها من مراحل نضالات شعبنا المعطاء في سبيل يمننا الحبيب..
فلكل الانفصاليين والمتآمرين نقول، عليكم أن تدركوا أنكم وما تسعون إليه فقاعات صابون تختفي بمجرد الظهور أو سراب بقيع يحسبه الظمآن ماء، ذلك لأنكم لا تدركون عظمة تاريخ اليمن وإلا لأدركتم أنكم لن تكبروا في نظر الغير إلا حين تعلنون أن اليمن الموحد خط أحمر لا يجب المساس به..
ولهؤلاء السذج نقول،
دعونا نذكّركم بأن اليمن الطبيعية عاشت موحدة منذ الأزل وحتى الآن رغم كل المؤامرات ورغم انقسام النظام الحاكم إلى نظامين أثناء فترة الاستعمار والإمامة ومخلفاتهما، ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان عبود الشرعبي أول شهيد في الكفاح المسلح في مدينة عدن وهو يقاتل فلول الاستعمار البريطاني في ستينيات القرن الماضي، ولما قاد عبدالرحمن الصريمي قوات العاصفة والمغاوير وقاتل الاحتلال البريطاني في شوارع عدن، ولما نفذ محمد سعيد عبدالله (محسن الشرجبي أكثر من 2400 عملية فدائية) فردية وجماعية ضد الاحتلال البريطاني، ولو لم يكن اليمن موحَّداً لما قاد اللواء محمد قائد سيف القباطي جبهة النضال في ردفان بعد سقوط المناضل الداعري شهيداً، ولو لم يكن اليمن موحداً لما قامت القوات البريطانية بنفي رجل الأعمال المرحوم (هائل سعيد أنعم وابنه أحمد هائل) إلى القاهرة لقيامهما بتمويل الحركة الوطنية في عدن ودفع نفقة تدريب الثوار في تعز وإعادتهم إلى عدن على حسابهم، ولما قاتل الآلاف من أبناء تعز وغيرهم في عدن لطرد الاستعمار البريطاني، ولو لم تكن اليمن موحدة لما كان الشهيد عبدالفتاح إسماعيل -- صاحب تعز رئيساً لجمهورية اليمن الديمقراطية، ولو لم تكن اليمن موحدة منذ الأزل لما كانت تعز العمق الاستراتيجي لثورة أكتوبر، ولما دعمها الرئيس السلال بالمقاتلين والسلاح حتى تحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م وتم تعيين المناضل محمد قحطان الشعبي مستشاراً للرئيس السلال لشئون الوحدة اليمنية، ولو لم يكن اليمن موحداً أرضاً وإنساناً لما نزح المناضل والقيادي الأممي عبدالله باذيب إلى تعز وأسس صحيفة الطليعة أيام الإمام أحمد، ولما عاش الشيخ محمد سالم البيحاني في تعز هروباً من الموت قبل وبعد الاستقلال، ولو لم يكن اليمن موحداً منذ الأزل لما كان المناضل الشهيد راجح بن غالب لبوزة والمناضلة دعرة بنت سعيد وعبدالحميد بن ناجي الردفاني من أوائل الذين قاتلوا الإمامة في جبال المحابشة ووشحة دفاعاً عن ثورة الـ 26 سبتمبر الخالدة، ولما كان سالم يسلم الهارش وعبدالله المجعلي ومحمود الداعري والشهيد باصم فضل الردفاني ونصر بن سيف المسعودي وغيرهم المئات ممن قاتلوا واستشهدوا دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر في حجة ونقيل يسلح أثناء الثورة ومعارك فك الحصار عن صنعاء وغيرها من مواقع الشرف والنضال..
ولو لم يكن اليمن موحداً منذ الأزل لما قال المناضل علي عنتر والمناضل صالح مصلح قاسم إن الوحدة هي مصير شعبنا اليمني وإن الذين لا يسعون لإعادة تحقيقها فإنهم خونة وعملاء أو أنهم دخلاء على الأرض اليمنية الطاهرة..
ولو لم يكن اليمن موحداً لما قال الرئيس الأسبق علي ناصر محمد مؤخراً (لا عزة ولا كرامة لنا إلا بالوحدة)..
فهل تَعَلَّم المتآمرون والانفصاليون ودُعاة التفرقة والتشرذم الدرس..
كل عام وأنتم بخير أيها الشعب اليمني العظيم داخل وخارج اليمن.
|