مطهر تقي - بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة والنفسية المتأزمة جداً التي يمر بها شعبنا، إلا أن بعض من يملك المال والمستفيدين من الحرب تظهر عليهم البوقة والتفاخر على المساكين واستعراض إمكانات المال والسلاح وإزعاج الناس بالألعاب النارية التي تطورت مؤخراً وأصبحت مؤخراً قوة
انفجارها كقوة المضادات الجوية والقنابل الارتجاجية، التي تُطلَق عند خروج العريس أو وقت وصول موكب العروسة ومعها عشرات من السيارات بعد منتصف الليل وبصورة فجة تؤكد انعدام الذوق عند أصحاب العرس الذين لا يراعون جورة أو حالة المرضى وكذلك الأطفال وكبار السن؛ وتؤكد كذلك غياب دور وزارة الداخلية عن القيام بواجبها..
إنها عادة قبيحة دخيلة على عاداتنا وتقاليدنا المدنية التي كانت سائدة في العاصمة والمدن الرئيسية، حيث توجد الدولة وهيبتها المسئولة عن الهدوء والاستقرار للمواطنين..
حدَّثني أحد من أثق بهم، أنه ذهب لحضور عرس ابن جاره في إحدى القاعات المشهورة، حيث قال:
وصلت إلى بوابة القاعة لأسلم على جاري صاحب العرس وقومه من المستقبلين لضيوفهم، وإذا الحشود المسلحة المرافقة مع بعض الشخصيات النافذة وكذلك الشخصيات التي تبحث عن نفوذ من خلال استئجار مرافقين مقعشين (لزوم الاستعراض المريض لنفسياتهم) تملأ المكان، وبصعوبة سلمت على جاري الذي كان يشعر بالزهو وهو يرى ازدحام المهنئين والمرافقين المسلحين وسط أصوات الطبول والمرافع.. وحين دخلت القاعة كان أغلب الحضور يحملون أسلحتهم وكأنهم وصلوا إلى القاعة لإجراء معركة عسكرية أو قُلْ مناورة عسكرية؛ وبعد أن تقيَّدت بالطابور لأسلم على العريس وجدت العريس يحمل سلاحه والفل والرياحين تملأ صدره ومن حوله مسلحون يملأ القات أشداقهم المنتفخة، فما كان مني إلا أن سلمت على العريس المسكين وانصرفت مع ابني، ولم تنتهِ مراسم العرس الاستعراضي إلى هنا فقط بل إن الجار أصر على حضوري مأدبة غداء وياليتني اعتذرت فقد كان ازدحام المرافقين المسلحين أشد ضراوةً خصوصاً على اللحم وقلتُ لنفسي لا أدري ماذا حل بجاري الطيب وما كلفه الله وهو -حسب معرفتي به- رجل عاقل، ولماذا كل تلك الألعاب النارية وكلفتها العالية، ولماذا أيضاً تلك الوليمة العظيمة في ذلك المكان الواسع.. ألم يفكر جاري وغيره من المبذّرين أن يحترموا مشاعر الجياع من المواطنين الذين لا يجدون قوت يومهم وأولئك المرضى الذين لا يجدون قيمة الدواء.. أولم يكن من الأنسب والأكثر أجراً عند الله أن يتصدقوا بقيمة تلك الألعاب النارية المزعجة، وبقيمة ذلك الكم الكبير من الأكل لصالح الفقراء والأيتام ومرضى الغسيل الكلوي وغير ذلك، ويكتفوا بالفرحة بدون تلك المظاهر السخيفة وتلك الوجبات المكلفة، والاكتفاء بإشهار العرس بإقامة حفل مقبول واستقبال أخوي، ولا بأس من إقامة وجبة للأهل والجيران بدون أطقم حراسة ومرافقين مسلحين وزاومل ومرافع وطبول..
إن مجتمعنا اليمني اليوم بحاجة إلى قيام العقلاء والمصلحين الاجتماعيين (بدعم الدولة التي تفهم واجباتها نحو المواطنين) بإعادة إصلاح بعض العادات والتقاليد التي انحرفت عن هدفها الاجتماعي وحلت محلها عادات أضرت بالذوق العام والطبيعة المجتمعية المدنية وأفرغت الأعراس من أفراحها الحقيقية واستبدلتها بعادات تزيد التوتر النفسي والتذمُّر المجتمعي وتعبّر عن العقلية المتخلّفة التي ظهرت مؤخراً نتيجة الصراع السياسي والعسكري الذي يسيطر اليوم ولسنوات خلت على حياتنا ومعيشتنا..
اللهم اهدِ أهلنا، فإنهم في غفلة.
|