موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


نضال وتضحيات وجِراح أمين أبوراس القائد والزعيم بعيون صحفي لبناني - توضيح هـام من شركة النفط في صنعاء - أمريكا.. دولة الإرهاب المطلَق !! - لجنة اعتصام المهرة تناقش تداعيات التدهور الاقتصادي - (لقاح خارق) يعالج 15 نوعاً من السرطان - باليستي يمني يضرب مطار "بن غوريون" - سدد الله رميكم .. حماس تشيد بالضربات المباركة من اليمن - شوروية المؤتمر تنعي رحيل الاكاديمي المجاهد - عدوان جديد على ميناء رأس عيسى - رئيس المؤتمر يواسي آل المجاهد -
الأخبار والتقارير
الميثاق نت -

الأحد, 04-مايو-2025
*كتب/ حافظ إبراهيم خيرالله -
من أعالي جبال اليمن، من أرض النسور، خرج إنسان يُدعى أمين بن حسن أبو راس.
مرة قال: أرسلت أولادي إلى لبنان حتى يتعلموا، وزعتهم ما بين برمانا وعاليه وبيروت حتى يتشربوا فهم هذه الحياة الجديدة.. أنا ظلمني الدهر فلم أدخل مدرسة ولا تعلمت ولا فهمت هذه الدنيا.. أريد لأبنائي العلم عندكم في لبنان لأن حياة اللبنانيين مدرسة وطموحاتهم مدرسة..
مرة أخرى قال: أرسلت أولادي إلى لبنان حتى يتعلموا، فماذا تعلموا؟ كنت أوصيهم بأن يراقبوا اللبنانيين وأن يكتسبوا منهم اختبارات الحياة.. يا أخي نحن من قبائل، والقبائل إذا تقاتلت فبشرف وشهامة واحترام للنساء والأطفال، ومع ذلك تسمُّوننا متأخرين رجعيين.. كيف تقصفون منازل بعضكم بعضاً بالمدفعية والصواريخ؟ ألا تستحون؟ ألا تحترمون النساء والأطفال والعجزة؟.. قطعاً لستم لبنانيين في هذا..
مرة أخرى قال: في اليمن تتحارب قبائلنا على أسس وأنظمة، نطلق النار من الصباح إلى الظهر فلا نصيب الأشخاص بل الحجارة القريبة منهم لإفهامهم بأننا قادرون.. عند الظهر، نوقف إطلاق الرصاص لأن نساءنا يأتين لنا بالطعام.. إذا نساء خصومنا تأخرن في إحضار الطعام، ناديناهم للمجيئ إلينا ومشاركتنا الأكل.. خلال الأكل نتجادل فيمن كان أكثر عياقة في أصول التصويب إلى الحجارة المجاورة.. بعد الطعام يعود خصومنا إلى مواقعهم، فمتى تمركزوا أعطونا الإشارة بالعودة إلى إطلاق الرصاص لأنهم قد استعدوا.. نحن المتأخرون !
مرة أخرى قال: هناك من يريد تهديم لبنان، وجد العرب أن لبنان قد تقدم عليهم فاستاؤوا! إنهم يخربونه اليوم كما خربوا الأندلس بالأمس.. لبنان، إذا شئت، ليس عربياً فعلاً لأنه متقدم.. وَيْحَ العرب سيندمون يوم لا يعود الندم ينفع..

مرة أخرى قال: أريد منك خدمة.. أرسل لي من بيروت دوماً الكتب التي تنوّرني في السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع، أنا لا أحسن القراءة إلا بالعربية، فدبّر لي ما كانت ترجمته سهلة ومفهومة..
مرة أخرى قال: لماذا ترسل لي الكتب عن النازية ؟، يُخيَّل لي أن هؤلاء الألمان هم يمنيو أوروبا.. قتاليون، بطاشون، منتظمون، أذكياء، مهرة في العمل، متضامنون.. المشكلة الوحيدة في المقارنة: الألمان يسيرون وراء زعيم واحد، فيما كل يمني زعيم ولا يريد أن يسير وراء أحد..
مرة أخرى قال: قرأت ما كتبته عندما زرت العتبات المقدسة في العراق.. أبكيتني معك على العباس والحسين وعلي، وحرمتني من الزيارة.. لماذا؟، لأنني قلت في نفسي إنني لن أكون قويَ الملاحظة كما كنتَ أنت، ولن أعرف كيف أستوعب كل هذا الذي هناك، وأخاف على نفسي من انهيار أعصابي خجلاً أمام أولئك الذين استُشهدوا في سبيل القضية العدل.. فطالما أنت قمتَ بالزيارة، وما دمتَ أنك أنت صليت على الأضرحة الثلاثة فأنت قد صليت عني..

مرة أخرى خفتُ منه، وعليه!..
كنتُ أهم بالجلوس على الغداء في فندق دار الحمد بصنعاء، فإذا بثلاثة مسلحين يدخلون الفندق باحثين عني.. أرعبوا النزلاء الأجانب بخرطشة بنادقهم وبسؤالهم عن هذا الذي اسمه حافظ.. وصلوا إلى طاولتي وصاحوا: قُم.. ماذا في الأمر ؟، إنا لله وإنا إليه راجعون.. قالوا: أمين لا يتغدى إلا إذا حضرت، وعنده قبائل من الجوف وذو حسين، أمين طرح عمامته على الأرض: والله والله، يذبحنا أمين إنْ لم نحضرك معنا..
رحنا إلى منزل أمين في "حارة الصياد".. كان على الباب وكأنه نسر أمام الفريسة.. صاح: سأعلّمك الأدب من اليوم وصاعداً.. أنت في صنعاء منذ يومين لكنك لم تحضر بعد إلى بيتك هذا لتتغدى فيه.. لا تجاوب.. اسكت.. اصعد إلى فوق، فذو حسين وأهل الجوف يريدون أن يعرفوا من هو هذا البكيلي الذي من لبنان..
خلال تلك الرحلة كلها، لم أعد أجرؤ على تناول طعامي في الفندق.. أمين لم يكن ليقبل بهذا..
ذات مرة وأنا أخزن القات عنده بعد الظهر والقوم كلهم متكئون، لحظت أن ساق أمين متعرجة اللحم.. ما هذا يا أمين ؟، هو لم يجب.. غيره أجاب عنه..
أمين مصاب بأربع وعشرين رصاصة خلال الثورة.. كان كلما أصيب، يستدعي من يبول له (نعم، بالتمام) على الجرح ثم يحرق ريش الجداج وينثر الرماد على الجرح، ثم يعود إلى بندقيته للقتال..
أربع وعشرون رصاصة اخترقت أمين، في ثورة، في معارك عِز، في الإخلاص للمبدأ..
له شقيقان، عبدالله ومحمد، قطع سياف الأمام أحمد رأسيهما في سجن نافع بمدينة حجة لأنهما ثارا على الإمام يحيى عام 1948م..

ومع أن الامام البدر كان على علاقة معقولة مع أمين ووافق على انتخاب أمين شيخ المشائخ في قبائل بكيل، إلا أنه في اللحظة التي أعلنت فيها الثورة الجمهورية يوم 26 أيلول سبتمبر 1962م كان أمين أبو راس على رأس قبائله في ساحة الوغى..
مرة قال: ثرنا وقاتلنا وخسرنا أهلنا وخربنا أرزاقنا في سبيل الجمهورية.. شعب اليمن شعب أصيل أصيل أصيل، فقير في اللباس لكنه أغنى من الأغنياء في النفس.. المستقبل هو لهذا الشعب يا ولدي، وليس لشيخ ولا لرئيس.. الإمامة تفترض الالتصاق بهموم ومشاغل هذا الشعب الأصيل المعذب يا ولدي.. أتدري أين أصبحت الثورة والجمهورية يا ولدي؟ إنها في أيدي وزراء ومسئولين قوَّادين لصوص سماسرة سفهاء حقيرين.. ألهذا قاتلنا يا ولدي؟!
اسمع يا ولدي: .... والله والله، لولا (الفتنة) لحملت بندقيتي ولنزلت إلى تلك الوزارات لأصرع هؤلاء القوَّادين بيدي.. صاحبك إبراهيم (الحمدي) يعرفهم ويعرف كل تفاصيل سمسراتهم وكل تفاصيل مؤامراتهم على هذا الشعب الطيب.. لماذا لا يتحرك لاستئصالهم؟، لا أدري.. سمعت أنهم فرضوا عليه.. كيف يقبل رئيس هذا البلد بأن يفرض عليه أولئك النصابون وزراء؟، لا أدري.. إبراهيم واحد من أولادي وهو بكيلي، من الناحية الوجدانية القبلية، لا أستطيع أن أثير المشاكل في وجهه.. لكن وجدانيتي القبلية تفرض عليَّ في الوقت نفسه أن أثور على بؤر الفساد التي يمثّلها أولئك الوزراء الأوغاد.. قليلون جداً هم الذين فهموني مثلما فهمتني أنت يا ولدي..
مرة وبين حوالي ستين شخصاً من ذي حسين وأهل الجوف، غاب من مقيل القات دقيقتين ثم عاد حاملاً علم اليمن.. قال: يا ولدي، قبل كل شيء ارفع علم بلادك في بيتك.. بلادك بؤبؤ العين عندنا يا ولدي.. إنما يا ولدي، خذه معك إلى بيتك، شرفنا هو في هذا العلم الذي حميناه بدمائنا يا ولدي.. ليس عند هذا الشعب الطيب ما هو أعز منه يا ولدي..
وصاح أحدهم: وعمامتك يا أمين !..
رفع أمين عمامته عن رأسه ووضعها على رأسي.. أنزل عيني النسر اللتين في وجهه إلى الأرض وسكت ثم عاد وسمَّر عينيه في عيني وابتسم..
وصاح أحدهم من جديد: هذه للرجال الذين بيننا وبينهم عهد حق وخير يا ابن بكيل لبنان.. إنها على رأسك لتتذكر الذين أحببتهم والذين أحبوك.. ما أعطاها أمين لغيرك من ذي قبل إلا لابنه البكر صادق..
تكثر الحكايات بيني وبين أمين.. دخل في ذهني إنسان يحمل كل الآلام والطموحات البشرية، ونسر فريد في الأساطير موجوع في وجدانه، مجروح في إحساساته..
طار بيتي في بيروت وصار مرتعاً لأوغاد ثورات اللصوص.. ما كان همي في فراشي ولا لباسي؛ في بيتي علم اليمن الذي أؤتُمِنت عليه، وخسارته توجعني.. أما عمامة أمين فهي معي في اليمن..
أمين بن حسن أبو راس مات..
نعم، مات أمين.. غسلوه وكفنوه ودفنوه.. نعم، مات..
لا تهزأوا مني.. أمين، في وجداني، لم يمت ولن يموت..
عهد الأمانة يا أمين، لن أنساك يا أيها الإنسان اليمني الشهم..
يقيني أنه لن ينساك أي شهم من شعب الجمهورية التي شاركتَ في بنائها..
اليمنيون أوفياء يا أمين، ألستَ أنت من علَّمني هذا ؟

جريدة المنار اللبنانية 29 مايو 1978م
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "الأخبار والتقارير"

عناوين أخرى

الافتتاحية
30 نوفمبر.. عنوان الكرامة والوحدة
بقلم/ صادق بن أمين أبو راس- رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
قرار متسرّع وغير مدروس!!
راسل عُمَر

لنرفع القُبعات للقضاء المصري
زعفران المهنا

ثرثرة وجع..
لمياء الإرياني

22 مايو يتجدد بصمود الوحدة
أ.د أحمد مطهر عقبات*

يسألونك عن المشهد ..!!!
د. عبدالوهاب الروحاني

واشنطن واليمن حرب بلا ملامح
الدكتور / علي أحمد الديلمي*

أميركا في لحظة الحقيقة.. الحاملات ليست مدناً خارقة
لقمان عبدالله

ما وراء التشدد الأمريكي في اليمن.. عن المبادرة الصينية.. فتّش
مريم السبلاني

اليمن وطننا الواحد الكبير.. ولن نرضى بتمزيقه
عبدالسلام الدباء*

العنف في المدارس وآثاره الكارثية
د. محمد علي بركات

لحظة تُترَك للصمت فقط
يحيى الحمادي

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2025 لـ(الميثاق نت)