علي أحمد مثنى -
الولايات المتحدة الأمريكية امبراطورية الشر، وشر البلية ما يضحك، أصبح رئيسها محل سخرية العالم وتندُّره، ينطبق عليه مثل شعبي تركي يقول: "إذا وصل المهرّج إلى القصر فإنه لا يتحول إلى ملك ولكن القصر يتحول إلى سيرك"؛ وهكذا كل يوم وعلى البث الفضائي المباشر يتحدث الرئيس دونالد ترامب بلغة التاجر الساعي للربح وهو على الكرسي الأصفر بكلام أصفر ووجه أحمر يقول للعالم أنا متحصّل جبايات ورسوم واجبة الدفع تحت مسميات مختلفة، وكأنه تعلَّم على هذا التخصص في اليمن..
— يتابع العالم تصريحات وتصرفات المتغطرس الطاووس العجيب وبأسلوب خارج عن لياقة الدبلوماسية كرئيس إمبراطورية عُظمى عمل رؤساؤها السابقون على أن يكون القرن (الـ21 قرناً أمريكياً) امتداداً للنصف الثاني من القرن الماضي دون منازع؛ ولأجل هذا الهدف سِجِل جرائمهم الأسود ما زال حاضراً في مخيّلة شعوب العالم، اليابان ، فيتنام، البوسنة، أفغانستان، فلسطين، العراق، ليبيا، سوريا، اليمن، الصومال، وتصل القائمة إلى (20 بلداً) في قارات الأرض مع هندسة عشرات الانقلابات (بإشراف جهاز الـCIA)، وبالتعاون مع بريطانيا الشريرة والموساد الصهيوني وفرنسا العجوز وعدد من الأنظمة التي تشرف عليها أمريكا..


(الضعف والتفكك الداخلي)

—عوامل تفكك الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بكثير من عوامل تماسكها، يهدد بقاءها قطب ولاعب وحيد مهيمن على العالم ينطبق على هذه القوة قول الشاعر العربي أبو البقاء الرندي أحد شعراء الأندلس -يرحمه الله- يقول:
إذا تم شيء بدأ نقصه

ترقب زوال إذا قِيل تم

وهناك فكرة فلسفية
تقول: «كل فكرة تحمل في ثناياها بذرة فنائها»..
— التوحش الرأسمالي الأمريكي الذي كان يمنح صكوك الغفران وصكوك الحرمان ربما حان ميعاد تراجعه وقد ينعكس سلباً على صاحبه من واقع السياسة المتناقضة للرئيس ترامب والتآكل من الداخل والفساد والبيروقراطية وتطلع منافسين أقوياء حققوا تفوُّقاً في فائض القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية ما يهدد بغروب شمس أمريكا إذا لم تقبل بتعدد القطبية الدولية..
(الأمة الأمريكية يجب أن تكون عظيمة)
— يقول الرئيس ترامب بأنه عازم على إعادة أمريكا القوية إلى قوتها العظيمة كما وعد سابقوه بالذات الرئيس الراحل بوش الأب أثناء عدوان ما سُمّيت بعاصفة الصحراء، حيث قال: "يجب أن يكون القرن (الـ21 قرناً أمريكياً).. الواقع أن الفتوة رامبو يغرق في وحل أزمة اقتصادية وخروجه عن القِيَم التي يدَّعيها في الديمقراطية والتمسك بالدستور الصلب... الخ. لقد أصبحت الولايات المتحدة تتصدر دول العالم في الدَّيْن العام الذي تجاوز رقم «36،1 ترليون $» حسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي في 2024م هذا وحده كفيل بتسريع الوهن إذا تعذر السداد ولن يتم الوفاء به من الجبايات التي يستهدفها على دول العالم؛ ومن المرجح أن تنعكس سلباً ولن تصلح ما أفسده فساد الدهر..
—يُعتبر ترامب أول رئيس أمريكي تخصص جبايات وصانع حروب وغيرها، وهذه السياسة ستؤدي إلى عزل أمريكا وإضعاف مواقفها أمام العالم الذي أصبحت فيه دول منافسة وعصية على الطاعة على عداء مع بعض الأنظمة العربية للأسف..

(دول كان لها ردود أفعال مضادة)
— نشير إلى عيّنة من الدول التي كان لها ردود أفعال مماثلة وقوية تجاه حرب جبايات ترامب وعلى سبيل المثال:
•المكسيك: استنكار قرار بناء سور فاصل لمنع تهريب البضائع والأفراد وغيرها على الحدود ومطالبة المكسيك بأن تساهم في تمويل هذا المشروع الذي أسمته (سور الفصل العنصري)، وفرض رسوم جمركية مماثلة، والتنديد بترحيل مواطنيها قسراً..
كندا: رسوم جمركية مماثلة والسخرية الطلب الأكثر غرابةً هو أن تضم كندا بمساحتها الواسعة وبشحمها ولحمها لتكون إحدى الولايات الأمريكية، وجاء رد قوي بفرض رسوم جمركية؛ وقال رئيس الوزراء الكندي المنتخَب حديثاً: حكومتي ستنتهج نهجاً صارماً مع إدارة الرئيس ترامب..
•بريطانيا وهي حليف أمريكا القوي قال رئيس وزرائها: لا أحد سينتصر في الحرب التجارية.. والرسوم الجمركية الأمريكية تشكّل تحدّياً كبيراً لمستقبلنا وقد تكون عواقبها الاقتصادية العالمية وخيمة..
•أوكرانيا: عليها أن تدفع وتعيد ما قدمته لها أمريكا من مساعدات عسكرية في حربها مع روسيا بقيمة (350 مليار $) أو الموافقة على حق استغلال المعادن النادرة الأوكرانية، وأن تتنازل عن جزء من أراضيها لروسيا، وكان للمشاجرة بين ترامب والرئيس الأوكراني التي خرجت عن اللياقة الدبلوماسية ردود أفعال عالمية ساخرة.. والإشادة بموقف الرئيس الأوكراني القوي غير الذليل أثناء النقاش ولم يخضع، وتضامنت معه كثير من دول أوروبا..
• قال أحد رجال الأعمال المؤيّدين لترامب بأن هذه الرسوم ستُلحِق ضرراً كبير على الاقتصاد الأمريكي، والمؤشرات الاقتصادية تحذّر من تعرُّض أمريكا لركود بمعدل 45%..
•الصين: هذا التنين العملاق القادم والمنافس الشرس يتعامل كندٍّ قوي مع ترامب وبكبرياء غير مسبوق؛ وبالمثل فرض رسوماً جمركية وأنتج معركة إعلامية ساخرة تهين أمريكا ورئيسها (يا جبل ما يهزك ريح).. وهل يعلم الرئيس ترامب أن تنين الشرق قد اعتلى الدرجة الأولى عالمياً في القوة الاقتصادية وتراجع ترتيب أمريكا ووضعها يترنح.. وكأن رد فعل الصين القوي يقول لترامب وبثقة: "لا تلعب بالنار تحرق أصابيعك" !!

(جبايات ترامب على العرب)
—العرب الضعفاء التعساء في مختلف الجوانب تستقوي عليهم وتذلهم أمريكا منذ القرن الماضي بعد حصولها على نسبة عالية من إرث الشريك البريطاني وتحديداً عقب الحرب العالمية الثانية، والآن عليهم التزامات من الجبايات المعلَنة غير النفطية واجبة الدفع «ادفعوا»..
وتتلخص فيما يلي:
• جمهورية العراق: بلاد الرافدين هو محل أطماع القوى الاستعمارية قديمها وجديدها وقد تعرَّض للكثير من الأذى منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن.. يقول ترامب قبل تولّيه الدورة الحالية من رئاسته: العراق لديه ثاني أكبر حقول النفط في العالم بقيمة 15 ترليون $ بعد السعودية، وجيشه أُبيد في السابق والآن ضعيف وكل شيء فاسد.. وببساطة لو عاد الأمر إليَّ فسنأخذ النفط ونضع قوات حماية حوله، أو على العراق أن يدفع لنا (5 .1 تريليون$).. وقال: «إن المنتصر يعود بالغنائم!!!».. والآن عاد الأمر إليه، فهل سينفذ تهديده ويأخذ الغنائم؟!
• السعودية: في رئاسة ترامب الأولى طلب دفع (450 مليار $) فدفعوها، والآن طلب (500 مليار $) قالوا حاضر ندفع (600 مليار $)، ثم حسَّنوا الرقم قالوا نستثمر عندك يا مولاي (تريليون $ خلال 5 سنوات)، والطلب الآخر لترامب أن إيرادات الحج السنوية (تُقدر بـ20 مليار $) قال لا إنها لا تخص السعودية وحدها، الرب للجميع، ولأمريكا الحق بأخذ حصتها السنوية ابتداء من 2025م..
• البحرين: قال إن لديها 700 مليار$ وهذا مبلغ كبير مع حجم البحرين الصغير وعليهم أن يضعوه في أمريكا (حتى تبلغ البحرين سن الرشد)..
•— جمهورية مصر العربية: عليها استقبال عدد من سكان غزة ليسكنوا سيناء بشكل دائم ولأن أمريكا منحت مصر كثيراً من الأموال، أيضاً طلب السماح بمرور السفن العسكرية والتجارية عبر قناة السويس مجاناً دون رسوم لأن أمريكا شاركت في بنائها والآن تحميها شأنها شأن قناة بنما!!!
هل يعلم ترامب أن شهداء عمال مصر الذين قضوا أثناء حفر القناة بلغ عددهم 120 ألف مواطن مصري وصرفت مصر 8 ملايين جنيه "بأسعار زمن الحفر"؟بحسب خطاب للزعيم جمال عبدالناصر يرحمه الله
• دولة الكويت: طالب الرئيس ترامب 50% من إنتاجها النفطي لمدة 50 عاماً أو أكثر مقابل الخسائر الأمريكية البشرية والمادية في حرب تحرير الكويت (تدمير العراق)، أو دفع مبلغ (61 مليار $ نقداً وعدَّاً)..
—ختاماً نؤكد ونتوقع أن يقوم الجابي ترامب الطامع بخديعة الأسد، كما قال الثور الأسود "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"؛ والعرب سيأكلهم ترامب واحداً بعد الآخر...
ونذكّر بما قاله شاعر العرب المتنبي :
تأبى الرماح إذا اجتمعنَ تكسُّراً...
وإذا افترقنَ تكسَّرت آحادا

ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم ..
والسلام رسالة السماء.