د. محمد صالح البطري - إن الحديث عن مسيرة المؤتمر الشعبي العام في الذكرى الـ 41 منذ تأسيسه في مطلع ثمانينيات القرن العشرين وتحديدًا في الـ 24 من اغسطس(1982) هو حديث إنجاز محسوب لكل اليمنيين باعتباره مثّل أسلوباً للعمل السياسي اليمني بفكر ورؤية يمنية خالصة شارك في صنعه اليمنيون جميعاً. وتتجلى مظاهر ومعالم نجاحات وانجازات المؤتمر الشعبي العام على أرض الواقع فكراً وسلوكاً وممارسة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فعلى مستوى انتهاج ثقافة الحوار؛ فقد جسد المؤتمر الشعبي العام منذ اليوم الأول لتأسيسه سياسة وثقافة الحوار والتسامح والشراكة مع الآخرين من خلال استيعاب جميع القوى السياسية في صياغة فكر المؤتمر "الميثاق الوطني" وفي الشراكة في الحكم والتعبير عن آرائها ومواقفها سواء من داخل المؤتمر الشعبي العام أو عبر السماح بوجود المنابر الإعلامية المعبرة عن مواقف تلك القوى بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية، وبإعلان المؤتمر الشعبي العام وجدت النخب السياسية المختلفة ما يحفزها للظهور العلني والعمل بحرية بعيدا عن الغرف المغلقة التي كانت تمارسها تلك القوى لاسيما في مرحلة ما فبل الوحدة اليمنية المباركة.
وعلى مستوى الوحدة اليمنية والنهج الديمقراطي؛ فقد وضع المؤتمر قضية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كقضية محورية وجعلها في صدارة اهتماماته الوطنية وفي سبيل ذلك عمل المؤتمر الشعبي العام بالشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية والتي تحققت في 22 مايو عام (1990م). بعد العديد من اللقاءات والقمم المحلية والخارجية بدأ بقمة القاهرة بيان طرابلس والجزائر ومرورا بقمة الكويت وانتهاء بلقاء عدن التاريخي عام (1989م).
ولم يقف دور المؤتمر على الشراكة في إعادة توحيد الوطن، بل كان أيضاً هو المبادر إلى ربط قيام الوحدة بالتزام الديمقراطية والتعددية السياسية نظاماً ونهجاً من خلال العمل مع غيره من القوى الوطنية الأخرى، انطلاقاً من قيم ومبادئ الميثاق الوطني الذي ينص على أنه "لا حرية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون". وتجلى ذلك الدور في أن اعلنت عدد من الأحزاب السياسية عن نفسها بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية وإفساح المجال لتلك القوى التي كانت تعمل في السر اّبان الحضر الدستوري للحزبية في المحافظات الشمالية والحزب الشمولي في المحافظات الجنوبية حق حرية التعبير عن مواقفها تجاه مختلف القضايا واستمرارية عملها في الساحة الوطنية.
وعمل المؤتمر الشعبي العام مع القوي السياسية الوطنية الأخرى على تجذير النهج الديمقراطي كثقافة وممارسة من خلال الإسهام في العمليات الانتخابية التي تجاوز عددها سبع عمليات ثلاث منها برلمانية، واثنتان رئاسية ومثلها محلية، معززاً ذلك بإصدار العديد ن القرارات والتشريعات وكان الأبرز فيها تعديل الدستورية عام 1994 الذي قلص فترة رئاسة الجمهورية إلى فترتين رئاسيتين، وإقرار قانون السلطة المحلية الذي سمح بمزيد من المشاركة الشعبية في اختيار قيادتها المحلية.
وعلى مستوى المجالات التنموية، وإن كان المقام لا يتسع هنا لرصد تلك الإنجازات التي تتحدث عن نفسها، إلا أن فتره عهد وحكم المؤتمر قد شهدت تحولات تنموية واقتصادية وتعليمية وثقافية على طول البلاد وعرضها استطاع المؤتمر الشعبي العام من خلالها قيادة اليمن إلى بر الأمان في مختلف المحطات العصيبة وما يزال حتى اليوم يمثل التيار الأهم الذي يراهن عليه غالبية اليمنيين في إنقاذ اليمن وإخراجها من دائرة الصراع إلى بر الأمان والسلام والأمن والاستقرار وتحقيق حلم اليمنيين في قيام الدولة اليمنية الحديثة القائمة على المساوة والعدالة الاجتماعية.
وفي محاولة من المؤتمر الشعبي العام لرأب الصدع وتجنيب اليمن من الانجرار وراء ما سميت بثورات الربيع العربي التي اندلعت(2011م) قدمت قيادة المؤتمر العديد من المبادرات والتنازلات التي هدفت في المجمل إلى سن إصلاحات على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية تنهي بموجبها حالة الفوضى والسير نحو المجهول، إلا أن أطرافاً سياسية أصرت على غيها والسير وفق الأهواء الشخصية المدفوعة الأجر من أعداء الوطن، ورغم التنازل الذي قدمه المؤتمر الشعبي في إطار ما سميت "بالمبادرة الخليجية" ونقل السلطة سلمياً بغرض تجنب اليمن ويلات الحرب، إلا أن اطرافاً معينة فضلت السير نحو المجهول أنتهى بها المقام إلى استدعاء الخارج وشن الحرب على اليمن عام 2015م ، وما كان من خيار أمام المؤتمر الشعبي العام وقيادته الشرعية إلا المواجهة والوقوف مع الشعب والصف الوطني للدفاع عن الوطن الأرض والإنسان.
ختاماً، يمكن القول في الذكرى الـ 41 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام إنه التنظيم الذي كان ولايزال الرائد صاحب المنجزات على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهو الحزب الذي لا يزال يتمتع بشعبية واسعة رغم الظروف العصيبة والمنعطفات الخطيرة التي لحقت به وبالوطن جرَّاء نكبة (2011م) وما تبعتها من أحداث مؤسفة ومؤلمة وما نتج عنها من مآسٍ إنسانية واقتصادية، إلا ان المؤتمر مازال يقوم بدوره الوطني والعمل على ما من شأنه نزع فتيل الأزمة وإحلال السلام الشامل والدائم، وبما يحفظ لليمن واليمنيين امنهم وكرامتهم وسلامة اراضيهم.
|