إبراهيم ناصر الجرفي - من المعلوم لدى الجميع، أن أهم خلل يرافق مسيرة الأنظمة العربية باختلاف توجهاتها ، يكمن في الاعتماد على تقارير الأجهزة الاستخباراتية التابعة لها ، والتي عادةً ما تعتمد التضليل المعلوماتي والاستخباراتي ، من خلال إبراز وتضخيم الجوانب الإيجابية فقط ، وإهمال الجوانب السلبية ، وكان ولا يزال شعار تلك الأجهزة هو (كل شيء تمام يا فندم). لتصحو قيادات الأنظمة العربية ، على واقع لا يتطابق مع تلك التقارير الاستخباراتية والمعلوماتية ، واقع به العديد من السلبيات ، والأخطاء ، والتجاوزات ، والتي كان بالإمكان إصلاحها وتصحيحها وتعديل مسارها بأقل تكلفة ممكنة لو كانت التقارير الاستخباراتية المرفوعة إليها صحيحة وغير مضللة وكاذبة ، ومغايرة للحقيقة وللواقع..
وكذلك الحال بالنسبة للجماهير العربية ، فقد وقعوا أيضاً ضحية التضليل الإعلامي والمعلوماتي ، الصادر من وسائل الإعلام والقنوات المعارضة والتي عادةً ما تكون موجهة من اجهزة مخابرات خارجية ، والتي صورت للجمهور العربي بأن الانقلاب على الأنظمة العربية ، هو الطريق نحو الجنة الموعودة والمستقبل الزاهر ، ولم تألُ جهداً تلك القنوات والوسائل الاعلامية المعارضة والموجهة (الجزيرة إنموذجاً) ، في تشويه صورة الأنظمة العربية عن طريق تضخيم وتهويل الجوانب السلبية فقط، ليقع العديد من أفراد الجماهير العربية المغرر بهم (غير المتحزبين وغير المؤدلجين فكرياً) بدون وعي كامل ، خلف ذلك التضليل الإعلامي المعارض والهدام..
ليقع الفأس في الرأس فلم تُعطَ الجماهير المغرر بها والمندفعة ، الوقت الكافي للانظمة العربية لإصلاح الاختلالات والسلبيات التي تراكمت نتيجة تعرضها للتضليل المعلوماتي والاستخباراتي ، ولم تمهل الجماهير المغرر بها ، تلك الانظمة لاصلاح ما افسده الدهر ، لتسقط العديد من الأنظمة العربية، بدون وجود خطط لما بعد ذلك السقوط، لدى قيادات أحزاب وجماعات المعارضة، لذلك بمجرد سقوط تلك الأنظمة ، سقط معها الأمن، والاستقرار، والسيادة، والكرامة ، والنظام، والقانون ، وساد الخوف، والعنف ، والفوضى، والصراع ، والاحتراب الداخلي ، والخراب، والدمار ، وما تعيشه بعض الدول العربية اليوم من حالة مأساوية وكارثية، ما هي إلا النتيجة الطبيعية للتضليل المزدوج، التضليل الاستخباراتي والمعلوماتي الحكومي، وكذلك التضليل الاعلامي المعارض والتابع لمشاريع توسعية خارجية..
إذن، ما يحدث اليوم في العديد من الدول العربية ، من الصراعات والحروب والعنف والمآسي والكوارث ، هو نتيجة للتضليل المعلوماتي على كل الأصعدة ، ومن هنا تكمن أهمية التقارير والبيانات والمعلومات سواء الاستخباراتية أو الإعلامية ، كون صحة تلك التقارير والمعلومات ، يقود نحو الإيجابية على كل الأصعدة ، وعدم صحة ذلك يقود نحو السلبية على كل الأصعدة.. وكم هو مؤسف أن تستمر الأجهزة الاستخباراتية والمعلوماتية الحكومية في تضليلها الاستخباراتي والمعلوماتي على الأنظمة الجديدة في بعض الدول العربية ، فرغم الرفض والسخط الشعبي لسياسات هذه الانظمة ، ورغم السلبيات المهولة لهذه الانظمة ، ورغم فشلها الذريع على كل الأصعدة ، ورغم معاناة الشعوب الشديدة من سياسات هذه الانظمة ، ورغم الممارسات القمعية والتسلطية لهذه الأنظمة ، إلا أن التقارير الاستخباراتية والمعلوماتية الصاعدة إليها ، لا تزال تدار بنفس العقليات الاستخباراتية السابقة (كل شيء تمام يا فندم) ، ما يجعل قياداتها يظنون أنهم على الصراط المستقيم ، وأنهم فلتة زمانهم في الحكم والسلطة ، وأنهم قيادة لم يَجُدْ الزمان بمثلها من قبل ولن يجود بمثلها من بعد ، ليعيشوا في أبراجهم العاجية العالية غرور السلطة ، وهم لا يدركون الرفض الشعبي غير المسبوق لهم ولسياساتهم القمعية والتسلطية غير المسبوقة..
وهكذا في ظل الخواء الفكري والثقافي للعقل العربي ، على كل الأصعدة ، فإن الساحة العربية ، على كل مستوياتها ، ستظل بيئة خصبة للتضليل المعلوماتي بكل أشكاله وأنواعه ، سواء التضليل الاستخباراتي والمعلوماتي الحكومي ، أو التضليل والتزييف الإعلامي المعارض ، وستظل الساحة العربية نتيجة ذلك التضليل ، ساحة مفتوحة للعنف والفوضى والصراع ، وستظل ساحة سهلة الاختراق أمام المشاريع الخارجية ويظل التحصين الفكري والثقافي والتوعوي ، هو أفضل وسيلة لمواجهة ذلك التضليل من خلال المزيد من العلم ، والمزيد من المعرفة ، والمزيد من الثقافة ، والمزيد من الاهتمام بالبحوث والدراسات العلمية والفكرية ، وإنشاء أجهزة استخباراتية ومعلوماتية تتمتع بالمصداقية والموضوعية ..
فنحن في العالم العربي ، لا تنقصنا الامكانيات ، ولا تنقصنا الثروات ، ولا تنقصنا الموارد البشرية ، ولا الطبيعية ، ولا تنقصنا الجغرافيا ، ولا ينقصنا الموروث الديني والثقافي والتاريخي والحضاري ، ولا تنقصنا القواسم المشتركة ، ما ينقصنا هي العقول الواعية والمثقفة والمفكرة ، ما ينقصنا هو العلم والمعرفة ، ما ينقصنا هو التفكر والتدبر والتأمل ، ما ينقصنا هو الاهتمام بالبحوث والدراسات ، ما ينقصنا هو التحصين الفكري والثقافي والحضاري ، ما ينقصنا هو التقارير الاستخباراتية والمعلوماتية الصادقة والحقيقية ، التي تلامس الواقع ، وتنقله بكل مصداقية وحيادية وموضوعية ، لمواجهة السلبيات قبل استفحالها ، ما ينقصنا هو وسائل وقنوات إعلامية ، تتمتع بالمصداقية والموضوعية ، لمواجهة القنوات المأجورة والمعادية والمضللة ، ما ينقصنا هو النظرة الشاملة للأحداث والمتغيرات من جميع الزوايا والجهات ..
|