استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني - فى ظل الصراع الروسى الأوكراني..
اليمنيون .. آفاق مغلقة وجراحات مفتوحة
الصراع الدائر سيطال تأثيره الجميع ووقعه سيضاعف معاناة اليمنيين
انشغال العالم بأزمات كبرى قد يشجّع العدوان على رفع وتيرة عملياته وارتكاب مجازر جديدة
إنعدام الأمن الغذائي يثير مخاوف الكثير من البلدان كونها تعتمد على القمح الروسي والأوكراني بشكل كبير
لم يتفاجأ العالم بالهجوم الروسى على أوكرانيا فالعالم كله تقريباً كان ينتظر ساعة الصفر حيث كان ذلك متوقعاً، فبوتين قرأ الرسالة الغربية بشكل جيد مفادها أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عازم على محاصرة روسيا عبر نظام كييف الذي وصفه بوتين بالدمية، بالطبع جعل اوكرانيا خنجراً مصوباً نحو خاصرة روسيا سيكلفها الكثير بالرغم من الوعود الغربية بالوقوف إلى جانبها ، والتى حتى هذه اللحظة لم تكن دون مستوى الحدث وهذا ما عبرت عنه أوكرانيا على لسان رئيسها " زلينسكي"..
معايير مزدوجة
لقد عانى العالم كثيراً بعد انفراط عقد الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات ، جراء السياسة الأمريكية المتعجرفة وما زالت الشعوب حتى هذه اللحظة تدفع ثمن ذلك من امنها واقتصادها ومستقبلها ولعل ما نشاهده اليوم في سوريا وأفغانستان والعراق وكوبا وفنزويلا واليمن وغيرها من البلدان ، دليل على أن أمريكا التي تتشدق بحقوق الإنسان والقانون الدولي ولا تنظر له إلا من زاوية مصالحها وتتجاوز كل المعايير الدولية الخاصة بسيادة الدول واستقلالها، وما نراه اليوم فى بلادنا من سياسات جائرة وحصار وتجويع وعدوان يشارف العام الثامن يعطي صورة ناصعة على مدى الجرم والوضاعة التي تتجسد فى شكل دولة تستكثر على الشعوب الأخرى أن تعيش بكرامة..
بالتأكيد تداعيات الحرب التى بدأت مؤخراً هي في الأساس صينية وروسية من جانب وإن كانت الأولى لا تظهر ذلك صراحة ، وغربية من جانب آخر بزعامة أمريكا تدور رحاها في أوكرانيا التى وجدت نفسها فى حلبة كبيرة جدا يتصارع فيها الكبار وهي لا تمتلك من القوة ما يكفي مقارنة بالدب الروسي..
سؤال مشروع
ما يحدث الآن ستكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي خصوصا وأن العالم لم يكد يتعافى من جائحة كورونا وآثاره السلبية على الاقتصاد العالمي، حتى دخل فى اتون معركة أخرى لا تقل كارثية عن الأولى، فكيف إذاً سيكون حال الكثير من الدول جراء هذا الصراع ، خصوصا الدول النامية والتى تشهد صراعات وعدم استقرار سياسي كاليمن، وما هي الانعكاسات والآثار المترتبة على هكذا صراع سواء أكان اقتصادياً أو سياسياً؟! ..
"الميثاق" طرحت هذا السؤال على مجموعة من المحللين السياسيين للشأن الدولي والمحلي فهناك من يرى أن ذلك سيكون إيجاباً بالنسبة للمسار السياسي في اليمن لكنه سيكون على النقيض فيما يخص الملف الاقتصادي بحسب المحلل السياسي/ عبدالغني العزي الذي قال: إن ايجابيات هذا الصراع يمكن النظر اليها من زاوية المحاولات الروسية لاستعادة نفوذها القطبي الدولي المواجه للنفوذ الامريكي خاصة والغربي على وجه العموم بعد ركود وضعف عاشته روسيا في نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي والذي جعل النفوذ الامريكي يتعاظم وينفرد بالدور والمكانة الدولية دون منازع ..
ويعتقد العزي انه ببروز الدور الروسي واستعادة مكانتها الدولية ومواجهة نفوذ الغرب على المستويات السياسية والاقتصادية سيكون من شأنه احياء توازن دولي طالما تطلعت اليه معظم الشعوب والدول المستهدفة من النظام الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية .. واستطرد قائلاً: "سينعكس ذلك بكل تأكيد على واقعنا المليئ بالانتقام والكيد والعدوان ومحاولة فرض الهيمنة علينا من دول الحلف الامريكي واستغلال ثرواتنا وموقعنا وظروفنا لصالح تلك الدول التي تسير في الفلك الامريكي حتى وصل بهم الحال إلى الارتماء في الحضن الصهيوني طمعاً في رضى امريكا بل تنكروا للقواسم التي تربط شعبنا بشعوب تلك الدول العدوانية والتي اهمها روابط الدين والجوار بل إنهم لم يراعوا حرمة لدماء شعبنا الذي استخدموا لقتله جميع انواع الاسلحة المحرمة دولياً بما فيها الاسلحة التي مازالت محل تجارب..
صراع مصالح
وعلى ضوء ما سبق فإن السياسة الدولية لايهمها أي روابط مع شعوب العالم بقدر ما تهمها المصالح بداية لان السياسة لدى هذه الدول ليس لها اطار من القيم والمبادئ ، بل إن اطارها الاساسي هو المصالح التي تريد تحقيقها بتحالفاتها وعداواتها ومن هذا المنطلق فإن على ساستنا ان ينظروا للصراع الغربي الروسي على انه صراع مصالح ونفوذ وبالتالي فإن حصول مكاسب لشعبنا من هذا الصراع يتطلب النظر البعيد والحساب الدقيق لما سيؤول إليه وما سينتج عنه حتى تتموضع سياسة حكومتنا في المكان الذي تقع فيه مصالح شعبنا اليمني ..اما ماله صلة مباشرة بواقعنا فلاشك انه سيمر من خلال المراجعة لمواقف دول العدوان من هذا الصراع نفسه بحيث إذا استمرت روسيا في تنامي نفوذها وترتيب اوراقها السياسية مع الدول ذات العداء التاريخي للغرب وامريكا فإن ذلك سيكون له تحولات ايجابية على واقعنا السياسي..
مضاعفة المعاناة
أما فيما يخص الشق الاقتصادي فيقول العزي إن تأثيره لن يكون احادياً بل سيكون تاثيره شاملاً .. ويضيف: " التأثير الاقتصادي لهذا الصراع لن يمسنا منفردين بقدر ما سيكون تأثيره عاماً على الاقليم والمنطقة إلا أنه بالنسبة لنا فأتوقع ان يزيدنا معاناة فوق معاناتنا نظراً للوضع الاقتصادي المتردي الذي نعيشه وانهيار العملة ونهب ثرواتنا النفطية من قبل دول العدوان ، وهنا يبرز التأثير بحيث ان هذا الصراع قد يخلق معاناة لشعوب ولكنه لدينا سيضاعف المعاناة التي نكابدها بفعل العدوان والحصار "..
ارتفاع الأسعار
هذا وتعاني البلدان العربية من انعدام الأمن الغذائي لذلك تثير اندلاع هذه الحرب مخاوف المسؤولين في هذه الدول إذ تُعدّ أوكرانيا مُصدِّراً رئيسياً للذرة والشعير لكن قمح البلد هو الذي يجسد التأثير الأكبر على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، ففي 2020م صدرت أوكرانيا ما يقرب من 18 مليون طن من القمح من إجمالي محصول بلغ 24 مليون طن، مما جعلها خامس أكبر مصدر في العالم ويستورد اليمن وليبيا من أوكرانيا 22٪ و43٪ على التوالي من إجمالي استهلاكهما للقمح ، وقد حذّر برنامج الأغذية العالمي من أنّ الحرب في أوكرانيا ستؤدي على الأرجح إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن الذي مزقته الحرب، مما قد يدفع المزيد من السكان إلى المجاعة مع تراجع تمويل المساعدات .. وقال البرنامج في بيان: "يؤدي تصعيد الصراع في أوكرانيا إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء وخاصة الحبوب في اليمن الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد".
تأثير غير مباشر
المحلل السياسي/ نصر الدين عامر بدوره يقرأ ذلك من زاوية أخرى ويؤكد على أن أمريكا تثير الكثير من النزاعات والحروب فى العالم كله وهو كما يقول سلوك دائم.. ويضيف: أمريكا هي المتسببة فى كل ما يجري من تطورات في الساحة الاوكرانية وهي تتحمل مسؤولية توتير الأوضاع هناك كما أنها المستفيدة منه تماماً كما تفعل فى اليمن من خلال قيادتها ومشاركتها في العدوان على اليمن وهي من تدير الصراع والحروب فى منطقتنا العربية والإسلامية ، كما ليس بالضرورة أن يكون تأثيرها مباشراً في الأحداث فلديها أدواتها فى إشعال الحرائق والحروب فى كل مكان"..
بدوره يقول المحلل السياسي/سفيان العماري: انه في حال استمرار الصراع على نفس الوتيرة ولفترة اطول فهو كفيل بتغيير كبير في موازين القوى الحالية ، وأن التاريخ مليئ بالعبر والدروس فحروب كهذه عابرة للقارات والبحار صعب التحكم بنتائجها او توجيهها وقد رأينا في الحرب العالمية الثانية دولاً تُسحق وتُمحى من الخارطة وانتجت دولاً جديدة ،ولكن اقرب هذه الدول او المناطق تأثراً بهذا النوع من الصراعات الكبرى هي المناطق الساخنة بشكل مستمر أي تلك التي تشهد صراعات مستمرة وخاصة تلك التي تتميز بالثروات الطبيعية او التي تتمتع بجغرافيا حاكمة على طرق التجارة وما في حكمها..
صراع الطاقة
ويؤكد العماري ان الصراع الحاصل هو اقتصادي، وقال: "طبيعة الصراع الدائر بين الامريكان ومن معهم، والصين وروسيا هو صراع اقتصادي في محاولة للسيطرة على اسواق الطاقة العالمية وطرق التجارة والنقل البحري لذلك يتوقع ان تؤدي أي عقوبات جادة على الغاز الروسي الى ازمة طاقة خانقة وارتفاع في اسعار الوقود سرعت وتيرة التسابق للسيطرة المباشرة على منابع الطاقة كالممرات المائية وخاصة التي تستخدم في نقل النفط والغاز .. ويعتقد ان الامريكان والبريطانيين استشعروا مبكراً انهم بحاجة الى تأمين الممرات التي سيجري من خلالها تعويض اوروبا بالغاز والنفط بدلاً من الغاز الروسي الذي سيخضع للعقوبات لذلك دفعت بالسعودية والامارات واسرائيل وبريطانيا لتعزيز احتلالها للسواحل اليمنية المشرفة والحاكمة لهذه الممرات سواء في سقطرى او المهرة او حضرموت وباب المندب..الخ ، وصولاً الى قناة السويس وميناء ايلات الاسرائيلي ،ناهيك عن ان الصراع قد يدفع الامريكان لتشديد قبضتهم على منابع الغاز في منطقتنا سواء في الخليج او اليمن او شرق المتوسط ماقد ينقل الصراع الى مستويات غير مسبوقة يكون ميدانها منطقتنا الهشة امنياً ، لذلك حاولت أن تعزز تواجد بحريتها في المنطقة..
أزمة عالمية
بالنسبة للتداعيات المباشرة على اليمن يجملها الأستاذ/العماري بعدة نقاط وهي:
1- استخدام اليمن كبؤرة ساخنة لصراع اقليمي ،لتصبح بؤرة لصراع دولي ومتنفساً للمأزومين من عار الهزيمة في اوكرانيا .
2_ اهمية الجغرافيا اليمنية المميزة زادت بسبب الصراع الناشب في شرق اوروبا ونتائجه على سوق الطاقة يجعل من الممرات المائية عبر باب المندب والسويس ذات اهمية قصوى لتدفق الطاقة من المصادر البديلة لأوروبا وغيرها من دول العالم ، وهذا ماقد يجعلها مطمعاً للاحلاف الاقتصادية والعسكرية الكبرى خاصة ان اليمن في حالة انقسام يشجع تلك الاطماع.
3- ومن الناحية الاقتصادية فنحن مقبلون على ازمة وقود وغذاء عالمية وبطبيعة الحال ستتأثر بها المنطقة واليمن.
4- انشغال العالم بأزمات كبرى قد يشجع تحالف العدوان على رفع وتيرة عملياته وارتكاب مجازر جديدة في محاولة لتحقيق بعض المكاسب..
واختتم الأستاذ/العماري قائلاً: "طبعاً هذا بدعم وتشجيع من الامريكان والاسرائيليين من واقع قناعتهم ان الوقت يمضي وموازين القوى ستتغير سريعاً لصالح اقطاب اخرى صاعدة في العالم ما يساعد حركات التحرر في العالم لتحقيق آمالها في الاستقلال والانعتاق من التبعية بل ان تحالفات جديدة لاشك انها في الطريق للتبلور تجمعها سمة العداء لأمريكا والإمبريالية.
|