موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


وسط تهديد بتشديد الحصار: الجوع.. سلاح ضغط أمريكي على صنعاء - تربويون وأكاديميون لـ"الميثاق": تحصين الجيل الجديد بأهمية الوحدة اليمنية ضرورة قصوى - الوحدة اليمنية خيار شعب ومصير وطن - الأمين العام يعزي بوفاة الشيخ عبدالكريم الرصاص - الأونروا: 600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح - المواصفات تنفذ نزولاً للتفتيش على محلات بيع الذهب - تقلبات جوية.. الأرصاد يكشف توقعات الطقس - حصيلة جديدة للشهداء والمصابين في غزة - استشهاد أكثر من 15 ألف طفل في غزة - ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 35173 -
الأخبار والتقارير
الميثاق نت -

الإثنين, 12-أكتوبر-2020
عبدالله‮ ‬البردوني -
ما كادت الكتابة الذكرياتية عن ثورة سبتمبر تجف على الأوراق، حتى ظمئت أوراق أخرى إلى الكتابة عن ثورة أكتوبر 1963م في الشطر الجنوبي من اليمن، وهذا التقارب بسبب المشقة في تناول ثورة مختلفة عن أمها ومشابهة لها من وجهة عكسية واتجاهية ومن ناحية واحدية الموطن وتعدد نظريات الحكم فيه، وبالأخص في بلادنا حيث ترى كل فئة ملكية التاريخ بدون علميته واحتكار الموتى لغاية مستقبلية تنبتها القبور التي لا تصلح لإنبات حياة على أن كتابة اليوم نائية الغاية عن كتابة الأمس، حين كان علاج الموضوع الثوري ضرباً من فنون الدعاية، ولأن التاريخ العلمي المبرهن غير الدعاية الإعلامية والتهييج الجماهيري، فإن كل ثورات الخمسينيات والستينيات قد أصبحت تاريخ أحداث، يعتمد على المدونات والنظريات وامتحان تطبيقها، وهذا لا يقلل من خطر أي ثورة، لأن تاريخيتها من أفنان خطورتها التي كانت حدثاً ثم موضوعاً تاريخياً، فمن المعلوم أن تنفيذ العمل الثوري من أصعب المهمات وأن الاحتفاظ بسخونته أشد صعوبة من تنفيذه، كما أن مرافقة أحداثه أشق الأعمال، ذلك لأن حدوث الثورة وليد الحاجة الشعبية في ظرف محدد، غير أن الشعب متجدد الحاجات فلا تكاد تمر شهور أو سنوات على الثورة حتى تتجدد‮ ‬مطالب‮ ‬شعبية‮ ‬لأن‮ ‬الشعب‮ ‬متزايد‮ ‬الأعداد‮ ‬سريع‮ ‬الاستجابة‮ ‬لاستبدال‮ ‬الأجد‮ ‬من‮ ‬الجديد‮.‬
فكيف‮ ‬يمكن‮ ‬أي‮ ‬ثورة‮ ‬أن‮ ‬تحتفظ‮ ‬بشعب‮ ‬متناغم‮ ‬بصميم‮ ‬الثورة‮ ‬كما‮ ‬حدثت‮ ‬وكما‮ ‬رآها‮ ‬محدثوها؟‮ ‬إن‮ ‬هذا‮ ‬من‮ ‬المستحيلات‮ ‬على‮ ‬أي‮ ‬ثورة‮ ‬وذلك‮ ‬للأسباب‮ ‬التالية‮:‬
الأول: غياب الإجماع الشعبي المطلق على قيام الثورة جملة وغياب الكثرة عن كيفية الثورة، لهذا ينشأ معارضو الثورة قبل أطلالها ثم يلبسون أزياءها بعد انفجارها عن عدوى آنية أو عن نية دخول المسرح الجديد لاستعادة قديم، إما لانطوائهم على ثورة مغاير وإما لتشبثهم بالعهود‮ ‬التي‮ ‬سبقت‮ ‬الثورة‮ ‬وهؤلاء‮ ‬الذين‮ ‬يتحولون‮ ‬إلى‮ ‬خصوم‮ ‬هم‮ ‬الذين‮ ‬يحولون‮ ‬بين‮ ‬الثوار‮ ‬والاحتفاظ‮ ‬بصورة‮ ‬الثورة‮ ‬كما‮ ‬تبرجت‮ ‬من‮ ‬خدر‮ ‬أمها‮.‬
السبب‮ ‬الثاني‮: ‬أن‮ ‬هؤلاء‮ ‬الخصوم‮ ‬يقاتلون‮ ‬الثورة‮ ‬بمفاهيمها‮ ‬وبنفس‮ ‬قاموسها‮.‬
السبب الثالث: أن الثورة تأتي حدثاً لم يُحدث كوادره معه ولا يقدر على هذا، فتتكون هذه الكوادر من خليط القدرات ومن نقائض المفاهيم، لأن هذه الكوادر غير واضحة السمات أمام السلطة الجديدة، لأن أغلب كوادرها كانت كوادر سابقتها، وهؤلاء على اختلافهم أصحاب الحق في الثورة سواءً انصبوا في مجراها يوم تفجرها أو ترقبوها من بعيد، إلى أين سوف تصل، ولعل ثورة أكتوبر كانت أحسن حظاً من ثورة سبتمبر، لأنها انفجرت على دخيل اتفق الكل على وجوب رحيله واختلفت الجبهات على كيفية هذا الرحيل وعلى شرطية ما يليه.
فهل‮ ‬الكفاح‮ ‬المسلح‮ ‬أسرع‮ ‬وهل‮ ‬التفاوض‮ ‬أبقى‮ ‬على‮ ‬قوى‮ ‬الشعب‮ ‬ما‮ ‬دام‮ ‬الاستعمار‮ ‬على‮ ‬وشك‮ ‬الرحيل‮ ‬لانعدام‮ ‬مبرر‮ ‬بقائه؟
كان‮ ‬هذا‮ ‬الجدل‮ ‬يدور‮ ‬عنيفاً‮ ‬في‮ ‬عدن‮ ‬وتعز‮ ‬ويدور‮ ‬أهدأ‮ ‬في‮ ‬صنعاء،‮ ‬لكن‮ ‬هل‮ ‬كانت‮ ‬الغاية‮ ‬خروج‮ ‬الاستعمار؟
كان البعض يرى هذا غاية في حد ذاتها، وكان البعض يرى تأسيس مجتمع ثوري يحل محل الاستعمار أجدى على الشعب، لأن التفاوضيين سيظلون نواب الاستعمار بعد رحيله وبالأخص في مدينة عدن التجارية البحرية فإنها تحقق مصالحها بالخدمات وبالتوسع فيها، وعلى أي حال فإن ثورة سبتمبر الشمالية كانت على طرف نقيض إذ لم يستحر جدال بين الثوار والإماميين بعد الثورة، وإنما كانت الجدلية معبأة بالموت، لأن انصار الإمامة كانوا أكثر مواقعاً وأقل تنظيماً لأنهم لم يقتدروا على إدارة المناطق التي عسكروها، وامتدوا منها أو إليها، لأنها قد فقد قابلية دفع الزكاة وضرائب المواشي وكل مقومات الحكم الإمامي بل أصبحت تنتزف الإماميين فلا تتحرك إلا بمقدار ما تدفع الإمامة وبمقدار فراغها من أعمال البذر والحصاد، لأن هذين الموسمين من أقوى عوامل تعطيل الحرب العشائرية والسياسية كما قال إبراهيم بن موسى والي الرشيد على اليمن: «لا يقر قرار اليمنيين إلا ببذر دائم أو حصاد دائم فمن أين لنا ديمومة الفصلين»، لهذا حاول الملكيون تجييش جيش نظامي كجيش الجمهورية، غير أن الذين استجابوا للتجنيد كانوا من نفس فصيل الفلاحين، أما القبائل المحاربة عن احتراف فكانت جمهورية حيناً، ملكية حيناً بمقتضى زيادة العطاء، غير أن مجرد مشاركة هذه السلطة القبلية السلطة الجديدة في الأرض واجتذاب المواطن ودفعه تشكل عدة عقبات أمام التيار الثوري الذي جاء من العهد الإمامي مجيئ أكتوبر من العهد الاستعماري.
لقد حاول الاستعمار البريطاني أن يحاكي نظام الشمال بشكل مختلف فحاول جعل المحميات المتعددة سلطة واحدة عاصمتها عدن، وحاكمها من سلاطين المحميات تحت مبدأ الاتحاد، فأصبح السلاطين وزراء في حكومة اتحادية وسلاطين مناطق، فظل هذا الاتحاد غرض الثورة كالاستعمار الذي صنعته حتى المجلس التشريعي الصوري فإنه على سبقه في الجزيرة والخليج لم ينفث أنفاساً ديمقراطية، ولا تمكن من الإيهام بشرعيته لأن الشعب لم ينتخبه ولم يقبل تزوير انتخابه، كما قال الشاعر محمد سعيد جرادة:
ودعواهم‮ ‬أنّا‮ ‬نريد‮ ‬اتحادهم‮ .. ‬كدعوى‮ ‬النصارى‮ ‬صلب‮ ‬عيسى‮ ‬بن‮ ‬مريم
وكيف يمكن أن يقوم مجلس تشريعي بالتوظيف الذي إرتآه المندوب السامي البريطاني بعدن؟ لهذا خلت أرياف الجنوب من منتفعين بسلطة الاستعمار ومن قابلية تشكيلاته في عدن فتفجرت الثورة من جبل ردفان في شهر أكتوبر عام 1963م.
من هنا تكونت السمات الأولى على وجه الثورة الأكتوبرية بأنها ريفية التحرك والأنفاس فشابهت ثورة ردفان ثورة الصين في الأربعينيات وثورة كوبا في آخر الخمسينيات، وهذا التشابه لا يلغي الفروق بين ريف وريف.. وثوار وثوار.
صحيح أن الأرياف أكثر فقراً، ولكن لا يتسبب الفقر في خلق الحس الثوري الطبقي بل تسبب شدة الفقر غياب الحس جملة، فكانت أغلب موجات الثورات الريفية من وسط الفلاحين لا من الأغنياء ولا من الأفقر، وهذا الوسط هو مصدر الطموح إلى الفوق وبالأخص اذا تأجج الوعي الطبقي بالوعي السياسي وامتد الوسط إلى تحريك التحت، لأن الحالة الاقتصادية وحدها لا تنبت وعياً ولا تغذي منابته بدون عوامل تحريك وإحداث ثقافة بمقدار متلقفيها، ولعل ريف (ردفان) بعيد الشبه عن ريف كوبا والصين، لأن هذه الرقعة من الأرض غير نهرية فلا تكون بطبقات مزارعين متفاوتين إلى الحد الذي يؤجج صراعاً بين غني وفقير، أما الأفقر فلم يصلح كمادة إلا بعد أن تجرفه الموجة السياسية عن طريق العدوى وعن أسباب انقطاع الدخل اليومي الضئيل بفعل الحرب الثورية، فتركزت القوى المقاومة للثورة في عدن التي كانت يظن الاستعمار حصانتها أمام اقتحام الثورة، غير أن الثورة تنادت من كل أنحاء المناطق والمراكز لأن السلاطين لم يلجأوا إليها وإنما إلى الشمال أو ما يليه، وأنصع آيات ثورة سبتمبر أنها اقتدرت على حماية عاصمتها من أي اكتساح قبلي كما حدث مثل هذا مرات فكان من المعهود تساقطها على توالي أحداث كان آخرها اجتياح مارس عام 1948م حين اكتسحتها القوات القبلية من أكثر من باب وأكثر من ثغرة في السور، وكانت نية اكتساح صنعاء عام 1967م قائمة في النفوس إلا أن دفاعها الذي كان يتحول إلى هجوم حاصر الحصار.
لهذا كان دخول ثوار أكتوبر (عدن) تحقيق ما كان مستحيلاً، لأنها أحصن من سور صنعاء فالسبب في مستوى عظمة النتيجة، إذ اتقد الحس الثوري في عدن متصلاً بزحف ردفان حتى إن التفجيرات التي كانت تفرقع في عدن قبل دخول الثوار كانت تلحق بالأحداث العادية عند المندوب السامي باعتبارها من صنع أفراد مشاغبين أو أفراد متسللين ولم تكتشف سلطة الاستعمار تعاظم الثورة في عدن إلا عندما تجاوبت النار في شوارع عدن وأصبحت حرب الشوارع أقوى من حرب ردفان، وكان للثوار مهارة أقوى على حرب الشوارع لأن الاستعمار لم يتوقع هذه المفاجأة بل لم يُقدر دخول الثوار العاصمة، على عكس مجريات الأحداث في صنعاء في دعم استقلال الجنوب حين كانت المقاومة الشعبية تتدرب على حرب الشوارع فلا يلاقيها المهاجمون غنيمة كعام 1948م، وقد أدهش القبائل المحاربة هذا التوطن للقتال حتى في شوارع صنعاء، ولما عزت صنعاء على الحصار امتدت المقاومة إلى قرى المناطق المحاصرة فحاربت في الأودية والتلال وفي مزارع القات قياساً على تدريب حرب الشوارع، حتى رأى بعض شيوخ (همدان) أن هؤلاء المقاومين من الشياطين لتعاملهم مع كل مكان وحسن قياسهم شوارع صنعاء بمستويات الأودية وادغال البساتين والشعاب ولاسيما في قرية (القابل) ووادي ظهر (وحده) وضلاع وبيت بوس, وذلك لأن المقاومة تكونت من أغلب البيوت الريفية والمدنية لأنها تشكلت من طلاب الثانوية ولإعدادية وعمال مصنع الغزل والنسيج وأساتذة المدارس وصغار الموظفين والباعة وعمال المطاعم والفنادق وهؤلاء على صلة بالقرى والتلال‮ ‬المحيطة‮ ‬بها‮ ‬أو‮ ‬الدور‮ ‬القائمة‮ ‬على‮ ‬التلال،‮ ‬وكانت‮ ‬التغطيات‮ ‬المدفعية‮ ‬تمكن‮ ‬المقاومة‮ ‬من‮ ‬الهجوم‮ ‬الدفاعي‮ ‬إلى‮ ‬جانب‮ ‬الدفاع‮ ‬المهاجم،‮ ‬فكانت‮ ‬صنعاء‮ ‬1967م‮ ‬أحصن‮ ‬من‮ ‬عدن‮ ‬1964م‮.‬
فما‮ ‬السبب؟
إنها‮ ‬إرادة‮ ‬النصر،‮ ‬لأن‮ ‬الإرادة‮ ‬توجد‮ ‬إمكاناتها‮ ‬من‮ ‬الأدوات‮ ‬والتحركات‮.‬
لهذا كان الميدان سبباً وإجادته نتيجة لأن الآلة التي تستدعي تحريكاً، تخلق محركها بالعدوى وبالنداء الداخلي الذي يتهازج بين دخائل الإنسان ودخائل الآلة، وقد دلت على هذا أرتال السيارات إذ وجدت كل سيارة قائدها بمجرد وجودها كذلك الميدان الساخن فإنه يستنفر مؤججيه وكأن‮ ‬بينه‮ ‬وبين‮ ‬المحارب‮ ‬حواراً‮.‬
فلماذا عجزت الجبال التي تسور عدن عن صد ثوار ردفان؟ لأن المكان الذي وراء الأسوار تهاتف مع الدخل والخارج, لأن تلكم الجبال تصلح لدفاع القوى النظامية المزودة بنفس السلاح، أما الثوار فتسارعوا من وراء الظن حتى استقبلتهم عدن عام 1964م، ولكن لم يدخلوها دخول الفاتحين ولا الناهبين على عكس جيش الإمام أحمد بصنعاء عام 1948م, وإنما انضم الجنس إلى جنسه والجذع إلى كليته فكون ذلك النضال نواة الاستقلال الذي أثمر يوم 30 نوفمبر 1967م، وكانت تلك البداية خاتمة لشوط صنعاء التي قامت بأول انقلاب جمهوري على الجمهورية الأولى في نفس شهر نوفمبر 1967م، إذ انتقل الجدل السياسي إلى صنعاء وتعز وكان مختلف الأداء والمؤدي، إذ ليس محوره ملكية وجمهورية وإنما جمهوريون، وجمهوريون دون أن يتبدى لذلك التنازع جبهات أو معالم طبقية، فالذين كانوا يحاربون الملكية معاً تحولوا إلى خصومات فكرية: بين الحرب إلى النهاية أو التصالح مع غير آل حميد الدين، لأن الثورة استهدفتهم ولم ترد غيرهم، وتلاحقت أطروحات تغري بالقابلية (كلنا يمنيون) كلنا أبناء اليمن فقبول الممكن أجدى من طلب المستحيل وكانت هذه قنابل مؤقتة في أساسيات المبادئ التي تتجاوز الحارة والمدينة والوطن إلى العالم غير أن أطروحة (يمنيون) جاءت إثر رحيل الجيش المصري الذي لم يفرق أكثر اليمنيين بينه وبين أي محتل أجنبي, وذلك لمجيئه في ظروف حربية ينبهم عليها التمييز بين لون ولون وقريب وغريب, ذلك لأن الحرب في نفوس الناس كشذوذ الطبيعة على أديم الأرض التي تحول الأرض إلى حرب غير مرئية, فلأن الحرب زلازل النفوس فإن انفجار الطبيعة يحول الأنهار المروية إلى فيضانات جارفة، وكان الذين طرحوا (اليمنية) بغض النظر عن المبادئ على معرفة بتلك الفترة أو على دراية بمن حولهم وقياس البعيد عليهم وبالأخص في مثل بلادنا التي يمضغ القات أكثر ساعاتها ومعظم الوعي الصاحي فيها، فتشكل جلسات القات الإيهام بحقائق فيبدو لصاحب هذا المجلس الأخضر أن الذي خارجه مثيله في مستوى التفكير ونوعية المبادئ وعلى وفرة الثقافة التراثية، فإن الفقهاء الصنعانيين الذين طرحوا (اليمنية) بديلاً عن الثورية المبدئية انقطعوا عن ذاكراتهم‮ ‬ومكتباتهم‮ ‬فهم‮ ‬على‮ ‬علم‮ ‬بأن‮ ‬قريش‮ ‬انقسمت‮ ‬على‮ ‬قريش‮ ‬فاستمات‮ ‬البعض‮ ‬تحت‮ ‬لواء‮ ‬النبوة‮ ‬واستقتل‮ ‬البعض‮ ‬تحت‮ ‬لواء‮ ‬السيادة‮ ‬الوراثية‮.‬
ألا يدل انشقاق قريش إلى معسكرين على أن المبادئ فوق عصبية العشيرة وفوق التقوقع العائلي والسيادة المكية؟ إن الذي حدث بين قريش وقريش حدث بين المعتزلة والأشاعرة ولم تتقد الشعوبية إلا باستحضار البيتية في ظل الملة التي آخت بين (صهيب الرومي) وبين (الصديق التيمي) وبين‮ ‬بلال‮ ‬الحبشي‮ ‬وبين‮ ‬علي‮ ‬الطالبي‮ ‬حتى‮ ‬أن‮ (‬عمر‮) ‬قال‮ ‬في‮ ‬لحظات‮ ‬احتضاره‮: (‬ليت‮ ‬سليمان‮ ‬مولى‮ ‬أبي‮ ‬حذيفة‮ ‬كان‮ ‬حياً‮ ‬فأوكل‮ ‬الأمر‮ ‬إليه‮ ‬بعد‮ ‬موتي‮ ‬فهو‮ ‬به‮ ‬أجدر‮)‬،‮ ‬لماذا‮ ‬تمنى‮ ‬عمر‮ ‬هذه‮ ‬الأمنية؟
لأنه كان أول ضحايا يقظة العصبية القرشية في بدئها، وما كان أدرى جماعة الاعتدال الجمهوري في الستينيات بهذه المفاهيم وبما لهذه المدونات من تفسير قديم ومنهجة معاصرة عن مبادئ أجد.. إن هذه الفكريّات هي التي تسوغ كتابة تاريخ الثورات وبالأخص عندما تنتقل الأفكار إلى سلطة، والحدث الثوري إلى نظام فإن هذا التحول كرحيل المادة من الهيولي إلى الصورة, إذ تشغل الصورة الناظرين عن مادتها, فبعد حرب السبعين يوماً بصنعاء عام 1967م، تم التصالح فتحولت عدن السبعينيات إلى جانب من عدن الأربعينيات التي آوت المعارضة يومذاك لأن عدن كانت مختلفة الاتجاه بعد التصحيح الأول الذي كان مع نظام صنعاء على حرب شبه حزبية فكان سقوط الجمهورية الأول بعدن متنفس الجمهورية الثانية بصنعاء ولكن إلى حين، ثم تحول الجنوب إلى مواقع ثوار الشمال الذين شملهم التسريح أو خوف السجن أو مشاكل اللاجئين من نفس المكان أو التخوف من تقوية العائدين إلى أن يصبحوا نظاماً بذاته أو نظاماً داخل النظام، وذلك بفعل تشابه التركيبة الذهنية بين دعاة الصلح وبين العائدين من الملكية، فكلهم جاءت إليهم الثورة دون أن يأتوا منها وما كان الاختلاف على اسم النظام إلا شكلياً، هل هذا إثارة جراح كما‮ ‬يرى‮ ‬البعض‮ ‬أو‮ ‬أن‮ ‬معرفة‮ ‬أمسنا‮ ‬يهدينا‮ ‬إلى‮ ‬اختيار‮ ‬غدنا؟
قد يرى البعض ان الوحدة تجب ما قبلها كما قيل عن الإسلام ، وقد يرى البعض ان افدح الفوادح هو الجهل وان معرفة كل شيء اهدى إلى احسن الاشياء كما كان يقول افلاطون: ان سبب كل خطأ آتٍ من نقص في المعرفة، فاذا قيل له فلان من العارفين قال : "ليس بينه وبين المعرفة قرابة"، وهذا أدق إلماح إلى المعرفة ومشاكلة الانسان بها لكي يتحقق الانتفاع بها، كما هو أرهف إشارة إلى غياب المعرفة ووقوع الخطأ بسبب ذلك الغياب فاذا قلنا الوحدة كالإسلام يجب ما قبله فتلك مسألة دينية لا تاريخية فأي مسلم أرخ الاسلام مفصولاً عن الجاهلية الأولى والثانية؟ لهذا يتحتم ترويض النفس على تقبل الحقائق الموضوعية قبل الوحدة وبعدها، لأن جهلها لا يمحوها ولأن تجاهلها لا يقلل من ملاحقتها وبالأخص ان الاحداث الثورية قد اصبحت تاريخاً يشكل منصات وثوب إلى غيرها وذلك عندما يستجد الطور الآتي المختلف عن الصراع الايديولوجي ولا ينبغي ان تخدع الآنية التي توهم بانتهاء كل شيء فليس هناك منتهى لتحرك العالم، فقد كانت أول السبعينيات متنفساً جدلياً غير ان المشكلة مكررة، هي ان جدلياتنا لا تدور في صحو ولقصد الوصول إلى نتيجة لأن اريحية القات تقوي شهوة القول وتعطل قابلية السمع ، وإذا كان هناك إنصات فهو بلا سمع واعٍ فلا تكاد ترى احداً أو جهة يطرح مفاهيمه لتقبل تعديلها وحب نقيضها لكي تفضي كل مناقشة إلى نتيجة تنتظم نضج الكل ومصلحة الكل ، بل ان كل طارح يرتطم بطارح لا يقبل تخطئة ولا تعديلاً ولا اضافة، وكأنه فاه بالكلمة الأخيرة، اننا تحت سقف فترة تحتم ان تغادر مفاهيمنا لأن الأحداث والتطورات توقفت عند عام 1990م كختام صارم لكل ما دار وثار وابتداء لكل نقيض ولكل بديل ، لأن بعد الثورات عهد بداية ثورات رغم التمويهات العديدة كواد للحتمية التي سبقت صراع المعسكرين.
أما جاءت ثورات الخمسينات والستينات بعد حركات وانقلابات وبعد حربين عالميتين؟، فما خلا عقد زمني من حركة في أي قطر تنتقل بالعدوى إلى آخر، ابتداء من الانقلاب العثماني 1909م إلى ثورة الدستور بمصر عام 1919م إلى علمنة تركيا عام 24 إلىحرب اليمن والسعودية من مطلع الثلاثينات إلى منتصفها إلى حركة جعفر العسكري بالعراق عام 1936م إلى صراع الهلال الخصيب بين بريطانيا من جانب وبين مصر والسعودية وفرنسا من جانب آخر على امتداد الاربعينيات واول الخمسينات وكان لكل دوافعه، كانت مصر والسعودية على شبه تحالف ضد قيام سوريا الكبرى لأن امرها سيؤول إلى الامير عبدالله أمير شرق الاردن أو إلى أخيه ملك العراق وبين أولئك الهاشميين وآل سعود نزاع أورث ثأراً ورغم نفوذ بريطانيا في القاهرة والرياض فان تحالفهما ضد سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب ظل متطوراً بتطور التحرك، وكان الإمام يحيى في آخر الثلاثينيات يطمح إلى إمامة المسلمين وتحرير الشطر الذي كان جنوباً حتى ان بريطانيا شجعت عليه المعارضة واعانت عليه الادريسي وامدت احمد الفتيني بالسلاح لتحرك قبيلته الزرانيق على الإمام الطامح إلى وحدة المسلمين، كما تبرهن قصيدته الشهيرة:

مغلغلةُ‮ ‬منشورة‮ ‬في‮ ‬المحافل‮ ** ‬تنادي‮ ‬بني‮ ‬الاسلام‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬حافل
ولم‮ ‬يقبل‮ ‬التفاوض‮ ‬مع‮ ‬بريطانيا،‮ ‬كما‮ ‬لم‮ ‬يقبل‮ ‬محاربة‮ ‬تركيا‮ ‬تحت‮ ‬اشارة‮ ‬بريطانيا‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1948م‮ ‬انتهت‮ ‬المرحلة‮ ‬باحتلال‮ ‬فلسطين‮.‬
لهذا‮ ‬تلاحقت‮ ‬الثورات‮ ‬من‮ ‬ضحوة‮ ‬الخمسينيات‮ ‬إلى‮ ‬بدء‮ ‬السبعينيات‮ ‬لأنها‮ ‬جاءت‮ ‬بعد‮ ‬حركات‮ ‬لكي‮ ‬تكون‮ ‬ثورات‮ .‬
فماذا‮ ‬سيلي‮ ‬الثورات؟
إما حرب عالمية ثالثة واما ثورات محلية شديدة الاختلاف عن ثورات الخمسينيات والستينيات ، قد يبدو هذا مجانفاً لواقع الفترة لأن ثورات الخمسينيات والستينيات كانت تنفذ تحررها من الاستعمار أو تحقق التغيير في الداخل بالسلاح السوفييتي أيام الحرب الباردة وفي شدة التسابق‮ ‬على‮ ‬المواقع‮ ‬وكل‮ ‬هذا‮ ‬انتهى‮ ‬الآن‮.‬
ولكن‮ ‬ألم‮ ‬تسبق‮ ‬الحركات‮ ‬والثورات‮ ‬وجود‮ ‬موسكو‮ ‬وواشنطن؟‮ ‬ان‮ ‬موسكو‮ ‬بنت‮ ‬ثمانية‮ ‬قرون‮ ‬وواشنطن‮ ‬الحديثة‮ ‬بنت‮ ‬قرنين‮.‬
فهل‮ ‬كان‮ ‬العالم‮ ‬مقبرة‮ ‬بدونهما؟
لقد تأججت حروب وحدثت ثورات تحريرية وتغييرية وتسيير ذاتي بلا انظمة مدة عامين في بغداد مدة خمسة وعشرين عاماً في اليمن بين عهد "الحمامزة" و "الطاهريين"، وكل هذه التغييرات والملامح التقدمية سبقت موسكو وواشنطن فعندما كان المهندسون يخططون مدينة موسكو كان صلاح الدين‮ ‬الايوبي‮ ‬يذب‮ ‬الهجوم‮ ‬الصليبي‮ ‬عن‮ ‬الشام‮ ‬ومصر‮ ‬وتوالت‮ ‬الحروب‮ ‬مع‮ ‬صلاح‮ ‬الدين‮ ‬حتى‮ ‬أسرت‮ "‬المنصورة‮" ‬ملك‮ ‬فرنسا‮ ‬وجرحت‮ ‬ملك‮ ‬بريطانيا‮ ‬شظية‮ ‬فاس‮ ‬شامية،‮ ‬تتبعته‮ ‬حتى‮ ‬قطعت‮ ‬انفاسه‮.‬
ليس المهم وجود انظمة تتآمر ووجود انظمة تسلح على التآمر فما دام هناك طمع في الاستيلاء فهناك رغبة في المقاومة ورغبة المقاومة تخلق ادواتها كعادة كل حاجة، اننا الآن بعد ثورات وقبل ثورات وهذه النقطة الوسط تفرض علينا تقصي اغوار الثورات مؤرخين لا متمدحين، ودارسين غير قادحين لأن الموضوعية الخالصة هي التي تعطي الدليل، لأننا الآن خارج منطقة الحماس وفي منطقة الاستبصار والاستغوار لكي تفسر معرفة الماضي غوامض الحاضر حتى يصلح طريقاً إلى الغد، لأن صحة الوسيلة تقود إلى صحة الغايات، وليس حدث ثورة سبتمبر واكتوبر من الاحداث العابرة، لأنهما خلاصة مسبقات وينبوع تحولات لانهما اقرب إلى فجر الغد من حركة الثلاثينيات والاربعينيات، وكلما كان الحدث اقرب كان استلهامه اشهى، لأن الثورات عجزت عن الاحتفاظ باستمرار حرارتها، وذلك لتجدد الشعب الذي تتزايد حاجاته بتكاثر بيوته حتى يتجلى واقعه ابعد‮ ‬من‮ ‬احلام‮ ‬الثوار‮ .‬
صحيح ان المؤامرات التي عجزت عن اسقاط ثورة أكتوبر لم تعجز عن تعويقها وعن انتزاع أسباب تجددها، ولعل اقرب الأمثال هو اليوم موضع الاعتبار: كانت الامارات والدويلات الخليجية من مطلع السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات تمد اغراءاتها إلى الخريجين اليمنيين والخريجات لكي يخدموا في غير مكان خدمتهم، فكان يلقى الخريج اليمني في أي امارة أو في أي مشيخة السكن المريح والسيارة والزوجة الممكنة والعمل السهل لكي لا يشكل هذا الخريج أو هذه الخريجة نبضاً في جهاز الثورة.. وكان هذا النوع من المؤامرات يشبه الخصي من الدماغ، لأن الثورة كانت في حاجة إلى تجديد دورتها الدموية باستمرار، ومع هذا امكن ان تتجدد وان تتطور رغم نزوح كوادر وعدم استبدالهم بأفضل .. ومن حسن الحظ ان تلك الاغراءات الاميرية والمشيخية لم تستلب إلا غير المأسوف عليهم كما ثبت أخيراً، أما الذين كانوا يسمون اصحاب الكفاءة فقد دلت المرتبات الضخمة خارج الجنوب على عدم كفاءتهم ، ويمكن ضرب مئات الامثال بمئات الهاربين لانهم لم ينقصوا من عدن ولم يزيدوا اصبعاً في الكويت أو شبيهاتها.. لكن هذا كان قصارى المتآمرين من الجيران بعد أن عجزوا عن الغزو المسلح أو تكوين طوابير من الداخل.
صحيح ان هناك افراداً أوهموا بانتمائهم إلى جماعات خطيرة فاحتلبوا ناقة ثمود بدون علف، وانصح الادلة ان شمس اليوم تقبّل جبين ثورة أكتوبر الشامخة التي انتقلت من أعلى إلى أعلى ومن خطر إلى قتل اخطار حتى ظل بقاؤها على هذا المقدار من التوهج كأسطورة (العنقاء أو المهدي‮) ‬لأنها‮ ‬تواصلت‮ ‬ثورياً‮ ‬من‮ ‬اسقاط‮ ‬مؤامرة‮ ‬يناير‮ ‬1986م‮ ‬إلى‮ ‬ان‮ ‬حققت‮ ‬الوحدة‮ ‬عام‮ ‬1990م،‮ ‬وبالوحدة‮ ‬وفيها‮ ‬ومع‮ ‬شعبها‮ ‬ينتهي‮ ‬طريق‮ ‬وتنفتح‮ ‬مئات‮ ‬الطرق‮.‬

قد يرى البعض ان الوحدة تجب ما قبلها كما قيل عن الإسلام ، وقد يرى البعض ان افدح الفوادح هو الجهل وان معرفة كل شيء اهدى إلى احسن الاشياء كما كان يقول افلاطون: ان سبب كل خطأ آتٍ من نقص في المعرفة، فاذا قيل له فلان من العارفين قال : "ليس بينه وبين المعرفة قرابة"، وهذا أدق إلماح إلى المعرفة ومشاكلة الانسان بها لكي يتحقق الانتفاع بها، كما هو أرهف إشارة إلى غياب المعرفة ووقوع الخطأ بسبب ذلك الغياب فاذا قلنا الوحدة كالإسلام يجب ما قبله فتلك مسألة دينية لا تاريخية فأي مسلم أرخ الاسلام مفصولاً عن الجاهلية الأولى والثانية؟ لهذا يتحتم ترويض النفس على تقبل الحقائق الموضوعية قبل الوحدة وبعدها، لأن جهلها لا يمحوها ولأن تجاهلها لا يقلل من ملاحقتها وبالأخص ان الاحداث الثورية قد اصبحت تاريخاً يشكل منصات وثوب إلى غيرها وذلك عندما يستجد الطور الآتي المختلف عن الصراع الايديولوجي ولا ينبغي ان تخدع الآنية التي توهم بانتهاء كل شيء فليس هناك منتهى لتحرك العالم، فقد كانت أول السبعينيات متنفساً جدلياً غير ان المشكلة مكررة، هي ان جدلياتنا لا تدور في صحو ولقصد الوصول إلى نتيجة لأن اريحية القات تقوي شهوة القول وتعطل قابلية السمع ، وإذا كان هناك إنصات فهو بلا سمع واعٍ فلا تكاد ترى احداً أو جهة يطرح مفاهيمه لتقبل تعديلها وحب نقيضها لكي تفضي كل مناقشة إلى نتيجة تنتظم نضج الكل ومصلحة الكل ، بل ان كل طارح يرتطم بطارح لا يقبل تخطئة ولا تعديلاً ولا اضافة، وكأنه فاه بالكلمة الأخيرة، اننا تحت سقف فترة تحتم ان تغادر مفاهيمنا لأن الأحداث والتطورات توقفت عند عام 1990م كختام صارم لكل ما دار وثار وابتداء لكل نقيض ولكل بديل ، لأن بعد الثورات عهد بداية ثورات رغم التمويهات العديدة كواد للحتمية التي سبقت صراع المعسكرين.
أما جاءت ثورات الخمسينات والستينات بعد حركات وانقلابات وبعد حربين عالميتين؟، فما خلا عقد زمني من حركة في أي قطر تنتقل بالعدوى إلى آخر، ابتداء من الانقلاب العثماني 1909م إلى ثورة الدستور بمصر عام 1919م إلى علمنة تركيا عام 24 إلىحرب اليمن والسعودية من مطلع الثلاثينات إلى منتصفها إلى حركة جعفر العسكري بالعراق عام 1936م إلى صراع الهلال الخصيب بين بريطانيا من جانب وبين مصر والسعودية وفرنسا من جانب آخر على امتداد الاربعينيات واول الخمسينات وكان لكل دوافعه، كانت مصر والسعودية على شبه تحالف ضد قيام سوريا الكبرى لأن امرها سيؤول إلى الامير عبدالله أمير شرق الاردن أو إلى أخيه ملك العراق وبين أولئك الهاشميين وآل سعود نزاع أورث ثأراً ورغم نفوذ بريطانيا في القاهرة والرياض فان تحالفهما ضد سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب ظل متطوراً بتطور التحرك، وكان الإمام يحيى في آخر الثلاثينيات يطمح إلى إمامة المسلمين وتحرير الشطر الذي كان جنوباً حتى ان بريطانيا شجعت عليه المعارضة واعانت عليه الادريسي وامدت احمد الفتيني بالسلاح لتحرك قبيلته الزرانيق على الإمام الطامح إلى وحدة المسلمين، كما تبرهن قصيدته الشهيرة:

مغلغلةُ‮ ‬منشورة‮ ‬في‮ ‬المحافل‮ ** ‬تنادي‮ ‬بني‮ ‬الاسلام‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬حافل
ولم‮ ‬يقبل‮ ‬التفاوض‮ ‬مع‮ ‬بريطانيا،‮ ‬كما‮ ‬لم‮ ‬يقبل‮ ‬محاربة‮ ‬تركيا‮ ‬تحت‮ ‬اشارة‮ ‬بريطانيا‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1948م‮ ‬انتهت‮ ‬المرحلة‮ ‬باحتلال‮ ‬فلسطين‮.‬
لهذا‮ ‬تلاحقت‮ ‬الثورات‮ ‬من‮ ‬ضحوة‮ ‬الخمسينيات‮ ‬إلى‮ ‬بدء‮ ‬السبعينيات‮ ‬لأنها‮ ‬جاءت‮ ‬بعد‮ ‬حركات‮ ‬لكي‮ ‬تكون‮ ‬ثورات‮ .‬
فماذا‮ ‬سيلي‮ ‬الثورات؟
إما حرب عالمية ثالثة واما ثورات محلية شديدة الاختلاف عن ثورات الخمسينيات والستينيات ، قد يبدو هذا مجانفاً لواقع الفترة لأن ثورات الخمسينيات والستينيات كانت تنفذ تحررها من الاستعمار أو تحقق التغيير في الداخل بالسلاح السوفييتي أيام الحرب الباردة وفي شدة التسابق‮ ‬على‮ ‬المواقع‮ ‬وكل‮ ‬هذا‮ ‬انتهى‮ ‬الآن‮.‬
ولكن‮ ‬ألم‮ ‬تسبق‮ ‬الحركات‮ ‬والثورات‮ ‬وجود‮ ‬موسكو‮ ‬وواشنطن؟‮ ‬ان‮ ‬موسكو‮ ‬بنت‮ ‬ثمانية‮ ‬قرون‮ ‬وواشنطن‮ ‬الحديثة‮ ‬بنت‮ ‬قرنين‮.‬
فهل‮ ‬كان‮ ‬العالم‮ ‬مقبرة‮ ‬بدونهما؟
لقد تأججت حروب وحدثت ثورات تحريرية وتغييرية وتسيير ذاتي بلا انظمة مدة عامين في بغداد مدة خمسة وعشرين عاماً في اليمن بين عهد "الحمامزة" و "الطاهريين"، وكل هذه التغييرات والملامح التقدمية سبقت موسكو وواشنطن فعندما كان المهندسون يخططون مدينة موسكو كان صلاح الدين‮ ‬الايوبي‮ ‬يذب‮ ‬الهجوم‮ ‬الصليبي‮ ‬عن‮ ‬الشام‮ ‬ومصر‮ ‬وتوالت‮ ‬الحروب‮ ‬مع‮ ‬صلاح‮ ‬الدين‮ ‬حتى‮ ‬أسرت‮ "‬المنصورة‮" ‬ملك‮ ‬فرنسا‮ ‬وجرحت‮ ‬ملك‮ ‬بريطانيا‮ ‬شظية‮ ‬فاس‮ ‬شامية،‮ ‬تتبعته‮ ‬حتى‮ ‬قطعت‮ ‬انفاسه‮.‬
ليس المهم وجود انظمة تتآمر ووجود انظمة تسلح على التآمر فما دام هناك طمع في الاستيلاء فهناك رغبة في المقاومة ورغبة المقاومة تخلق ادواتها كعادة كل حاجة، اننا الآن بعد ثورات وقبل ثورات وهذه النقطة الوسط تفرض علينا تقصي اغوار الثورات مؤرخين لا متمدحين، ودارسين غير قادحين لأن الموضوعية الخالصة هي التي تعطي الدليل، لأننا الآن خارج منطقة الحماس وفي منطقة الاستبصار والاستغوار لكي تفسر معرفة الماضي غوامض الحاضر حتى يصلح طريقاً إلى الغد، لأن صحة الوسيلة تقود إلى صحة الغايات، وليس حدث ثورة سبتمبر واكتوبر من الاحداث العابرة، لأنهما خلاصة مسبقات وينبوع تحولات لانهما اقرب إلى فجر الغد من حركة الثلاثينيات والاربعينيات، وكلما كان الحدث اقرب كان استلهامه اشهى، لأن الثورات عجزت عن الاحتفاظ باستمرار حرارتها، وذلك لتجدد الشعب الذي تتزايد حاجاته بتكاثر بيوته حتى يتجلى واقعه ابعد‮ ‬من‮ ‬احلام‮ ‬الثوار‮ .‬
صحيح ان المؤامرات التي عجزت عن اسقاط ثورة أكتوبر لم تعجز عن تعويقها وعن انتزاع أسباب تجددها، ولعل اقرب الأمثال هو اليوم موضع الاعتبار: كانت الامارات والدويلات الخليجية من مطلع السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات تمد اغراءاتها إلى الخريجين اليمنيين والخريجات لكي يخدموا في غير مكان خدمتهم، فكان يلقى الخريج اليمني في أي امارة أو في أي مشيخة السكن المريح والسيارة والزوجة الممكنة والعمل السهل لكي لا يشكل هذا الخريج أو هذه الخريجة نبضاً في جهاز الثورة.. وكان هذا النوع من المؤامرات يشبه الخصي من الدماغ، لأن الثورة كانت في حاجة إلى تجديد دورتها الدموية باستمرار، ومع هذا امكن ان تتجدد وان تتطور رغم نزوح كوادر وعدم استبدالهم بأفضل .. ومن حسن الحظ ان تلك الاغراءات الاميرية والمشيخية لم تستلب إلا غير المأسوف عليهم كما ثبت أخيراً، أما الذين كانوا يسمون اصحاب الكفاءة فقد دلت المرتبات الضخمة خارج الجنوب على عدم كفاءتهم ، ويمكن ضرب مئات الامثال بمئات الهاربين لانهم لم ينقصوا من عدن ولم يزيدوا اصبعاً في الكويت أو شبيهاتها.. لكن هذا كان قصارى المتآمرين من الجيران بعد أن عجزوا عن الغزو المسلح أو تكوين طوابير من الداخل.
صحيح ان هناك افراداً أوهموا بانتمائهم إلى جماعات خطيرة فاحتلبوا ناقة ثمود بدون علف، وانصح الادلة ان شمس اليوم تقبّل جبين ثورة أكتوبر الشامخة التي انتقلت من أعلى إلى أعلى ومن خطر إلى قتل اخطار حتى ظل بقاؤها على هذا المقدار من التوهج كأسطورة (العنقاء أو المهدي‮) ‬لأنها‮ ‬تواصلت‮ ‬ثورياً‮ ‬من‮ ‬اسقاط‮ ‬مؤامرة‮ ‬يناير‮ ‬1986م‮ ‬إلى‮ ‬ان‮ ‬حققت‮ ‬الوحدة‮ ‬عام‮ ‬1990م،‮ ‬وبالوحدة‮ ‬وفيها‮ ‬ومع‮ ‬شعبها‮ ‬ينتهي‮ ‬طريق‮ ‬وتنفتح‮ ‬مئات‮ ‬الطرق‮.‬
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "الأخبار والتقارير"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
الوحدة لا تتحمل أوزار الموحّدين
أحمد الزبيري

فلسطين ستكون حُرَّة
يحيى الماوري

عالم يقاتل مقاومة..!!!
د. عبد الوهاب الروحاني

الحياة مِرآة كبيرة لأفعالنا
عبد السلام الدباء

شِلّني يادِرَيْوَلْ تِجَمّل !!
عبدالرحمن بجاش

حَبّيت الحديدة وأشتي أعيش فيها
منى صفوان

الوحدة اليمنية: تحديات وآفاق في ذكرى مرور 34 عاماً
عبدالله صالح الحاج

الأفعال والمواقف السياسية حول أحداث غزة
إبراهيم ناصر الجرفي

الجامعات الامريكية !!
د. طه حسين الروحاني

عن (المركزية الأوروبية).. الإنسان (السوبرمان) !!
محمد علي اللوزي

التعليم.. لا إفادة ولا إجادة !!
د. يحيى الخزان

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)