بدر بن عقيل -
ولأنها جاءت في زمن الشتات والتشرذم الذي تعاني منه أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج فإن المشاعر والغبطة الكبيرة التي أحدثتها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م لا تملأ فقط أعماق الشعب اليمني ، بل انداحت على طول الساحة العربية تزرع بذور الفرح ، وتبعث الأمل في نفوس كل عربي باعتبارها انجازاً وحدوياً عربياً ، وإنعاشاً للجسم العربي السقيم والمثخن بالجراح .
لقد جاءت الوحدة اليمنية بعد أن دب اليأس في مشاعر أمتنا وظنوا أنهم يعيشون وهماً وسراباً حلموا به فترات من الزمن ، ونؤكد أن الأمة العربية أمة حية قادرة على إعادة صياغة الذات بعيدا عن الأيديولوجيات الفكرية التي تهدد سلامة بنيانها وأمن بنيتها .
قال المفكر العربي الراحل زكي نجيب محمود : « ما حدث في اليمن مهبط العروبة الأول يجسد تلك الصفات، ويعبر عن الاكتمال الحقيقي الذي لا شك أنه يشمل الأمة بكاملها ».
ولا شك أن العمق الحضاري والعراقة الحضارية لليمن كفيلان بأن يجعلا من الوحدة اليمنية نموذجا حضاريا للأمة العربية، فلقد أعطت الوحدة القدر على الفعل .. قال الشاعر الراحل نزار قباني« ما حدث في اليمن انتصار للأمة .. انتصار للعروبة .. انتصار للشعر .. وأعطى دليلاً على تغلغل الشعر في حياة الأمة العربية».
نعم انتصار حتى للشعر ديوان العرب .. يقول الشاعر والأديب السوداني الدكتور مبارك حسن خليفة : أنا من الذين حلموا بوحدة اليمن وسطرت حلمي في بيت شعر ورد في قصيدة لي سميتها « شوق وعناق» كتبتها في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت في 01 مايو 1981م قلت فيها :
مضى يا حضرموت زمان القهر
تكسرت القيود على القيود
وغردت المشاعر في الحنايا
وهللت الأباطح بالسعود
فيا يمن التوحد عشت حرا
ويافتن التمزق لن تعودي
ويوم تحققت الوحدة اليمنية كانت وما زالت لحظات من التاريخ ، لفتت الانتباه والأنظار، وأخذها -البعض - إلى معامل التمحيص والتفحيص .. لعلهم يكتشفون أن اللحظات التاريخية المجيدة في عمر أمتنا ما هي إلا سكرات وليست أصالة نابعة من تراث هذه الأمة التي عكست الوحدة اليمنية خلودها وأصالة معدنها .. المعدن النفيس لأهل الايمان والحكمة .
في ذلك اليوم جسد اليمنيون قول الحق تعالى « واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» صدق الله العظيم ، وحديث رسول الله صلى الله علىه وآله وسلم :« المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا » .
فقد أعادت الوحدة اليمنية وبالسواعد اليمانية رسم خارطة بلادها وتكوينها من جديد ، وأتاحت الفرصة لكي يعيدوا بناء نظامهم السياسي والديمقراطي بموجب إرادة شعبية واحدة وفي إطار التعددية السياسية والحزبية ، وحرية الصحافة .. واحترام الرأي والرأي الآخر .. وحقوق الإنسان .. وكانت عامل أمن واستقرار للمنطقة .
وخلاصة الخلاصة لأصداء هذا الحدث اليماني في وجدان الأمة العربية وأحلامها ما أشار إليه الشاعر والمفكر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي « إن الوحدة اليمنية في حد ذاتها كانت أملاً منشوداً ، وحلماً من أحلام الأمة العربية ،وأنها لم تكن حلم اليمنيين وحدهم ، وإنما حلم العرب جميعاً الآن العرب الذين ظلوا منذ أواخر القرن الماضي يحلمون في أن يحققوا الوحدة بين أقطارهم المختلفة كانوا وما زالوا يعتقدون أن تحقيق الوحدة اليمنية أولى وأسبق ، وأنه ليس من المعقول ان نحلم بالكثير ونحن لم نحقق بعد القليل ، ولا شك أن تحقيق الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية على كامل الاراضي اليمنية هو مقدمة ضرورية وبديهية لأي خطوة تالية ، ومن الطبيعي أن نتوحد أولا ، ونختار طريقنا إلى الديمقراطية وإلى التقدم والتحديث ، ونحن ننظر إلى اليمن التي حققت الوحدة أن تضرب لنا المثل في وحدته الخالدة ، ليعود اليمن كما كان مهداً للحضارة».



الثورة