كتب/ المحرر السياسي -
لاتزال أحزاب المشترك تُمني نفسها بمكاسب انتخابية قادمة، إنما يفوتها باستمرار أن المكاسب الحزبية لا ولن تجيئ أبداً على حساب خسارة أدبية وأخلاقية، من قبيل الإفراط الملحوظ في إحياء مسميات وشعارات مناطقية تؤذن بالفرقة والشتات.
^ إن المكاسب دائماً مقيدة بالمكسب الوطني الأهم.. وطالما وهؤلاء ينجرون إلى إذكاء لغة التجزئة والتفتيت عبر تكريس مسميات الشمال والجنوب، وإحالةالوحدة الوطنية إلى وحدات صغيرة وأجزاء أصغر يتناولها أو يتناوب عليها فرقاء اللقاء بإدعاء الوصايات والتملك القسري- على سبيل الإرث المزعوم، أو الأفضلية المُدعاة، من أي نوع وتحت أية ذريعة كانت- كل ذلك يقدم إدانة جلية، أو مشروع إدانة أكبر يُلحق أصحاب »المشترك« بقائمة الخاسرين الأوائل، والأواخر، فليس يكسب من يبني حساباته بطريقة تؤخر الفرض، وتُقدم البدعة!
^ يقترف فرقاء اللقاء أخطاءً فاحشة بالترويج للتقاطع الفئوي والجهوي والمناطقي، ويمعنون في السوء والإساءة، حينما يكرسون لغة الأمراض والأغراض المكشوفة.. عبر الخطاب السياسي والإعلامي المنكب على تمجيد الاحتقانات، واستثمار القضايا والإشكالات بطريقة تفاقم من حدة الضوضاء والصخب وتجلب الأزمات السود.
^ لا تفسير بديل، يعرض خدماته في هذه الحالة، سوى واحدٍ ومباشر، وأكثر من موضوعي، وهو أن تبني لغة التجزئة الجغرافية والمكانية وتكريس مسميات البائد التشطيري، ولوكها في الأحزاب وعبر وسائل إعلامها، إنما يمعن في التنكر لمؤسسات الزمن الوحدوي.. وهذا يعني، بسهولة، رفضاً للمؤسسات الشرعية بالدعوة إلى العودة عن الواقع والإرتداد إلى قواميس الزمن التشطيري الذي دفنَّاه وتجاوزناه بدءاً من 22 مايو 1990م.
ذلك أن التنكر لثقافة الواقع الجديد ولغته إنما يجيئ تبعاً لتنكر ورفض سابقين يعملان ضد سلطة ومشروعية المؤسسات الدستورية القائمة.
^ بالتزامن مع ذلك.. يتدافع الفرقاء إلى منح صفات البطولة والنضال وتوزيع ألقابها على كل فعلٍ يتضمن أزمة أو يسعى في سبيلها، وهكذا هو التحريض على الفوضى وتخليدها باسم الاعتصام تارة والتظاهر والاحتجاج تارة أخرى.. وكلها شعارات مدجَّنة ضمن فرية »النضال السلمي« الذي لم يعد سلمياً، ولا كان نضالاً.. بالمطلق.
^ لقد صارت أحزاب المشترك إلى مأزق حقيقي، يتسع عليها وحولها باستمرار، ومالم تتدارك نفسها ومعقولية الفعل ورد الفعل، وتحاول الإفلات من مخاطر تمجيد الفرقة وتكريس لغة التجزئة والتفتيت، التي أذكتها وراكمت أسبابها ومظاهرها، فإنها على موعدٍ من درسٍ شعبي قاسٍ، وعقوبة الجماهير في ذلك ستكون أسبق إليها من سلطة الدستور وضمير القانون.
ولا يظن أحدٌ، أن الجماهير يمكن أن تُخدع لمجرد أن الممثلين يحترفون »المهرة« ويتاجرون بهموم الرعية ويرفعونها عقيرة- فالدروس والتجارب السابقة تكفي لإفهام من كان له نصيباً من الفهم، لا الوهم.
^ قد يظنون أنهم يكسبون، هكذا.. وبهذه الطريقة ولربما كسبوا شيئاً من ضجيج.. سرعان ما يتكشف آخر الحصَّة عن مكاسب أخرى.. هي أمر وأثقل من كل الخسارات التي جرَّبوها سلفاً.