موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


تحذير من تكاثر اسراب الجراد في اليمن - وقفة احتجاجية في كندا تضامناً مع اليمن وغزة - قطر تدرس إغلاق مكتب حماس في الدوحة - ارتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34654 - القوات اليمنية تدشن المرحلة الرابعة ضد الاحتلال الصهيوني - 3 مجازر و26 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة - عدوان أمريكي جديد على صيادين يمنيين - اليونسكو تمنح جائزة الصحافة للصحفيين الفلسطينيين بغزة - سلسلة غارات عدوانية جديدة على الحديدة - ارتفاع حصيلة الشهداء فى غزة إلى 34596 -
مقالات
الجمعة, 19-أكتوبر-2007
خيري منصور -
انه سؤال قديم، لم يشمل ساعي البريد المتقاعد فقط، بل المرسل اليهم جميعا، في عصر أصبح الانسان فيه قادرا لأول مرة علي تقبيل ذاته، ومصافحة نفسه، والاستمرار إلي مالا نهاية في لعبة بلا شبكة.
اننا نسمع بعض الاغنيات الرحبانية في ذروة هذا الضجيج المبهم، فنظن ان الصوت قادم من جزيرة غمرها المحيط، او منذ قرنين علي الاقل، لأن الايقاع الذي تبدّل الانسان تحت سطوة تسارعه كان وما يزال أقوي من أية محاولة للصدّ، وعلي المرء أن يكون قد تجاوز الخمسين من العمر علي الأقل كي يصبح مرسلا اليه وذا عنوان يعثر عليه سعاة البريد حتي بعد ان شملهم التقاعد مثلما شمل النسّاجين وقارعي طبول السّحور والخيل التي انتهت بعد الحروب وزفاف الصبايا الي جرّ عربات البطيخ والكاز!
ويبدو أن الزمن قد طوي سجادة الحرير تلك التي استغرق انجاز نسيجها قرونا، وعلينا الان إما أن نتأقلم او نندفع نحو أقاصي العزلة، وهما خياران أحلاهما مرّ ....
وما كتبه د. جلال أمين في مصر تحت عنوان استنكاري مفعم بالاسي وهو ما الذي حدث للمصريين يستطيع عرب آخرون ان يكملوه للتعرف بواسطة البوصلة ذاتها علي ما حدث لعرب العقود الثلاثة الأخيرة العجاف من اغتراب واستلاب وتجهيل مبرمج، لكن تحت أقنعة ملونة من ثقافات سياحية قد تســــمن من جوع لكن كما يحدث للدجاج اللاحم او خراف الاعياد ...
وأستغرب كيف لم يبادر المشتغلون في حقول النفس والاجتماع والإناسة الي استقصاء ظواهر وبائية، ادت الي ارتفاع ملحوظ في نسبة الجريمة والشذوذ والجهر بما كان لزمن طويل طيّ الكتمان والتستر... ففي أزمنة الانكسار وانحسار الرجاء والتأقلم القسري والرّبوي مع الطاريء تسود مناخات ثقافية مشبعة برطوبة خريفيّة، وكأنها تقترب من تخوم الموت، وهذا ما سمّاه ازوالد شبنجلر الادبار عن الحياة، بسبب غياب الحوافز التي تخلق لدي الكائن شغفا بالحياة، والتعامل مع المستقبل علي انه اعتذار عن خطايا الراهن وخذلانات الماضي...
ان غياب الشّغف او سمّه ما شئت من الاسماء ذات الدلالة علي العنفوان والاقبال والانفعال هو بمثابة غياب النخاع داخل العظم، بحيث تحلّ الحياة الضرورة في حدودها الغريزية الدنيا مكان الحياة الحرية في ذروة مناعتها وفاعليتها، ذلك لأن لبعض الأزمنة مجالات مغناطيسية جاذبة، تفقدها اذا سقطت في رتابة المألوف وصارت مجرّد متوالية علي وتر واحد اصابته عدوي العزوف عن الحياة برخاوة تنذر بنهاية العزف.
عليك الان ان تبتكر معني لحياة استنقع كل ما فيها، وتحولت الي مجرد عيش، بالمعني الذي اراده ت . س. إليوت وهو يتساءل عن الحياة التي اضاعها الناس في العيش !!
فاليباب يعود الي هذا العالم كما لو كان دورة أبدية، ليمتحن آخر بذرة لم يصبها العطن وآخر بيضة قابلة لأن تفقس.
في فترة ما بين الحربين في اوروبا ظهرت تيارات وأصوات أعلنت العصيان علي الموت الجماعي والمجاني، واكتشف فلاسفة ومثقفو تلك الحقبة العبث واللامعقول وسائر محاصيل الحقبة السوداء، ولولا هؤلاء لأصاب ثقافة القرن العشرين ومطالع هذا القرن البطالة، لأننا لا نزال نعيش علي ما تمدد من تلك الظلال، وما فاض عن مساحات القبور من حيوات راعفة ومترعة بالشغف واشواق الوجود.
وبالرغم من ضراوة وبربرية حروب وابادات وانتهاكات لمصائر البشر خلال هذه العقود الثلاثة، الا ان قامات الشهود لا تزال أدني وأوطأ بكثير من قامة السجين والقتيل والمشرّد، وباختصار فان التراجيديا الجديدة لم تعثر بعد علي قامات تستطيع ملامستها أنفا لأنف وعينا لعين، لأن نبوءة شبنجلر اثبت التاريخ صدقيتها، وهي الادبار عن الحياة بدلا من الاقبال عليها، فالانسان أصبح يري الابدية كلها مختزلة في نطاق عمره الشخصي لأنه يري الكون كله مختزلا في شقته او حجرته او حتي قبره.
وقد يكون سقوط الايديولوجيات الكبري المبشرة بخلاص جمعي، قد أحدث فراغا تناسلت فيه مفاهيم بدائية في زمن ينسب الي ما بعد الحداثة، فلأول مرة يغترب النصّ عن مصدره، الي الحد الذي يوحي بأنه لقيط وبلا نسب، وما اعنيه بهذا ليس ما ينسب الي رولان بارت في اطروحته النقدية الشهيرة عن موت المؤلف، هذا مع اعتقادي بانه ما من نص يعاني من ترملّ بعد رحيل صاحبه، اللهم الا في الحالات الفصامية التي نعيشها هذه الايام بحيث يبدو النتاج منقطعا عن منتجه، وكأن بيض الغراب يفقس حجلا او حماما والعكس صحيح ايضا.
اذكر انني قرأت قبل أكثر من ثلاثين عاما عبارات مشحونة بقوة شبه سماوية، اطلقها أحد اللامنتمين محذّرا المنتمين وضحايا الوهم الايديولوجي من زمن التقريد، اي اعادة الانسان الي قرد، اما الحلقة المفرغة الثانية في هذه العودة فهي التي كتب عنها موريس كتابه القرد العاري، عن الانسان المعاصر الذي تضاءل حتي اصبح قادرا علي الاختباء في أصغر الجحور، فهو الانسان الصغير او الترانزستور الذي كتب عنه ويلهم رايش كتابا بعنوان الانسان الصغير ، فنال عقابا مزدوجا من النظم الشمولية والنظم التي تحتكر الليبرالية وتزعم انها تملك خلاص العالم.
الانسان الصغير هو ذاته الانسان الصرصار الذي تخيله ديستويفسكي عندما كتب رسائل من اعمال الأرض، وهو الخنفساء التي تقمّصها سامسا بطل كافكا في رواية المسخ، لكن ما كان في الماضي القريب مجرد كوابيس اصبح الان واقعا في عزّ الظهيرة، والاخ الاكبر في رواية اورويل1984 خرج من اطار صورته ودخل بالفعل الي غرف النوم والحمامات وأصبح ثالث كل اثنين حتي في السرير!
والانسان الصغير لا يولد الا من رحم صغير خصوصا بعد أن ترجّل العملاق جليفر من رواية خيالية الي الواقع، لكن الانسان الصغير لا يقوي الان علي ربط خصلة شعر واحدة لهذا العملاق بخيط الي أية صخرة ...
لأن العراء يعمّ الكوكب بمعناه الأبعد من العري المادي، فالانسان شريد في عقر بيته، ومتّهم الي أن يبرهن علي براءته.
وهذا هو بالضبط ما حاول الروائي كونديرا استكماله ليقول بأن سلفه وأباه الروحي كافكا لم يكن يتخيّل، بل كان يري.
ما من يوتوبيا حلم بها السابقون تحققت، لكن الديستوبيا او المدينة الراذلة التي حملت اسم الجحيم احيانا واسم الشرور احيانا، وتجسدت قبل اكثر من خمسة وعشرين قرنا في صندوق باندورا الاغريقي تحققت، لأن الادمي تنازل مقابل مقايضة قليلة القيمة عن حريته، وعن اشواقه الكبري لصالح غد قريب ينتهي مع غسقه وغروب شمسه.
والانسان الذي طالما اختار الموت دفاعا عن الحياة، وبانتظار قيامة جليلة، أصبح الان أسير جسده، يموت معه تماما بخلاف ذلك الكائن الذي نظر الي موته الشخصي كما لو أنه مجرد وعكة عابرة.
ان من كانوا يموتون لماما او الي حد ما أصبحوا الان يموتون تماما.
ونحن هنا، لا نقدم اوراق الطاعة لهزيود الذي قسّم الأزمنة بين ذهب وفضة ونحاس وقصدير، لكننا نستدل علي الحقبة القصديرية من خلال دليل لا يكذب هو باختصار الصدأ الذي أحاط بكوكبنا كما لو أنه خوذة مهجورة لمحارب منكسر.
لهذا كله تبني الطيور وبالتحديد الغربان اعشاشها في صناديق البريد، لأن سعاة البريد منهم من استقال ومن تقاعد ومن طردته العزلة من كل البيوت.
ان الديالوغ مهدد بأن يتحول الي مونولوغ لا نهاية له، ما دام الانسان يحاول تقبيل ذاته، ومصافحتها ومن ثم الاكتفاء بحجرة تعج بالصناديق.
ومن يردد عبارة سارتر عن الاخرين باعتبارهم الجحيم يتناسي انه بالنسبة لسواه آخر يفرز الجحيم ايضا، وقد تأتي لحظة يكتشف فيها الانسان الصغير انه يكتب رسائل لنفسه، ويختبيء في لحم جسده.
عندئذ، تصدق نبوءة صموئيل بيكيت في مسرحية صنّفت ضمن خانة اللامعقول وهي ذروة المعقول... لأن غودو الذي لا يأتي علي الاطلاق لا يمنع احد الذين يقضمون اظافرهم بانتظار قدومه بأن رائحة قدمين بشريتين تصبح مطلبا عندما يعمّ الظلام واليُتم، وتتأكسد الحياة ويندر فيها الاكسجين...
ولا ندري اخيرا من الذي نودعه، هل هو ساعي البريد ام صندوقه ام المرسل اليه الذي لم يعد له عنوا
عن "القدس العربي"
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي

ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*

"الكوتشينا".. على الطريقة الإيرانية..!!
د. عبدالوهاب الروحاني

أبوراس.. موقف مشرّف مع القضية الفلسطينية
سعيد مسعود عوض الجريري*

" غَزَّة ".. كاشفة
أحمد الزبيري

حتى لا يصبح بلد الحكمة منسياً وفاشلاً.. “دعوة للحوار والسلام”
عبدالله الصعفاني

حب الوطن أغلى من المال
عبد السلام الدباء

ماذا تفعل البحرية الهندية في البحر الأحمر؟
منذر سليمان

دولة العدل والمساواة
علي القحوم

عنتر أبو "الجَلَن" !!
عبدالرحمن بجاش

اليمن على مدار السرطان!!
علي أحمد مثنى

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)