محمد علي عناش -
< تتعرض حكومة الوفاق الوطني لحملة انتقادات واسعة على مستوى الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الثقافية والشعبية والمدنية. لا يتبنى هذه الحملة فقط المؤتمر الشعبي العام، وإنما مختلف الكيانات والمنظمات الحزبية والمدنية، والائتلافات الشبابية المستقلة والباحثين والمتخصصين الذين يراقبون أداء الحكومة منذ تشكيلها حتى اليوم.
هذه الانتقادات والاتهامات للحكومة لم تأتِ من فراغ وإنما نتيجة لإخفاقاتها وفشلها في معالجة الكثير من القضايا والمشاكل وارتكابها للكثير من المخالفات والتجاوزات القانونية والكثير من التعسفات الإدارية من منطلق حزبي وشخصي وسياسي.
بدورها حكومة الوفاق لا تتعاطى مع هذه الانتقادات بروح المسؤولية الوطنية والحرص على إنجاح التسوية السياسية، ومن أجل تصويب الأخطاء والانحرافات، ووقف المخالفات والتجاوزات القانونية والإدارية، بل تنظر الى هذه الانتقادات الواسعة بأنها مجرد استهداف من بقايا النظام السابق، لإفشالها وإفشال المبادرة الخليجية، وبالتالي العودة بالوضع الى المربع الأول.
ما يثير الضحك أيضاً في رد فعل الحكومة على هذه الانتقادات، أنها تعزو الأمر الى استهداف للمنجزات والنجاحات التي حققتها خلال ثمانية أشهر منذ تشكيلها..
ليس هناك ثمة إنجازات لهذه الحكومة بل إخفاقات واضحة وضوح الشمس، ومخالفات كثيرة وجسيمة، واحدة فقط منها تكفي لمسآلتها وإسقاطها، وهي قيامها بتجنيد أكثر من عشرين ألف من مليشيات الاصلاح وجامعة الايمان في معسكرات الفرقة والداخلية.
الإخفاق والفشل هو الرصيد الحقيقي لهذه الحكومة، بل لها رصيد أيضاً من السخافات، عندما تكون حكومة محمد سالم باسندوة آخر من دان جريمة ميدان السبعين الارهابية التي قتلت وجرحت أكثر من ثلاثمائة جندي، وعندما تكون آخر من عزَّى أسر وأقارب شهداء هذه الجريمة البشعة، بعد مضي أكثر من أسبوعين على الحادثة.
الاسطوانة المشروخة التي مازال يرددها قيادات ووزراء المشترك بمن فيهم رئيس الحكومة، والمتعلقة بالنظام السابق، أصبحت مملة وغير مستساغة شعبياً ولدى جميع المراقبين والمهتمين بالشأن اليمني، الذين باتوا يدركون تمام الإدراك أن النظام السابق أصبح مجرد شماعة تعلق عليها الحكومة أخطاءها وتجاوزاتها الطازجة والتي ليس للنظام السابق أية علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وإنما الكيد السياسي الى حد التجني بدا واضحاً لمواراة فضائح مهولة لحكومة قرارها ليس بيدها وإنما بيد أفراد ووجاهات وقيادات حزبية وعسكرية.
تتوهم حكومة محمد سالم باسندوة أنها سوف تحجب الحقائق، وأن ممارساتها تضليل وخداع الشعب، سوف يعفيها من تحمل المسؤولية عما سيحدث في هذا البلد، عندما تقود الامور الى طريق مسدود وعندما تتعمد إفشال المبادرة الخليجية وتمارس صب الزيت على النار..
أبداً لن يعفيها من تحمل المسؤولية، مهما حاولت أن تربك الاوضاع أكثر، وأن تخلط الاوراق وأن تدمر الامكانات، كي تعجل بتنفيذ المخططات الانقلابية، فكل ممارساتها ومخالفاتها وأهدافها أصبحت مكشوفة ومثبتة ومؤكدة لدى الجميع.. وأعتقد أن الكثير من المنظمات والكيانات والتكتلات قد استكملت ملفات الإدانة لهذه الحكومة لإسقاطها، قبل أن تكون السبب في إسقاط الوطن والنظام العام والذي مايزال متماسكاً نوعاً ما حتى الآن..
ليس تجنياً ولا تشاؤماً منا أن نقول هذا الكلام، لأن هذه هي الصورة الحقيقية للواقع اليمني وتداعياته الخطيرة، ولأن هذه الحكومة قد تحولت إلى جندي شديد الاخلاص لحماية مصالح أفراد وأحزاب وجنرالات عسكرية، وإلى موظف رسمي لتنفيذ قرارات وأوامر ومخططات هؤلاء، لذا فمن المؤكد أنها ستقود البلاد إلى الانهيار والسقوط.
كما أن عدم حيادية الحكومة واللامبالاة التي تبديها تجاه الكثير من القضايا الوطنية الكبيرة والخطيرة، والتنصل عن تنفيذ المبادرة الخليجية المزمنة، هو من سيعمق الأزمة ويفاقم المشاكل والأوضاع المضطربة، والتي سوف تتداعى إلى حد الانفجار.
لا أعتقد أن الجهل بمعنى الوفاق الوطني وعدم استيعاب المضامين والابعاد الوطنية والأخلاقية التي تحمله المبادرة الخليجية هو السبب الرئيسي في ظهور الحكومة بهذا الشكل وهذا المستوى السلبي في التعاطي مع بنود المبادرة وقضايا الوطن المصيرية، وإنما فقدان الشعور والاحساس الوطني بخطورة المرحلة وما تمثله المبادرة الخليجية من أهمية وضرورة وطنية لتجاوز هذا الواقع المتردي وهذا المنعطف الخطير.
بنود المبادرة الخليجية وآليات تنفيذها واضحة، لذا لم يكن مطلوباً من حكومة الوفاق منذ تشكيلها في ديسمبر 2011م سوى ان تخلص كثيراً من أجل تنفيذها بمسؤولية وطنية وتاريخية، وأن تثبت للعالم مصداقية ما رفعته من شعارات ثورية ووطنية.
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن إرادة التغيير المشوهة والمزيفة هي إرادة مدمرة وماكرة لا تبني وطناً ولا تصنع مستقبلاً آمناً ومزدهراً، استهلكت هذه الحكومة وقتها وجهدها في المناكفة السياسية وتصفية الحسابات، وتنفيذ رغبات وتوجهات الأفراد والأحزاب، وساهمت بشكل كبير في عرقلة المبادرة والالتفاف عليها من قبل بعض الاطراف التي أظهرت توجهاً وسلوكاً انقلابياً وسلطوياً لا وطنياً، كما ارتكبت الحكومة الكثير من التجاوزات والمخالفات لبعض بنود المبادرة، كإصدارها كماً هائلاً من القرارات التعسفية والإقصائية من منطلق حزبي وسياسي..
وشن هذا التوجه العدائى السافر، وزير الإعلام علي العمراني، بهمة عالية وبشهية مفتوحة على التنكيل والانتقام، ولا أعتقد أن هذا الأمر سينتهي عند المذبحة الجماعية التي ارتكبها مؤخراً وزير المالية صخر الوجيه بحق أكثر من مائة وعشرة موظفين من موظفي الوزارة وفروعها بالمحافظات، ما لم تتعقل حكومة الوفاق الوطني، وتتعقل قيادات المشترك، وما لم يقم رعاة المبادرة الخليجية والتسوية السياسية- وعلى رأسهم المبعوث الأممي جمال بن عمر- بدورهم في إيقاف مثل هذه التعسفات وردع الاطراف التي تعمل على إفشال المبادرة الخليجية وتأزيم الأوضاع أكثر.