د. عبدالعزيز المقالح -
تكاثرت الصرخات العربية في وجه الصمت الشنيع الذي يلف المنطقة والعالم تجاه ما يجرى هذه الأيام في لبنان وفلسطين، وفي هذه الصرخات ما هو غاضب وما هو حزين وما يصل الي حد البكاء.. وفيها الذي يحتفظ بقدر ولو ضئيل من الأمل والذي وصل الى أقصى حالات اليأس والقنوط من الاستجابة الفورية. يضاف الى ذلك أن في هذه الصرخات ما هو موجه نحو العرب حكاماً ومحكومين، وما هو موجه الى الرأي العام العالمي باعتبار ما يحدث يمس الانسان في كل مكان ويشكل عدواناً على كل قيم الحق والعدل المنصوص عليها في الشرائع السماوية والوضعية. أقسى الصرخات وأكثرها حزناً وغضباً هي تلك التي تأتي على شكل استغاثات من غزة ومن الجنوب اللبناني حيث يسيل الدم العربي بغزارة، وتتساقط الضحايا بمعدلات مذهلة ومنها مذبحة »قانا« الأخيرة بدمويتها ووحشيتها الفاضحة بالاضافة الى أن الطائرات الاسرائيلية والصواريخ الموجهة نحو لبنان وغزة لا تتوقف عن اقتراف المذابح والجرائم اليومية، ولا تكف عن تحدي كل المشاعر.. أطفال وشيوخ ونساء يُدفنون أحياء تحت أنقاض منازلهم أو ملاجئهم والأصوات التي انطلقت استجابة لهذه الصرخات لا تزيد عن الأنين الخافت ولا تصل الى آذان المتوحشين الذين يواصلون غاراتهم تحت حماية وغطاء من البيت الأبيض صاحب الموافقة المفتوحة. الملاحظة المذهلة للجميع أن الكيان الاسرائيلي يبدو في هذه الحرب وكأنه يقوم بها بالنيابة عن الادارة الأمريكية وأن هذه الادارة هي التي حددت ساعة الصفر وهي التي ستحدد موعد وقف اطلاق النار، والأغرب والمثير للخجل الانساني أن هذه الادارة التي دعت الى نظام عالمي جديد وتدعو الى شرق أوسط جديد لاتتردد عن القول إنها تعطي للوحشية الاسرائيلية اسبوعاً جديداً للانتهاء من المجزرة ثم تعود فتضيف أسبوعاً آخر وهكذا حتى تتأكد من أن الشعب اللبناني قد انتهى وأن بناه التحتية قد صارت في حكم العدم. وفي يوم المأساة الكبرى، يوم »قانا« يوم اغتيال الأطفال، وفي ذلك المشهد المروع كان البعض يراهن على أن الادارة الأمريكية سوف تسارع الى اعلان وقف اطلاق النار والاكتفاء بما تم حصده من مجازر الأبرياء خشية من ردود أفعال الرأي العام، لكن الأيام مرت دون أن تهز وجداناً واحداً أو ضميراً واحداً لدى المتنفذين في هذه الادارة التي ترغب في اقامة امبراطورية النار والحديد والموت، متحدية بذلك كل المبادئ والاخلاقيات والمشاعر، وهو وضع غير مسبوق داخل الادارة الأمريكية التي عرفتها الولايات المتحدة وعرفها العالم، إذ لم يحدث في تاريخ البيت الأبيض أن سيطرت مجموعة متعصبة على القرار وحاولت بغباء أن تضع شعبها والعالم على حافة هاوية من النزاعات والحروب المجانية التي أثقلت كاهل الانسانية وباتت تقود مستقبلها الى مصير حزين ومجهول.