سالم باجميل - قال لنا أحد الأصدقاء الأجانب ذات يوم إنه لا يملك سبباً واحداً معقولاً يبرر مسألة الاشتباك في الرؤى والمواقف حول القضايا الوطنية والحضارية ذات الطابع الاستراتيجي المتمثل في تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق قيم ومبادئ الديمقراطية الموجبة جميعها استتاب أمن واستقرار المجتمع وتنشيط مشاريع الاستثمار والتنمية للوطن.
فإذا افترضنا أن هناك أسباباً بجد لدى اليمنيين ليس من السهل أن يتعرف عليها الأصدقاء الأجانب تشرح وتفسر هذا التعارض والتقاطع المنظور في الرؤى والمواقف، فلا بأس أن ينصت لها الأصدقاء الأجانب الذين همهم الوحيد هو تقديم المساعدة لليمنيين على كافة المستويات.
ثم قال أحد اليمنيين: "لعل الإخوان المسلمين والرفاق الاشتراكيين والقوميين يعتقدون أنهم ما داموا هكذا في المعارضة أن يعارضوا كل شيء آت من السلطة والحزب الحاكم، سواء كان خطأ أم صوابا". وفساد هذا الاعتقاد لا يحتاج إلى عقول ذكية نيرة لاكتشافه ولا إلى جهود استثنائية للتعرف عليه.
فكأنما خشي ذلك الصديق الأوربي أن يفسد الصديق اليمني عليه مضمون الرأي الموضوعي المحايد، فقاطع بالرد قائلاً: "لتكن اعتقادات شركاء الحياة السياسية ما تكون. الاعتبار في هذا المقام لمعطيات الواقع العملي والتاريخي، ومن بعد هذا فلا بأس من الاختلاف حول الأخذ بأفضليات المعالجات والحلول".
ولما فرغنا من أحاديث الشؤون والشجون وانفض سامرنا استدرجتني عادة التذكير إلى التفكير فيما جرى من أحاديث ذلك المساء، فقلت في نفسي: إن الرجل من الشمال المتقدم وأوربي (فرنسي)، ونحن من الجنوب النامي، ومن اليمن، الذي يسير ببطء نحو آفاق العصر، والمسافات في التفكير والعمل ما زالت بيننا شاسعة، ولنا تفكيرنا ولهم تفكيرهم فيما يعرض من قضايا وهموم في مجتمعاتنا المختلفة؛ ولكن الرجل لديه بعض الحق فيما يراه من تقارب مفترض بين تكتل المشترك من جهة والسلطة والمؤتمر من جهة ثانية. فلماذا نحن وإياهم على هذا الحال من النقاد والحنق؟!
كيف لا نرى الحرائق الملتهبة من حولنا في وطننا؟ كيف يمكننا المشي في زمن التحديات والأخطاء ونحن مغمضين عيوننا؟!
لا غرو أن الأمر يتطلب المزيد من إمعان النظر والتأمل في مجارياته. ولا يفيد النقاء والحنق مهما كانت الأسباب.
إن الخطاب السياسي الدعائي الذي يروج ثقافة الكراهية والنزاعات الانتقامية المذهبية والانفصالية يلحق بالوطن ومصالحه العليا أضرارا ترقى إلى مصاف نشاطات التخريب والتدمير، ولا يجوز أن يكتفي شركاء الحياة بمجرد النظر إليها من قريب أو بعيد.
من وجهة نظر الشراكة في الوطن والحرية والديمقراطية التي نود جميعنا إرساء قيمها ومفاهيمها ينبغي أن تتقارب خطوط السلطة والمعارضة حالما تفكر منفردة أو مجتمعة في مخاطبة الرأي بأمر من أمور الحياة، لأن مشاعر المواطنين ليست جدراناً عليها خربشات أدعياء النضال السلمي وحماقات ذوي الثارات السياسية من أدعياء الحزبية.
يجمع عقلاء اليمن، متحزبين ومستقلين، أن اليمن واليمنيين يعيشون ظروف وأحوال مرحلة تاريخية وعملية انتقالية فيها اختلاط عظيم في قيم العمل والنضال توجب إعلاء العقل والتفكير في سائر عوارض المجتمع وتلمس المعالجات والحلول من كل قادر في الوطن، من ضروراتها أننا أحوج ما نكون في الوقت الحاضر إلى خطاب ثقافي سياسي إعلامي يساعد على توسيع وتعميق الإجماع الوطني حول قضايا حاضر اليمن الجديد والمستقبل الأفضل لجميع اليمنيين.
لا يفيد اليمن واليمنيين أن تقدم إلى الرأي العام اليمني والعربي والعالمي وكأنها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
إن كلاما كهذا ليس صحيحاً فقط، ولكنه يؤثر على مصالح اليمن العليا، وليس فيه نفع لصانعيه لو كانوا يعلمون.
لا أحد في اليمن يريد لصحافة تكتل المشترك أن تمثل وسائل ناقلة لتشويه الحقائق وتزييف الوعي الوطني الجمعي، ولكن لا يبرئ "الصحوة" و"الثوري" أحد أيضاً من فتح صفحاتها للمأزومين والموتورين المندسين بين كتابهما، بحجة حرية الرأي والتعبير.
حماية الوطن من التخريب والتدمير مسؤولية الجميع. كما أن بناءه أيضاً مسؤولية الجميع. فلا لثقافة اللامبالاة والتواكل والتخاذل وألف لا لمناشط التمزيق المذهبي والانفصالي، والعزة للوطن.
عن السياسية
|