طه العامري - يموتون قتلاً، يموتون خوفاً، يموتون رعباً، يموتون بالطائرات الحربية، الأكثر حداثة وتطور وتقنية، يموتون بالمسيرات، يموتون بقذائف المدفعية، يموتون بقذائف الدبابات، يموتون بحراب الخونة، وخناجر العملاء.. يموتون جوعاً، ويموتون حصاراً، ويموتون عطشاً، يموتون قهراً من صمت الشقيق، وغطرسة ووحشية العدو وهمجيته.. إنهم أطفال وشيوخ ونساء "قطاع غزة" في فلسطين.. إنهم أبطال "إمبراطورية غزة العظمى" نعم تلكم هي الحقيقة ولأنها عظيمة فإن تضحياتها تتماهي مع عظمتها ، والتضحيات العظيمة تبني الأمم العظيمة، والأمم العظيمة، تصنع الشعوب العظيمة، والعظماء وحدهم يصنعون الأحداث العظيمة، والتاريخ..
وفي"غزة" أبطال وعظماء، وجبابرة، وأسود، لا تهزهم العواصف ولاتردعهم أحدث الآلات العسكرية توحشاً ودماراً في الكون، وعدو متوحش لم يعرف يوماً القيم الأخلاقية، ولم يعرف يوماً معنى أن يتحلى بقيم وأخلاقيات الإنسان..
"345 كم مربع" هي كل مساحة "إمبراطورية غزة العظمى " لكن هذه المساحة التي تدمرت بما فيها، بدت أعظم من خارطة الكون، وأكثر اتساعا منها..
إنها "إمبراطورية غزة العظمى" تقاوم الموت بالموت، وتضمد جراحاتها بمزيد من الجراحات، وتقاوم الخذلان بمزيد من التمسك بثوابتها وأهدافها في الحرية والاستقلال..
إمبراطورية غزة العظمى.. هي إمبراطورية الحرية، والكرامة، والسيادة، والاستقلال.. هي إمبراطورية الإرادة، والثورة، والنضال.. هي إمبراطورية المؤمنين.. هي "إمبراطورية الله" وإمبراطورية التقوى.. هي غزة هاشم.. وهي إمبراطورية رسول الله صل الله عليه وسلم..!
قال قاتل أطفالها ونسائها ذات يوم من أيام ملحمة الطوفان، "سنهزمهم ولو كان الله يقاتل معهم" فأحبط الله عمله واوقعه في شر أعماله.. هزم القاتل المجرم وكيانه وحلفائه الأكثر إجراماً منه.. هزموا رغم توحشهم، ورغم بشاعة جرائمهم، ورغم الصمت الذي تقابل فيه جرائمهم، وانتصرت "إمبراطورية غزة العظمى" عسكرياً واستخبارياً، أنتصرت غزة إعلامياً وثقافيا.. أنتصرت غزة.. أخلاقياً وإنسانياً.. أنتصرت غزة.. وغزة لم تهزم العدو المُحتل وحسب، بل هزمت العالم أنظمة ودول وحكومات.. فضحت هذا العالم الرسمي بكل نطاقاته العربية، والإسلامية، والدولية، كل هؤلاء هزمتهم غزة أخلاقياً وإنسانياً وحضارياً، أسقطت كل أقنعة الزيف عن وجوههم، لتظهر وجوههم الحقيقية الملطخة بالقبح حد البشاعة..!
أظهرت غزة حقيقة عدوها المُحتل، كما اسقطت شعارات الزيف التي روج لها ما يسمى بـ "العالم الحر" الذي اتضح أنه مجرد مجموعة من " الكلافين في اسطبل الصهاينة"..!
نعم قدمت "غزة" الكثير من التضحيات، لكن الأحلام الكبيرة، ثمنها كبير، والأهداف العظيمة، تكلفتها أعظم، وحرية الأوطان لا تقاس بجدلية الربح والخسارة، وفي السياق الحضاري، تبدو عظمة إمبراطورية غزة، أكثر ندية وتفوق عن عظمة هذا العالم المترامي الأطراف..
إن هذا العالم الكبير والواسع، لا يتماهى كبره واتساعه مع كبر واتساع "غزة"..!
سيدوّن التاريخ في انصع صفحاته وأكثرها خلوداً وتداولاً بين الأجيال، عظمة غزة، وأساطير غزة، وبطولات غزة، التي قهرت عدوها والعالم، ولم تقهر، لأنها اعتمدت القهر سلاحا، واتخذت من الموت حياة، باجساد نسائها واطفالها، قاتلت، وبلحم شبابها قاتلت، بأحلامها وأهدافها ومن أجلهما قاتلت، بالجغرافية قاتلت، بالدم والعرق قاتلت، بالبطون الخاوية قاتلت.. لكنها لم ترفع راية بيضاء كما توقع عدوها والعالم، بل راحت تقاوم حتى ايقظت الضمير الإنساني بمختلف عقائده، ومعتقداته، ومذاهبه، واديانه، والوانه، ولغاته..!
حقاً ما أعظمك يا إمبراطورية غزة العظمى، وما أرخص أمتك والعالم، أمام غلاوتك.. لك المجد حتى الانتصار.
|