الميثاق نت -

الإثنين, 12-مايو-2025
مبارك حزام العسالي -
تحل علينا الذكرى الخامسة والثلاثون للوحدة اليمنية المجيدة، هذا اليوم الأغر الذي أشرقت فيه شمس اليمن موحدة، بعد عقود من الانقسام والتشتت.. إنها لحظة فارقة في تاريخ أمتنا، تجسد إرادة شعب أبيّ توَّاق للحرية والوحدة والازدهار.. لم تكن الوحدة اليمنية حُلماً عابراً، بل كانت نتاج نضالات مريرة وتضحيات جسيمة قدمها أبناء اليمن في الشمال والجنوب على امتداد عقود من الزمن..
تعود جذور الحلم الوحدوي إلى بدايات القرن العشرين، حيث بدأت تتبلور لدى النخب الوطنية والمفكرين اليمنيين فكرة التوحد والانعتاق من براثن الاستعمار والتجزئة.. ومع قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في الشمال وثورة الرابع عشر من أكتوبر في الجنوب، اشتعلت جذوة الوحدة وتصاعدت المطالبات الشعبية بتحقيق هذا الهدف الوطني السامي.. لقد خاض أبناء اليمن في الشمال والجنوب معارك بطولية ضد المستعمرين، وقدموا قوافل من الشهداء والجرحى دفاعاً عن الأرض والعزة والكرامة الوطنية.. كانت دماء المناضلين في الجبهتين تروي تراب الوطن وتؤكد على وحدة المصير والهدف..
نشأت حركات تحرر وطني في الشطرين، حملت على عاتقها مسؤولية النضال من أجل الاستقلال والوحدة.. قدم قادة هذه الحركات وكوادرها تضحيات كبيرة، وتعرضوا للملاحقة والسجن والتنكيل، لكن إيمانهم بالوحدة ظل راسخاً.. ورغم التحديات والصعوبات، لم يتوقف العمل الوحدوي المشترك بين القوى الوطنية في الشطرين. عقدت لقاءات ومؤتمرات، وتم تشكيل لجان مشترَكة، سعت إلى تقريب وجهات النظر ووضع الأسس لتحقيق الوحدة.. لقد قدم أبناء الجنوب تضحيات جمة من أجل تحقيق الوحدة اليمنية، إيماناً منهم بأنها الضمانة الحقيقية لمستقبل آمن ومزدهر لجميع أبناء اليمن.. لقد تحملوا مسؤولية تاريخية في سبيل تحقيق هذا الهدف الوطني الكبير، ولم يدخر أبناء الشمال جهداً في سبيل تحقيق الوحدة، وقدموا الغالي والنفيس من أجل رؤية اليمن موحداً.. لقد آمنوا بأن الوحدة هي قوة لليمن وعز وكرامة لأبنائه..
سقط العديد من المناضلين والوطنيين شهداء في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية، وروت دماؤهم الزكية تراب الوطن.. إن تضحيات هؤلاء الأبطال ستظل خالدة في ذاكرة الأمة، ونبراساً للأجيال القادمة.. لقد تحمل الشعب اليمني في الشطرين سنوات طويلة من الانقسام والمعاناة، وظل صامداً متمسكاً بحلمه في الوحدة.. لقد كان صبره وإيمانه بالوحدة هو الوقود الذي دفع قادة العمل الوطني نحو تحقيق هذا الهدف التاريخي.. شهدت العقود التي سبقت الوحدة العديد من المبادرات الوحدوية التي سعت إلى تقريب الشطرين وتوحيدهما.. ورغم عدم اكتمال بعض هذه المبادرات، إلا أنها أسهمت في تهيئة المناخ العام لإعادة تحقيق الوحدة.. لقد تجلى التلاحم الشعبي بين أبناء الشمال والجنوب في العديد من المناسبات، مؤكداً على وحدة الدم والمصير. لقد كان هذا التلاحم هو الضمانة الحقيقية لتحقيق الوحدة.
لعبت القيادات الوطنية في الشطرين دوراً حاسماً في تحقيق الوحدة، وتحملت مسؤولية اتخاذ القرارات التاريخية التي أفضت إلى هذا الإنجاز العظيم.. لقد استجابوا لإرادة الشعب وعملوا بإخلاص من أجل تحقيق حلمه. لقد تحمل أبناء اليمن في الشطرين تضحيات اقتصادية في سبيل تحقيق الوحدة، إيماناً منهم بأن المكاسب المستقبلية للوحدة ستعوض هذه التضحيات.. كما تطلبت الوحدة تجاوز العديد من الاختلافات الاجتماعية والثقافية، وقدم أبناء اليمن تنازلات من أجل بناء مجتمع موحد ومتماسك. ورغم كل الصعاب، فقد أظهروا الصمود في وجه التحديات، وكان الأمل في مستقبل أفضل ومزدهر لليمن هو الدافع الأقوى لتحقيق الوحدة، وإيماناً بأن الوحدة هي الطريق نحو تحقيق هذا الأمل. لقد كانت إرادة الشعب الصلبة في الشمال والجنوب هي المحرك الأساسي لتحقيق الوحدة، ولم تستطع أي قوة أن تقف في وجه هذه الإرادة الصلبة..
لقد كان التوق إلى الانتماء إلى وطن موحد وقوي هو الدافع العميق لتحقيق الوحدة، وشعوراً بالفخر والاعتزاز بالهوية اليمنية الجامعة.. وكان الحلم بالدولة الموحدة ذات السيادة الكاملة هو الهدف الأسمى الذي سعى إليه أبناء اليمن.. ولقد قدم العديد من الأبطال أرواحهم فداءً للوحدة اليمنية، وستظل دماؤهم الطاهرة تروي شجرة الوحدة وتزيدها قوة ومنعة. لقد أظهر أبناء اليمن مثابرة وعزيمة لا تلين في سبيل تحقيق الوحدة، ولم يستسلموا لليأس أو الإحباط رغم كل الصعاب. لقد كان الإيمان بالمصير المشترَك هو الرابط القوي الذي جمع بين أبناء الشمال والجنوب، وإدراكاً بأن مستقبلهم واحد ومصيرهم واحد.. لقد تطلبت إعادة تحقيق الوحدة عملاً دؤوباً ومستمراً من قِبَل القادة والكوادر الوطنية، وسعياً حثيثاً نحو تحقيق هذا الهدف التاريخي، وتجاوز سنوات طويلة من الانقسامات والخلافات، والتركيز على المشتركات والقواسم الوطنية.. لقد كان بناء الثقة بين أبناء الشطرين عنصراً أساسياً في تحقيق الوحدة، وتقوية الروابط الأخوية والإنسانية، ولم تكن الوحدة مجرد هدف آني، بل كانت التخطيط للمستقبل وبناء دولة يمنية حديثة وقوية ومزدهرة، مع الاستعداد للتحديات التي ستواجه الدولة الموحدة بروح الوحدة والتضامن.. لقد كانت لحظة إعلان الوحدة لحظة فرحة عارمة عمت أرجاء اليمن، وشعوراً بالانتصار والتحقيق لحلم طال انتظاره، واحتفاءً بالمنجز الذي أدرك الشعب اليمني أهميته في بناء مستقبل أفضل للوطن، وتأكيداً على الهوية الوطنية الجامعة، وسعياً نحو التنمية الشاملة وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي..
لكن هذه الذكرى العزيزة تحل علينا ووطننا يواجه تحديات جسيمة تهدد هذا المنجز الوحدوي العظيم. لقد عصفت باليمن رياح الفرقة والاقتتال، واستغل المتربصون بالوطن هذه الظروف لتعميق الجراح وزرع بذور الفتنة.. وأصبح الحفاظ على الوحدة اليمنية اليوم ليس مجرد استحضار لذكرى تاريخية، بل هو معركة وجود، ومسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل يمني غيور على وطنه ومستقبله..
إن أبرز التحديات التي تواجه وحدتنا الوطنية تتمثل في تغذية النزعات الانفصالية والمناطقية، واستمرار حالة الصراع والاقتتال التي مزقت النسيج الاجتماعي وأضعفت مؤسسات الدولة.. كما أن التدخلات الخارجية السافرة، التي تسعى لتقويض استقرار اليمن ووحدته، تشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل أجيالنا..
في مواجهة هذه التحديات المصيرية، يبرز الدور المأمول من مختلف الفعاليات الوطنية كضرورة حتمية.. إن الحفاظ على الوحدة اليمنية ليس مسؤولية طرف واحد أو فئة معينة، بل هو واجب وطني مقدس يقتضي تضافر جهود الجميع..
على النخب السياسية والفكرية: أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية التاريخية، وأن تتجاوز الخلافات الضيقة والمصالح الفئوية، وأن تضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار. عليها أن تعمل بصدق وإخلاص على بناء جسور الثقة والحوار، وتقديم تنازلات من أجل وحدة اليمن واستقراره.. إن الخطاب الوطني الجامع، الذي يستلهم قِيَم التسامح والمواطَنة المتساوية، هو السلاح الأمضى في مواجهة دعوات الفُرقة والتشظّي..
على منظمات المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين: دور حيوي في تعزيز الوعي بأهمية الوحدة الوطنية، ونبذ العنف والكراهية، وترسيخ قيم التعايش السلمي والتسامح بين أبناء الوطن الواحد.. عليهم أن يكونوا صوت العقل والحكمة، وأن يعملوا على تضميد الجراح ورأب الصدع في المجتمع..

على المثقفين والأكاديميين والإعلاميين: مسؤولية عظيمة في توعية الأجيال الشابة بأهمية الوحدة اليمنية وتاريخها المشترك، وفضح مخططات التقسيم والتفتيت، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.. إن الكلمة الصادقة والفكر المستنير هما أقوى أدوات البناء والتنمية.
على الشباب: عماد المستقبل وقوته الدافعة، تقع عليهم مسؤولية التمسك بالوحدة اليمنية كخيار استراتيجي لا رجعة فيه، وأن يكونوا سداً منيعاً في وجه دعوات الفرقة والفتنة.. عليهم أن يستثمروا طاقاتهم وقدراتهم في بناء يمن موحد مزدهر، يرتكز على العدل والمساواة والفرص المتكافئة للجميع..
إن استحضار هذه الأحداث التاريخية والتضحيات الجِسام التي قدمها أبناء اليمن في سبيل تحقيق الوحدة، يضاعف من مسؤوليتنا اليوم في الحفاظ على هذا المنجز العظيم وحمايته من كل المخاطر والتحديات.. إنها أمانة في أعناقنا تجاه الأجيال القادمة، وواجب علينا أن نؤديه بكل صدق وأمانة..
فلنجعل من هذه الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة اليمنية نقطة انطلاق جديدة نحو تعزيز وحدتنا الوطنية، وتجاوز خلافاتنا، وبناء يمن قوي ومستقر ومزدهر، يستحق تضحيات أبنائه وتطلعاتهم.. إنها مسئولية التاريخ، ورهان المستقبل.. ووحدتنا هي عزنا وقوتنا ومنعتنا.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 12-مايو-2025 الساعة: 03:46 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67436.htm