الميثاق نت -

الخميس, 14-ديسمبر-2023
إبراهيم‮ ‬ناصر‮ ‬الجرفي -
هناك بون شاسع بين القول والفعل، بين النظرية والتطبيق خصوصاً في المجال الفكري والسياسي، وذلك لأن من الصعوبة بمكان السيطرة والتحكم في السلوك البشري ، فالبشر ليسوا آلات أو روبوتات يمكن برمجتها بأنظمة معينة يمكن من خلالها التحكم بتصرفاتهم وسلوكياتهم وتسييرها وفق مشيئة معينة ، فالبشر يمتلكون عقولاً تمنحهم القدرة على التمييز والاختيار واتخاذ القرار ، فقد تتوافق بعض الأفكار والنظريات مع بعض العقول وقد تختلف مع البعض الآخر ، وقد تقبل بعض العقول بهذه الفكرة أو تلك بينما تكون مرفوضة عند البعض الآخر ، وحتى تلك العقول التي قبلت بتلك الفكرة أو النظرية ، قد تختلف مع بعضها في التفاصيل وفي الفرعيات وفي كيفية تطبيقها على أرض الواقع ، بعكس الحال في الجوانب والنظريات العلمية والتطبيقية المحددة بقواعد ثابتة في كل مكان في العالم ، وعند كل العقول البشرية (1 + 1 = 2 إنموذجاً) ..
كما أن العقل البشري وبما يمتلك من قدرات وامكانيات كبيرة يمكنه التحايل على تطبيق الأفكار والنظريات السياسية والفكرية ، لأنها ليست محددة بقوانين ثابتة ، ومجال الاجتهاد والتفسير فيها متاح ومفتوح وممكن حسب القدرات العقلية ، فهو قد يلترم ظاهرياً باعتمادها نظاماً عاماً للدولة ، لكنه يتحايل في كيفية التطبيق والتنفيذ ، فالنظرية الديمقراطية على سبيل المثال قد تكون نظام الحكم السائد في هذه الدولة أو تلك ، لكن عند التطبيق لا يتم الالتزام بتلك النظرية حرفياً ، حيث يتم التلاعب بها من خلال استغلال النفوذ أو القوة أو المال‮ ‬للسيطرة‮ ‬والتحكم‮ ‬في‮ ‬آراء‮ ‬شريحة‮ ‬واسعة‮ ‬من‮ ‬الناس‮ ‬،‮ ‬حتى‮ ‬وإن‮ ‬كانوا‮ ‬غير‮ ‬مقتنعين‮ ‬بذلك‮ ‬،‮ ‬عن‮ ‬طريق‮ ‬استغلال‮ ‬حاجاتهم‮ ‬وظروفهم‮ ‬ومصالحهم‮ ‬،‮ ‬أو‮ ‬بالترهيب‮ ‬السياسي‮ ‬أو‮ ‬القبلي‮ ‬أو‮ ‬الأسري‮ ‬وهكذا‮ .. ‬
وبهكذا أساليب يتم التلاعب والعبث بالفكرة أو النظرية لتفقد مثاليتها ومميزاتها خلال تطبيقها على أرض الواقع ، وهذا الوضع ليس مقتصراً على البلدان المتخلفة فقط بل إنه سائد حتى في الدول المتقدمة ، فهناك لوبيات سياسية واقتصادية تمارس الضغوط المختلفة على الناخب للتحكم في اختياراته ، وهو ما يفقد النظرية الديمقراطية الكثير من مميزاتها ومثاليتها وإيجابياتها ، ورغم كل ذلك تظل النظرية الديمقراطية بكل سلبياتها هي أفضل نظرية حكم توصل إليها العقل البشري ، لأنه وبمجرد اتساع دائرة الوعي والثقافة لدى أفراد المجتمع يمكن تجاوز الكثير‮ ‬من‮ ‬سلبياتها‮ ‬والتحرر‮ ‬من‮ ‬العديد‮ ‬من‮ ‬وسائل‮ ‬الضغط‮ ‬،‮ ‬فالإنسان‮ ‬الواعي‮ ‬والمثقف‮ ‬لن‮ ‬يكون‮ ‬فريسة‮ ‬سهلة‮ ‬لمثل‮ ‬هكذا‮ ‬وسائل‮ ‬،‮ ‬وسوف‮ ‬يكون‮ ‬له‮ ‬رأيه‮ ‬الخاص‮ ‬به‮ ‬وفق‮ ‬قناعاته‮ ‬ورغباته‮ ..!! ‬
كما أن الاحداث وضَّحت لنا العديد من التجارب في هذا المجال ، فكم شاهدنا من أحزاب وأطراف سياسية واقتصادية وحتى دينية على مستوى العالم ، كانت تدعو لأفكار ونظريات مثالية ، وبمجرد تمكنها من السلطة أو القرار تراجعت عن ذلك ، لتمارس على أرض الواقع كل صور السلبية والتسلط والطغيان والظلم ، فهذه النظرية الاشتراكية رغم مثاليتها فيما يتعلق باشتراكية أدوات الإنتاج وانحيازها لصف العمال ، إلا أنها وعند تطبيقها على أرض الواقع سرعان ما تحولت إلى سلطة تمارس الظلم والبطش ضد أصحاب رؤوس الأموال ، بل وحتى ضد العمال أنفسهم ، لذلك من السهولة بمكان التنظير الفكري والسياسي والفلسفي وحتى الديني خلال الخطب والمحاضرات ، ولكن من الصعوبة بمكان تطبيق ذلك على أرض الواقع ، فالشطحات الفكرية والفلسفية والدينية وحتى العاطفية سرعان ما تنصدم بالواقع وبالظروف ، لتتلاشى مثاليتها وجمالها شيئاُ فشيئاُ ، أمام مصالح وأطماع ومواقف وآراء أفراد المجتمع المختلفة والمتباينة ، فليس كل ما يقال يمكن تطبيقه بشكل حرفي وإنما بنسب متفاوتة ، حتى في موضوع الحروب العسكرية ، سرعان ما تتحول التهديدات والعنتريات للقادة العسكريين ، إلى سراب عندما يحمى وطيس المعارك ، فليس كل‮ ‬ما‮ ‬يقال‮ ‬صحيح‮ ‬فالكثير‮ ‬منه‮ ‬قد‮ ‬يكون‮ ‬مجرد‮ ‬استهلاك‮ ‬إعلامي‮ ‬للمزايدة‮ ‬والمتاجرة‮ ‬واستغفال‮ ‬العقول‮ ..‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 15-يونيو-2024 الساعة: 11:57 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-65204.htm