الميثاق نت -

الأربعاء, 29-نوفمبر-2023
إبراهيم ناصر الجرفي -
الأيام الخالدة في حياة البشر تحتل مكانتها العظيمة في ذاكرة التاريخ ووجدان الشعوب، بمدى تأثيرها الإيجابي على مجريات الأحداث، ومدى تأثيرها الإيجابي على حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، وليس هناك من حدث سياسي أعظم من نيل الشعوب حريتها واستقلالها ورحيل المستعمرين عن أراضيها، والوصول لمثل هذه الأيام يحتاج لشهور وسنوات عدة من النضال والكفاح والتضحيات، فهي تتويج لجهود جبارة ومعارك طويلة صعبة وقاسية خاض غمارها الأبطال والأحرار والثوار، لنيل الحرية والاستقلال والسيادة، لذلك من حق كل أبناء اليمن أن يحتفلوا ويفتخروا ويتباهوا بيوم الـ30 من نوفمبر يوم رحيل وجلاء آخر جندي بريطاني من أرض جنوب اليمن بعد فترة استعمار طويلة، خاض خلالها الأحرار والثوار من أبناء اليمن المعارك البطولية المتواصلة ضد المستعمر البريطاني، حتى أرغموه في نهاية المطاف إلى أن يحمل عصاه ويرحل عن أرض اليمن في يوم الـ30 من نوفمبر 1967م، ليتنفس أبناء مناطق جنوب اليمن الصعداء، وليبدأوا مرحلة جديدة من حياتهم كلها حرية واستقلال وعزة وكرامة وبناء وتنمية .

وما حدث في 30 نوفمبر هو النهاية الطبيعية والحتمية للاستعمار في كل زمان ومكان، والتاريخ حافل بالكثير الكثير بهكذا نهايات تحررية، فمهما طغى وتجبر المستعمر ومهما طال به الزمان فإن رحيله هو النهاية التي لا بد منها، لأنه مهما استكانت الشعوب وخضعت فلا بد أن يأتي اليوم الذي تتحرك وتثور وتجبر المستعمر على الرحيل، الذي لا يجد مفر من العودة إلى دياره، وترك ديار الآخرين لأهلها، والقبول مرغماً بالحتمية الثورية والتحررية والاستقلالية للشعوب، فالمستعمر يشعر دائماً بأنه غريب وغير مرحب به في بلاد الآخرين، ويظل في حاجة دائمة للقوة للبقاء والاستمرار، ويظل في حاجة ماسة للعملاء وخونة الأوطان لمساعدته على البقاء أطول فترة ممكنة، ورغم كل ذلك فإن الأوطان في نهاية المطاف تلفظ الغرباء، بفضل كفاح ونضال وتضحيات أبنائها الأوفياء والأحرار والشرفاء، ويظل هاجس الرحيل والجلاء هو المسيطر على تفكير ومخيلة المستعمرين، ويظل هاجس التحرر والاستقلال هو المسيطر على تفكير ومخيلة الثوار، حتى تحقيق هدفهم المشروع في التحرر والاستقلال .

وكانت وما تزال وستظل كل الأعمال التوسعية والاستعمارية أعمال مدانة ومرفوضة، فلكل المجتمعات البشرية الحق في العيش بحرية واستقلالية فوق أراضيها وتحت سمائها، كحق طبيعي وقانوني وإنساني، ولا يجوز للمجتمعات الأخرى الاعتداء عليها واحتلالها واستعمارها ونهب خيراتها وثرواتها والتحكم في قرارها، ففي ذلك ظلم كبير وعدوان غاشم وسلوك همجي، والمفترض أن تقوم علاقات المجتمعات البشرية بعضها ببعض على التعاون والتعارف الإيجابي، قال تعالى ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا))، إذن الغاية من وجود المجتمعات البشرية ليس الحروب والصراعات والعدوان والاحتلال والنهب والسلب، بل التعاون والتعارف والعلاقات الثنائية السلمية والإيجابية، وتبادل الخبرات والمعارف والعلوم لما فيه خير وفائدة الجميع، وبذلك فإن كل السلوكيات الاستعمارية التي تقوم بها بعض المجتمعات البشرية تجاه الآخرين، هي السبب الرئيسي لصناعة العنف والكراهية والعداوة بين البشر، ولو أكتفى كل مجتمع بأرضه وموارده لساد السلام والوئام والتعاون بين البشر، ولكانت الحياة أفضل مما هي عليه، في ظل هيمنة سياسة التوسع والاستعمار ونهب وسلب خيرات وثروات الآخرين على مشهد العلاقات والتفاعلات الدولية .

وبذلك فإن يوم الـ30 من نوفمبر كان وما يزال وسيظل مصدر نور واشعاع يضيء دروب أبناء اليمن نحو مسارات ودروب الحرية والتحرر والاستقلال والخلاص من كل صور التدخلات الخارجية السلبية والعدوانية في الشأن اليمني، وسيظل مصدر إلهام لكل أبناء اليمن الأحرار والشرفاء يستقون منه كل معاني العزة والكرامة والروح الوثابة للتحرر والعيش بحرية واستقلال، فحرية واستقلال الشعوب لا تأتي بالتمني والأماني والأحلام وإنما بالكفاح المستمر والنضال المتواصل الذي لا يعرف المستحيل، وبالتضحيات التي تهون في سبيل سيادة واستقلال الأوطان، وإذا كان الاستعمار في الزمن الماضي كان يتم بالتدخل العسكري المباشر وبتواجد القوات الاستعمارية والمندوبين الساميين، فإن صور الاستعمار الحديث قد أصبح استعمار بالوكالة عبر وكلاء محليين ينفذون للمستعمر كل ما يريد، ليصبح هو المتحكم في القرار السياسي للوطن عن بعد، وهو المتحكم في خيراته وموارده وثرواته، ويكتفي فقط بإرسال الخبراء والمشرفين لإدارة شئون الأوطان المستهدفة، بينما يقوم الوكلاء المحليون بكل الأعمال الأخرى، كأدوات رخيصة في يد المستعمر يحركها كيفما يريد .

والاستعمار بالوكالة من أخطر أنواع الاستعمار لأنه يمارس أبشع صور الاستبداد والقمع والعدوان ضد أبناء الوطن عبر وكلائه المحليين، وإن تغيرت الوجوه والملامح إلا أن الاستعمار هو الاستعمار، وهو ما يستدعي من كل الأحرار والشرفاء التحرك لمناهضته والنضال لهزيمته والكفاح لتحرير الوطن ونيل استقلاله وسيادته، وفي ظل الأوضاع التي يمر بها اليمن من تدخلات خارجية سلبية في شئونه الداخلية، فإن الشعب اليمني بحاجة ماسة ل 30 نوفمبر جديد، يعيد للوطن حريته واستقلالية قراره السياسي، ويخلصه من كل صور التدخلات الخارجية السلبية، التي أفقدته قراره واستقلاليته وسيادته، وجعلت كل من هب ودب يتدخل في شئونه، وإذا كان المستعمر قديما دولة واحدة وهي بريطانيا، فإن الدول المتدخلة في الشأن اليمني اليوم قد كثرت وتعددت، وهو ما يتطلب تكاتف جهود كل الأحرار والشرفاء من أبناء اليمن، لردع تلك الدول وجعلها تتوقف عن تلك التدخلات السلبية المرفوضة، وترك أبناء اليمن يديرون وطنهم بالطريقة التي يرونها مناسبة فهم أصحاب الأرض وأصحاب الحق وأصحاب القرار، وعلى الوكلاء المحليين أن يعودوا إلى صوابهم ورشدهم، فلن يطول بهم المقام، فلن يستمر الحال المائل كما هو عليه طويلا، فلا بد لأبناء اليمن من تعديله وإعادة الأمور إلى نصابها على المدى القريب والمنظور بإذن الله .

 
تمت طباعة الخبر في: السبت, 12-أكتوبر-2024 الساعة: 05:59 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-65133.htm