الميثاق نت -

الخميس, 26-أكتوبر-2023
إبراهيم‮ ‬ناصر‮ ‬الجرفي‮ ‬‬‬‬ -
من الطبيعي جداًِ مشاهدة تفاعل وتعاطف وغليان الجماهير العربية والإسلامية الكبير جداً ضد ما تقوم به إسرائيل من هجوم عسكري عنيف وشرس وغير مسبوق ضد أبناء غزة ، كرد فعل انتقامي على الهجوم العسكري الذي قامت به حماس داخل المستوطنات الاسرائيلية في غلاف غزة ، والذي بموجبه حصلت إسرائيل على ضوء أخضر امريكي غربي للقضاء على حركة حماس السلطة الحاكمة في قطاع غزة ، وما حدث الأبوع الماضي من جريمة مروعة بقصف مستشفى المعمداني في غزة والذي ذهب ضحيته مئات الشهداء والجرحى من المدنيين والأطفال والنساء ، قد رفع حالة التفاعل والتعاطف والغليان الجماهيري العربي والإسلامي لمستوى الغضب العارم ، دفعها للخروج إلى الشوارع للمشاركة في مسيرات ومظاهرات كبيرة عنوانها الغضب والدعوة إلى التدخل العسكري المباشر لحماية أبناء غزة والانتقام من اسرائيل بسبب قصفها لساحة المستشفى ، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى نفي علاقته بذلك القصف وتوجيه الاتهام لحركة الجهاد الإسلامي ، مدعياً أن لديه الأدلة التكنولوجية التي تثبت ذلك ، لأن إسرائيل قد شعرت بحساسية الموقف وهول الجريمة التي حدثت ، ولا يزال المراقبون في انتظار تلك الأدلة والاثباتات حسب زعم الجيش الاسرائيلي‮ ..! ‬‬
وبالعودة لحالة التفاعل والتعاطف الجماهيري العربي والاسلامي الكبير مع الشعب الفلسطيني ، فالأمر ليس بالجديد فهذا هو حال هذه الجماهير منذ احتلال اسرائيل لفلسطين في عام 1948م ، فهي لا تنفك تعبّر عن تفاعلها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني بكل الطرق والوسائل المتاحة ، سواء بالمسيرات التضامنية أو المظاهرات الاحتجاجية المنددة بالاحتلال الاسرائيلي ، أو بالتبرعات المالية والعينية ، أو بإعلان استعدادها للمشاركة في القتال إلى جانب الشعب الفلسطيني إذا ما أُتيحت لها الفرصة ، ولن أبالغ إذا قلت بأن هذه الجماهير تتحرك بصدق في هذا الاتجاه بداعي الدين والأخوة والنخوة والعاطفة والألم والغضب ، كل ذلك التفاعل رغم ما يعانيه الكثير من هذه الجماهير من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية قاسية داخل أوطانها وتحت سلطاتها الحاكمة ، ولن أبالغ إذا قلت بأن الكثير من هذه الجماهير في بعض الدول العربية‮ ‬والاسلامية‮ ‬يعيشون‮ ‬ظروفاً‮ ‬أقسى‮ ‬وأصعب‮ ‬من‮ ‬ظروف‮ ‬الشعب‮ ‬الفلسطيني‮ ‬على‮ ‬كل‮ ‬المستويات‮ .. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
طبعاً هناك تعارض بين موقف الجماهير العربية والاسلامية وبين مواقف الأنظمة السياسية العربية والاسلامية ، فالجماهير تتحرك بدافع العاطفة والغضب والموقف ، بينما الأنظمة تتحرك وفق حسابات سياسية يفرضها عليها الواقع السياسي الدولي ، فقد تفرضها عليها نوعية النظام الدولي القائم الداعم بكل قوة لإسرائيل ، وقد يفرضها عليها ميزان القوى الدولية المؤثرة والمسيطرة على الساحة الدولية ، وقد يفرضها عليها وضعها الاقتصادي والمعيشي والتنموي الصعب ، وقد تفرضها عليها قدراتها العسكرية والتسليحية المحدودة مقارنة بالتفوق العسكري والتكنولوجي الكبير لمصلحة إسرائيل وحلفائها الغربيين ، وقد يفرضها عليها قلقها من قوى المعارضة الداخلية التي تتربص بها وتنتظر الفرصة المناسبة للاتقضاض عليها ، وقد تفرضها تلك الضغوط الدولية من القوى العظمى المهيمنة على العالم ، والكثير الكثير من الحسابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتكنولوجية ، التي تفرض نفسها على الأنظمة السياسية كأمر واقع ، والتي تجعلها تتخذ مواقف لا تتوافق مع قناعاتها ومبادئها وثوابتها ولا تتوافق مع مواقف جماهير شعوبها ، فمن هو في موقع السلطة والمسئولية تختلف مواقفه عمن هو خارجها ، فكم شاهدنا من أحزاب وجماعات سياسية عربية معارضة كانت خلال معارضتها ترفع سقف اهدافها ومواقفها وشعاراتها ، وبمجرد وصولها إلى موقع السلطة والمسئولية سرعان ما خفضت ذلك السقف ، ليتماهى مع سقف مواقف السلطات الحاكمة السابقة ، التي كانت تنتقدها سابقاً وتصفها بمواقف‮ ‬الذل‮ ‬والهوان‮ ‬والضعف‮ ‬والخزي‮ ‬والعار‮ ‬،‮ ‬نعم‮ ‬الوضع‮ ‬يختلف‮ ‬بين‮ ‬من‮ ‬هو‮ ‬في‮ ‬موقع‮ ‬السلطة‮ ‬والمسئولية‮ ‬وبين‮ ‬من‮ ‬هو‮ ‬خارج‮ ‬السلطة‮ ‬والمسئولية‮.. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وأنا هنا لا أبرر مواقف الأنظمة السياسية العربية والاسلامية التي لا تتجاوب مع طموحات وتطلعات شعوبها تجاه القضية الفلسطينية ، لكنني أتحدث عن الموضوع بواقعية سياسية بعيداً عن العواطف والانفعالات الشعبية ، ناهيك عن حالة التعارض والخلاف السائدة بين الانظمة السياسية العربية والاسلامية ، نتيجة انقسامها ضد بعضها ، وهو ما يساهم في إضعاف مواقفها تجاه كل القضايا ، بل إن حالة الإنقسام قد وصلت ذروتها في الفترة الأخيرة ، خصوصاً بعد ظهور محور المقاومة بقيادة النظام الايراني ، والذي يجعل من تحرير فلسطين والموت لليهود شعاراً له ، والذي مكنه من التدخل في شئون العديد من الدول العربية ، وصولاً إلى دعمه لحركات المقاومة داخل فلسطين كالجهاد الاسلامي وحماس ، والتي باتت جميعها تتلقى التوجيهات المباشرة من طهران ، وهو ما دفع العديد من السياسيين العرب والغربيين والدوليين إلى القول بأن ما قامت به حماس من هجوم عسكري على مستوطنات غلاف غزة هو بإيعاز وتخطيط من طهران ، وعلى طهران بصفتها قائدة محور المقاومة أن تقوم بواجبها الاخلاقي تجاه حركة حماس وقطاع غزة ، عن طريق إيقاف الهجوم الاسرائيلي بأي طريقة كانت ، ما يجعل الكرة اليوم في ملعب محور المقاومة بقيادة النظام الايراني ، والذي يتعرض اليوم لضغوط سياسية وجماهيرية كبيرة ، تطالب منه موقفاً قوياً وحازماً تجاه اسرائيل ، فهل ستفي قيادات محور المقاومة بالتزاماتها وشعاراتها تجاه فلسطين ، أم أن حسابات السياسة سوف تحول دون ذلك ، وتتوقف مواقفها عند الدعوات‮ ‬للمظاهرات‮ ‬والمسيرات‮ ‬المنددة‮ ‬بإسرائيل‮ ‬وفي‮ ‬أحسن‮ ‬الأحوال‮ ‬التبرع‮ ‬المادي للشعب‮ ‬الفلسطيني‮.. ‬الساعات‮ ‬القادمة‮ ‬كفيلة‮ ‬بتوضيح‮ ‬المشهد‮ ‬على‮ ‬كل‮ ‬المستويات‮ ..
تمت طباعة الخبر في: السبت, 01-يونيو-2024 الساعة: 08:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-64937.htm