الثلاثاء, 18-نوفمبر-2014
الميثاق نت -  د.علي مطهر العثربي -
< الثقة الشعبية في علم السياسة المصدر الأكثر أهمية لإضفاء الشرعية السياسية والدستورية للنظم السياسية، بل إن الفكر الاستراتيجي السياسي اليمني يُعدها المصدر الأساس في القدرة على بناء الدولة اليمنية القوية والقادرة والمقتدرة، وقد أدرك المؤتمر الشعبي العام منذ اللحظة الأولى لتأسيسه أن مصدر القوة الحقيقية الثقة الشعبية واعتبرها القوة الأكثر روعاً والأعظم زجراً لمن تسول له نفسه المساس باليمن وأمنه واستقراره ووحدته وقوة بناء دولته المركزية القادرة والمقتدرة والمتطلعة الى آفاق المستقبل الأكثر قوة ومنعة وعزة وشموخاً.
إن الإدراك الواعي والمستنير لمفهوم الثقة الشعبية وفهم معانيه ودلالاته المطلقة بات اليوم في المؤتمر الشعبي العام بعُداً استراتيجياً تجذرت معانيه ودلالاته في الوعي المعرفي الذي جسده المؤتمر الشعبي العام قولاً وعملاً من خلال ما انتهجه في بداية الثمانينيات وتحديداً في 24 اغسطس 1982م لحظة نشوء هذا التنظيم الشعبي العام، فقد أدرك المؤتمر الشعبي- من خلال وعي وإدراك قائده المؤسس علي عبدالله صالح- الحقيقة الجوهرية لأسباب الصراع على السلطة في اليمن من 62-1978م من خلال المتابعة والالتصاق بالأحداث مباشرة وتولد لديه إدراك حقيقة ذلك الصراع، وقال بوعي مستنير إن سبب الصراع وعدم الاستقرار في اليمن أزمة الثقة التي افتقدها السياسيون والعسكريون وكبار القوم وقال بأن هناك مسافة شاسعة بين الشعب والقادة أياً كانوا، ومن هنا بدأ الرجل في تعبير المسافة المليئة بالنتوءات والحواجز والقواطع المانعة التي حالت بين الشعب والقادة ورسم خارطة طريق لتعبيد تلك المسافة وبدأها برفض القبول بالسلطة التي عُرضت عليه شخصياً في مجلس الشعب التأسيسي، ورفضه التزكية لأنها لا تحقق القدر الكافي من القبول الذي يقود تدريجياً الى الرضا الشعبي المتصاعد الذي يبلغ درجة التضحية والفداء، وكانت هذه هي اللحظة الأولى لاحترام الإرادة الشعبية وتمكينها من حقها في امتلاك السلطة وممارستها على أرض الواقع من خلال الاختيار الحر المباشر، وانطلقت الخطوة الأولى من خلال فتح باب الترشح لرئاسة الدولة داخل السلطة التشريعية «مجلس الشعب التأسيسي آنذاك»، وأسفرت النتيجة النهائية عن انتخاب علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة، ولم تقف قضية الثقة الشعبية من خلال ممارسة نواب الشعب لانتخاب الرئيس نيابة عن السواد الأعظم من المكونات السكانية للدولة وإنما بدأت خطوة جديدة تجسد المشاركة السياسية الشعبية المباشرة «الديمقراطية» من خلال لجنة الحوار الوطني الذي أسفر عن وثيقة جامعة مانعة شاملة هي مشروع الميثاق الوطني، ولأن الرؤية الجامعة والمانعة ينبغي أن تحظى بالقبول ثم الرضى الشعبي العام، فقد اتخذت خطوة جديدة في المسار تمثلت في الاستفتاء المفتوح الذي يعد الفريد من نوعه في الوطن العربي والمجسد الحقيقي لمفهوم المشاركة السياسية الشعبية الواسعة في صناعة القرار «الديمقراطية المباشرة»، والاستفتاء المفتوح يعني أن يقول الشعب رأيه الكامل بالحذف والاضافة والتعديل، وكانت النتيجة المطلقة لذلك العمل البحثي العلمي المتميز والموضوعي ظهور الميثاق الوطني في صيغته الشعبية الكاملة الذي أقر من المؤتمر العام الأول للمؤتمر الشعبي العام في 24 اغسطس 1982م.
إن ما تحقق في 1978م من خلال الانتخابات الرئاسية داخل السلطة التشريعية وما تلى ذلك من الحوار الوطني والاستفتاء الشعبي المفتوح قد حقق تعبيد المسافة المشوهة التي حالت دون الحصول على الثقة الشعبية، وجسد المشاركة السياسية الشعبية المباشرة في أروع صورها، وانتقل بعد ذلك المؤتمر الشعبي العام الى تحديد آليات العمل السياسي والشعبي لكيفية المحافظة على الثقة الشعبية وتطوير آلياتها ووسائلها الجماهيرية، وقد كانت خطوات المؤتمر الشعبي العام قائمة على الوعي المعرفي المستنير، وكان من ذلك القيام بالتوعية السياسية الشاملة في جميع مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية وجعل المؤتمر الشعبي العام يوم الخميس من كل اسبوع يوماً للتوعية السياسية بأهداف ومبادئ الفكر الميثاقي الذي صاغه الشعب بكل مكوناته السكانية، وكانت هذه الآلية الميدانية من أنجع الآليات التي جسدت الفكر الميثاقي وجعلته فكراً يتحرك على الأرض قولاً وعملاً.
لقد كنت لحظة انطلاق فعاليات الثقة الجماهيرية على قدسية التراب اليمني في أرض المهجر وتحديداً في المملكة العربية السعودية، وظللت أتابع العملية الكبرى في تجسيد الثقة الشعبية حتى بلغت مرحلة دراسة البكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة الملك سعود بالرياض، ومنذ بداية السنة الثالثة في الجامعة بدأت أعد لبحث التخرج الذي ينبغي عليّ تنفيذه في المستوى الأخير عام التخرج، ومن خلال دراستي للعلوم السياسية وجدت من وقت مبكر أن الثقة الشعبية باتت علماً بحد ذاته، وطرحت على أساتذتي في قسم العلوم السياسية هذا الاتجاه وهو تقييم التجربة الدستورية في اليمن رغم ما فيها من المحاذير، ولكن لأن العلم نور فقد طُلب مني تقديم آلية دراستي لهذا الموضوع، وقدمت الخطة العلمية التي تضمنت الدراسة الميدانية لمدى تأثير التوعية السياسية الاسبوعية على الطلاب اليمنيين الدارسين في جامعة الملك سعود وكانت من أكبر الجامعات في المملكة التي تقدم المنح لطلاب اليمن وعملت طوال سنة ونصف على إعداد متطلبات البحث العلمي وإعداد الاستبيان، وعند مناقشة الخطة وآليات البحث العلمي أنجزت المهمة العلمية وكانت النتائج في غاية الأهمية حيث جسدت الفرضيات العلمية التي تقول إن الثقة الشعبية أساس الشرعية السياسية والدستورية المعززة للأمن والاستقرار والقائد باتجاه التنمية الشاملة، وهكذا كان المؤتمر الشعبي بوصلة المسار الديمقراطي الذي جسد المشاركة السياسية المباشرة وشبه المباشرة والنيابية.. ولمن أراد الاطلاع على ذلك الجهد العلمي العودة الى كتاب «تقييم التجربة الديمقراطية في اليمن» عام 1988م.
إن المؤتمر الشعبي العام بات اليوم هو الأداة الوطنية التي تجسد المعاني والدلالات لمفهوم الثقة الشعبية، وبات هذا النهج وسيلته لتحقيق الأمن والاستقرار، ولعل الباحثين الأكاديميين يدركون هذه الحقيقة من خلال البيان العملي الذي قدمه المؤتمر الشعبي العام خلال الأزمة السياسية الكارثية التي أراد فيها الرافضون للثقة الشعبية والديمقراطية الانتخابية القفز على واقع الإرادة الشعبية واحتكارها وتصغيرها في أضيق حدودها الدنيا، وقد برهن المؤتمر الشعبي العام على أنه يستمد قوته من الإرادة الشعبية، وكانت مؤشرات الحوار الوطني وما قدمه المؤتمر من النموذج الوطني في الطرح الذي حظي بالقبول والرضى الشعبي الذي أذهل العالم وجعله يدرك أن المؤتمر صمام أمان مستقبل اليمن.
إن المرحلة الراهنة تحتاج من المؤتمر الشعبي العام العودة الى آليات العمل الجماهيري التوعوي بأهمية مبدأ الولاء الوطني وتعظيم الانتماء وواجباته ومتطلباته، والتركيز على مفهوم المشاركة السياسية الواسعة واحترام إرادة الشعب وحقه في امتلاك السلطة والتركيز على استراتيجية إعادة بناء الدولة بالشراكة الوطنية الواسعة والاتجاه نحو المصالحة الوطنية التي لا تستثني أحداً من المكونات الجغرافية والسكانية للجمهورية اليمنية، لأن إعادة بناء الدولة وفرض سيادتها وسلطانها على كل المكونات واجب الجميع.. وسيكون المؤتمر في المقدمة دائماً بإذن الله.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 11:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41073.htm