د. أبوبكر القربي - 22 مايو 1990م لم يكن يوماً تحتفل به اليمن وحدها، وإنما هو يومُ عِزة للأمة المؤمنة بالوحدة العربية التي تمثّل حُلم الأمة كلها.. ويأتي استذكارنا بِعِيد الوحدة اليمنية بعد أعوام تعاظمت فيها المخاطر التي تهدد وحدة اليمن وسيادته وربما تحوّله إلى كانتونات تعيش في حالة صراع دائم.. فالقوى المتصارعة في اليمن اختارت طريق العنف والمصالح بدلاً من خيار السلام وإنقاذ اليمن من خطر التشرذم والارتهان للخارج..
الوحدة اليمنية التي كان من المفترَض أن تكون وسيلة لتوحيد اليمنيين لبناء يمن جديد، يستعيد بها اليمن مكانته الحضارية ودوره في تقديم نموذج يُحتذى للمنطقة والعالم في الممارسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من خلال الحوار السياسي والشراكة.. ولكننا للأسف فشلنا كيمنيين في تحقيق حُلم بناء يمن جديد نتيجة انشغال القوى السياسية بالصراع على السلطة بدلاً من بناء الدولة، وفي إقصاء من يختلف معهم بدلاً من تجذير دولة النظام والقانون وتعزيز حقوق المواطَنة المتساوية والشراكة في الحكم والثروة؛ مما فتح الباب أمام العديد من دول الإقليم والعالم لاستغلال هذه الخلافات اليمنية للتدخُّل في الشأن اليمني والدفع باليمن لتصبح بؤرة للصراع والحروب بالوكالة، وأتاحت لها تنفيذ أجندتها لتمزّق نسيج الشعب اليمني وتعرّض اليمن لخطر التشظّي، مما عرَّض اليمن للدمار وشعبها لمعاناة لم يعهدها في تاريخه، معاناة تتمثل في النزوح والهجرة والفقر والجوع والمهانة وفقدان اليمنيين المكانة التي كانوا يحتلونها عند الأشقاء والأصدقاء.. فأصبح اليمنيون يعيشون اليوم في ظروف لا يمكن لأحد أن يتخيلها.. والمؤسف أن كل ذلك يحدث في تجاهل من العالم.. والأدهى من ذلك أنه يتم بمشاركة دول عِدة، إضافةً إلى تعدُّد السلطات اليمنية وانهيار مؤسسات الدولة وانهيار الاقتصاد، فأصبحت اليمن تخضع للفصائل المسلحة والجماعات الإرهابية التكفيرية ونفوذ مُمَوّلي الحروب بالوكالة مما أفشل كل الجهود لحل الصراع، بسبب تعدُّد أطرافه الداخلية وتوجهاتهم ومُمَوّليهم من الخارج وتقاطع أجندتهم..
إن إنقاذ اليمن ونظامه الجمهوري ووحدته في ظل هذا الوضع من التعقيد ووجود تجار الحرب من داخل اليمن وخارجه ومع استمرار الحروب بالوكالة، يتطلب بداية رفع اليد الخارجية عن مسار الحل السياسي، والتهيئة لتشكيل قيادة جديدة لمرحلة انتقالية تشاركية، مع استعادة الجيش الوطني، ومعالجة الوضع الاقتصادي وإنهاء معاناة الشعب المعيشية.. مثل هذا الحل يحتاج من القوى الوطنية أن تراجع مواقفها وتحشد طاقاتها لمواجهة تجار الحرب والمستفيدين منها، واختيار شخصيات وطنية تتولى إدارة المرحلة الانتقالية تلتزم بتنفيذ المهام والتقيُّد بالفترة الزمنية لتنفيذها برعاية وطنية ودولية تضمن عدم تكرار كوارث المراحل الانتقالية السابقة، وتوفّر الإمكانات لها..
سيشكّك البعض في تحقيق ذلك ولهم الحق في شكوكهم بعد ما رأوا ما عانى منه اليمن وشعبه خلال الفترة الماضية ومدى الإحباط الذي يعاني منه رعاة الحل والمتورطون في الصراع؛ ولكن التطورات التي عصفت باليمن وأحداث البحر الأحمر التي أظهرت خطر الفوضى في اليمن على العالم وأدت إلى مراجعة المواقف من السعودية والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول، تُتيح اليوم الفرصة لبدء مفاوضات الحل السياسي الشامل إذا ما بدأ المبعوث اليمني بالتحرُّك وبدء المفاوضات وفق اتفاقية متكاملة تحمي حقوق كافة أطراف الصراع، مع توفُّر الدعم الإقليمي والدولي لها والتصدّي للمعرقلين لها.
أردتُ في هذه الأفكار أن أبيّن أهمية الحفاظ على اليمن ووحدته واستقراره من أجل مستقبل أبنائه وأشقائه، وللأمن والسلم الدوليين.. وأن علينا كيمنيين توجيه طاقاتنا لتحقيق السلام والعيش في وطن يتسع لنا جميعاً.. ويُمكننا -إذا ما وجَّهنا طاقاتنا للسلام بدلاً من الحروب- أن نعيد له ألَقه وتأريخه المجيد..
حفظ الله اليمن ووحدته ونظامه الجمهوري.
|