يحيى العراسي - عند كل مناسبة وذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية الخالدة وقيام الجمهورية اليمنية المجيدة والوليدة، سوف لن نكل ولن نمل من التأكيد أن هذا المنجز الوطني العظيم كان أكبر وأهم هدف وُحلم تحقق لليمن الطبيعي وجغرافيته الأساسية والتاريخية رغم ما قُضِم منه في قادم الزمان وغبار التاريخ..
ويؤكد اليمن الجديد منذ الوهلة الأولى ليوم الثاني والعشرين من مايو 1990م من القرن الماضي، أن الوحدة اليمنية كانت وستظل ضرورة وطنية ملحة ومهمة تنبع من أهمية أمن واستقرار اليمن وولوجه المستقبل المنشود بكل شروطه ومقوماته بعد حالات التشرذم والصراع المرير والفراق الطويل بفعل العوامل الاستعمارية والرجعية والكهنوتية وكذلك الأطماع الدولية والإقليمية من القريب والبعيد لموقع اليمن الجيوسياسي الفريد وتحكُّمه بأهم الممرات الدولية واتصالاته بالقارات الآسيوية والأفريقية والأوروبية بسهولة فريدة لها ما لها من معانٍ وتوابع اقتصادية وتجارية؛
بالإضافة إلى أن قيام الوحدة اليمنية مَثَّل عامل استقرار وطني وإقليمي بل ودولي..
نعم، يفتخر جيلنا -ونحن على وجه الخصوص عالم الصحافة والثقافة والتطور الاجتماعي- بتحقيق هذا المنجز الوطني العظيم والعملاق الذي ناضل من أجل تحقيقه بإصرار وعزيمة رغم عمق الخلاف الأيديولوجي والصراع الدولي بين الشرق والغرب خصوصاً وأن الجبهة القومية التي تسلمت السلطة بعد صراعات وحرب دامية في شوارع عدن والمناطق والمحافظات الأخرى مع شركاء الكفاح المسلح جبهة التحرير وغيرها من التشكيلات التي بدأت في 24 سبتمبر وانتهت في 7 نوفمبر 1967م، وهو ما جعل السلطات البريطانية تحاورها في جنيف لتسليم السلطة ورفع علم الاستقلال الوطني.. كان ذلك متزامناً في الوقت الذي بدأ حصار السبعين يوماً على العاصمة صنعاء من قِبَل قوى العدوان والرجعية التي
كانت لا تريد لليمن الانتصار في تحرير وطنه وقيام جمهوريته المستقلة..
وكانت الآمال الجماهيرية والشعبية تؤمل أن يفضي ذلك الاستقلال والانسحاب البريطاني إلى العمل على الاندماج والوحدة الفورية والوقوف إلى جانب صنعاء في نضالها ضد قوى الشر والعدوان التي تكالبت من قِبَل القريب والبعيد..
نعم، هنا لا بد من التأكيد أن الأيديولوجية التي كانت تحملها الجبهة القومية هي التي حالت دون ذلك؛ وبدلاً من دعم صنعاء في تلك المحنة والوضع الخطير، كانت رسائل القائد والزعيم القومي عبدالفتاح إسماعيل في 1968م إلى السكرتير العام للاتحاد السوفييتي خروشوف وبرجنيف، تؤكد مِضِي جمهورية اليمن الشعبية نحو بلورة وتكريس النظام الاشتراكي على أساس العقيدة الماركسية، وذلك ما أدى إلى صراعات بينية ودموية هناك استمرت بصورة متوالية وحتى متسارعة في بعض الأحيان حيث جرى فرز أيديولوجي كبير وخطير بعد أربعة أشهر من الاستقلال والتحرير وتحديداً في عشرين مارس 1968م بعد أن تم التفريق بين القوة اليسارية التي وُصِفت بالشيوعية واليسارية المعتدلة التي كان يقودها الرئيس قحطان الشعبي؛ وتم على أساس هذا الفرز اعتقال وسجن العديد من القيادات العليا مثل سالم ربيع علي وعبدالفتاح إسماعيل وعلي سالم البيض وعلي صالح عباد (مقبل) وكثيرين، باعتبارهم من قوى اليسار المتطرف، كما تمت مداهمة منازل الكثير من القيادات والكوادر المحسوبة على هذا التيار وزجّهم في السجون، إلا أن كثيراً منهم فروا إلى جعار والضالع ويافع وحضرموت وشكلوا خطراً كبيراً على نظام قحطان الشعبي؛ ونتيجة ذلك جرى تدخُّل مباشر من الاتحاد السوفييتي لإطلاقهم والتحاور معهم من أجل استقرار النظام..
نعم، استمر هذا التيار المتطرف بالمؤامرة وصولاً إلى 22 يونيو 1969م والانقلاب على قحطان الشعبي والإطاحة بكل حلفائه وقادته، وقُتِل القائد الكبير فيصل عبداللطيف الشعبي، واستمرت التصفيات بإعدام الرئيس سالم ربيع علي في 24 يوليو 1978م، وهكذا وصولاً إلى أحداث يناير 1986م، وتُعتبر نهاية المطاف؛ وفي هذه الأثناء بدأ انحسار الاتحاد السوفييتي يلوح في الأفق.. فيما كان الشطر الشمالي في مراحل تنمية وإنتاج وتطوير، ونفض غبار التخلف، وتحقيق تنمية في مختلف المجالات.. أما الشطر الجنوبي فوصفته الأمم المتحدة في 1989م بأنه في غاية السوء الاقتصادي والمعيشي..
وكانت تلك المتغيرات الدولية وسقوط التحالفات وسور برلين وتوافر القناعات بأهمية إعادة الوحدة اليمنية كعامل استقرار ونجاح عملي في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء المستقبل الجديد المنشود بعد حوارات استمرت منذ العام 1972م بعد لقاء القاهرة بين رئيسي وزراء كلا الشطرين..
وختاماً.. لا بد من التأكيد أن الوحدة اليمنية باقية وراسخة، وستكون ما بقيت الحياة والأرض والسماء، ذلك لأنها مصدر الأمان والمستقبل المأمون، ولن يؤثر عليها نفر من العملاء والمرتزقة والخونة والمرتهنين للخارج.
|