د. محمد علي بركات - لا شك أن الولاء لليمن، والتزام جميع الأطياف السياسية بالثوابت الوطنية، هما الضمان القوي لنجاح أي تسوية سياسية والحفاظ على وحدة اليمن المباركة _ كإنجاز تاريخي يعتز به كل وطني ولاؤه لليمن _ بحيث يدرك الجميع أن كافة الأفكار والآراء قابلة للنقاش، ويمكن الاتفاق عليها أو الاختلاف.. عدا الثوابت الوطنية التي يلتزم بها الجميع ولا مجال للتفاوض حولها، فليست محل خلاف.. أما غير ذلك من القضايا فيُفترَض التعاطي معها بجدية ووعي ومسئولية، أياً كان الاختلاف حول أي منها، ويمكن التوصل إلى حلول ومعالجات تحقق التوافق بين جميع الأطراف.. بحيث تكون المصلحة الوطنية هي المنطلق الأساسي لتلك الحلول.. وأن يُبنى التوافق على استشعار الجميع المسئولية نحو الوطن ووحدته وأمنه واستقراره المأمول.. وكذا على أهمية تنميته وبنائه ونهضته الحضارية وتجاوزه مختلف التحديات التي يواجهها على كافة الأصعدة.. يضاف إلى ذلك حرص الجميع على ضرورة مكافحة الفساد ومحاربة التطرف والعنف بأشكاله المتعددة..
ويمكن أن يكون الحوار الجاد والمسئول الذي تتمثل محدداته وسقفه بالدستور والثوابت الوطنية هو القاعدة المُثلى للمّ شتات القوى الوطنية وتوافقها وصولاً إلى تحقيق تطلعات الشعب وطموحاته بإحلال السلم والاستقرار والوئام الاجتماعي وتعويض حرمانه من الإنجازات في كافة المجالات الحياتية.. وانطلاق المشروع الوطني المنشود للتغيير على ضوء منهجية محددة وجلية بعيداً عن العشوائية والسلبية.. والذي يمكن أن يحظى بالقبول المجتمعي ليحدث التغيير المتوخَّى بإجماع وطني يستند إلى ثقافة واحدة مستمدة من الثوابت الوطنية والدينية والإنسانية.. بحيث يتسع مدى الحوار لكافة القضايا التي تشغل اهتمام أطراف العمل السياسي، على أن يجري بقلوب مفتوحة وعقول نيرة.. يتم خلاله تبادل الأفكار والرأي والرأي الآخر على قاعدة الاحترام المتبادَل، ويُفترَض أن تحرص كل القوى السياسية الوطنية على إعطاء الأولوية لقضيتين في غاية الأهمية، أحدهما أمن الوطن واستقراره.. والأخرى القضية الاقتصادية التي تعتبر أخطر القضايا على الأمن والاستقرار.. وخاصةً بعد أن أصبحت المعضلة الاقتصادية هماً مجتمعياً يعاني منه المجتمع اليمني باستمرار..
ومن المؤكد أن نجاح هذه العملية سيجسد وحدة المبادئ والقِيَم والفكر والقضية.. وستسفر عنه نتائج عِدة أهمها بناء اقتصاد وطني قوي محصن من التعرض لأي اختلال، توفر له الحماية من قوى الفساد ومن عبث العابثين، وتوفر له الطاقات والإمكانات اللازمة.. ليتحقق من خلال ذلك النمو الاقتصادي في مختلف المجالات، الذي يوفر للمواطنين حياة معيشية كريمة..
ونتائج أخرى بذات الأهمية في مقدمتها ترسيخ ثوابت الوحدة الوطنية الحدث التاريخي الأبرز على المستوى اليمني والعربي، وتجاوز التوتر والعنف والتصادم والصراع ومختلف التحديات في أهم المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.. وذلك سيُخرج اليمن من تلك الحالة وانعكاساتها السلبية على كافة الأحوال الحياتية وبالأخص على الأوضاع المعيشية..
أهم ما في الأمر أن يتم تغليب لغة العقل والمنطق وتغليب مصلحة الوطن العليا على أية مصالح ذاتية أو حزبية.. لأن النجاح مرهون بحُسْن وصدق النوايا بين جميع الأطراف السياسية وإيمانهم والتزامهم بروح الشراكة الوطنية، والتصدي بذات الروح للمشكلات والقضايا الحاضرة والمستقبلية.. وإذا ما تحقق ذلك فستتبدد الظنون ويزول فقدان الثقة بينهم، ثم ينتهي التصلب في المواقف والرؤى وتنتهي حالة التأزم والاحتقان السياسي ويسهل تجاوز كافة العوائق والتحديات، لتسود عقب ذلك ممارسة العمل السياسي بحكمة وعقلانية.. على أن يتبنى الجميع استراتيجية وطنية لمعالجة جميع القضايا من منظور وطني تحت مظلة الوطن اليمني الكبير ، ولا بد أن تظل المصلحة الوطنية العليا فوق مختلف المصالح التي تعوق مسيرة البناء والتنمية.. وتلك هي القضية.
|