د. محمد عبدالجبار المعلمي - مع إطلالة 22 مايو 2025م، نستقبل الذكرى الخامسة والثلاثين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، ذلك الحدث التاريخي الذي شكّل نقطة تحول فارقة في تاريخ اليمن والأمة العربية. ففي مثل هذا اليوم من عام 1990م، ارتفعت راية اليمن الواحد عالياً، ليعلن للعالم عن ميلاد الجمهورية اليمنية، وليبدأ فصل جديد من التلاحم الوطني..
الوحدة اليمنية تُعد واحدة من أهم الأحداث في تاريخ اليمن الحديث حين تم توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي في 22 مايو 1990م، هذا الحدث كان تتويجاً لنضالات طويلة وسلسلة من الاتفاقيات التي هدفت إلى توحيد الشعب اليمني تحت راية الوحدة..
لم تكن الوحدة اليمنية مجرد قرار سياسي عابر، بل كانت ثمرة نضال طويل ومشروع وطني حمله أبناء الشعب اليمني في قلوبهم عقوداً طويلة..
منذ استقلال جنوب اليمن في 1967م كان حلم الوحدة يجمع الشطرين، رغم التحديات والصعوبات؛ وبعد سنوات من الحوارات والتقارب السياسي، تحقق الحلم أخيراً في 22 مايو 1990م، عندما أعلن الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس علي سالم البيض قيام الجمهورية اليمنية، وتوحيد العاصمة صنعاء وعدن..
رغم ما واجهته اليمن من تحديات بعد الوحدة، من أزمات سياسية واقتصادية، وحروب وأزمات إنسانية، بقيت الوحدة رمزاً لصمود الشعب اليمني وإرادته في الحفاظ على هويته وتاريخه المشترَك.. وكما قال الشاعر اليمني عبدالله البردوني: "كأنَّ القيامةَ أُعلنَتْ فالتقى جَنوبُ الحريقِ وشمالُ الرَّمادْ"..
لقد كانت الوحدة انطلاقة نحو بناء دولة حديثة، تجمع بين الأصالة والتطور، وتحمل طموحات أجيال عِدة حيث تمثّل الوحدة اليمنية لليمن رمزاً للتلاحم والهوية الوطنية المشترَكة، وهي إنجاز تاريخي يجسّد إرادة الشعب في تجاوز الانقسامات والعيش تحت راية واحدة وهي راية الوحدة اليمنية..
ان توحيد اليمن في 1990م أعاد للبلاد هويتها التاريخية والجغرافية كأمة موحدة، بعد عقود من الانقسام والصراعات، وأكدت الوحدة على عمق الروابط الثقافية والاجتماعية بين أبناء الشمال والجنوب وساعدت الوحدة في توحيد الجهود نحو التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي..
كما عززت الوحدة من قدرة اليمن على التعامل مع التحديات الإقليمية والدولية وأصبح لليمن مكانة دولية وإقليمية لان الوحدة هي مصدر قوه وعز اليمن بين الأمم إضافةً الى موقعها الجغرافي المهم من الناحية الاقتصادية والسياسية والذي لو استُغل بالطريقة الصحيحة لكانت اليمن في صفوف الدول المتقدمة والمتطورة تنموياً واقتصادياً..
والوحدة جمعت مختلف الثقافات والعادات اليمنية تحت سقف واحد، ما أثرى النسيج الاجتماعي وعمق الإحساس بالانتماء لهذا الوطن ذلك يعزز ويعمق الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد دون وجود فوارق اجتماعية بين أبناء اليمن الواحد شمالاً وجنوباً، رغم التحديات والحروب، ظلت الوحدة رمزاً للصمود والتحدّي، ومرجعاً للأمل في بناء مستقبل مشرق لليمن واليمنيين في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنموية..
تحقيق الوحدة ساهم في تعزيز الأمن الداخلي، رغم الصعوبات اللاحقة التي واجهتها الوحدة اليمنية نتيجة التدخلات الخارجية التي عملت على تشويهها اليمنية وإعاقة مسيرتها بكل الوسائل المختلفة..
وللحفاظ على الوحدة اليمنية كإنجاز تاريخي، يجب على مختلف الفعاليات الوطنية، من أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية وثقافية، العمل معاً لتحقيق الأهداف التالية:
_ ترسيخ روح الانتماء والوطنية لدى الأجيال القادمة من خلال المناهج التعليمية والإعلام، وتعزيز الفخر بالهوية اليمنية الواحدة ونشر ثقافة الوحدة والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع اليمني شمالاً وجنوباً، وضمان التوزيع العادل للثروات والموارد بين جميع المحافظات اليمنية شمالاً وجنوباً، ومعالجة الفجوات التنموية بين الشمال والجنوب، وتحقيق التنمية المتوازنة..
_ تشجيع الحوار بين الأطراف السياسية والاجتماعية لحل الخلافات والتوصل إلى حلول سلمية تضمن وتعزز الوحدة بين كل مكونات الشعب اليمني بعيداً عن المزايدات والأجندة المشبوهة والمشاريع الصغيرة التي لا تخدم اليمن، وتخدم أعداء اليمن في الشمال والجنوب..
_ دعم جهود المصالحة الوطنية كمحور أساسي لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الشفافية والكفاءة، بما يعزز الثقة بين المواطن والدولة ودعم الجيش والأمن للحفاظ على سيادة الدولة وحماية الوحدة والسيادة الوطنية بعيداً عن الولاءات الفئوية والقبلية والمناطقية، بحيث يكون الجيش لحماية اليمن وسيادته ووحدته..
_ إشراك الشباب والنساء في العملية السياسية والتنموية، باعتبارهم عماد المستقبل وجزءاً مهماً في بناء اليمن الحديث ونشر ثقافة الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستديمة وتوفير فرص العمل والتعليم لهم، لضمان مشاركتهم الفعالة في بناء الوطن والحفاظ على استقلال القرار الوطني بعيداً عن الضغوط الخارجية وتعزيز الوحدة الداخلية لمواجهة التدخلات الإقليمية والدولية..
ويأتي هنا دور الشعب اليمني في الحفاظ على وحدته وتعزيز الروح الوطنية، والحفاظ على القِيَم الوطنية والاعتزاز بالهوية اليمنية المشترَكة، ونشر ثقافة الوحدة والتسامح بين جميع أبناء الوطن، والتصدي للفتن والانقسامات، ورفض الدعوات التي تسعى لتقسيم اليمن أو تمزيق نسيجه الاجتماعي، والوقوف ضد أي محاولات لإثارة النزعات المناطقية أو الطائفية، ودعم مؤسسات الدولة، ومساندة الجيش والأمن في بسط نفوذ الدولة وتعزيز الأمن والاستقرار، والتعاون مع السلطات المحلية والوطنية في تطبيق القانون والنظام..
توحيد اليمن أسهم في بناء دولة مركزية قوية قادرة على بسط سيادتها وحماية حدودها وقلَّل من النزاعات الداخلية والانقسامات التي يمكن استغلالها لزعزعة الأمن وتعزيز الاستقرار الداخلي، واليمن يتحكم في مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، ما يجعل وحدته حيوية للأمن البحري وحماية المصالح الإقليمية..
يمن موحَّد يعني جبهة داخلية قوية، تقلّل من فرص التدخلات الخارجية في الشئون اليمنية وتعزيز قوة وسيادة اليمن على أرضه وموارده المختلفة، وقيام دولة يمنية موحدة أكثر قدرةً على مواجهة التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة، والمساهمة في حماية الأمن الإقليمي والدولي..
الوحدة اليمنية كانت حُلماً طالما سعى إليه الشعب اليمني، وعلى الرغم من التحديات تظل رمزاً للأمل في مستقبل أفضل يجمع اليمنيين تحت مظلة واحدة..
ختاماً، ستظل الوحدة اليمنية منارة للأجيال القادمة، تذكّرهم بأن الوطن أكبر من كل الانقسامات، وأن قوة الشعب تكمن في وحدته وإرادته التي لا تُقهر وأن الحفاظ على الوحدة واجب مقدس على كل أبناء اليمن شمالاً وجنوباً لأن الوحدة تمثّل عِزة وكرامة وتقدم وتطور اليمن واليمنيين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
*عضو اللجنة الدائمة الرئيسية
رئيس فرع المؤتمر الدائرة الخامسة
|