موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الغش والعشوائية وضعف الوسائل وانقطاع الراتب منغصات العملية التعليمية - أكدوا أنها لا تنجح إلا بشراكة حقيقية.. الإصلاحات السياسية..وتأثيرها على الوحدةالوطنية - لازاريني: يجب إنهاء الحرب على غزة - إسرائيل تستخدم الأسلحة المحرمة دولياً لقتل الفلسطينيين - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 43 ألفاً و341 - تل أبيب الأكثر خطراً للعيش فيها .. طوفان الأقصى يبتلع النخبة من قادة جيش الاحتلال - الصحة تدين استهداف مستشفى في قطاع غزة - مقتل واصابة 50 صهيونياً في "تل أبيب" - بالأرقام.. حصيلة 3500 يوم من العدوان على اليمن - الصحة العالمية: الوضع في شمال غزة كارثي -
مقالات
الميثاق نت -

الأحد, 29-سبتمبر-2024
هايل علي المذابي -
نشأت العصبية في العصور البدائية للبشرية عندما كان الخوف وانعدام الأمن يهددان وجود الإنسان، ويقلقان حياته، فكان هذا التحدي سبباً وجيهاً للإنسان للجوء إلى الطبيعة، استجابة لتلك التهديدات والمخاوف، وقد وجد الإنسان ضالته في عوالم الحيوان، وكون التقليد أصيلاً في النفس البشرية، فقد أخذ الإنسان يقلّد كائنات الممالك الأخرى في كل شيء، ليستقيم بذلك وجوده، ويتزن بقاؤه، وتزدهر حياته، وحتى يتحقق أمنه، ويسيطر على ما يخيفه، ويؤمِّن حضور وجوده في هذه الحياة، فقد أخذ الإنسان من تجمع حيوانات الطبيعة مثل السباع والذئاب والضباع وغيرها دليلاً له ومثلاً أعلى في عملية الحفاظ على أفراد جماعته وتحقيق أمنه واستقراره، وتأمين مصالحهِ، فنشأ تبعاً لذلك ما أسماه ابن خلدون بالتعصب، تماماً كما يتعصب أبناء النوع الواحد من الحيوانات لبعضه البعض ضد الأنواع الأخرى، التي تهدد وجوده، وقد أخذ هذا التعصب يشق له طريقاً في حياة البشر منذ تلك العصور البدائية والتقليد الحرفي لكائنات مملكة الحيوان والنبات وحتى عصور ما بعد تكون المجتمعات وما بعد عصور الدولة، وإلى يومنا هذا، في تمثُّلات عِدة وأشكال تتطور مع معطيات كل عصر جديد، ومع كل تحول جديد في الثقافة الإنسانية؛ ويُعد مفهوم العصبية عند ابن خلدون مرادفاً يقابل مفهوم العنصرية.
ويمكننا أن نُعرَّف التعصب/العنصرية على أنها: السلوكيات والأفكار والمُعتقدات والقناعات التي ترفع قيمة مجموعة أو فئة بشرية على حساب فئة أخرى، بناءً على مواريث تاريخية، أو اعتماداً في بعض الأحيان على لون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات أو الطبقية المجتمعية..
لكن هذا لا يمثل كل شيء فهو ـ كما يتضح لي على الأقل ـ يمثل نظرة عامة لأنواع العنصرية المتأخرة، ولا يعطي انطباعاً حقيقياً عن كل أنواعها وأقسامها.. فالمعروف أنه نتيجة المنافسة والتقاتل من أجل البقاء واستمرارية العيش، تحتم على الإنسان البدائي أن يتسلح بالعنصرية كملاذٍ وقائي..
ولم تقتصر هذه الانحيازية على الزمن الأول فحسب، ففي تتابع الدهور، تتابع تطور العنصرية وأنماطها، ومن هنا نجد أن العنصرية مرت بعدة مراحل، كانت هذه أولها؛ كآلية تضمن له إظهار الولاء لجماعته وتحثهم على التعصب والتعنصر له في الأزمات، فضلاً عن معرفته بدورها في شد عزيمة الجماعة وتقويتها لتتمكن من الوقوف والصمود بوجه الأعداء الحقيقيين والمحتملين على كثرتهم سواء أكانوا من المجاميع البشرية المنافسة الأخرى أو عناصر الطبيعة القاسية أو الوحوش المفترسة الضارية..
وعندما نرغب في تحليل تمثلات انعدام الأمن في المنطقة العربية، ينبغي علينا أن نحدد مظاهر ومستويات التعصب والعنصرية في المجتمع العربي، والتي هي السبب في حالة انعدام الأمن أو هي الداعي للخوف من فقدانه، وتعبير صريح عن غياب الدولة وقوانينها، سنجد أنها على النحو التالي:

المستوى الأول: التعصب للقبيلة
وقد كان أول أشكال التعصب في تاريخ البشرية هو تعصب أفراد القبيلة لبعضهم البعض ضد القبائل الأخرى فيمارسون العنصرية/العصبية ضد القبائل الأخرى خوفاً من حرمانهم من منافع الجماعة التي ينتمون إليها، وخوفا من إنعدام الأمن بكافة أشكاله في حياتهم وحياة أبنائهم وعائلاتهم؛ ومع تأسس الدولة المدنية الحديثة انتفت تلك الصفة عن أفراد المجتمع، كما كان ينبغي بالضرورة، بسبب قيام الدولة ووجود قوانين وتشريعات تلزم الجميع بواجبات ومسؤوليات وتضمن للجميع في الوقت ذاته حقوقهم، وتحافظ الدولة من خلالها على أمنهم وسلامهم، وتؤمّن مصالحهم، لينتقل الإنسان بذلك من مستويات التعصب للجماعة والقبيلة إلى مستويات التعصب للوطن؛ وفي حالات حضارية وإنسانية أرقى كان الأجدى بالبشرية الإنتقال إلى مستويات التعصب للإنسانية مع اسقاط كل المكونات والانتماءات الضيقة التي تقيد حرية الإنسان وتفكيره وتعزله عن الحضارة الإنسانية مستلباً في براثن الولاءات الضيقة والتعصب والتعنصر الأعمى لها والتي هي نتيجة لخوفه من انعدام الأمن وفقدان الحقوق..
عن ذلك يقول زيجمونت باومان في كتاب الحداثة السائلة، وهو أهم المرجعيات التي تناولت هذه السياقات بعد عالم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون: "ويذهب ليشيك كولاكوفسكي إلى أن نصير النزعة القومية يريد أن يؤكد الوجود القبلي عبر العدوان وكراهية الآخرين، ويعتقد أن كل المصائب التي تتعرض لها أمته هي نتيجة مؤامرة من تدبير الغرباء، ويحمل ضغينة تجاه كل الأمم الاخرى لعجزها عن الإعراب عن الاحترام المناسب لقبيلته وإعطائها مكانتها التي تستحقها، أما نصير الوطنية فيتميز بما لديه من تسامح كريم تجاه التنوع الثقافي، ولاسيما التسامح مع الأقليات الدينية والوثنية، وعلاوة على استعداده لأن يُسمِع أمته أشياء لا تقبل سماعها ولا تستمتع بسماعها..
ومع أن هذه التفرقة جيدة، ولها وجاهتها الاخلاقية والفكرية فإن قيمتها تفقد قوتها عندما نعلم أن المقابلة هنا ليست بين خيارين متكافئين يمكن للمرء أن يأخذ بأحدهما، بل بين فكرة نبيلة وواقع مشين..
فأغلب الذين لهم اخوان وطنيون سينتقدون بقسوة في أغلب الظن السمات التي تعزى هنا إلى الموقف الوطني باعتباره دليلاً ذا وجهين، الخيانة القومية أو الأسوأ منها.. فالتسامح مع الاختلاف، وحسن معاملة الأقليات، والشجاعة في قول الحق مهما كان مُراً، كلها سمات تنتشر على نطاق واسع في الأراضي التي لا تمثل فيها "الوطنية" "مشكلة" في مجتمعات آمنة أماناً كافياً داخل المواطنة الجمهورية, فلا ينتاب أهلها قلق بشأن الوطنية باعتبارها مشكلة أو مهمة طارئة"..
ويتفرع أيضاً عن التعصب للقبيلة التعصب للعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة (التعصب القومي) وهذا المستوى من التعصب هو تطور طبيعي لمظاهر التعصب للقبيلة، وقد عرفه الإنسان عندما توسعت دائرة الجماعة والقبيلة، وقد شاهدنا حضوره كثيراً في مرويات الكتب التاريخية عن الحضارات القديمة وحروبها في مد نفوذ سيطرتها، وكانت دواعيها في ذلك دواعي قائمة على التعصب القومي..
المستوى الثاني: التعصب للديانة ويتفرع عنه (التعصب للمذهب الديني والطائفي)؛ وفي هذا المستوى انحسر مد التعصب والعنصرية كثيراً ولكنها بقيت فاعلة في الكثير من جغرافيا العالم وبالأخص المنطقة العربية..
إن الأديان نفسها، والصراع الذي نشب بين أتباعها، ومن ثم انقسام الأديان على نفسها إلى مجاميع ومذاهب وفِرَق وملل ونحل كان من الأسباب التي أطلقت المرحلة الثالثة من مراحل التعصب والعنصرية..
إن الأديان والفِرَق والمذاهب كانت تحتاج إلى أن تذكي بين أتباعها الشعور بضرورة التعصب والتعنصر للجماعة، لكي يبقوا على أهبة الاستعداد للدفاع عنها، أو للهجوم على المنافسين الآخرين، وخلال ثلاثة آلاف عام غطتها الرسالات السماوية الأخيرة (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) كان هناك نوع من الشد والتوجس والخوف من الآخر جعل الأتباع أنفسهم يراهنون على العنصرية والعصبية على أنها ملاذهم الأخير.. وقد انتج هذا التعصب للمذاهب الدينية حالة من التطرف بلغت حد الإرهاب ضد الجماعات الأخرى وأحالت كافة تمثلات الأمن إلى فوضى وخراب..
المستوى الثالث: التعصب للحزب السياسي..
ربما كان على السلطات السياسية ومراكز الحكم أن تلجأ لبديل الديمقراطية لضمان بقائها في السلطة، والحفاظ على مقاليد الحكم، ففرخ ذلك العديد من الأحزاب السياسية فكان التعصب لها امتداداً للتعصب الفكري الذي جاء من أفكار الاقتصاديين والفلاسفة، لكن مظهر التعصب للحزب السياسي كبر لينضوي تحت لوائه التعصب القبلي والمناطقي والتعصب الديني وصار ثمة ارتهان بين كل تلك الأشكال فبقدر بقاء ذلك الحزب أو ذاك بقدر ما تسيطر تلك الطائفة وتلك القبيلة.. وبقدر ولاء الجماهير للأحزاب بقدر ضمان الأمن وتوفره في حياتهم.. ومن هنا صار وجود الأمن بكافة اتجاهاته بما فيها الأمن الغذائي والحياتي مرهوناً بوجود جماعة سياسية تنتمي لحزب سياسي معين في سدة الحكم وإن تغيرت تلك الجماعة فقدت الجماهير التي تتبعها أمنها وسلامها.. وهذا التعصب أنتج الفساد المالي والإداري في كافة مرافق الدولة وأفقد المواطن حقوقه وأمنه المعيشي اليومي وصار عليه أن ينصاع لمظاهر الفساد ويجاريها ويغض الطرف عنها ويخضع ويمتثل لها..

وربما قد أدت العصبية والعنصرية خدمات جليلة لبعض المجاميع البشرية مثلما أدتها للأفراد عبر التاريخ الإنساني المشحون بالصراعات والمنافسة من أجل البقاء، نتيجة الحالة القلقة التي كان عليها العالم يومذاك، لكن مع تغير المفاهيم وتبدل المصطلحات، وتحرر الإنسان من ربقة الموروث البدائي، وتحضره وتمدنه، ومع بدايات نشأة الدول، وسن تلك العقود المبرمة بين الإنسان كفرد من جانب والحكومة التي تقود الدولة من جانب آخر، تلك العقود التي تنازل الإنسان بموجبها عن بعض خصوصياته، وبعضاً من حريته إلى الدولة، مقابل الحماية وتوفير الأمن والعون الذي تقدمه له، ومشاركته المحيطين به من الأفراد في الخضوع للقانون العام للدولة التي يعيشون فيها، وتخليهم جميعا عن القوانين الشخصية الفردية، لم تعد الكثير من أشكال التعصب والعنصرية شيئاً مستساغاً مقبولاً للجميع، لأنها تعرقل مسيرة الصعود، وسيرورة التكامل المجتمعي..
ورغم ذلك مازالت بعض دول المنطقة العربية تفتقر إلى مظاهر توفر الأمن بكل اتجاهاته في مجتمعاتها، وتعيش حالة من الصراعات والفوضى التي تسببت فيها تمثلات التعصب والتعنصر إما للـ(القبيلة أو المذهب الديني أو الحزب السياسي) أو كلها مجتمعة، وأعاقتها عن تحقيق حالة أمن وسلام مستدامة، وهنا نطرح مجموعة من التساؤلات:
-إلى أي مدى يمكن أن تسهم العصبية والعنصرية في انعدام الأمن بكل اتجاهاته وسيادة الفوضى في أي بلد؟ وهل حضور العصبية والعنصرية للقبيلة والمذهب الديني والحزب السياسي يعني غياب الدولة وغياب قوانينها وتشريعاتها والقوة التي تحقق تلك القوانين وتطبقها بالشكل الذي يضمن الأمن والسلام للجميع؟
وهل الدولة مستفيدة من حالة حضور تمثلات العصبية والعنصرية للقبيلة والمذهب الديني والحزب السياسي في تفاصيل حياة المجتمع وغياب الأمن الناتج عن ذلك الحضور؟ وكيف يمكن الانتقال إلى مستوى التعصب والتعنصر للإنسانية لتحقيق حالة سلام وأمن مستديمة لمجتمعاتهم؟..
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
عن نتائج الانتخابات الأمريكية ومستقبل العرب
يحيى نوري

أطباء.. ولكن !!
سعد الحفاشي

قراءة متأنية في مرثية أ.د. عبدالعزيز بن حبتور في المرحوم الصحفي حسن عبد الوارث
محمد الجوهري

القاضي العرشي كما عرفتُه (2-2)
د. عبدالوهاب الروحاني

ما أشبه الليلة بالبارحة في اليمن ومنعطف ثوار فيتنام!!
د. أيوب الحمادي

اليمن والصين من أجل السلام والتنمية
عبدالسلام الدباء *

"نتنياهو" بين جدار ملهمه الفكري واستهداف غرفة نومه
محمد جرادات*

إغلاق الأونروا: سلاح فتاك وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني
عبدالله صالح الحاج

اليمن.. المعادلة الصعبة في مواجهة العدوان
محمد علي اللوزي

عن غطرسة القوة وقوة الصمت..!!
طه العامري

سِفْر الحياة.. وظروفٌ متغيّرة
المستشار/ جمال عبدالرحمن الحضرمي

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)