موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الكوليرا.. انتشار مخيف وإجراءات غائبة - عزوف الطلاب عن الالتحاق بالجامعات اليمنية خطر يُهدد مستقبل البلد - تعز .. مدينة بلا مياه !! - صنعاء القديمة.. جوهرة اليمن وذاكرة الحضارات - من البحر الأحمر إلى البنتاغون.. اليمن يعيد تشكيل عقيدة القوة العالمية - صواريخ يمنية تدك أهدافاً حساسة للعدوِّ الإسرائيليِّ في "يافا" المحتلة - إيران تدمر 44 طائرة إسرائيلية على حدودها - الأمين العام يعزي بوفاة الشيخ قائد ذيبان - ضربة يمنية جديدة على مطار اللد بيافا المحتله - الامين المساعد للمؤتمر يعزي حمود الصوفي -
مقالات
الميثاق نت -

الإثنين, 24-يونيو-2024
وجدي الأهدل* -
هل يمكن للكاتب أن يتمرد على قدره ويبرع في مهنة أخرى؟
الكاتب في أبسط تعريف له: هو الإنسان الفاشل في كل شيء باستثناء الكتابة..
لم أسمع مطلقًا أن كاتبًا مرموقًا اشتغل في التجارة ونال الثراء، بالإضافة إلى تخصيص جزء من وقته للكتابة..
الشاعر الفرنسي (آرثر رامبو) عندما سيطرت عليه أحلامه بتكوين ثروة من التجارة، ارتحل إلى عدن ليمارس العمل التجاري، وتنقّل بين الساحلين العربي والأفريقي، متاجرًا بأي شيء يمكن أن يدر عليه أرباحًا، حتى يقال إنه كان يتاجر بالعبيد!، إلا أنه وبأمانة تامة هجر الشعر، واستقال من مهنته كشاعر، ولم يكتب حرفًا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة..
كان الشاعر (آرثر رامبو) يتصور أن حظه مكتوب في التجارة، لكن تصوراته كانت خاطئة، فقد مات فقيرًا معدمًا، وأما حظه الحقيقي من الحياة، فقد كان في الشعر، وعلى ساحل الكلمات..

أيّ كاتب أصيل -وليس مُدّعيًا- يجرب حظه في التجارة سوف يفشل. ومرد ذلك أن المنظومة الروحية التي تتفاعل بداخله، ويجتاحها طموح للنمو الوجداني، والتوسع الأخلاقي، لا تتفق مع منظومة الانغلاق على الذات وعشق الكسب وهواية تكديس المال التي هي من شروط التاجر الناجح..

بمعنى أن عقلية المُشتغل بالأدب أو العلم هي مُصممة على المنح للآخر، عقلية تعطي الثمار كالأشجار. بينما عقلية المشتغل بالتجارة تعمل عكس ذلك، إنها مبرمجة على الأخذ من الآخر، وعلى قطف الثمار وبيعها..

“فلان أدركته حرفة الأدب” التي تُضرب مثلًا لمن هوى في قاع الفقر، تحمل مضمونًا ليس بالضرورة سلبيًا بالنسبة للأديب نفسه، إذ أنها تشير إلى حالة ذهنية محددة، ألا وهي الانصراف عن المطامع الدنيوية الزائلة، والإقبال على أمجاد معنوية خالدة، قد لا تتحقق لصاحبها إلا بعد وفاته، وقد لا تتحقق أبدًا، فهو حالة خاصة في المجتمع، ومهمته مراكمة الثروة الثقافية..
سُئل الكاتب المسرحي صموئيل بيكيت “لماذا يكتب؟”. فأعطى جوابًا صريحًا يقدم الحقيقة العارية كما هي دون مواربة: “لأنني لست أصلح إلا لهذا”.
وإذا عكسنا مقولة صموئيل بيكيت، فإن أيّ كاتب يجد نفسه صالحًا لعمل آخر غير الكتابة، فما عليه سوى السير في دربه الجديد، والتخلص من معاناة الفاقة، والحياة على الحافة..

لخّص خبراء التنمية البشرية بحث الفرد عن حظه في الحياة بفكرة ساذجة ومحدودة هي: “حقق حلمك وكن ناجحًا”! وعلى الأرجح توهموا أن هدف الإنسان في الحياة مرتبط فقط بالثروة والنفوذ والنجاح المهني والاجتماعي الخ. ولكن هذا الفكر يُشكّل صورة خادعة عن الحظ المقسوم بين البشر. إذ ليس جميع الناس لديهم الحظوظ ليصبحوا أغنياء أو مشهورين، فهناك أنواع شتى من الحظ، ويمكن أن يجد المرء حظه في حياة الصحراء، أو في أدغال الغابة.. وهناك من يجد حظه في الزهد والتصوف والتخلي عن التملك..
سِد هارثا غوتاما المعروف بلقب (بوذا) كان أبواه ملكين، وفي سن السادسة والعشرين هجر القصر وعائلته الملكية، وعاش حتى سن الثمانين متسولًا بلا مأوى، لكنه أسس واحدة من الديانات الكبرى التي لا تزال حاضرة حتى يومنا هذا.
أمر حتمي أن الحظوظ قد تم توزيعها بالتساوي، فليس ثمة إنسان محروم من الحظ، وإنما على الإنسان أن يقتنع بحظه المقسوم له.. وإن بدا هذا الحظ لا يجلب مالًا ولا جاهًا..

فرانز كافكا أحد أعظم عباقرة الأدب، لم تجلب له الكتابة في حياته سوى الإفلاس والعوز، وعانى من المرض، وفوق هذا وذاك كان أديبًا مغمورًا لم يلتفت إليه أحد، وأوصى وهو يحتضر بإتلاف مؤلفاته، لكن لحسن الحظ لم ينفّذ صديقه ماكس برود وصيته، ثم أتى حظ كافكا من النجاح والشهرة بعد وفاته، وكان حظًا عظيمًا، وتألق نجمه وسطع على كافة أرجاء العالم، وباعت كتبه ملايين النسخ، واليوم يجمع خبراء الأدب على أنه الكاتب الأكثر تأثيرًا في الفن الروائي المعاصر.
أبو حيان التوحيدي أحد أعلام الأدب العربي الكبار (922- 1023م) عانى من الفقر وتجاهل معاصريه لموهبته، فقام وهو في التسعين من عمره بإحراق مؤلفاته، لكن بعد وفاته ذاع صيته وانتشرت كتبه، وهو اليوم أيّ بعد مرور ألف عام من وفاته، أجْوَد من كتب الأدب بلغة العرب بعد الجاحظ..
يمكننا أن نسترسل إلى ما لا نهاية لرصد هذا النوع من الحظ، الذي يبدو متعثرًا في حياة حامله، لكنه يحلق بجناحين إلى علو نجوم الثريا بعد أن يتوارى الجسد المادي تحت الثرى..

إن الأديب الذي أنعم الله عليه بنعمة الكتابة، سيتمسك بها ولو عانى من صعوبات الحياة، ولن تشتغل نفسه بالطمع في كسب ثروة مادية، ولو حصل عكس ذلك فإن موهبته ستتراجع، وإبداعه سيفقد الأصالة والابتكار، ويضِل عن طريقه فلا يهتدي.. والحق أن للقلب بوصلة، فإما أن تتجه إلى الإبداع، وإما أن تتجه إلى المال، ولكن يستحيل أن تشير البوصلة إلى اتجاهين متعاكسين في الوقت نفسه..

موهبة الكتابة هبة، قد تبدو في البداية في نظر البعض هدية غير مرغوب بها فيقبلونها على مضض! قد يتخوف المهدى إليه أن يُقال عنه أبله أو مجنوناً، لكن لا أحد يعرف ما تخبئه الأيام والأحقاب القادمة..

* موقع اليمني الامريكي
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
بالوحدة تسقط كل الرهانات
بقلم: صادق بن أمين أبو راس- رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
غباء مُركّب !!
توفيق الشرعبي

مهاتير ماليزيا.. مشاريعهم وطموحنا.. !!
د. عبدالوهاب الروحاني

للمتباكين على "الحمدي"
عبدالله الصعفاني

‏قبل أن تبني مُفاعلاً!
د. أدهم شرقاوي

صوت الفرح.. تقية الطويلة
زعفران علي المهنا

عزمته قفحنا سيارته!!
خالد قيرمان

كيف سننتصر عليهم
عبدالرحمن بجاش

ديمقراطية الغرب.. وهم أم حقيقة؟!
محمد علي اللوزي

سقطرى اليمن.. جزيرة تأسر النجوم وتُدهش العدسات
فيصل قاسم

عن " إمبراطورية غزة العظمى"
طه العامري

تداعيات المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة.. رقصة الفأر في قفص الأسد
أصيل علي البجلي

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2025 لـ(الميثاق نت)