|
|
|
يحيى علي نوري - الاعتوار الكبير الذي أصاب العلاقات اليمنية السعودية وجعلها ترتكز على قواعد هشة وهزيلة وحرمانها من التعامل المقتدر مع المتغيرات والتحولات المتسارعة
سيظل قائماً طالما ظلت الرياض تنظر للشأن اليمني من منظور سطحي ونفعي آني بعيداً عن البعد الاستراتيجي الذي يستوعب متطلبات أمنها الاستراتيجي الضامن لكيانها بكل عوامل الاستقرار والنماء..
وذلك اعتوار خطير من شأن استمراره أن يؤدي إلى نتائج كارثية ليس على مستوى البلدين وإنما على مستوى الأمن القومي العربي عموماً..
وما يثير الاندهاش هنا أن هذا الاعتوار وما يمثله من مخاطر جمة لم يجد الإهتمام اللازم من قبل مراكز البحوث والدراسات المعنية بالعلاقات العربية - العربية نظراً لوقوعه في منطقة حيوية تتمتع بجذب دولي تفرضه تضارب المصالح الدولية، وبالرغم من التحول الكبير الذي شهدته اليمن في ستينيات القرن الماضي والمتمثل في قيام الثورة اليمنية في العام 1962م والذي أحدث قيامها مشهداً جديداً في الحياة اليمنية، كان لابد من التعامل معه من قبل الرياض برؤية عميقة وببعد استراتيجي يستلهم المصالح العليا في علاقاتها البينية مع اليمن وبالصورة التي تلبي دائماً متطلبات البلدين في المزيد من التعاون والتكامل القائم على أسس وقواعد متينة تجنبهما مزالق الوقوع في أتون الخلافات والصراعات غير المبررة في عالم تحكم مساره عرى التكامل..
ولاشك أن هذا الاعتوار واستمراره بفعل الرؤية السطحية للرياض ظل بعيداً عن اهتمام ورصد مراكز الدراسات والبحوث المتخصصة بالعلاقات العربية - العربية، الأمر الذي جعله بعيداً عن النقد السياسي البناء وتسليط الأضواء حوله بالصورة التي تلفت نظر الحكام في كل من الرياض وصنعاء، مما ساعد على استمرار ما يمكن أن نسميه هنا بحالة العبث في إدارة علاقات البلدين حتى وصلت إلى مآلها الراهن المعبر عن واقع مزري تمر به، يخدم أعداءهما ويستنزف قدراتهما وامكاناتهما ما جعلهما اليوم يفتقدان كل متطلبات أمنهما الاستراتيجي الذي اضحى على كف عفريت كنتاج طبيعي للسياسة السطحية التي اتبعت وما زالت تتبع للأسف الشديد..
ولا ريب أن حالا كهذا وبكل ما يحمله من مخاطر كان أن رصده مبكراً قبل مراكز البحوث والدراسات الشيخ المناضل أمين ابوراس رحمه الله حيث قرر حينها أن يعبر صراحة عن عدم رضاه بالأسلوب الذي تمر به علاقتا البلدين، وقرر مخاطبة الملك فيصل بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية عبر رسالة تعد بمثابة وثيقة تاريخية لعلاقتي البلدين حان وقت الوقوف المسئول من قبل المختصين والمهتمين أمام ما حملته ثنايا سطورها من نصح مسئول وشجاع يستند لتشخيص دقيق لواقع علاقات البلدين، وتحمل في طياتها رؤية استراتيجية مستقبلية كفيلة أن تجد للبلدين الضمانات الحقيقية لعلاقات متكافئة وراسخة تحافظ على كيانهما وتعزز من سيرهما باتجاه المستقبل الأفضل، وظل أبو راس يناضل في سبيل التعبير عن وجهة نظره هذه عبر كل المناسبات باعتبارها تمثل مطلباً حقيقياً ومشروعاً للشعبين اليمني والسعودي، لكن للأسف الشديد أن النظرة الاستعلائية للرياض ورؤيتها السطحية لعلاقاتها باليمن لم تستفد من رسالة أبو راس إضافة إلى ذلك غياب الرؤية الاستراتيجية لدى صنعاء والتي اتسم مزاجها بالاندفاع للرياض بصورة فردية تعبر عن شخصيات ووجهاء تنعدم لديهم تماماً الرؤية الثاقبة بالمصلحة الوطنية العليا وتجرهم المصالح الأنانية والأجندة الضيقة للذهاب بعيداً، والتغريد خارج المصلحة الوطنية..
الأمر الذي حول الأجندة الضيقة إلى عوائق كؤدة في مسار علاقات البلدين وأدت إلى هذه النهاية السوداء التي تعيشها..
وعودة هنا لرسالة الشيخ المناضل أمين أبو راس رحمه الله للملك فيصل سنجد أن صراحة الرجل وموضوعيته وروحه الوطنية قد جعلته يحرص كل الحرص على توجيه تحذير لافت وكاشف إلى المخاطر التي ستحدق بعلاقات البلدين إن لم تتم معالجة هذا الاعتوار الكبير الذي شخصه أبو راس بدقة متناهية في رسالته التاريخية، حيث حذر الاشقاء في الرياض من مغبة الاستمرار في سياسة تدعيم الأشخاص وجعل ذلك المرتكز الوحيد الذي تقوم عليه علاقات البلدين، تحذيراً يعبر عن وعي وفهم وإدراك بالمتغيرات والتحولات المتسارعة التي ستشهدها علاقات البلدين، والتي تتطلب نهجاً جديداً يعلو على الاعتماد على تدعيم الاشخاص، وضرورة أن تكون العلاقات مرتكزة دوماً على التعامل مع الشعب باعتباره يمثل الضمانة الحقيقية لعلاقات سوية ومتكافئة وقادرة على إنتاج كل ما من شأنه أن يحقق الأمن والاستقرار وينمي عرى التعاون والتكامل بينهما، ويوحد صفوفهما في مواجهة التحديات..
وعكس أبو راس في نصيحته انتصاره للمصلحة العليا للبلدين، في الوقت الذي يعد من الشخصيات المرموقة التي لا تمانع الرياض وفق أسلوب إدارتها للعلاقات من التعامل معها كشخصية لها الأولوية وفق منطق الرياض للدعم الكبير وغير المحدود، فهو رأس بكيل التي تعد من كبريات القبائل اليمنية، وله تأثيره الفاعل في الحياة اليمنية، وإلى كونه ينحدر من أسرة مناضلة تحظى باحترام وتقدير اليمنيين، ولها تاريخ نضالي حافل عبر مراحل عدة من تاريخ اليمن، لكنه آثر هنا المصلحة الوطنية باعتبارها تعلو على مفهوم الفوضوية والارتجالية في إدارة العلاقات..
وها هي المعطيات اليوم وبعد 61 عاماً على قيام الثورة اليمنية تؤكد أن واقع العلاقات بين البلدين يعد نتاجاً لأسلوب تدعيم الشخصيات والاعتماد عليها دون الشعب..
وهو ما كان يخشى أبو راس حدوثه بصورة مبكرة تعكس عظمة عقليته في التنبؤ بالمستقبل على ضوء ما رصده من معطيات..
كما أكدت الأيام ما ذهب إليه أبو راس من حقيقة ناصعة بأن الشعب واليمن هما الباقيان وما عداهما زائل وفان..
وخلاصة نتساءل هنا : ألم يحن الوقت لمعالجة هذا الاعوجاج الذي لن يتم إلا بيد اليمنيين أنفسهم دون غيرهم وأن يحددوا طبيعة العلاقات التي ينشدونها مع الرياض، وما إذا كانوا اليوم قد تحرروا من سياسة تدعيم الأشخاص وعدم الاندفاع من جديد لتقديم أنفسهم للرياض فرادى أو أحزاباً أو جماعات منتصرين للمصلحة الوطنية العليا، بل ولمصلحة الشعبين صاحبي المصلحة الأولى والأخيرة من هذه العلاقات..
كما نتساءل عما إذا كانت الرياض اليوم قد اقتنعت تماماً بفشل تجربتها الكارثية في علاقاتها مع اليمن خاصة وأن سياستها في تدعيم الأشخاص لم تحقق لها سوى الفشل الذريع الذي جعلها تظهر اليوم مفتقدة متطلبات أمنها الاستراتيجي، بل وتهدد كيانها..
عموماً المستقبل القريب سيمثل ترمومتراً لمدى صحوة قيادات الرياض وصنعاء في هذا الأمر، مالم فإن النتائج ستكون أكثر كارثية ليس على البلدين فحسب بل وعلى المنطقة والأمن القومي العربي عموماً.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|