موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


بن حبتور يهنىء رئيس المؤتمر بعيد الأضحى - جيش العدو الصهيوني يعترف بمصرع ضابطين واصابة آخرين - القواتِ المسلحةِ اليمنية تنفذ ثلاث عمليات بحرية (نص البيان) - السيد عبدالملك الحوثي يهنئ رئيس المؤتمر بعيد الأضحى - الصحة تدين استهداف المجمع الحكومي وإذاعة ريمة - 37232 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة - رغم أضرارها الصحية.. ملابس "الحراج" ملاذ الفقراء - فِعْلٌ شعبي.. يتحدى صُنَّاع المعاناة..هل تنتصر حسن النوايا على سوء الحرب..؟ - النظام السعودي يفرض مزيداٍ من العراقيل على الحجاج اليمنيين بمشاركة مرتزقته - عدوان أمريكي بريطاني جديد على الحديدة -
مقالات
الميثاق نت -

الإثنين, 03-أكتوبر-2022
أنور‮ ‬العنسي -
صغيراً كنتُ ، عندما ذهبت إلى مستشفى في مدينة (ذمار) حيث كان والدي يعمل حينذاك .. هذا المشفى كان الوحيد في ذلك الوقت الذي يخدم إلى جانب السكان ، الجرحى والمصابين القادمين من جبهات القتال القريبة في (رداع) وغيرها ، خلال الحرب الجمهورية -الملكية في ستينيات القرن‮ ‬الماضي‮.‬
ثمة مدخلْ رئيسي مهيبٌ للمشفى، كانت تعلوه غرفةٌ واسعةٌ وعلى جانبيها يمتد جناحان للمبنى يتكون كل منهما من طابقين ، كل غرفهما فسيحٌ وعالي السقوف ، كما لو أنه كان منشأة عسكرية استراتيجية عثمانية مهمة، ربما جرى تجديدها لاحقاً.
رأيت يومذاك ضباطاً يمنيين ومصريين كباراً ، عرفتهم من هيآتهم ورتبهم العسكرية ، يحملون ملفات وأوراقاً .. يجيئ بعضهم بلا سلاح شخصي ولا نظارات سوداء غير طبيِّةٍ ، ويصعدون إلى الغرفة الرئيسية التي اتخذ منها الرئيس الراحل (عبدالله السلال) مكتباً وغرفة عمليات لإدارة‮ ‬حربه‮ ‬مع‮ ‬فلول‮ ‬الملكية‮ ‬،‮ ‬ثم‮ ‬يذهبون‮ ‬عائدين‮ ‬إلى‮ ‬ساحات‮ ‬القتال‮ ‬بلا‮ ‬مواكب‮ ‬أو‮ ‬سيارات‮ ‬مدرعة‮.‬
في‮ ‬بعض‮ ‬غرف‮ ‬المستشفى‮ ‬أتذكر‮ ‬أنني‮ ‬لاحظت‮ ‬جرحى‮ ‬مصريين‮ ‬كثراً‮ ‬يتلقون‮ ‬العلاج‮ ‬مع‮ ‬رفاق‮ ‬سلاحهم‮ ‬من‮ ‬اليمنيين‮ ‬،‮ ‬ووجدت‮ ‬أطباء‮ ‬وممرضين‮ ‬مصريين‮ ‬يعملون‮ ‬على‮ ‬رعايتهم‮ ‬جنباً‮ ‬إلى‮ ‬جنب‮ ‬مع‮ ‬طواقم‮ ‬صحية‮ ‬يمنية‮ .‬
في حدود ما كان لصبيٍ في أولى سنوات عمره أن يعيه - وكان ذلك قبل نكسة يونيو العام 1967 ، وحصار السبعين يوماً لعاصمة الجمهورية الوليدة ما بين العامين 1967-1968م بعد عودة القوات المصرية - كان لا بد أن أسأل والدي ، أين ذهب المصريون؟ وما الذي جاء بالمصريين قبل ذلك‮ ‬إلى‮ ‬اليمن؟‮ ‬فأجابني‮ ‬بعبارةٍ‮ ‬لم‮ ‬أنسها‮ "‬عندما‮ ‬تكبر‮ ‬سوف‮ ‬تعرف‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬،‮ ‬وستعلم‮ ‬ما‮ ‬الذي‮ ‬جعلنا‮ ‬أولاً‮ ‬نذهب‮ ‬إلى‮ ‬مصر‮ ‬طلاباً‮ ‬ونازحين‮ ‬فقراء‮ ‬نبحث‮ ‬عن‮ ‬الأمان‮ ‬والتعليم‮ ‬والعلم‮ ‬؟‮.‬
أخذَتْ هذه الإجابة سنوات طوالاً من حياتي للتأمل في علاقة اليمن بمصر لأسباب كثيرة .. من بينها أن عودة العسكريين المصريين جاءت بعد أن أدَّوا واجبهم القومي والإنساني ، وألقى بعض شهدائهم ودائعهم في ثرى اليمن .. أعقب تلك العودة مجيئ جيش آخر قوامه مئات وربما الآلاف‮ ‬من‮ ‬المدرسين‮ ‬والموجهين‮ ‬التربويين‮ ‬والخبراء‮ ‬في‮ ‬مجالات‮ ‬مختلفة‮ ‬للمساعدة‮ ‬في‮ ‬إرساء‮ ‬مداميك‮ ‬التنمية‮ ‬الشاملة‮.‬
وعلى صعيد حياتي كطفل آنذاك استرعى انتباهي إعجاب والدي بأنور السادات حيث أطلق اسمه عليَّ تيمناً به قبل قيام ثورة سبتمبر بعام ، ولم يكن آخر تلك الأسباب دهشتي بمصر التي أصبحت بعد ذلك مع اليمن نسيجاً واحداً معقداً ومتجانساً في آنٍ واحدٍ ، تاريخاً وفكراً وسياسةً‮ ‬حتى‮ ‬اليوم‮.‬
أما لماذا يذهب اليمنيون إلى مصر وليس إلى غيرها؟ فعرفت أنهم يشعرون أن مصر واحدةٌ من أمصارهم ، وأن بلادَهم بعضٌ من أمصار مصر ؟ وربما لا يعون لماذا يفعلون ذلك ، ولماذا تَعتبر مصر أن هؤلاء جزءٌ من أمنها القومي عند باب المندب جنوب البحر الأحمر، ربما لأهمية ما يمثلونه‮ ‬عند‮ ‬هذا‮ ‬الموقع‮ ‬الجيو‮ - ‬سياسي‮ ‬،‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬من‮ ‬المهم‮ ‬أنَّه‮ ‬لا‮ ‬أثر‮ ‬لأي‮ ‬حساسية‮ ‬أو‮ ‬خلاف‮ ‬حدودي‮ ‬بين‮ ‬القاهرة‮ ‬وصنعاء‮ ‬كما‮ ‬هو‮ ‬الحال‮ ‬في‮ ‬كثير‮ ‬من‮ ‬حالات‮ (‬الجوار‮).‬
لطالما شعرت بعد ذلك أن مصر تتقاسمني بالسوية مع اليمن نصفاً بنصف ، لأسبابٍ وجيهة ، فقد كان كتابي المدرسي مصرياً ، وأستاذي مصرياً ، والسينما والمسرح والموسيقى والمجلات والصحف منذ زمن الطفولة وأيام المراهقة الفكرية ومروراً بأعوام الدراسة الجامعية وحتى اليوم كان‮ (‬معظم‮) ‬ذلك‮ ‬إن‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ (‬كله‮) ‬أحياناً‮ ‬مصرياً‮.‬
ولم يزل صوت (عبدالناصر) وجلجلة ضحكات (السادات) وصدى الأغاني الوطنية المناصرة لثورة اليمن لعبدالحليم حافظ وفايدة كامل وشريفة فاضل وغيرهما يتردد في مخيلتي ووجداني، تماماً إلى جانب ذلك النشيج العميق من أغاني الفنانين اليمنيين ممن تأثروا بموسيقى مصر .
في العلاقة بين اليمني ومصر ما يتجاوز حدود الدين والثقافة إلى التاريخ البعيد ، ويختصر كل الحدود والمسافات لا إلى القفز عليها فحسب ولكن أيضاً إلى درجة الاشتباك بها وصعوبة الفصل بين أغلب ما هو يمني تماماً (غير مصري) ، وماهو (مصري خالص) تماماً ، ولاعلاقة له باليمن‮ ‬،‮ ‬وأعني‮ ‬بالخصوص‮ ‬أثناء‮ ‬الحقبة‮ ‬الناصرية‮ ‬،‮ ‬بل‮ ‬حتى‮ ‬اليوم‮ ‬أيضاً‮.‬
إذا تحدثت عن جِيلي وجيلَين آخرَين قبله وبعده ، فأستطيع القول بلا مبالغة إن البعض من اليمنيين يكاد لا يشعر بالحرج من أن يقول إنه لم يتسن له أداء فريضة الحج بعد ، وذلك في البلد المجاور الأقرب إليه ، لكنه يشعر بالحرج لأن يقول إنه لم يزر مصر بعد .

لماذا‮ ‬ذهب‮ ‬عبدالناصر‮ ‬إلى‮ ‬اليمن؟
قاد (جمال) جيشه إلى اليمن ، ليس لتفكيكه بل لتمتين وحدته ، وليس لاحتلاله سواءً مباشرة أو عبر (وكلاء) ولكن لتمكينه من السيادة على أرضه ، ولا لفرض نفسه وصياً على شعبه ولكن لإنقاذ هذا الشعب من بعض حكامه (اليمنيين) السابقين الذين أوصلوه إلى أدنى دركٍ من الإفلاس‮ ‬الروحي‮ ‬والمادي‮ ‬،‮ ‬وسلبوا‮ ‬معظم‮ ‬حقوقه‮ ‬الإنسانية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تستقيم‮ ‬بدونها‮ ‬حياة‮.‬
ذهب‮ ‬عبدالناصر‮ ‬إلى‮ ‬اليمن‮ (‬من‮ ‬أجل‮ ‬المبادئ‮) ‬كما‮ ‬قال‮ ‬وليس‮ ‬فقط‮ ‬بوصف‮ ‬اليمن‮ ‬البلد‮ ‬الذي‮ ‬تنتمي‮ ‬إليه‮ ‬سلالة‮ ‬والده‮ (‬عبدالناصر‮ ‬حسين‮) ‬وقبيلته‮ (‬بني‮ ‬مُرة‮).‬
أرسل‮ ‬ناصر‮ ‬جيشه‮ ‬الذي‮ ‬خاض‮ ‬أشرس‮ ‬حرب‮ ‬هناك‮ ‬في‮ ‬تاريخه‮ ‬مع‮ ‬تحالف‮ ‬الكهنوت‮ ‬والتخلف‮ ‬،‮ ‬دافعاً‮ ‬ثمن‮ ‬تضحيات‮ ‬مصر‮ ‬هناك‮ ‬بآلاف‮ ‬من‮ ‬الشهداء‮ .‬
يُحسب للتدخل العسكري المصري في اليمن الكثير من الإنجازات أهمها مساعدة اليمنيين بالثقافة وامتزاج دماء أبناء البلدين على اقتلاع (الإمامة) و(الاستعمار) من جذورهما ، وترسيخ دعائم (الجمهورية) كنظام حياة شاملٍ ومتكامل يقوم على جوهر العقيدة الصحيح ، دافع عنه بعض المصريين‮ ‬كما‮ ‬فعل‮ ‬إخوتهم‮ ‬اليمنيون‮.‬
وبالمقابل‮ ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬للتدخل‮ ‬المصري‮ ‬أخطاؤه‮ ‬التي‮ ‬يمكن‮ ‬تفسيرها‮ ‬وليس‮ ‬بالضرورة‮ ‬تبريرها‮ ‬،‮ ‬لكنها‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬لتصل‮ ‬إلى‮ ‬ذلك‮ ‬السوء‮ ‬من‮ ‬الأخطاء‮ ‬الذي‮ ‬تسببت‮ ‬فيه‮ ‬تدخلات‮ ‬خارجية‮ ‬أخرى‮ ‬مما‮ ‬لا‮ ‬يمكن‮ ‬تفسيره‮ ‬أو‮ ‬تبريره‮. ‬
ومع التقدير لما قدمته بلدان أخرى لليمن في محنته الراهنه إلاّ أنه لا يقارن بما فعلته مصر سياسياً وأخلاقياً ، فعندما اندلعت الحرب في اليمن العام 2015 ، لم يجد اليمنيون ملاذاً آمناً ومضيافاً أكثر من مصر..


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
المستقبل للوحدة
بقلم / صادق بن امين أبو راس- رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
الحرية لفلسطين بكل لغات العالم
عبد السلام الدباء

حق طبيعي للناس
أحمد عبدالرحمن

البقية في حياتك
حسن عبد الوارث

المؤتمر.. الحصن الحصين
يحيى الماوري

حرصاً على اليمن
أبو بكر القربي

النخبة التي كانت (2)
د. عبدالوهاب الروحاني

المتغيّرات تتسارع.. والفرص لا تتكرر
أحمد الزبيري

قراءة في سطور عن موسوعة (بن حبتور)
طه العامري

من (التفكيكية)كمعول هدم إلى المقاومة كإعادة بناء.. رؤية في الواقع والمتغيّر
محمد علي اللوزي

بين شارع المصلى وبيت الحَوِش!!
عبدالرحمن بجاش

حتى لا ننسى ذكرى تفجير جامع الرئاسة في اليمن
د. طه حسين الهمداني

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)