موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


5 مشروبات طبيعية تنظف الرئتين من السموم - برقية شكر لرئيس المؤتمر من عائلة الفقيد القاضي عبدالرحمن الإرياني - حجز قضية 206 متهما بنهب اراضٍ للنطق بالحكم - ارتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34183 - رئاسة مجلس النواب تدين الاستغلال الامريكي لمجلس الأمن - بقدرة 7 ميجاوات.. تجهيزات لتشغيل وحدة كهربائية جديدة بمحطة حزيز - مَنْ يقف وراء إدخال المبيدات المحظورة لليمن؟ - دخول اليمن المعركة شكَّل عامل ضغط كبير جعل العدو الصهيوني يعيد حساباته - حصيلة شهداء غزة ترتفع إلى 34,097 - إضراب شامل في الأراضي الفلسطينية -
مقالات
الميثاق نت -

السبت, 14-أكتوبر-2017
سعيد أحمــد الجناحــي -
- المقدمة

2- أخبار سبقت الثورة.
3- خلفية الكفاح المسلح.
4- رصد المخابرات البريطانية لتحرك الثوار وفق تقاريرها.

5- التمهيد.. واتجاه الثورة لتحرير الجنوب اليمني.
6- انطلاقة الثورة من جبل ردفان.. واستشهاد البطل لبوزة.
7- الموقف من الكفاح المسلح.

8 - التحضيرات البريطانية لمواجهة الثورة.. ووقائع الحملات البريطانية ضد الثوار.

9- البدايات الاولى لجبهة عدن.

10- أول عملية اغنيال.. وتعيب قائد العمل الفدائي.
11- الملاحق.
وثيقة بيان تأسيس الجبهة القومية و الميثاق القومي.
1-المقدمـة

حاول أعداء الشعب اليمني التقليل من أهمية الثورة اليمنية (سبتمبر/اكتوبر) بقولهم ان ما حدث في السادس والعسرين لم يكن سوى انقلاباً عسكرياً.. سيطرة العسكر على السلطة، واتفق مع هؤلاء منظرون وسياسيون ينتمون الى الاديولوجية العلمية، فقد أطلقوا على الثورة السبتمبرية تسمية حركة، وليست ثورة، واطلقوا على 14 اكتوبر ثورة، وبرز اتجاه آخر يقول ان ما حدث في (14 اكتوبر1963م) ما هو إلاّ تمرد قبلي وليس ثورة.
واذا كان القارىء قد تابع احداث الثورة السبتمبرية في الفصول السابقة لاشك أنه وجد ان الثورة السبتمبرية قلبت الأوضاع راساً على عقب، على مستوى الساحة اليمنية.. بل وعلى المستوى الاقليمي، ولأن الثورة انطلقت في جزء من الوطن اليمني «الشمال» فقد كان من الطبيعي ان تمتد إلى الجزء الأخر «الجنوب» لتستكمل بنيانها ومسارها.

وإذا ما عرفنا اصطلاح ثورة فاننا نجد ان معظم المفكرين المعاصرين يستخدمون «اصطلاح الثورة للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية، أي عندما يتم تغيير حكم قائم والنظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له».

والثورة اليمنية امتلكت كل دلالات الثورة، فقد انهت نظام إمامي وراثي في الشمال، وانهت أنظمة سلاطينية واماراتية ومشيخية وراثية محتمية بالوجود البريطاني الاستعماري المحتل لجزء من الوطن «عدن» التي حولها الى مستعمرة تتبع الحكومة البريطانية، وجاء تحرير جنوب الوطن.. لتستكمل الثورة اليمنية أهدافها وخلقت تغييراً نوعياً في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية لجماهير الشعب اليمني.
وفي هذا الفصل سيجد القارىء دلالات امتداد الثورة إلى جنوب الوطن، ودلالات ترابط الثورة اليمنية ووحدتها والبدايات الاولى للثورة


2- أخبار سبقت امتداد الثورة باتجاه الجــنوب

من المؤكد أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر قلبت الأوضاع رأساً على عقب، وقبل الحديث عن امتداد الثورة إلى جنوب الوطن اليمني، لا بد من عرض الأخبار والأحداث التي سبقت امتداد الثورة تجاه الجنوب:
30/9/1962م :
حالما تأكد للثوار في صنعاء هروب البدر وانقسام جنود الجيش، منهم من أيد الثورة، ومنهم من ترك الجيش وعاد إلى منطقته، إضافة إلى تمرد بعض القبائل.
لذا وجه مجلس قيادة الثورة نداءً إلى أبناء الشعب اليمني يناشدهم فيه بالدفاع عن الثورة أمام العدوان المبكر ضدها، واستجابة لذلك النداء هب الآلاف من الوطنيين، وخاصة من عدن، المدينة التي ائتلف سكانها من كل أنحاء الوطن اليمني، ومن ردفان والضالع ويافع.
2/10/1962م :
أعلنت إذاعة صنعاء بدء تدريب المتطوعين الذين تدفقوا إلى تعز حيث فُتح معسكر لتدريب الحرس الوطني بقيادة الملازم محمد الخاوي، وكان يتم تدريب المتطوعين بشكل سريع وتُشكل منهم فرق تتحرك إلى صنعاء ومنها إلى مناطق شمال الشمال حيث تمردت بعض القبائل.
3/10/1962م :
أعلنت إذاعة عدن أن الإمام المخلوع محمد البدر لا زال على قيد الحياة.
5/10/1962م :
وصول أول سفينة مصرية إلى ميناء الحديدة، تحمل مساعدات عسكرية وفنية.
5/10/1962م :
أعلنت إذاعة لندن (BBC) أن السيف الحسن بن يحيى حميد الدين قد نصب نفسه إماماً على اليمن بدلاً عن ابن أخيه الإمام محمد البدر، وأنه غادر نيويورك بالطائرة إلى السعودية ماراً بلندن والخرطوم، وأنه شكل حكومة بالمنفى.
9/10/1962م :
أعلنت إذاعة صنعاء عن حشود عسكرية نظامية على حدود الجمهورية العربية اليمنية.
13/10/1962م :
أعلنت إذاعة مكة أن الإمام البدر لا يزال على قيد الحياة وأنه قبل تنصيب عمه الحسن إماماً على اليمن.
17/10/1962م :
أذاعت إذاعة مكة بياناً أُعلن فيه تنازل السيف الحسن عن منصب الإمامة لابن أخيه الإمام البدر.
25/10/1962م :
بدأت الحكومة البريطانية والسلاطين في الجنوب بتقديم العون العسكري من أسلحة ثقيلة وخفيفة ووسائل نقل للملكيين وتدريبهم.
9/11/1962م :
أصدر مجلس قيادة الثورة بصنعاء بياناً يتهم فيه بريطانيا بالتآمر ضد الجمهورية العربية اليمنية.
9/11/1962م :
أذاعت إذاعة صنعاء خبراً جاء فيه: وصول طلائع الحرس الوطني والقوات المسلحة إلى مدينة صعدة لتعزيز حاميتها والدفاع عنها.
10/11/1962م :
أذاع راديو لندن (BBC) خبراً عن وصول الإمام المخلوع محمد البدر إلى المملكة العربية السعودية حيث عقد مؤتمراً صحفياً أعلن فيه إصراره على استعادة عرشه(1).

24/3/1963م :
عُقد في صنعاء لقاء حضره أكثر من ألف شخص ضم عدداً من ممثلي حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي والجنود والضباط الأحرار من الذين تركوا الخدمة العسكرية في الجنوب والمقاتلين من القبائل والعمال والموظفين الذين تركوا مناطقهم في الجنوب ونزحوا إلى الشمال مستجيبين لنداء حماية الثورة السبتمبرية.. وبعد نقاش مستفيض استقر الرأي على تشكيل لجنة تحضيرية لإعداد مشروع بيان وميثاق، بصيغة نداء إلى كل التنظيمات السياسية والفئات الوطنية، لكي تلتقي في جبهة واحدة توحد حركة النضال في الجنوب.. وتم اختيار لجنة تحضيرية من بين الحاضرين مكونة من (11) عضواً هم :
1- قحطان محمد الشعبي. 2- الشيخ/ ناصر السقاف. 3- الشيخ/ عبدالله المجعلي. 4- محمد علي الصوماتي. 5- ثابت علي منصور. 6- الرائد/ محمد أحمد الدقم. 7- نجيب مليط. 8- أحمد عبدالله العولقي. 9- عيدروس حسين القاضي. 10- علي محمد الكاظمي. 11- عبدالله محمد الصلاحي.
8/3/1963م :
قدمت اللجنة التحضيرية إلى اجتماع موسع عقد في 5 مارس 1963م ضم ممثلي الفئات المذكورة آنفاً، مشروع بيان وميثاق، هو بمثابة نداء، والدعوة إلى تشكيل جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، والنضال المسلح أسلوباً أساسياً للتحرير.. وافق كل المجتمعين على البيان والميثاق (باستثناء حزب الشعب الاشتراكي) فقد رفض قيام جبهة تتبنى الكفاح المسلح(2).
وتمخض الاجتماع عن توجيه رسالة إلى المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية حملها ممثلون من حركة القوميين العرب وقطاع القبائل من المقاتلين من قبائل الجنوب والجنود والضباط الأحرار من أبناء الجنوب من الذين نزحوا من الجنوب إلى الشمال.
استجاب المشير السلال لمطالبهم فأمر بفتح مكتب لجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، وأعلن دعمه لنضال الحركة الوطنية في الجنوب، وفي نفس الوقت أمر بإغلاق مكتب حزب الشعب الاشتراكي.
قابل دعاة الجبهة صعوبات بسبب المعارضة الشديدة لقرار المشير السلال، رئيس الجمهورية، من قبل بعض العناصر من القيادة العسكرية ذات الاتجاه البعثي والمناصرة لحزب الشعب الاشتراكي، واستمر حزب الشعب فاتحاً مكتبه(3).
اقترنت مساعي حركة القوميين العرب لتشكيل جبهة لتحرير الجنوب على المستوى العربي باتصال عدد من القيادة المركزية بالرئيس جمال عبدالناصر، وعلى المستوى اليمني، وفي صيف عام 1963م عقد عدد من قادة الحركة اجتماعاً تشاورياً في قرية (حارات) الواقعة في الأعبوس من محافظة تعز حضره التالية أسماؤهم :
(1) قحطان محمد الشعبي (2) فيصل عبداللطيف الشعبي (3) سلطان أحمد عمر (4) علي أحمد السلامي (5) طه أحمد مقبل (6) سالم زين محمد (7) نور الدين قاسم (8) عبدالباري قاسم (9) عبدالله الخامري (10) محمد صالح مطيع (11)عبدالرحمن محمد عمر.
استمر اللقاء يوماً، وخرجوا بقرار الاستمرار في العمل الجبهوي على قاعدة الكفاح المسلح حتى التحرير، وتشكيل الجبهة تحت كل الظروف، تم تسمية الجبهة بالجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل(4).
شكلت قيادة الحركة في إقليم اليمن مجلساً مركزياً لقيادة إقليم اليمن تكون من الأعضاء الآتية أسماؤهم :
(1) قحطان محمد الشعبي - رئيساً للمجلس المركزي
(2) فيصل عبداللطيف الشعبي - مسؤولاً للشؤون التنظيمية
(3) علي أحمد السلامي - مسؤول الشؤون المالية
(4) طه أحمد مقبل - مسؤول الشؤون العسكرية
(5) سيف أحمد الضالعي - مسؤول الشؤون الخارجية
(6) سالم زين محمد - مسؤول الشؤون الإعلامية
(7) جعفر علي عوض - نائب الشؤون التنظيمية
(8) عبدالباري قاسم - نائب الشؤون المالية
(9) وفي أكتوبر 1965م أضيف عبدالفتاح إسماعيل كونه أصبح المسؤول السياسي والعسكري في الداخل وقائد جبهة عدن.
يونيو 1963م :
فتحت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل مكتباً لها في تعز، ونشرت بيان(5) مارس كما أقر ولم يغير فيه سوى اسم جبهة التحرير إلى الجبهة القومية والميثاق القومي، نشرتهما صحيفة الثورة التي كانت تصدر في تعز(6). وكان التصريح بفتح مكتب الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل قد تم من منطلق خروج حزب الشعب الاشتراكي عن الاجماع الوطني.
وفي نفس الشهر فتح الجهاز العربي المصري مكتباً له في تعز لدعم نضال الجنوب.
حين وجدت قيادة حزب الشعب الاشتراكي أن الاتجاه السائد يرى قيام جبهة تنهج الكفاح المسلح لتحرير الجنوب ارتفع صوت معارضتهم.
في لقاء وكالة (تاس) أجراه مندوبها في صنعاء (أناتولي بيسمن) في فبراير 1963م مع علي حسين القاضي، واحد من قادة حزب الشعب الاشتراكي وعضو اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة، أجاب معلناً عن موقف حزب الشعب، والمؤتمر العمالي بالقول :
(إني أعلن باسم مؤتمر عدن للنقابات وحزب الشعب الاشتراكي اننا ضد الحرب والكفاح المسلح، وضد الإرهاب، ولهذا السبب لن نستخدم السلاح في النضال من أجل تحرير الجنوب اليمني المحتل، ونريد حل هذه القضية بالطرق السلمية وطريق المفاوضات(7).
19/8/1963م :
تهيأت لأبناء الجنوب في أغسطس 1963م فرصة لاجتماع رسمي، حضره ممثلون لعدد من الفصائل هي :
1- حركة القوميين العرب.
2- الجبهة الناصرية.
3- المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل.
4- الجبهة الوطنية.
5- التشكيل السري للضباط الأحرار.
6- جمعية الإصلاح اليافعي.
7- تشكيل القبائل.
ولما كانت الجبهة القومية قد أعلنت أنها ليست تنظيماً حزبياً وأنها مفتوحة لكل من يؤمن بالكفاح المسلح، ومن ثم التحق بها فيما بعد ثلاثة تنظيمات هي :
(1) منظمة الطلائع الثورية في عدن.
(2) منظمة شباب المهرة.
(3) المنظمة الثورية لشباب الجنوب اليمني المحتل.
عدا حركة القوميين العرب، فإن التشكيلات الأخرى صغيرة، بعضها تؤثر عليها حركة القوميين العرب، خرج المجتمعون بالموافقة على بيان الجبهة القومية والميثاق القومي (وتشكيل قيادة للجبهة من 6 أعضاء من الحركة و 6 يمثلون الفئات الأخرى، وانتخب المناضل قحطان الشعبي أميناً عاماً للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، وقد واجه قيام هذه الجبهة نفس المتاعب والضغوط من بعض الضباط في الجيش اليمني ومن بعض الوزراء في الحكومة اليمنية نتيجة لعلاقتهم الشخصية مع شخصيات حزب الشعب الاشتراكي) ، لكن أحداث 14 أكتوبر فرضت نفسها.

3- خلفية الكفاح المسلح

تعود خلفية الكفاح المسلح إلى إرهاصات الانتفاضات القبلية المسلحة في المناطق الريفية، وتراكم فعالية النضال الوطني خلال عقد الخمسينات، ويمكن القول أن البداية المنظمة تعود إلى تجربة تنظيم (العاصفة) وهي منظمة سرية شكلها الأستاذ / محمد عبده نعمان -مدرس- أمين الجبهة الوطنية المتحدة، فبعد أن نفته السلطة البريطانية في عدن إلى الشمال، وفور وصوله تعز حظي باستقبال كبير، وقرر له الإمام معونة شهرية (30 ريال فرنسي) لكنه لم يتوقف عن مواصلة النضال فقد كان كثير التنقل بين تعز وسلطنة لحج والبقاء في منطقة (دار سعد) الواقعة على قرب ملاصق لضواحي عدن، ومن هناك عمل على تنظيم عدد من العناصر التي يثق بها في منظمة (العاصفة) للقيام بعمل فدائي ضد المواقع البريطانية، ووفر للمجموعة المتفجرات والمسدسات.
وخلال عام 1958م أقدم أعضاء منظمة العاصفة على إلقاء المتفجرات على مطعم (ركس) في التواهي - في (مرينو هتيل) والقلعة والسينما في التواهي وعدن وفي معسكر (آرم بوليس) الشرطة المسلحة، وقرب أنابيب البترول في منطقة عدن الصغرى، إلا أن السلطة البريطانية سرعان ما تمكنت من اعتقال صالح عبدالرزاق، وعبدالحافظ ثابت نعمان - والذي كان همزة الوصل بين العناصر الفدائية وقائد المنظمة - وزميل لهما ثالث، على حاجز رقم (6) أثناء قدومهم من (دار سعد) إلى عدن. كما تمكنت أجهزة المخابرات البريطانية (من العرب) من الوصول إلى مكان المتفجرات، وقدم الثلاثة إلى المحاكم التي أصدرت حكماً بسجن عبدالحافظ ثابت نعمان لمدة عامين ونصف مع وقف التنفيذ -باعتباره صغير العمر- كما حكمت على الاثنين الآخرين بالسجن لمدة عشر سنوات(9) ورغم قصر تلك التجربة التي قمعت في بدايتها، فقناعة الأستاذ / محمد عبده نعمان ظلت تؤكد أن تحرير الجنوب لن يتأتى إلا بالكفاح المسلح، فعمل على تكوين تجمع آخر برئاسته تحت اسم (هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل) وكان مقره مدينة البيضاء، وانضم إليه عدد من الشخصيات الوطنية التي أجرت اتصالات مع حزب الشعب الاشتراكي ورابطة أبناء الجنوب للمشاركة أو التنسيق في عملية الكفاح المسلح، ولم يستجب الحزبان، وعملت هيئة تحرير الجنوب للحصول على مساعدات من خلال وفد يمثلها زار عدداً من البلدان العربية، غير أنه لم يحصل إلا على وعود، عدا مصر، وبعد مقابلة مع الرئيس جمال عبدالناصر قدمت كمية من الأسلحة وصلت إلى ميناء الحديدة عام 1960م. لكن النظام الإمامي صادرها، إذ لم تكن سياسة الإمام أحمد جادة في تحرير الجنوب.
4- رصد المخابرات البريطانية لتحرك الثوار وفقاً لتقاريرها

يكتب التاريخ أو يروى بحقد أو بحب يترعرع من ثنايا الحقيقة، الحاقدون، وهم قلة ينجرون إلى منطق العملاء يقللون من انطلاقة ثورة 14 أكتوبر، قالوا عنها أنها تمرد قبلي ولا تعدو كونها معركة اندلعت بالصدفة التقطت الجبهة القومية نبأها وأصدرت بياناً أدعت فيه انطلاقة ثورة 14 أكتوبر.
لكن الحقيقة تأتي من أفواه أولئك الوطنيين الذين يهمهم أن لا يشوه حبهم، حب الوطن، حين هبوا يدافعون عنه، ويحرروا الجزء المحتل منه، وهم لهذا يرون من واقع مشاركتهم في أول معركة انها انطلقت من جبال ردفان، انها انطلقت لتشعل الشرارة الأولى للثورة، ويرون تفاصيل خلفيتها أنها تفاصيل المعركة الأولى.
من هذا المنطلق لا بد أولاً من الاطلاع على تحركات الثوار في تقارير المخابرات البريطانية، وهي التقارير التي حصل عليها المؤرخ اليمني الأستاذ / سلطان عبده ناجي ونشرها في كتابه (تاريخ اليمن العسكري).
1- عام 1963م :
أن آل قطيب وآل محلا تدعمهم الأسلحة والذخيرة من اليمن (الجمهوري) وأعداد كبيرة من رجال قبائل ردفان، قد أعلنوا العصيان على الحكومة الاتحادية في منطقة جبال ردفان. ويقدر عدد المقاتلين في الوقت الحاضر بـ (200) رجل.. ويتفاوت هذا العدد بين يوم وآخر. وهناك حوالى (1000) من رجال القبائل المسلحين في المنطقة لم ينخرطوا معهم بعد، إلا انه يتوقع بأن أعداداً كبيرة منهم ستدعمهم. إن أقل سلاح بحوزتهم هي البنادق والذخيرة. وكثيراً منهم يحملون البنادق الأوتوماتيكية والقنابل. وقد بلغنا بأنهم قسموا قواتهم إلى قسمين: قسم منها يقوم بالضرب على المراكز الحكومية (والمواطنين) والقسم الآخر بإقلاق أمن طريق عدن - الضالع.
2- الأهداف القبلية :
أ - لا شك أن هدفهم هو أن يظهروا لليمن (الجمهوري) مقدرتهم كزعماء للمنشقين في (الجنوب اليمني المحتل) ليطلبوا بذلك دعماً أكثر لنشاط المنشقين. فبدون ذلك الدعم لن يستطيعوا أن يكسبوا إلا طاعة قليلين من رجال القبائل. وإذا استطاعوا أن يحققوا أهدافهم المباشرة فسيعودون إلى اليمن حتى تهدأ الأمور ثم يعودون لإثارة مشاكل أخرى من جديد. ويظهر أن الكبسي، قائد لواء إب، هو الذي يساعدهم بالذات في اليمن (الجمهوري).
ب- رجال قبائل ردفان :
إن قبائل ردفان المنشقة في الوقت الحاضر هي :
(1) القطيبي (خاصة الصهيفي والغزالي والواحدي).
(2) المحلاءي.
(3) العبدلي.
(4) الداعري (بعض منهم).
(5) الحجيلي (معظمهم).
(6) البطري (معظمهم).
وبصرف النظر عن المنشقين الصلبين الذين سيحاربون مهما كان الأمر، فإن معظم رجال القبائل لا يدعمون آل قطيب وآل محلا إلا بما يحصلون عليه من الأسلحة والذخيرة والنقود. وهم متأثرون بدعم اليمن (الجمهوري) لهم.
وأما القبائل التي لم تلتزم بدعمهم بعد فهي منتظرة لترى ما ستفعله الحكومة الاتحادية وذلك قبل أن تقرر الميل مع هذا الجانب أو ذاك. إن صمت الحكومة لهو في صالح المنشقين. إن الدعم على أية حال ليس بالإجماع بين أولئك الذين هم مستعدون أن يحاربوا مقابل الأسلحة والنقود. إن أي عمل حكومي قوي سيقلل كثيراً من اتباع المنشقين.
جـ - الدعم اليمني (الجمهوري) :
يقدم اليمنيون (الجمهوريون) دعماً كبيراً بالإضافة إلى الأسلحة والذخيرة التي تعطى عادة لرجال القبائل الذين خدموا لمدة أربعة أشهر مع الجيش الجمهوري. ويعتقد أن المصريين هم الذين يشجعون هذا الدعم أكثر من الجمهوريين الذين يظهر أن سياستهم نحو محمية عدن قد فقدت اتجاهها. ومن المعروف أن المرتجى، القائد المصري الجديد في صنعاء، يحبذ العمل داخل محمية عدن الغربية بعيداً عن الحدود حيث يمكن للقوات الاتحادية الرد هناك بالمثل على الحوادث التي تحدث بين آونة وأخرى. إن نشاط المنشقين الحالي في ردفان، رغم قيام الاحتمال في أنه لم يكن للمصريين يد في مباداته فإنه قد شجع كثيراً بواسطة إمداداتهم من الأسلحة والذخائر. ويتوقع أن تستمر هذه الإمدادات بل وأن تزداد في المستقبل.
3- زعماء المنشقين :
ثم يذهب التقرير يعدد اثنى عشر زعيماً للمنشقين بما فيهم محمد غالب لبوزة أخو الشهيد راجح بن غالب لبوزة.
4- أسلحة المنشقين :
وبغض النظر عن مختلف المجموعات من البنادق التي يمتلكها عادة رجال القبائل، ففي حوزة المنشقين البنادق الآلية ونصف الآلية والمورترز والألغام والقنابل.
هذا ومن موجز تقارير المخابرات البريطانية في الفترة ما بين 14 أكتوبر و27ديسمبر1963م، سنخرج بصورة أكثر تفصيلاً عن كيفية تجمع الثوار واستعداداتهم للمعارك الكبرى مع القوات البريطانية في مطلع عام 1964م. وهذه ترجمة لبعض تلك الأجزاء من تلك التقارير خلال فترة أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 1963م :
* 16 أكتوبر 1963م : بلغنا أن زعماء المنشقين يطالبون بإلحاح في تعز للحصول على الأسلحة لكي يستخدموها ضد دورياتنا في وادي (المصراح) ويقوم الكبسي، بدعمهم بقوة.
* 6 نوفمبر 1963م : بلغنا أن عدداً من المنشقين قد عادوا إلى محمية عدن الغربية بهدف تجنيد (3000) مقاتل لخدمة الجمهورية في اليمن. وقد أحضروا معهم (5) صناديق من الذخيرة و (25) قنبلة يدوية. وقد نقل بعضهم عائلاتهم من منطقة المحلاي إلى منطقة الداعري حيث يعتقد أنهم سيقومون بحملاتهم التجنيدية هنالك. وقد استمرت هذه الحملة خلال شهري نوفمبر وديسمبر وكانت ناجحة للغاية. وقد بلغنا أنها قد أرضت المصريين كثيراً. كما بلغنا أيضاً أن رجال القبائل منذ ذلك التاريخ قد بدأوا بنقل عائلاتهم إلى اليمن (الجمهوري) وذلك لتوقعهم انفجار الموقف في ردفان.
* 1 ديسمبر 1963م : بلغنا أن بعض المنشقين كانوا يقومون بمفاوضات مع القبائل بهدف تجميد الثارات القبلية وذلك لكي يتمكنوا من تجنيد المقاتلين للخدمة في اليمن (الجمهوري) وكذلك من توحيد القبائل للقيام بنشاط تمردي عندما يحين الوقت .. وقد استطاعوا عقد اتفاقيات بين القبائل التالية :
- العبدلي والبعطئي
- الداعري والمحلاءي
- آل شيخ وحالمين
- البطري والقطيبي
- الضنبري والقطيبي
ويعتقد أن كثيرين من رجال القبائل قد غادروا إلى اليمن (الجمهوري).
* 4 ديسمبر 1963م : بلغنا أن (80) قطيبياً قد وصلوا إلى قعطبة في طريقهم من صنعاء، وأن في حوزة معظمهم بنادق أوتوماتيكية، والجميع يمتلكون بنادق من الأصناف الأخرى.
* 5 ديسمبر 1963م : بلغنا أن (90) محلائياً وعبدلياً وداعرياً قد عادوا إلى قبائلهم بالبنادق والقنابل.
* 6 ديسمبر 1963م : بلغنا أن (40) قطيبياً وضنبرياً قد عادوا إلى قبائلهم.
* 7 ديسمبر 1963م : بلغنا أنه في الثالث من ديسمبر قد وصل إلى قعطبة (110) بطرياً وقطيبياً في طريقهم إلى بيوتهم وكان كل واحد منهم يحمل بندقيتين وكمية من الذخيرة مقابل خدماته مع الجمهورية.
* 9 ديسمبر 1963م : بلغنا أن أحد زعماء المنشقين قد استلم (25) صندوقاً من الذخيرة ومجموعة من القنابل من اليمن (الجمهوري).
* 10 ديسمبر 1963م : بلغنا أن (150) عبدلياً قد عادوا من اليمن (الجمهوري) وبحوزتهم مختلف الأسلحة وأن كل واحد منهم كان يحمل قنبلتين.
* 12 ديسمبر 1963م : نقل أحد زعماء المنشقين عائلته إلى قعطبة وقد رتب اجتماعاً في (وحدة) مع آل قطيب الذين عادوا مؤخراً من اليمن (الجمهوري).
* 16 ديسمبر 1963م : بلغنا أن بعض زعماء المنشقين يقومون بتوزيع الألغام من أجل استخدامها في طريق الضالع - عدن.. وفيما بين الساعة الثانية والثالثة صباحاً أطلق (50) شخصاً النار على مركز (الثمير) و (الحبيلين) وبيت النائب ومساعده الضابط السياسي.

مساء 16/17 ديسمبر 1963م :
حاول (30) قطيبياً تدمير مضخة النائب بينما تجمع (40) آخرون لإطلاق النيران على بيته، وعليه إن هو حاول الخروج منه، وقد تبودلت النيران بين الجانبين.
مساء 17/18 ديسمبر 1963م :
أطلقت النيران على مركز (الثمير).
18 ديسمبر 1963م :
( أ ) أطلقت النيران على دورية من جيش الاتحاد النظامي من على بعد 350 ياردة وهي في طريقها للتحقيق في منطقة (الثمير).
(ب) إن الجماعة التي كانت تقوم بإطلاق النيران كل ليلة على (الثمير) قد عرفت هويتها الآن وبأنها من العبدلي والمحلاءي والحجيلي والقطيبي.
20 ديسمبر 1963م :
أطلقت النيران على (الثمير) الساعة9.30 .
21 ديسمبر 1963م :
( أ ) بلغنا أن القائد المصري في اليمن (الجمهوري) كان يحبذ اتخاذ موقف أكثر عدائية في الجنوب بما في ذلك التخريب (وقد بلغت إلى مسامعنا هذه الإشاعات بواسطة مصادر أخرى قبل أسبوعين) وبلغنا أن أحد زعماء المنشقين كان ينوي البقاء في ردفان حتى يرى مدى المعارضة. إن الشعور العام هو أنه ما لم تبادر الحكومة الاتحادية إلى اتخاذ إجراءات سريعة ضد المنشقين بالقوة فإن القبائل المحايدة ستنضم إلى جانبهم.
(ب) بلغنا أن المنشقين قد قسموا قواتهم إلى قسمين: قسم يشتبك مع المراكز الحكومية والقسم الآخر يتدخل في سير المواصلات في طريق الضالع - عدن.
(جـ) يقدر عدد المسلحين من رجال القبائل في ردفان بـ (1000) رجل مسلحين بالبنادق، بعضها أوتوماتيكية، والقنابل، وأما عدد الملتزمين بالقتال مع المنشقين فهم حوالى (200).
( د ) بلغنا أن الدعم مستمر من اليمن (الجمهوري) والاحتمال أنه يقدم بواسطة الكبسي الذي كان موجوداً في قعطبة، وقد طلب أحد زعماء المنشقين من الجمهورية العربية اليمنية أن تعفى من الخدمة بعض رجال القبائل لكي يقاتلوا معهم، ووعدوا بتقديم البديل لهم فيما بعد.
22 ديسمبر 1963م :
الساعة (6.30 - 8.00): أطلقت النيران على مركز الثمير من جبل طاز من على بعد (900) ياردة.
24 ديسمبر 1963م :
( أ ) وزع أحد زعماء المنشقين (50) قطعة من الذخيرة بين رجال قبائل ردفان ووعد بتقديم المزيد عند الحاجة. وقد بلغنا أن آل قطيب وآل محلاى قد استلموا رسالة من الكبسي يخبرهم فيها بأن يستمروا في إطلاق النيران على المراكز الحكومية وعندما يأتون إلى اليمن (الجمهوري) بأن يحضروا أشخاصاً مهمين معهم.
(ب) أرسل أحد زعماء المنشقين في يافع رسائل إلى قبائل ردفان يقترح فيها عقد صلح بين ردفان ويافع على أساس أن تبقى طريق وادي تيم مفتوحة. لا يوجد هناك ما يدل على تقديم مساندة فعالة من قبائل يافع لقبائل ردفان، إلا أن هذا يجب أن لايسقط من الحسبان فيما لو تفجرت العمليات قرب وادي بنا.

25 ديسمبر 1963م :
بلغنا أن أربعة ضباط مصريين قد ذهبوا إلى قعطبة وقاموا بتفتيش المواقع العسكرية والمعدات هناك، وقد نقلت بعض المدافع إلى جبل مريس (ويحتمل أن يكون هذا استعداداً لما يحتمل أن تقوم به الحكومة الاتحادية من ردع ضد قعطبة بسبب دعم اليمن (الجمهوري) للمنشقين في ردفان، كما يمكن أن يكون استعداداً لضرب الثوار في لواء إب الذين استطاعوا تحقيق بعض النجاح هناك قبل بضعة أيام، وأياً كان الأمر فإن وجود المصريين في قعطبة جدير بالاهتمام) (11).
عارضت الحكومة البريطانية هذه التوصيات، بل ورفضتها تماماً، جاء ذلك في خطاب وزير المستعمرات أمام مجلس العموم البريطاني في 11/7/1963م بقوله: (إن الحكومة البريطانية تعتبر التقرير مغرضاً وغير دقيق، وأن التوصيات التي تقدمت بها اللجنة غير مقبولة، وترفضها الحكومة البريطانية جملة وتفصيلاً) ومع ذلك أقرت لجنة تصفية الاستعمار النتائج التي توصلت إليها اللجنة الفرعية، ورفعتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم الاقتراع عليها في شهر ديسمبر 1963م، وأصدرت قرارها برقم (1949) في 11ديسمبر من نفس العام، واعتمد القرار تقرير اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار وقرارات اللجنة الفرعية وتوصياتها، وأعربت الجمعية العامة عن قلقها لتدهور الحالة في الجنوب والتي قد يؤدي استمرارها إلى اضطرابات خطيرة وإلى تهديد السلم والأمن الدوليين. وإلى جانب تأكيد قرار الأمم المتحدة على حق شعب الجنوب اليمني في تقرير المصير والتحرر من الحكم الاستعماري أشار إلى أن بقاء القاعدة العسكرية في عدن يخل بسلامة المنطقة، وأن سرعة إزالتها أمر مرغوب فيه.


5- التمهيد.. واتجاه الثورة لتحرير جـنوب اليمن

البدايات.. ومرحلة الإعداد :
قبل يومين من قيام حركة الثورة في شمال اليمن، وفي 24 سبتمبر 1962م، تصاعد النضال الوطني في عدن إلى أوجه حين تضامنت القوى الوطنية للتصدي للمشروع البريطاني في ضم عدن إلى بقية الكيانات تمهيداً لمشروع قيام الاتحاد العربي، فقد دعا المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي إلى الزحف إلى المجلس التشريعي الذي كان قد قرر عقد اجتماعات له لضم عدن إلى الاتحاد المزيّف، وتعرض عدد من قادة المؤتمر العمالي إلى الاعتقال من قبل الأجهزة البريطانية بهدف إفشال الزحف، غير أن الجماهير التي خرجت ملتهبة المشاعر في مظاهرات زحفت إلى مبنى السجن والمجلس التشريعي - الواقع على تل (تبة) في مدينة كريتر - قامت الشرطة والجنود البريطانيون بالمرابطة أسفل (التبة) للحيلولة دون وصول الجماهير إلى مبنى المجلس التشريعي واضطرت الإدارة البريطانية إلى استعمال الطائرات المروحية (الهيلوكبتر) لإيصال أعضاء المجلس التشريعي إلى المبنى بهدف إنجاز الاجتماع للموافقة على ضم عدن إلى الاتحاد، وقد عجزت القوات البريطانية عن إيقاف الزحف الشعبي بعد أن استعملت القنابل المسيلة للدموع بكثافة، فاتجهت إلى إطلاق النار على المتظاهرين.
وفي اليوم التالي الموافق 25 سبتمبر 1962م تواصلت الاضطرابات والمظاهرات وكانت حصيلة تلك المواجهة التي أطلقت عليها الصحافة يومها بـ(الثورة) استشهاد خمسة وجرح خمسة عشر واعتقال (120) من المتظاهرين(12). وتعرض للاعتقال عبدالله الأصنج ومحمد سالم علي وإدريس حنبلة.
وفي اليوم الثالث الموافق 26 سبتمبر 1962م انطلقت الثورة السبتمبرية من صنعاء لتصنع بداية الإعداد لامتداد الثورة باتجاه الجنوب، وما أن أعلن نداء الثورة الداعي للتطوع دفاعاً عن الثورة الوليدة حتى تدفقت من عدن في الأسبوع الأول أفواج من المتطوعين بلغ عددهم خمسة آلاف ثم ارتفع هذا العدد إلى عشرين ألفاً، حيث كانت قيادة الثورة قد فتحت معسكرات في تعز لتدريب المتطوعين وأطلقت عليهم اسم الحرس الوطني.
كما لبّى النداء آلاف من المقاتلين من أبناء ريف الجنوب وخاصة من أبناء ردفان والضالع ومن جميع أنحاء الوطن اليمني، وهكذا شكلت ثورة 26 سبتمبر قاعدة إسناد للحركة الوطنية في الجنوب، أحدثت متغيرات سمحت بتواصل حركة النضال الوطني وترابط أهدافها بشكل مباشر، فأصبحت ساحة الشمال ساحة لقاءات القوى الوطنية للدفاع عن ثورة سبتمبر، وخلفية لانطلاق النضال الوطني باتجاه الجنوب، وهي عملية تدخل في اتجاه الدفاع عن النظام الجمهوري كونها تتصدى للعدوان البريطاني وحكام الكيانات المحتمين به الذين ناصبوا الثورة ونظامها الجمهوري في شمال اليمن العداء وجعلوا من الجنوب منطقة تجمع للملكيين وقدموا لهم كل أشكال الدعم من سلاح وعتاد ومال، وأصبحت ولاية بيحان قاعدة انطلاق للملكيين لمواجهة الثورة ونظامها الجمهوري في الشمال.
بدأ بعض أعضاء من قيادة حركة القوميين بالتفكير بالكفاح المسلح ضد الإنجليز في مناطق الجنوب في أواخر الخمسينات(13). وفي عام 1961م كانت قيادة الحركة-المركزية- قد بلورت شعار الجبهة القومية كأداة عامة للنضال في أية منطقة أو أي إقليم في الوطن العربي، وكان الشعار اليساري السائد آنذاك في البلاد العربية هو شعار (الجبهة الوطنية أو الجبهة الشعبية أو الجبهة الوطنية المتحدة). في وقت كان مضمون النضال لدى حركة القوميين العرب مرتبطاً بالانحياز القومي، وعلى أساس أن الوطنية كانت تعبيراً نقيضاً في المفهوم القومي سياسياً وفلسفياً، واعتبار أن اليسار مُعادٍ للقومية، كما كان الفهم حين ذاك، وهو جوهر الخلاف الفكري والسياسي والذي كان يزخر به النضال الوطني على امتداد الساحة العربية، ومظهر من مظاهر الخلاف بين الفكر القومي عموماً من جهة والفكر اليساري (الشيوعي) من جهة أخرى، وكان من الطبيعي أن ينتقل ذلك الخلاف إلى الساحة اليمنية فتلتزم حركة القوميين العرب بمفهوم الجبهة القومية(14).
ومع امتداد تنظيم الحركة السري إلى الشمال تبلور مفهوم أهمية إسقاط النظام الإمامي وإحلال النظام الجمهوري بدلاً عنه، ليصبح الشمال جزءاً متحرراً من النظام الرجعي، وليشكل قاعدة نضال لتحرير الجنوب من الوجود الاستعماري البريطاني والحكام المحميين به، وبحكم الوجود الملموس للحركة فقد لعبت دوراً متميزاً من خلال أعضائها في الإطار العسكري والمدني في ثورة 26 سبتمبر 1962م بقيادة الضباط الأحرار، وبعد قيام الثورة ورغم تخلي مجموعة الضباط من أعضائها عن انتمائهم الحزبي، إلا أن الحركة لم تتخل عن تنظيمها كما فعل تنظيم الضباط الأحرار.. لقد استمرت في التوسع وتصعيد تأثيرها بين أوساط الجماهير، بما في ذلك الوسط العسكري من خلال أعضائها الذين انضموا إلى الحرس الوطني، وأصبحوا يحملون الرتب العسكرية المختلفة، أو زملائهم الذين التحقوا بالمؤسسات العسكرية أثناء تأسيس الجيش النظامي الحديث، ونجح فرع حركة القوميين في الشمال بترشيح المناضل قحطان محمد الشعبي كمسئول عن شئون الجنوب، ووجد ذلك الاقتراح استجابة لدى قيادة الثورة، وأصدر الرئيس عبدالله السلال قراراً عين بموجبه قحطان محمد الشعبي - عضو قيادي في الحركة - مستشاراً لرئيس الجمهورية لشئون الجنوب بدرجة وزير، وكان لذلك التعيين أثر بالغ في الدفع بتوجيه حركة القوميين العرب نحو تشكيل جبهة عريضة لتحرير جنوب اليمن(15).
في تلك الأثناء عقد عدد من ممثلي حركة القوميين العرب لقاءً تشاورياً في قرية (حارات) برئاسة قحطان محمد الشعبي، تم خلاله استعراض وتداول الأوضاع في ساحة اليمن، وبلورة تصور للمهام النضالية في الجنوب، وخرج ذلك اللقاء بتصور تضمن أهمية السعي إلى تشكيل جبهة عريضة، وانتهاج حرب التحرير الشعبية كأسلوب ملائم لتحرير جنوب اليمن وأن تجري بلورة مثل هذه المهام بين أوساط حركة القوميين العرب ومع كل القوى الوطنية الأخرى(16).
وأتاح وجود مكتب لشئون الجنوب بصنعاء برئاسة قحطان الشعبي مجالاً واسعاً للاتصال بأبناء الجنوب، أكانوا من أولئك الموزعين في مختلف مناطق القتال من المتطوعين الذين انضموا إلى الحرس الوطني، أو الذين يتوافدون تباعاً إلى تعز وصنعاء، أو من الذين تواجدوا على ساحة الشمال قبل الثورة بسنوات والتحق الكثير منهم بتنظيم حركة القوميين العرب.
لقد كان مكتب شئون الجنوب مركز تجمع واتصال ولقاءات ونقاش بين الفئات الوطنية حول أهمية توحيد القوى الوطنية وتحرير جنوب اليمن، وتوصلت تلك الجهود إلى عقد اجتماع عام في 24 نوفمبر 1962م في دار السعادة - بصنعاء - حضره المئات من أبناء الجنوب وعناصر بارزة في قيادة الحركة الوطنية في الجنوب ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، بمن فيهم ممثلو حزب الشعب الاشتراكي الذي كان قد فتح له مكتبين في تعز وصنعاء، وكان قد وصل إلى مكانة مؤثرة لما تميز به من سعة قاعدته الشعبية(17) في عدن بحكم سيطرة قيادته على المؤتمر العمالي، وكان عيدروس القاضي ممثلاً له في اجتماع دارالسعادة الموسع، والذي كان لا يقل عن مؤتمر عام، لسعة عدد حاضريه وتنظيمه، وخرج ذلك الاجتماع بتشكيل لجنة تحضيرية برئاسة قحطان الشعبي وعضوية كل من الشيخ / ناصر السقاف، الشيخ / عبدالله المجعلي، محمد علي الصماتي، ثابت علي منصور، الرائد / محمد أحمد الدقم، بخيت مليط، أحمد عبدالله عولقي، عيدورس حسين القاضي، علي محمد الكاظمي وعبدالله محمد الصلاحي.
أعدت اللجنة ميثاقاً وطنياً لتشكيل جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل.. وفي 5 مارس 1963م عقد اجتماع أقر فيه ميثاق وطني تضمن شعاره من«أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية» وأدان الميثاق الاتحاد الفيدرالي المزيف في الجنوب وحذر من مخططات الاستعمار الذي يسير نحو منح الاستقلال الشكلي وقيام دولة الجنوب العربي الانفصالية المتآمرة على وحدة اليمن واستقلاله وازدهاره.
وأكد الميثاق على ضرورة إقامة جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل وشن حرب تحرير ضد الإنجليز حتى النصر والاستقلال، وبضرورة تحقيق الوحدة اليمنية بعد تحرير الجنوب، وعدم الاعتراف بالأشكال الدستورية التي تفرضها بريطانيا، وتصفية القواعد العسكرية، وإنهاء الوجود البريطاني، وعدم الاعتراف بأية معاهدة فرضتها بريطانيا على المنطقة، وأية امتيازات حصلت عليها لاستغلال ثروات المنطقة -وحدد نهج النضال المسلح لتحرير الجنوب - ومن الأهداف أيضاً أن تنفتح الجبهة على كل القوى الوطنية وتوحيدها وإعدادها لخوض المعركة - في إطارها - وجاء في الميثاق أن من مهام الجبهة الدفاع عن ثورة سبتمبر، واعتبر الجمهورية العربية المتحدة (مصر) قاعدة النضال التحرري العربي، وعليها تقع مسئولية مساندة حركة التحرر في الجنوب، وجاء في نهاية الأهداف: الإيمان بالوحدة العربية والعمل على قيام الوحدة العربية(18). وأذيع البيان من إذاعتي صنعاء وتعز. (نص البيان في قسم الوثائق).
بادر فرع حركة القوميين العرب في عدن بقيادة فيصل عبداللطيف الشعبي، فأصدر بياناً شجاعاً يؤيد فيه ميثاق الجبهة وتشكيلها، ويؤيد ما أقدمت عليه القوى الوطنية في صنعاء، ويوضح الكثير من جوانب القضية الأساسية المتعلقة بتحرير الجنوب اليمني، وأهمية التحالف السياسي والنضالي بين مختلف القوى الوطنية اليمنية، وضرورة إنجازها وكذلك أن تكون مهام الجبهة الأساس هو تحرير الجنوب من المستعمر، وترافق صدور ذلك البيان مع البدء بدفع قياديي الحركة البارزين في عدن بالتوجه إلى تعز وصنعاء وعقد الاجتماعات مع زملائهم في الشمال - حركة وجبهة - لوضع الصورة النهائية لتشكيل الجبهة وتحديد نوع كوادرها، وكان من أهم تلك الاجتماعات هو الاجتماع المشترك لقيادة فرعي الحركة، شارك فيه من فرع الجنوب، فيصل عبداللطيف الشعبي، قحطان محمد الشعبي، طه مقبل، أحمد علي السلامي، سيف أحمد صالح الضالعي، عبدالفتاح إسماعيل، وسالم زين محمد، ومن قيادة فرع الحركة في الشمال حضر اللقاء عبدالقادر سعيد أحمد طاهر، وعبدالرحمن محمد سعيد، وعبدالحافظ قائد.. وقف المجتمعون مطولاً أمام كل التطورات الجارية على الساحة اليمنية وعلى المستوى العربي والدولي، وتحديد الوضع على ساحة اليمن في جانبه السياسي والعسكري على خارطة تلك التطورات، وكما تم اختيار الجانب الحزبي في التشكيل القيادي للجبهة، وهو مااتفق على تسميته آنذاك بالمجلس التنفيذي(19) بزعامة قحطان الشعبي على أن يتولى منصب الأمين العام للجبهة.
وبينما كانت جهود اللجنة التحضيرية تبذل في سبيل تشكيل الجبهة، فجأة رفضت قيادة حزب الشعب الاشتراكي قيام الجبهة تحت مبرر أن من يريد أن يشارك في المعركة عليه الانضمام إلى حزب الشعب الاشتراكي، مما أدى باللجنة التحضيرية إلى أن تقدمت بمذكرة إلى الرئيس عبدالله السلال حملها ممثلون عن حركة القوميين العرب، وقطاع القبائل والجنود والضباط الأحرار، يطالبون بفتح مكتب للجبهة، وحظي طلبهم بموافقة الرئيس، وأمر بإغلاق مكتب حزب الشعب الاشتراكي، إلا أن ذلك القرار واجه معارضة من بعض الشخصيات القيادية في السلطة من أنصار حزب الشعب الاشتراكي، وحزب البعث، ولم تتمكن الجبهة من فتح مكتب لها، ورغم الصعوبات لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد وضعت حركة القوميين العرب ثقلها في تشكيل وإعلان الجبهة ونجحت في عقد اجتماع آخر في 19 أغسطس 1963م، حضره ممثلون عن سبع فصائل وتنظيمات سياسية وقبلية هي :
1- حركة القوميين العرب.
2- الجبهة الناصرية.
3- المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل.
4- الجبهة الوطنية.
5- التشكيل السري للضباط الأحرار.
6- جمعية الإصلاح اليافعي.
7- تشكيل القبائل.
ثم انضمت بعد التأسيس ثلاث منظمات هي منظمة الطلائع الثورية في عدن، منظمة شباب المهرة، المنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.
أعلن اجتماع أغسطس 1963م قيام الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، ونقلت الجبهة موقع نشاطها إلى تعز حيث كان لحركة القوميين العرب قاعدة وشعبية عريضة، تتمتع بنفوذ واسع، وفي تعز تجمع مئات من أبناء الجنوب والذين كانوا قد انضموا إلى الحرس الوطني وتلقوا تدريبات سريعة .. ونقلوا إلى جبهات القتال للدفاع عن الثورة والجمهورية، وكانوا يحتفظون بأسلحتهم.. وفي أغسطس 1963م عقد اجتماع موسع في تعز حضره ممثلو الأحزاب والتنظيمات وتشكيل القبائل(20) وخرج ذلك الاجتماع بتغيير اسم جبهة التحرير إلى الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، وأعلنت أن حركة النضال التي نؤمن بها هي الكفاح المسلح حتى الاستقلال الكامل لجنوب اليمن، وتم اختيار مجلس تنفيذي لقيادة الجبهة.
وفي تلك الأثناء انتقل ثلاثة من ممثلي حركة القوميين العرب إلى القاهرة، وهم أعضاء الأمانة العامة جورج حبش ومحسن إبراهيم وهاني الهندي، حيث التقوا بالرئيس جمال عبدالناصر، وطرحوا عليه موضوع الكفاح المسلح وتشكيل الجبهة القومية، واستجاب الرئيس جمال عبدالناصر لدعم الكفاح المسلح بقيادة الجبهة القومية، وعملت القيادة المصرية في صنعاء على فتح مكتب لجهاز يشكل من الضباط والخبراء ليتولى مهام تدريب وتسليح الثوار، اعترض حزب الشعب الاشتراكي على نهج الكفاح المسلح فقد كان وقتها يتمتع برصيد شعبي كبير في عدن، وكان أعضاء قيادته هم قادة المؤتمر العمالي، وله علاقات خارجية واسعة على المستوى العربي والدولي، رغم أن تأثيره لم يخرج عن نطاق عدن إلى الريف شأنه في ذلك شأن معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى، وكان لحزب الشعب الاشتراكي دور بارز في التصدي لإعلان دمج عدن في الاتحاد الفيدرالي في 4/3/1963م، كما وأنه تصدر لمقاطعة انتخابات المجلس التشريعي في سبتمبر 1964م، ولو خاضها لسيطر على أغلب مقاعده.
لقد خشيت قيادته، برئاسة عبدالله الأصنج، ذوبان الحزب في إطار الجبهة القومية في حالة انضمامه إليها، لذا كان طرحها بأن أي شخص يريد المشاركة في الكفاح المسلح عليه الانضمام إلى حزب الشعب الاشتراكي أولاً، باعتباره يملك أكبر رصيد شعبي وأول من فكر فيه، وأن الجبهة القومية سرقت مبادرته، وأن نائب رئيس الحزب محمد سالم علي، وعبده خليل سليمان، زارا الصين والاتحاد السوفييتي في مارس 1963م واتفقا مع القيادة الصينية على تدريب (13) عضواً من أعضاء الحزب ليتولوا تدريب الآخرين بعد عودتهم، وأن الاتحاد السوفييتي رفض تقديم السلاح، وتضيف قيادة الحزب: وأن نفس الوفد مضاف إليه رئيس الحزب، وعلي حسين القاضي رئيس المؤتمر العمالي، زار القاهرة في نفس الشهر والتقى بالرئيس جمال عبدالناصر، وتم الاتفاق على فتح مكتب للحزب في القاهرة - فتح في مارس 1963م - وأن الرئيس عبدالناصر طرح عليهم بإرسال العناصر التي ستتدرب في الصين إلى القيادة العسكرية في صنعاء لتدريبهم، ولكن الموقف المصري اختلف، وعندما تساءلوا عن السبب وجدوا الرد لدى الأستاذ / محمد حسنين هيكل الذي أخبرهم أن قيادة حركة القوميين العرب أقنعت الرئيس جمال عبدالناصر، بدعم الجبهة القومية بالسلاح والمال ووافق عبدالناصر على تقديم السلاح لقحطان الشعبي لإقلاق الإنجليز(10) ورغم هذا رفضت قيادة حزب الشعب الاشتراكي الكفاح المسلح.
شعرت بريطانيا بعد قيام الثورة في الشمال اليمني بالخطر الجدي على مصالحها في جنوب اليمن فسارعت إلى وضع الترتيبات لضم عدن إلى اتحاد الجنوب العربي فشكلت في يناير 1963م حكومة برئاسة حسن بيومي، رئيس الحزب الوطني الاتحادي، لعدن تمهيداً لذلك.
لقد أراد الإنجليز بذلك خلق حكومة اتحادية تضم عدن والسلطنات والإمارات والمشيخات، ومنحها استقلالاً شكلياً، تجعل من خلاله البرجوازية التجارية في عدن، والسلاطين والأمراء وبقية حكام المنطقة، قوة من شأنها أن تضمن مصالح بريطانيا والإبقاء على قواعدها العسكرية في عدن، وفق خطة دستورية تقطع الطريق أمام القوى الوطنية، ومطالبة الجمهورية العربية اليمنية بالجنوب باعتباره جزءاً من اليمن، والالتفاف على الاتجاه الدولي في الأمم المتحدة إلى عقد لقاء حضرته الأطراف المعنية بالجنوب للمثول أمامها في ابريل 1963م.
وكان مندوب من الحكومة البريطانية قد حضر ذلك اللقاء إلى جانب عدد من ممثلي الأحزاب ومندوب حكومة الجمهورية في الشمال، وحكومة الاتحاد في الجنوب، وفي ذلك اللقاء، تعددت المواقف المختلفة، فبينما طالب شيخان الحبشي أمين عام رابطة أبناء الجنوب (بإنهاء الاستعمار البريطاني وحصول المنطقة على الاستقلال، وإطلاق الحريات وإلغاء قرارات النفي والإبعاد، وإجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة) استنكر محمد علي لقمان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدستوري (ربط عدن بالاتحاد للفروقات العديدة من النواحي الإدارية والعمرانية، و الحقوق العامة، وطالب بمنح الحكم الذاتي لعدن) أما ممثل حزب الشعب الاشتراكي المحامي / سعيد صبحي فقد ركز في حديثه (بأن عدن والمحميات جزء لا يتجزأ من اليمن، وعلى اللجنة أن تقرر ضم هذه المنطقة إلى اليمن وإلغاء الاتحاد الفيدرالي والمجلس التشريعي).
وكانت وجهة نظر حكومة الاتحاد ممثلة بوزير خارجيتها محمد بن فريد العولقي (تأكيده بأن المعاهدة التي عقدت بين بريطانيا وحكومة الاتحاد كانت باختيار السكان والأمراء .. وأن الاتحاد يتمتع بالاستقلال التام ما عدا الشئون الخارجية فقد تركت لبريطانيا. ونفى أن يكون لليمن أي حق بالمطالبة بهذه المنطقة). وأبدى مندوب الشمال احتجاج الجمهورية العربية اليمنية (على إقامة بريطانيا لاتحاد الجنوب العربي ووصفه بأنه وسيلة استعمارية للسيطرة على تلك الأقاليم، وطالب بعودة الجنوب إلى الوطن الأم). أما مندوب بريطانيا (فقد أكد على احتفاظ حكومته بسيادتها على عدن .. وأنها لا تزعم التخلي عن الالتزامات التي ارتبطت بها مع السلاطين وحكام المنطقة، وأن مطالبة اليمن بالمنطقة لا يستند إلى أي أساس).
وبالنسبة لأعضاء لجنة تصفية الاستعمار (فقد أكد مندوبا العراق وسوريا على وحدة ا ليمن وأبانا زيف اتحاد الجنوب العربي، وطالبا بانتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة) وأيدهما مندوبو الكتلة الشرقية ومجموعة الدول الآسيوية والأوروبية ضد بريطانيا، وخاصة فيما يتعلق بإرسال لجنة تقصي الحقائق.
تمخض قرار لجنة تصفية الاستعمار حول الحالة القائمة في الجنوب باعتراف اللجنة بحق تقرير المصير لسكانه، وأوصت بأن تتاح للسكان فرصة التعبير عن مستقبلهم في ظل أوضاع تسودها الحرية والديمقراطية الصحيحة، وتشكيل لجنة فرعية تتولى زيارة المنطقة، إلا أن بريطانيا رفضت السماح للجنة بالدخول إلى عدن. فتحول اهتمامها لزيارة المناطق التي يتواجد عليها جماعات أو أعداد من أبناء الجنوب، فزارت صنعاء وتعز، و الرياض، وبغداد، والقاهرة، والتقت بأعداد منهم، وعادت في السادس من يونيو إلى نيويورك لتقدم تقريرها إلى لجنة تصفية الاستعمار، وأوصت في تقريرها (أن من حق الجنوب نيل حقه في تقرير مصيره، ولممارسة هذا الحق يجب أن يأخذ شكل استشارة تامة على أساس انتخابات عامة، كما يجب أن تلغي السلطات البريطانية جميع القوانين التي تقيد الحرية العامة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وعودة الموقوفين والمحكوم عليهم جراء أعمال سياسية، والسماح للمنفيين بالعودة إلى بلادهم، ووقف جميع الأعمال التعسفية ضد السكان وخصوصاً الحملات العسكرية، وإلقاء القنابل على القرى، وأوصى التقرير بإلغاء الأجهزة التشريعية، وأن تتخذ الإجراءات الضرورية لإحداث تغييرات دستورية بقصد إقامة مؤسسة تمثيلية وإنشاء حكومة لجميع المنطقة، وأكد التقرير أن وجود الأمم المتحدة أمر مرغوب فيه قبل وخلال إجراء الانتخابات التي يجب أن تبدأ قبل حصول المنطقة على الاستقلال، على أن تبدأ المفاوضات مع الحكومة التي ستشكل على إثر الانتخابات والحكومة البريطانية لتعيين يوم الاستقلال.
6- انطلاقة الثورة من ردفان واستشهاد البطل لبوزة

ما أن نقلت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل نشاطها إلى تعز لقربها من المناطق الجنوبية، ولم تكن الجبهة القومية بحاجة إلى تأسيس قاعدة لها، فقد تحول أعضاء كل الفصائل المؤسسة للجبهة القومية أعضاءً لها وعلى وجه الخصوص حركة القوميين العرب، التي كانت خلاياها منتشرة في عدن وأغلب مناطق ريف الجنوب، وإضافة إلى التفاف المئات من أبناء الجنوب من المؤيدين للكفاح المسلح حول الجبهة القومية بمن فيهم المقاتلون العائدون من جبهات الدفاع عن الجمهورية بعد أن سمح لهم بالانضمام إلى الجبهة بأسلحتهم الشخصية ليتم الاتفاق على عودتهم إلى المناطق مزودين بأسلحتهم الخفيفة تمهيداً للكفاح المسلح، وقد عاد المقاتل غالب راجح لبوزة إلى منطقة (ردفان) على رأس مجموعة من رفاقه المقاتلين من أبناء ردفان.. وكانت الإدارة البريطانية قد نصبت محمود حسن نائباً لمشيخة القطيبي، ضامنة ولاءه، ولما علمت السلطة البريطانية بعودة مجاميع من أهالي المنطقة أمرت بتسليمهم لأسلحتهم أو تعرضهم لدفع غرامة كبيرة، وهو ما جعل المقاتل لبوزة ورفاقه يلجأون إلى الجبال، كان بعض رفاق لبوزة يسألونه عن بداية الكفاح المسلح، إلا أنه كان يرد عليهم (علينا أن ننتظر التعليمات) فقد كان الإعداد للعودة إلى الجنوب وإعداد مناطق تموين قريبة يجري على قدم وساق.
وفي أوائل أكتوبر تسلم المقاتل لبوزة رسالة إنذار من الضابط السياسي البريطاني المستر (ميلان) جاء مضمونها: (عليكم عدم العودة إلى الشمال حيث شاركتم في تأسيس الجبهة القومية -وأن عليكم وجماعتكم تسليم أسلحتكم- وإلا فستدفعون غرامات باهضة). وكان رد المناضل لبوزة على القوات البريطانية أن لا تتحرك ثلاثة كيلو مترات من معسكر "الحبيلين" ووضع في الرسالة طلقة رصاص، حملها إلى الحبيلين المناضل قاسم شائف، وفي الساعة الثالثة من بعد ظهر 13 أكتوبر وصل النبأ إلى وادي (دبسان) بأن قوات بريطانية تعززها المدافع الثقيلة تتقدم باتجاه (وادي المصراح) بقيادة الضابط السياسي المستر (ميلان) ويصطحبها النائب محمود حسن، وأكد النبأ المقاتل أحمد مقبل، والذي كان يقوم بعملية الاستطلاع، بإشارة تأكيد حينما قام بإطلاق عدة طلقات في الهواء.. وعلى الفور أدرك الثوار الإشارة فتحركت مجموعة المقاتلين يتقدمهم لبوزة إلى جبل (البدوي) رأس وادي المصراح (حيد ردفان) حيث وضع مع رفاقه خطة المواجهة، وفي 14 أكتوبر نزلت المجموعة بقيادة المناضل لبوزة إلى الوادي لصد القوات البريطانية المتقدمة حيث دارت معركة ضارية بينهم وبين القوات البريطانية -دامت أربع ساعات- من الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى الرابعة عصراً، أسفرت عن تراجع القوات البريطانية وإصابة المناضل لبوزة بثلاث شظايا ظلت جروحه تنزف منها حتى فارق الحياة. وفي مساء 14 أكتوبر 1963م أعلنت الجبهة القومية في بيان لها عن معركة ردفان بأنها انطلاقة لثورة التحرير(22) وأن المناضل لبوزة أول شهيد على طريق الحرية، ووجدت تلك العملية صدىً واسعاً وشكلت قناعة لدى القيادتين اليمنية في الشمال، والمصرية، بدعم الجبهة القومية وتقديم كل التسهيلات لنضالها، تحملت مصر أعباء دعم الكفاح المسلح والذي جاء وفق استراتيجيتها في مقاومة الاستعمار، ومدت الجبهة القومية بالمال والسلاح، وأولت عملية الإشراف والتدريب لجهاز متخصص من الضباط جعل من تعز مقراً له، وأطلقت مصر على عملية تحرير جنوب اليمن بعملية (صلاح الدين) فتحت الجبهة القومية مكتباً لها في تعز، ليصبح مقراً لأعضاء المكتب التنفيذي بزعامة قحطان محمد الشعبي والذي أوكل إليه قيادة مسار الجبهة القومية.

لبوزة مثل القبائل في الحوار لتشكيل الجبهة القـومية:
حول دوره وموقع عمله، أو انتمائه السياسي، أثناء قيام الثورة والتطورات التي حدثت، يقول العقيد الغزالي :
- عندما قامت ثورة 26 سبتمبر، كنت في الحقيقة صغيراً، ومجرد أن سمعنا نبأ قيام الثورة في صنعاء تحركنا ضمن فرقة من الشباب مشكلة من (35) شخصاً، مباشرة من ردفان إلى قعطبة ثم إلى تعز، وتلقينا هناك التدريبات على أساس التطوع في الحرس الوطني للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، حيث هب المتطوعون للانضمام إلى صفوف الحرس الوطني من مختلف مناطق اليمن، من الضالع، من ردفان، من يافع، ومن منطقة الفضلي، فكنا عبارة عن قوة متحركة، أو كتيبة ميدانية، تنتقل من منطقة إلى أخرى، نقاتل ونطارد فلول الملكيين للقضاء عليهم.

وعن التحضيرات المنظمة لتفجير ثورة 14 أكتوبر يضيف :
(شهدت صنعاء خلال تلك الفترة حوارات بين المنظمات الوطنية، وكان قحطان الشعبي عنصراً فعالاً داخل حركة القوميين العرب، والمسؤول عن شؤون الجنوب في القيادة اليمنية حينها، وهو الذي تزعم إدارة الحوار والمشاورات لدمج المنظمات الوطنية «السبع» في إطار الجبهة القومية، وكان أول أمين عام للجبهة القومية التي ضمت فيها سبع منظمات وطنية كانت من ضمنها تشكيلة القبائل، وقد مثلها في الحوارات الشهيد غالب راجح لبوزة، وشكل عمل ونشاط المنظمات السبع المقدمات الأولى للثورة، وهو عمل يمني محض، وجد من صميم واقع اليمن بشكل موحد، فصبت كل تلك المنظمات جهودها في النضال ضد المستعمر البريطاني بقوة المدفع والرشاش).

من جبل المحابشة الى ردفان:
وحول مدة بقائه في مناطق شمال الوطن مع زملائه المتطوعين في الحرس الوطني يقول:
(بقينا مدة 8 شهور ندافع عن الثورة ثم سُمح لنا بالعودة إلى ردفان مع أسلحتنا.. أما الفرقة الثانية والتي كان فيها المقاتل غالب بن راجح، فكانت قد طلعت بعد طلوع فرقتنا بحوالى ثلاثة شهور حيث انتقلت إلى إب ثم إلى الحديدة، ومن الحديدة إلى جبل المحابشة، وبعد سبعة شهور من مشاركتها في القتال ضد الملكيين أعداء الثورة عادت إلى ردفان، وبالتالي التحمت الفرق العائدة لأننا كنا في تنظيم واحد، وكان نشاطنا بما في ذلك مشاركتنا في الحرس الوطني دفاعاً عن الثورة متسقاً، واستمرت فرق المتطوعين تقاتل في مناطق الشمال حتى أثناء الكفاح المسلح، ففي 1966م كان المتطوعون من ردفان والضالع يقاتلون مع قوات الثورة دفاعاً عن النظام الجمهوري في صنعاء على الرغم من أن المعارك كانت أكثر ضراوة وبصفة مستمرة في ردفان ضد المستعمر الإنجليزي.
وفيما يتعلق بقصة انطلاق الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر من أعالي جبال ردفان قال العقيد قائد الغزالي :
(كان الضباط السياسيون البريطانيون قد رصدوا المتطوعين في تلك المناطق في الحرس الوطني، وسجلوا أسماءهم، ورفعوا التقارير عنهم إلى سلطات الاحتلال، وعندما عدنا إلى المنطقة من شمال الوطن بعد أن تشكلت الجبهة القومية، بدأنا ننظم وننشط في أوساط القبائل وكانت الجبهة القومية قد قررت أن تنطلق الثورة من ردفان نظراً لطبيعة المنطقة ولطبيعة ردفان الجبلية والتي يصعب على القوات البريطانية اختراقها، وبالتالي توفر حشد من الرجال الأقوياء في هذه المنطقة، مسلحين ومعتادين على القتال، ولأن منطقة ردفان سبق لها أن قامت بعدة انتفاضات ضد الاستعمار، هذه الشروط شجعت على اتخاذ قرار انطلاق الشرارة الأولى للثورة وأن يبدأ الكفاح المسلح وحرب التحرير من ردفان.

لكن ماذا حصل ؟؟
سؤال طرحه العقيد الغزالي، ثم أجاب عليه قائلاً :
(عندما عدنا إلى المنطقة ركز علينا الاستعمار، وبدأ يرسل إلينا الإنذارات الكتابية، هدد فيها بضرب منازلنا بالطائرات، وهدد بتقدم الجيش لهدم المنطقة، ومارس ضد العناصر العائدة من الشمال سياسة التهديد والوعيد، وكانت عودتنا مصادفة لمرور العيد الأول لثورة 26 سبتمبر، فاحتفلنا بها في ردفان حيث التف أبناء المنطقة حولنا التفافاً كبيراً.
وشهدت ردفان لأول مرة حشداً جماهيرياً كبيراً في الاحتفال، وألقينا الكلمات في الاحتفال بالعيد الأول لثورة سبتمبر أطلعنا فيها أبناء ردفان على حقيقة ثورة سبتمبر، وعلى القوات المتواجدة في مختلف محافظات الجمهورية بما فيها قوات عبدالناصر، وقلنا لهم أن الشعب اليمني أصبح قوياً ولا يمكن أن ينهزم بعد اليوم، وقد قام بتحرير شمال الوطن بمساعدة جيش عبدالناصر، وقلنا : الآن لا بد من قيام ثورة ضد المستعمر البريطاني في جنوب اليمن، ولازم نبدأ من هنا، من ردفان، فكانت الاستجابة كبيرة وواضحة من أبناء ردفان الذين أعلنوا وقوفهم حينها إلى جانبنا).

انطلاقــة الثــورة :
(بعد ذلك كتبنا رسالة إلى الضابط السياسي البريطاني الذي كان مرابطاً في المنطقة، رداً على الرسائل والإنذارات التي بعث بها إلينا يهددنا فيها بتهديم المنطقة، وقلنا له في الرسالة: (إننا على استعداد - إذا دخل الجيش البريطاني المنطقة - لمواجهته، ومقاومته بقوة الحديد والنار) وأرسلنا للضابط البريطاني (طلقة رصاص) داخل ظرف الرسالة، وفعلاً وصلت هذه الرسالة إلى الضابط السياسي البريطاني وكان حينها موجوداً في (الحبيلين - ردفان).
قام الضابط بدوره بإبلاغ سلطات الاحتلال البريطاني بمضمون الرسالة (ورفع تقريراً عن طبيعة التحركات في ردفان) وقال إن التحركات هذه المرة مختلفة عن كل التحركات التي كانت تشهدها المنطقة في السابق - هكذا كان الضباط السياسيون الإنجليز يرفعون معلومياتهم اليومية كما عثرنا عليها بعد الاستقلال- حيث كانوا يقولون فيها أيضاً ان التحركات السابقة لم يكن لها خلفية، ولهذا سهل قمعها، لكن اليوم تبدو الحركة منظمة ولها خلفية تعززها متمثلة بعبدالناصر الذي عزز اليمن بقواته واقتصاده، بعد ذلك تحرك الجيش البريطاني يوم 13 أكتوبر إلى منطقة (الجلة) في وادي المصراح.
بالنسبة لنا، بعد أن انتهينا من الاحتفال، قمنا بتكليف القرى والمناطق بالتواصل فيما بينها في حالات تحرك القوات البريطانية باتجاه المنطقة، وأن تكون لغة التخاطب بين القرى، هي الطلقات النارية، فإذا بدأ الجيش بالتقدم نطلق رصاصة حمراء وإبلاغ القرى المجاورة والمقاتلين من خلالها بتحرك المستعمر، وفعلاً حدث هذا ابتداءً من أول قرية مجاورة لمنطقة (الجلة) وتواصل النبأ من خلال إطلاق الرصاص حتى وصل إلى المقاتلين في وادي (دبسان) حيث كنا مرابطين مع الشهيد راجح، فحشدنا جميع المقاتلين المتواجدين، وتحركنا مباشرة إلى جبل (البدوي) المطل على وادي (المصراح).

لبوزة أول شهيد :
في وادي (الجلة) كان الجيش البريطاني قد أخذ أحد الأخوة المقاتلين من الشمال مع سلاحه عن طريق الخديعة، وعاد في نفس اليوم إلى منطقة (الحبيلين) فتحركنا نحن مساء نفس اليوم وتوزعنا على قمم الجبال المطلة على وادي (المصراح) وفي صباح يوم 14 أكتوبر كنا قد أخذنا مواقعنا في الجبال والاستعداد لصد الجيش البريطاني بمجرد محاولته الدخول إلى المنطقة، وفعلاً بدأنا نشاهد بعد الساعة الثامنة صباحاً تحرك بعض الآليات العسكرية من الحبيلين في اتجاه وادي (المصراح) وعندما وصل الجيش البريطاني إلى الوادي بدأ الاشتباك بيننا وبين جيش المستعمر واستطعنا أن نهزمه على الرغم من عدم تكافؤ المعركة، وتمكنا في ذلك اليوم من الاستيلاء على المنطقة وعلى بعض المعدات التي خلفها المستعمرون بعد تراجعهم القهقري يجرون أذيال الهزيمة، إلا أنه بعد شعورهم بمرارة الهزيمة استعانوا بالمدفعية من العمق وبدأت المدفعية البريطانية تقصف جبل (البدوي) الذي كان فيه راجح لبوزة الذي سقط من جراء القصف مساء 14 أكتوبر كأول شهيد للثورة.
وفي الساعة السادسة من يوم 14 أكتوبر أنزل الجيش البريطاني إنذاراً للمواطنين حدد فيه منطقة ردفان كاملة منطقة عسكرية وسمح لمن يقف إلى جانب القوات البريطانية بسحب عائلاتهم وممتلكاتهم ويخرجون من منطقة ردفان إلى منطقة الحبيلين، فأدركنا ذلك، وسارعنا بتنظيم وتوزيع فرق المقاتلين على الجبال خوفاً من محاولة اختراق المنطقة من قبل القوات الاستعمارية، والاستيلاء على المرتفعات، وأصرينا على القتال والمواجهة وصد المستعمر، وتمكنا من اكتشاف بعض العملاء الذين اشتغلوا في البداية لصالح الضباط الإنجليز، وهم يحاولون تفتيت المقاتلين وتفريقهم إذ كانوا قد بدأوا يوجهون عقال القبائل ويوحون إليهم بتفريق صفوف المناضلين، من خلال قيام كل عاقل قبيلة بسحب مقاتلي قبيلته من بين صفوفنا، فضلاً عن نشر الخلافات بين القبائل وتأجيج القتال بينها، وأحياناً داخل القبيلة الواحدة، إلا أننا أدركنا هذه الخطة أيضاً وقمنا بسرعة بعمل مضاد لإفسادها، فجمعنا من داخل كل قبيلة المقاتلين الأقوياء والمجربين والأشخاص المؤثرين، وقمنا أيضاً بإصلاح ذات البين بين القبائل المقاتلة واستطعنا أن نقضي على ذلك الهشيم من النار التي كانت موجودة داخل المنطقة وقوبلت جهودنا ودعواتنا بالاستجابة وكان تصالح القبائل فيما بينها في المنطقة أول انتصار نحققه بعد انفجار الثورة وحققنا تماسكاً قوياً داخل صفوفنا.
بالنسبة للجيش البريطاني، فإنه اعتقد بأن استشهاد المناضل راجح لبوزة قد جعلنا نخمد، وأنهم قد قضوا على الثورة، ولذا لم يحاول الجيش القيام بحملة ثانية والتقدم على ردفان إلا في شهر 12/1963م، حيث تقدمت الحملة باتجاه نقيل الربوة، ووادي المصراح، وجبل البدوي، في آن واحد، إلا أننا تصدينا لهذه الحملة بمعركة حاسمة واستطعنا أن نهزم قوات الإنجليز في جبل البدوي وفي جبل الربوة، وفي هذه المعركة سقط المناضل قاسم صائل سلام، ثاني شهيد للثورة في جبل الربوة، واستشهد إلى جانبه المناضل مانع جابر، كما جرح حوالى سبعة مقاتلين آخرين.
بعد هذه المعركة الحاسمة بدأ يصلنا الدعم من قحطان الشعبي، وفيصل عبداللطيف الشعبي، والقادة الوطنيين الآخرين، إذ تسلمنا معونة محدودة في تلك المرحلة شملت بعض المعدات والذخائر، وشكلنا وفداً من بيننا اتجه من ردفان إلى إب لمقابلة قائد لواء إب الشهيد أحمد حسين الكبسي بهدف مطالبته بدعم الثورة في ردفان، واستطعنا فعلاً أن نشق الطريق رغم الجحافل التي حاولت اعتراضنا من الأمراء والسلاطين والعملاء الذين كانوا يزعمون بأنه من الممكن إخراج المستعمر من الوطن بالمفاوضات.

تعدد الجبهات.. والهدف واحد :
وعن كيفية تصعيد النضال المسلح وتوسيع جبهات القتال أوضح العقيد الغزالي في معرض سرده التاريخي تطور مراحل الكفاح ضد المستعمر فقال :
- فتحنا بعد ذلك جبهتين في ردفان، جبهة الضالع، وجبهة حالمين.. ثم فتحت جبهة الحبيلين، وجبهة يافع.. وكانت يافع جبهة خلفية لردفان، حيث أن جميع العائلات نزحت من معظم مناطق ردفان إلى يافع، ثم أنه وجدت في يافع القيادة الخلفية أيضاً لقيادة ردفان، بعد ذلك فتحت الجبهات في المنطقة الوسطى.. وهكذا ظلت تتسع دائرة القتال ضد المستعمر حتى فتحت جبهة العمل الفدائي داخل مدينة عدن، وبشكل منظم ومنسق بدقة عالية، وكان لجبهة عدن دور كبير في زعزعة القوات البريطانية، إذ كان الفدائيون ينفذون عملياتهم ويصيبون أهدافهم بدقة، وكانت العمليات الفدائية داخل عدن عمليات جبارة، فضلاً عن خوض مناضلي حرب التحرير في عدن معارك مباشرة وجهاً لوجه مع القوات البريطانية، مثل معركة الشيخ التي واجه فيها الفدائيون الدبابات والمصفحات الإنجليزية نهاراً وسط الشوارع بأسلحتهم الخفيفة، وسقط خلال هذه المعركة الشهيد عبود.
- الموقف من الكفاح المسلح

وبينما كان المقاتلون في ردفان يتصدون للحملات العسكرية البريطانية، وتعمل قيادة الجبهة القومية على تصعيد الكفاح المسلح وتوسيع مناطقه، أعلنت الأحزاب التي رفضت الكفاح المسلح عن موقفها في حملات إعلامية مسعورة، ومنها ما جاء في كتيب أصدره حزب الشعب الاشتراكي، بعنوان (هذا هو موقفنا) حدد فيه موقفه من الكفاح المسلح، ومما جاء فيه: (إن حزب الشعب الاشتراكي مع إيمانه الكبير بأن جلاء المستعمر من بلادنا واجب مقدس فهو لا يؤمن بسفك الدماء، حيث يمكن حقنها، وأنه يعتبر النضال المسلح وسيلة رئيسية للضغط على الاستعمار ومن أجل الوصول إلى حلول سياسية أفضل، وليس لإحراز انتصار عسكري حاسم على غرار انتصار دولة على دولة، في حرب من الحروب، وإن الحزب يرفض الوصول إلى المجد الحزبي الرخيص على حساب أرواح الأحرار من القبائل في ردفان والضالع ويافع ودثينة والحواشب، دون أن يقدم للقبائل وقطاعات الشعب الأخرى تخطيطاً لما يمكن تحقيقه، وبذلك فالحزب يرفض أن يرمي بالأرواح والممتلكات في حرب إقلاق لا حرب تحرير فاصلة وقبل أن يستفيد الشعب من طرف دولي يحقق للشعوب المضطهدة أمانيها في الحرية والتقدم) (15) ووصفت قيادة رابطة أبناء الجنوب الجبهة القومية بأنها عبارة عن تنظيم موجه من الخارج ويسيطر على قيادتها عصبة من المارقين على إطار الحركة الوطنية ومحترفي السياسة ولصوص المؤتمر العمالي.. كما عارض الكفاح المسلح الحزب الوطني الاتحادي وأعلنت قيادته موقفها الذي جاء فيه :
(نحن لا نؤمن بسفك الدماء، إذ أننا لا نؤمن بأنظمة الحكم العسكري الديكتاتوري، أو ذات الحزب الواحد، ولا نقبل لأي بلد أو هيئة أو منظمة التدخل في شئون بلدنا).

- التحضيرات البريطانية لمواجهة الثورة

أدرك البريطانيون أن نظام الثورة الجمهوري في الشمال يختلف اختلافاً كبيراً عن النظام الإمامي الذي تعايش مع سلطتهم في الجنوب، وأن الوضع الجديد يؤمن بقضية تحرير الجنوب بكل السبل المتاحة.. وعلى ضوء ذلك حددت بريطانيا سياستها لمجابهة الثورة في الشمال بهدف إسقاط النظام الجمهوري وإعادة النظام الملكي، ولتحقيق هذا الهدف جندت القوى الملكية المتواجدة في الجنوب والتي لجأت إليه.. وقد تناول ذلك الكاتب البريطاني إدجار أو بالانس في كتابه -اليمن الثورة والحرب- بالقول (فقد سمح البريطانيون لقوات الجيش الاتحادي، من خلال إمارة بيحان، أن تزود الملكيين بوسائل النقل والأسلحة والذخيرة والعتاد، وذلك لتعاطفهم معهم بغرض استخدامها في محور مأرب، وحين حاول الملكيون السيطرة على منطقة حريب، وتولى سلاح الجو الجمهوري صدهم، أرسلت القوات العسكرية البريطانية غاراتها من سلاحها الجوي، للقيام بهجوم مضاد على وجه السرعة) (23) وفي التاسع من نوفمبر 1962م أعلن الرئيس السلال رسمياً عن العدوان البريطاني على الجمهورية، وظلت جبهة حريب من الجبهات القتالية التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، ومنفذاً لتسريب العناصر الملكية والأسلحة إلى داخل الجمهورية.

ومن ثم ارتبطت استراتيجية الكفاح المسلح لتحرير جنوب اليمن، بقضيتين : الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري واعتبار أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع.. وفي ذات الوقت الولوج في عملية حرب تحرير شعبية لتحرير الجنوب.. وهو ما طرحه الرئيس جمال عبدالناصر على أعضاء الأمانة العامة لحركة القوميين العرب أثناء لقائهم به في القاهرة وطلبهم منه الوقوف إلى جانب الجبهة القومية، ودعمها، حيث قال الرئيس عبدالناصر (نحن أيضاً نريد أن نقاتل البريطانيين في الجنوب، لأنهم أتعبونا كثيراً بفتح المجال للملكيين بشن هجوم على الجمهورية العربية اليمنية تلو الهجوم من الجنوب) وعلى الفور أعطى تعليماته لصلاح نصر رئيس المخابرات العامة بدعم الجبهة القومية بكل الإمكانيات(24) وإلى جانب ذلك كانت رؤية القيادة المصرية بأهمية استقلال الجنوب، وإحلال سلطة وطنية تنهي القاعدة العسكرية البريطانية في عدن، كونها تشكل خطراً ملموساً على الأمن القومي العربي باعتبار أن باب المندب الواقع على مدخل البحر الأحمر، حيث قرب القاعدة العسكرية البريطانية في عدن، يشكل عمقاً استراتيجياً لأمن الثورة المصرية، فتحت القيادة المصرية مكتباً لها في تعز إلى جانب مكتب الجبهة القومية، تواجد فيه عدد من الضباط والخبراء في مجال التدريب والشئون العسكرية والمالية والتسليح، وتولت مصر تغطية صرفيات الجبهة والتنسيق مع قيادتها.
أيقن البريطانيون في البداية أن معارك (جبل ردفان) لن تعدو كونها انتفاضة قبلية سيكون مصيرها كغيرها من الانتفاضات التي نجحوا في قمعها في الماضي، أو أنها لا تعدو كونها حالة من التمرد الذي حدث في نوفمبر 1963م في منطقتي الحواشب والصبيحة، وقمع بعد أن سيرت القيادة البريطانية حملات عسكرية اشتركت في إحداها (50) دبابة ومصفحة.. وأوردت إذاعة صنعاء في 14 نوفمبر أن القوات الإنجليزية فتحت ست جبهات في ستة اتجاهات.. ونددت صنعاء بعملية القمع تلك.
لقد تجاهل البريطانيون عمق المتغيرات التي أحدثتها الثورة السبتمبرية على ساحة اليمن كلها، وأنها فتحت المجال واسعاً لعملية الترابط النضالي لقوى الثورة اليمنية بما يعنيه ذلك من تحول شمال اليمن إلى قاعدة إسناد لثورة 14 أكتوبر، بينما أدرك الثوارأن مهام حماية نظام الثورة والدفاع عنه من خلال امتداد الثورة باتجاه الجنوب لتحريره من الاحتلال الاستعماري البريطاني والعملاء الذين ارتبطوا به.
كان التقييم البريطاني أن أحداث (ردفان) لا تعدو كونهم جماعة من القبائل أعلنوا عصيانهم وانشقاقهم، وجاء ذلك التقييم في برقية رفعها القائد العام للقوات البريطانية إلى لندن جاء فيها :
(إن المندوب السامي منزعج بشأن تطور نشاط المنشقين "ويعني الثوار" في منطقة القطيبي -ردفان الواقعة شمال عدن، حيث تعرضت مؤخراً قوافلنا الحربية إلى الضرب عليها وهي في طريقها إلى الضالع وأيضاً قرية الثمير تعرضت للضرب عدة مرات. وهناك من الدلائل ما تكفي إلى ربط هذا النشاط باليمن- يعنون حكومة الجمهورية في الشمال)..
وأكد القائد البريطاني أنه من الضروري أن يقوم باستعراض القوة مبكراً، وأن حجم العملية تتلخص في حصوله على قاعدة في منطقة الثمير (ومن ثم القيام منها بدوريات شرقاً إلى ردفان، وستتم العملية بمساعدة السلاح الجوي، وسيستخدم فيها طائرات البحرية الملكية والسلاح الملكي البريطاني) ويضيف : (إن ما أردناه لمثل هذه المتاعب أن لا تنتشر إلى أجزاء أخرى من الاتحاد، وسيكون مثل هذه العملية السيطرة على خط مواصلاتنا إلى الضالع ومنع جماعات المنشقين من الدخول إلى المنطقة).
كان فهم القيادة البريطانية في عدن أن ما حدث في ردفان هو أن رجال قبائل القطيبي والحلاوي أعلنوا العصيان على الحكومة الاتحادية، ويقدر عددهم بـ (200) رجل، ويتفاوت العدد بين يوم وآخر، وأن هناك (1000) من رجال القبائل المسلحين في المنطقة لم ينخرطوا معهم بعد، ويتوقع أن أعداداً كبيرة منهم ستدعمهم، وأن أقل سلاح بحوزتهم هي بنادق وذخيرة، وكثير منهم يحملون البنادق الأوتوماتيكية، والقنابل، وأن عدد زعمائهم اثنا عشر فرداً من بينهم محمد غالب لبوزة (أخو الشهيد راجح لبوزة) وأنهم قسموا أنفسهم إلى قسمين: قسم يقوم بالهجوم على المراكز الحكومية، والآخر يتولى الهجوم على طريق عدن - الضالع - لإقلاق القوات العسكرية البريطانية والاتحادية، وأنهم يجدون الدعم من حكومة الجمهورية.
لم تكن البداية التي انطلقت في 14 أكتوبر مجرد تمرد قبلي أو أن جماعة من القبائل انشقت.. ويتضح ذلك من خلال تقارير المخابرات البريطانية في الفترة من 14 أكتوبر وحتى 27 ديسمبر 1963م والتي جاء فيها :
(رُصدت تحركات المنشقين واتصالاتهم والتي تقول أنهم نشطوا في الاتصالات بالقبائل لتجميد الثارات القبلية، وذلك كي يتاح لهم تحييد المقاتلين، وأن عدداً منهم يعودون إلى مناطقهم، فقد عاد منهم في 5 ديسمبر 1963م (90) فرداً وفي 6ديسمبر (40) فرداً وأن (110) أفراد وصلوا إلى قعطبة في طريقهم إلى منازلهم، وكان كل واحد منهم يحمل بندقيتين وكمية من الذخيرة. وفي 9 ديسمبر استلم أحد زعماء المنشقين (25) صندوقاً من الذخيرة ومجموعة مختلفة من القنابل.. وفي العاشر من ديسمبر نقل واحد من زعماء المنشقين عائلته إلى قعطبة، وحضر اجتماعاً مع آل قطيب الذين عادوا من اليمن، وفي نفس اليوم عاد (150) فرداً بحوزتهم مختلف الأسلحة وكل واحد منهم كان يحمل بندقيتين.. وفي 12ديسمبر 1963م يقول بلاغ المخابرات البريطانية أن بعض زعماء المنشقين يقومون بتوزيع الألغام لاستخدامها في طريق الضالع عدن، وفيما بين الساعة الثانية والثالثة صباحاً أطلق (50) شخصاً النار على مركز (الثمير) وتعرض بيت النائب ومساعد الضابط السياسي إلى إطلاق النار.. وفي 16 و 17 ديسمبر 1963م جرت محاولة تدمير مضخة النائب وتعرض إلى إطلاق النار عليه وعلى بيته.. وقد تبودلت النيران بين الجانبين.
تكرر إطلاق النار على مركز (الثمير) خلال يومي 17 و 18 ديسمبر 1963م.
وفي 18 ديسمبر أطلقت النيران على دورية لجيش الاتحاد النظامي من على بعد (250) ياردة وهي في طريقها للتحصين في منطقة (الثمير).
إن الجماعة التي كانت تقوم بإطلاق النار كل ليلة على (الثمير) قد عرفت هويتها الآن، وبأنها من العبدلي، المحلاوي، القطيبي.. وفي 20 ديسمبر أطلقت النار على (الثمير) الساعة (30/9).
وفي 22 ديسمبر أطلقت النيران على مركز (الثمير) من جبل طارق على بعد (900) ياردة.
وفي 24 ديسمبر وزع أحد زعماء المنشقين (500) قطعة من الذخيرة على قبائل ردفان ووعد بتقديم المزيد.
وتضيف التقارير، أن زعماء المنشقين، يرسلون الرسائل إلى قبائل يافع وردفان، يطلبون عقد صلح بين ردفان ويافع، على أساس أن تبقى طريق وادي تنيم مفتوحة، كما أن البعض من المنشقين ينقلون أسرهم تحسباً للمعارك، وأن الملازم أحمد الكبسي، قائد إب، يقدم(25) المساعدات للعائدين.
في تلك الأثناء كانت القيادة العسكرية البريطانية ترصد تحركات الثوار وتعد العدة للقضاء على بؤرتهم في ردفان، بينما كانت القيادة السياسية البريطانية هي الأخرى تعد الخطط لعقد مؤتمر دستوري في لندن يحضره عدد من الوزراء وكبار المسئولين بهدف التوصل إلى صيغة دستورية تجعل من عدن جزءاً من الاتحاد، يضمن بقاء القواعد العسكرية البريطانية، فيها ومنح الاتحاد استقلالاً شكلياً يؤدي إلى الاعتراف الدولي به، ولتصبح دولة الاتحاد عضواً في منظومة الكومنولث البريطاني، وبذلك تكون بريطانيا قد تمكنت من الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة، وخلفت كياناً يحول دون تحقيق وحدة اليمن في المستقبل.
وفي العاشر من ديسمبر 1963م، بينما كان المندوب السامي البريطاني على رأس وفد مكون من عدد من الحكام والوزراء وكبار المسئولين في طريقه إلى لندن لحضور المؤتمر المزمع عقده، وأثناء صعودهم على رحلة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار، دوّى انفجار قنبلة يدوية ألقيت عليهم من مبنى المطار، أدت إلى مقتل المستر جورج هندرسون المعتمد البريطاني، ونائب المندوب السامي البريطاني، وسيدة هندية، وأصيب (54) بجروح مختلفة.. وعلى إثر تلك الحادثة أجل المؤتمر، وأعلنت حالة الطوارئ، وتعرض العشرات من الوطنيين إلى الاعتقال كان من بينهم خليفة عبدالله حسن خليفة الذي وجهت إليه تهمة إلقاء القنبلة، واعتقل إلى جانبه محمد عبدالمجيد، وناصر القشبري، كما شملت الاعتقالات (105) أشخاص من بينهم (75) من قادة حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي وحزب البعث وحركة القوميين العرب والاتحاد الشعبي الديمقراطي(26). وطرد (280) شخصاً إلى الشمال.. وفي مارس 1964م قدم خليفة عبدالله حسن إلى المحاكمة، بعد أن تحول ناصر القشبري إلى شاهد عليه، لكنه اختفى بعد ذلك، ورغم حالة الطوارئ التي شملت اتحاد الجنوب، وإعلان الوزير الاتحادي الشريف حسين الهبيلي عن عزم حكومة الاتحاد على اتخاذ خطوات متشددة ضد كل من تسول له نفسه انتهاك حرمة القانون أو من يخالف إجراءات حالة الطوارئ سيعاقب بالسجن لمدة ثلاث سنوات أو دفع غرامة قدرها (ألفا شلن) إلا أن المنشورات لم تتوقف، تشيد بمفجر القنبلة وتصفه بالبطل الوطني، وتحث العمال على الاستمرار في نضالهم الطويل مع القوى الثورية.. كما وأن الاعتقالات لم تتوقف.
ورغم الإجراءات المشددة على أنباء القتال في ردفان إلا أن بعض الأنباء تسربت إلى الصحف، والتي نشرت أنباء أربع عمليات هجومية خاضها ثوار ردفان على حصن (الثمير) وفرق الجيش الاتحادي ما بين 15 إلى 20 ديسمبر 1963م، وعلى إثر تلك الأحداث صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار آخر برقم (1972) تناول الحالة السائدة في الجنوب بسبب حالة الطوارئ المفروضة والاعتقالات الواسعة بين قادة الحركة الوطنية والنقابيين والنفي المستمر لأعداد من المعارضة مما يشكل إنكاراً للحقوق السياسية ويعرض السلم والأمن في المنطقة للخطر، وحث القرار بريطانيا على الإفراج فوراً عن المعتقلين السياسيين وإنهاء جميع تدابير النفي المتخذة ضد سكان الإقليم.

وقائع الحملة البريطانية ضد ثوار ردفان :
من خلال ما ورد في التقارير البريطانية من معلومات حول ثوار ردفان، ورغم أنها غير مكتملة، إلا أنها قدمت صورة عن كيفية تجمع الثوار، واستعداداتهم لخوض المعارك ضد القوات البريطانية.. ومن المؤكد أن أبناء الجنوب الذين انضموا إلى الحرس الوطني وتلقوا التدريب والتسليح وشاركوا في معارك الدفاع عن الثورة في الشمال وسمحت لهم السلطات الجمهورية بالعودة إلى مناطقهم بكامل أسلحتهم.. قد شكلوا الفصائل الأولى للكفاح المسلح لتحرير جنوب اليمن، وهي مهام لا تقل أهمية عن معارك الدفاع عن الجمهورية بل أنها تعني امتداد الثورة لاستكمال تحرير الوطن اليمني، ووجد الثوار دعماً بأشكال مختلفة من قبل المسئولين عن المناطق المتاخمة للمناطق الجنوبية، أمثال الملازم أحمد الكبسي، قائد محافظة إب، ومحمد عبدالوهاب الشوذري، في البيضاء، وغيرهما.. والمعروف أن الجبهة القومية جعلت من منطقة (قعطبة) القريبة من الضالع مركز تجمع للثوار، ومرور إلى المناطق الجنوبية، بالإضافة إلى تسريب وخزن الأسلحة والمؤن والغذاء للثوار.. وبعد استشهاد المناضل لبوزة نشأ خلاف حول مسألة قيادة الانتفاضة المسلحة، عند ذاك عين المجلس التنفيذي للجبهة القومية من بين أعضائه الشيخ عبدالله المجعلي لقيادة جبهة ردفان، واعترفت قبائل ردفان بممثل الجبهة قائداً لها.
وفي البداية تولى كل من عبدالله المجعلي وناصر السقاف وعلي عنتر، مسئولية تموين الثوار من قعطبة، وكانت تعز منطقة تدريب.
في تلك الأثناء انكبت قيادة الجبهة القومية تنسق مع الأجهزة المصرية في تعز لتقديم كل ما يمكن أن يستجيب لدعم الكفاح المسلح باتجاه الجنوب، من أسلحة وكوادر لتدريب الثوار الذين توافدوا إلى تعز من كل المناطق، وبدأت بتدريب العناصر القيادية، وكانت معارك ردفان الأكثر اهتماماً وبداية المحك الحقيقي لمواجهة القوات العسكرية البريطانية.
بدأت عملية حشد القوات البريطانية، فور استلام القائد العام لقوات الشرق الأوسط لإذن من الحكومة البريطانية في لندن في 28 ديسمبر 1963م، لشن عمليات حربية كبيرة ضد الثوار في ردفان الواقعة على بعد (60) ميلاً إلى شمال عدن، وأوليت المهمة للعميد (لنيت) قائد جيش الاتحاد، والذي جهز الحملة الأولى وأطلق عليها عملية (نتكراكر) ومعناها (كسار جوز الهند) كتعبير عن مدى صلابة المقاومة، تجمع في (الثمير) قوة مكونة من الكتائب الثانية والثالثة والرابعة من جيش الاتحاد تساندها كتيبة المصفحات الاتحادية وبعض القوات البريطانية المكونة من دبابات (السنتريوم ومدفعية الهورس رويال ارتيلري) وفرقة للمهندسين الملكيين.
وبالنسبة للطائرات فقد خصصت للعملية طائرات (هنتر) للضرب الجوي وطائرات (شاكيلتون) لقذف القنابل (وبليفدر) للإمدادات الجوية.. هذا بالإضافة إلى توفير البحرية الملكية ست طائرات هيلوكبتر من طراز (ويسكس) من على ظهر حاملة الطائرات «سينتور».
وقد حدد يوم الرابع من يناير 1964م ليكون تاريخ بدء هذه الحملة العسكرية، وكانت خطتهم هي أن تنزل طائرات الهيلوكبتر كتيبة من الجنود فوق قمم الجبلين المشرفين على وادي (ربوة) وعلى الأرض العالية المشرفة على وادي (المصراح) وبعد تحقيق هذا الهدف العسكري تتقدم الكتيبة الثانية بمساندة الأسلحة الثقيلة في وادي (ربوة) حتى تتمكن من الاستيلاء على المرتفعات العالية المشرفة على وادي (تيم) وبعدها تتحرك هذه الكتيبة في اتجاه جنوب شرقي إلى أن تسيطر على جبال (البكري).
إلا أن الثوار كانوا على يقظة من الأمر، فبمجرد أن أنزلت طائرة الهيلوكبتر دفعة مكونة من (16) جندياً من جيش الاتحاد فوق نجد (الربوة) حتى انهال عليهم الثوار ضرباً بنيران بنادقهم.. وهكذا اضطرت القيادة البريطانية إلى أن تطلب من بقية الطائرات حاملات الجنود العودة حالاً إلى قواعدها. ثم أنها بعد فترة أمرت بالاستمرار في إنزال الجنود فوق قمم الجبال، إلا أنه بعد أن استكمل إنزال ثلاث فرق منهم سرعان ما وجد أولئك الجنود أنفسهم محاطين بالثوار فاضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم خلال النهار وهم يتقهقرون إلى الوراء حتى وصلوا إلى (الثمير) اليوم التالي، وذلك بعد أن قتل وجرح عدد كبير منهم، وهكذا لم تستطع القوات الاتحادية والبريطانية فتح الطريق الذي أغلقه الثوار إلا بعد مضي حوالي شهر، وكان ذلك في يوم 31 يناير 1964م، وذلك بعد أن حملت طائرات الهيلوكبتر مدفعاً من عيار 105مم إلى جبال (البكري) حيث استطاعوا السيطرة من هناك على وادي (دبسان)(27).
ولاستكمال الصورة حول أنباء الحملة الأولى نورد أهم الأنباء التي تسربت إلى الصحف، التي كانت تصدر في عدن، فقد تصَدّر صحيفة الأخبار(28) الصادرة يوم الأحد 5 يناير 1964م العنوان التالي :
حرب ردفان من جديد جيش الاتحاد ضد حشود آل (قطيب) جاء فيه : ما كانت العمليات العسكرية في ردفان تهدأ، وتستمر الحركة القائمة لتعبيد الطريق، حتى بدأت العمليات العسكرية من جديد من قبل جيش الجنوب العربي (1000) جندي تساندهم العربات المصفحة والطائرات، والغرض هو إخضاع القبائل الثائرة المتمردة كي تسلم بالولاء للسلطات.
وقالت إذاعة
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)