الدكتور علي مطهر العثربي -
إن الغرور الذي أظهره نفر من آل سعود يقود الى نهاية غير محسوبة النتائج، كما أن المفكرين الذين يتصفون بالموضوعية ويدركون الحسابات الدقيقة في المملكة لم يظهروا إما لأنهم منعوا بسبب طيش المغرورين وغيبوا تماماً إرضاءً لأصحاب فرد العضلات على اليمن وإشباع رغبة الشعور بالعظمة الزائفة الذين وجدت فيهم الولايات المتحدة الامريكية فرصتها لتمرير مشاريع التقسيم والتجزئة الذي لم تستطع تحقيقه في ظل حكم الكبار العقلاء من آل سعود، أو أنهم قد بذلوا جهداً غير مرئي فلم يجدوا استجابة عقلانية تحد من الطيش وتمنع التفريط في اليمن،

وفي هذه الحالة تسير المملكة نحو مآلات الزوال وهي سنة من سنن الكون التي تحدث عنها المفكر اليمني عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة والتي عرفت لدى المفكرين والباحثين في مجال العلوم السياسية بالحتمية الخلدونية التي قدمت تحليلاً جيوبوليتيكياً لأطوار نشوء الدول الذي يمكن تطبيقه على حالة المملكة العربية السعودية التي مرت بالاطوار الخلدونية الخمسة وفق نظرية العصبية التي قامت على ضوئها الدولة السعودية عبر مؤسسها الأول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
إن بلوغ المملكة الأطوار الخلدونية الخمسة ليس مجرد تخمين عبثي ناتج عن ردة فعل الباحث والمحلل السياسي ازاء ما تتعرض له بلاده من العدوان الفاضح الذي يقوده نفر من المفرطين في أمن المملكة، الذين يعيشون في وهم العظمة وقوة العضلات الكاذبة، ولأن تحليلي في هذا الجانب سيكون مجروحاً بسبب عدم القدرة على الحياد المطلوب الذي يعطي القدر الكافي من الاقناع العلمي، ليس لأن المحلل السياسي غير قادر على ذلك، ولكن أعيد وأكرر بأن الباحث لا يقبل بالحياد في موضوع يتعلق ببلاده التي تتعرض لتحالف أقل ما يوصف بالحقارة والدناءة التي لا مثيل لها في التاريخ، ومن أجل ذلك سأكتفي بتذكير الاشقاء في المملكة بأنهم يسيرون في الطور الأخير من حياة الدولة، لأن كافة الممارسات التي حدثت منذ نهاية العقد قبل الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم تسير في هذا الاتجاه، ومن ذلك وقوف الاشقاء ضد الوحدة اليمنية في تاريخ تحقيقها في 22 مايو 1990م ثم ما حدث منهم في حرب صيف 1994م وهي اعمال تضر مباشرة بالسياج الأمني للمملكة العربية العسودية لأن اليمن هو البوابة الجنوبية لأمن الخليج العربي، وها أنتم اليوم قد تحالفتم مع عشر من الدول لتدمير الكتلة البشرية لليمن التي تقلق القوى الصهيونية وقوى الاستكبار والاستعلاء العنصري الراغبة في فرض السيطرة المطلقة على مكونات الوطن العربي الكبير، ولم يكن هذا هو التفريط الوحيد في الخليج العربي وانما واحدة من سلسلة متواصلة في التفريط الماحق بأمنكم وجواركم.
إن تفريطكم في أمن الخليج قد بانت عورته عندما فرطتم في العراق القوي الأمين والصخرة الكبرى التي كانت تصد عنكم الاطماع الفارسية، ثم لم تستطيعوا أن تقدروا حساباتكم لحماية أمنكم ففرطتم في سوريا وفتحتم الطريق من كل الاتجاهات، وأعلموا أن القوى الصهيوأمريكية إنما تجركم الى مربع الخطر فلا يغرنكم فرد العضلات على بني دمكم ودينكم وأصلكم، لأن ما تقومون به خطر يهدد مستقبلكم ويجعلكم الفريسة التي يتمتع الوحش بإنهاء ما تبقى فيها من العظام.. وهنا نذكّر الاشقاء في الخليج العربي الحر أن القوى الاستعمارية قد اعطت الضوء الأخضر للعراق لاجتياح الكويت من أجل ايجاد مشروعية تدمير العراق وكنتم أول من ضحى بالعراق وفقدتم ركناً أميناً لحماية أمن الخليج، ولذلك ينبغي عليكم إنْ بقي لديكم عقل وضمير أن تدرسوا التاريخ وتقفوا عند عظاته وعبره لتدركوا أنكم مستهدفون بالدرجة الأولى وأن تفريطكم باليمن هو آخر ركن يحمي أمن الخليج العربي.. ولي هنا كيمني غيور وحريص على الأمن القومي العربي عامةً أن أذكركم أيها الاشقاء- إنْ بقي للاخوة لديكم مكان- بأن القوى الصهيوأمريكية لم تعترف بعروبة الخليج العربي، ولكم أيها الغافلون أن تقرأوا تصريحاتهم ووثائقهم الرسمية لتدركوا أن أمريكا تسمي الخليج العربي خليجاً فارسياً.. فأينكم ومالكم كيف تحكمون؟ قوى لا تعترف بشرعية وجودكم على الأرض وأنتم تنفذون ما تريده؟! قوى استعمارية تعتبر ايران شرطيها في منطقة الخليج وتدعم اطماعها في منطقة الخليج العربي بدليل احتلالها لجزر الامارات، وسكوت حلفائكم من القوى الصهيوأمريكية واصرارهم على أن الخليج العربي خليج فارسي «ايراني» وأنتم في غيّكم تعمهون وفي بذخكم تفجرون وتقتلون سندكم الأعظم عند المهمات القومية الكبرى وتتقربون الى القوى الصهيوأمريكية بدماء ابناء اليمن سندكم الأقوى.
إن المفكرين الاستراتيجيين في منطقة الخليج العربي الحر يدركون أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد لحرب عالمية ثالثة، ولا أدل على ذلك مما قاله وزير خارجية الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون الذي يعمل حالياً مستشاراً للأمن القومي الأمريكي، حيث أجرت صحيفة ديلي سكيب اليومية المحلية الأمريكية الصادرة في نيويورك مقابلة صحفية مع الجنرال هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي حالياً والوزير السابق، قال فيها إن ما يجري في منطقة الشرق الأوسط حالياً هو في طريق ما تعده الولايات المتحدة الأمريكية من التحضير لحرب عالمية ثالثة طرفاها روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وإن دول الاتحاد الأوروبي تدرك حتمية الحرب العالمية الثالثة ومن أجل ذلك سارعت الى انشاء اتحاد أوروبي قوي وصلب استعدادً لمواجهة هذه التحديات.. ويضيف جنرال الحرب الأمريكي: أن على الولايات المتحدة أن تنتصر في هذه الحرب والسبب أن كلاً من روسيا والصين يتمتعان بقدر كبير من الهيبة والمكانة العالمية وينبغي زوالها، وفي سبيل تنفيذ رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في زوال هيبة ومكانة روسيا والصين قال عجوز الاستراتيجية الأمريكية هنري كسينجر إن دوائر الادارة الأمريكية طلبت من عسكرييها احتلال سبع دول شرق أوسطية لاستغلال نفطها، لأن السيطرة على البترول هو الطريق للسيطرة على الحكومات، والسيطرة على الاقتصاد هو الطريق للسيطرة على الشعوب وهو ما تحقق حتى الآن، وأما ما يخص ايران فإن الخبير الامريكي يشير الى ضرورة كسب ايران لصف الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت في عهد شاه ايران أو أن أقل ما يمكن الوصول اليه معها هو تحييدها لأنها تعد عقبة في طريق تحقيق كامل أهداف أمريكا في حالة عدم ضمان ولائها لهم، وبناءً على ذلك فلا يمكن أن تخدعوا الشارع العربي بعدائكم لإيران من أجل تدمير اليمن وأهلها، لأن الدلائل تؤكد غير ذلك فإيران تحتل جزءاً كبيراً من سلطنة عمان بما في ذلك مضيق هرمز وتحتل جزر الامارات العربية المتحدة وتتحكم في الخليج العربي بموافقة أمريكية وأنتم لا تحركون ساكناً، وايران اليوم تسيطر على بوابة الأمن الخليجي الشرقية ولذلك فإن مسرحية عدائكم لإيران باتت مكشوفة وهزلية، وقد بات الشارع العربي اليوم على قدر من الوعي والادراك الكاملين بأنكم انما تنفذون اجندة عدوانية الهدف منها النيل من حرية وكرامة انسان اليمن الذي لا يمكن أن تتمكنوا منها، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
إن ما تفعلونه أيها الاشقاء في خليجنا العربي الحر هو أنكم تقرعون طبول الحرب العالمية الثالثة التي ستنال منكم أنتم وستكون نهاية وجود دولكم، لأنكم تقدمون خدمات بالغة الأهمية للقوى الصهيوأمريكية وهي التي ستنال من عبثكم وتقضي على وجودكم، أما قيادتكم لتحالف الشيطان ضد الكرامة اليمنية فإن الله تعالى لن يمكنكم من ذلك.. ونذكّركم بأن أهل اليمن أهل ايمان وحكمة وأولو بأس شديد وصبر عظيم يذيب الجبال الرواسي، فأنتم الخاسرون في البداية والنهاية، ففي البداية خاسرون لأنكم بعتم شرف التاريخ وتنازلتم عن عروبتكم بتخليكم عن الأرض العربية في عمان والامارات وفرطتم في سياجكم الأمني من كل الجهات وفتحتم ابواب جهنم على أنفسكم، وخاسرون أيضاً لأنكم بعتم الكرامة العربية فلم يعد لكم احترام لدى الشعوب العربية في كل ارجاء الوطن العربي، بل خسرتم احترام شعوبكم الخليجية وثقتها فيكم باتت معدومة.. وأما خسارتكم الكبرى في النهاية فهي زوال دولكم وخراب دياركم بأيديكم لا بأيدي غيركم،
إن الاصرار الفاجر على تدمير اليمن وأهلها جريمة لا يمكن أن ينساها اليمنيون والاحرار في الوطن العربي والعالم بمن فيهم اشقاؤنا في شعوب خليجنا العربي الحر، وستكون وصمة عار في جبين الانسانية، لأنها حرب فاجرة لا سبب لها سوى خدمة اعداء الانسانية وغرور الطائشين وفجور الخونة وتجار الحروب الذين تنازلوا عن الكرامة والانسانية وتخلوا عن المبادئ الدينية والوطنية وجعلوا المال معبودهم الذي قادهم الى الهاوية، ورغم كل ذلك الصلف والغرور إلاّ أننا مازلنا على أمل كبير في عقلائكم لتلافي ما يمكن تلافيه وتفويت الفرصة على اعداء الأمة والاتجاه صوب المشروع النهضوي العربي الكبير الذي يحمله اليمنيون، لأن الوصول الى انجازه هو الذي يزيل رواسب القهر ويدفع باتجاه التصالح والتسامح.. فهل سنرى منكم فعلاً ايجابياً يحفظ لكم كرامتكم أمام شعوبكم؟ نأمل ذلك وسنصبر من أجله وسيزداد اعتصامنا بحبل الله المتين من أجل تجاوز فجيعتنا في القيم العربية.. وسيظل هذا الأمل هو بوابة النصر المؤزر لليمن بإذن الله.